4-
مَجنونةٌ بهِ، هو كلُّ شَيءٍ في حياتها، حتى بعد أن تَخرج في الجامعةِ والتحقَ بوظيفة منذ ثمان سنوات، وكأنه لم يَزل ابن العام الواحد حين ماتَ والده منذ ثلاثين عامًا، تُرافقه في ذهابه وإيابه، تنتظره أمام محل عَملِه، تخرج معه حتى في لقاءاتِ أصدقائه، لا تنام إلا وهو في حِضنها.
أبت على نفسها إلا أن تهبها له، رفضت الزواج ممن تقدموا لها من أزواج أرامل أو مطلقين، واصلت الكفاح ليل نهار حتى جعلت منه هذا المهندس الناجح.
تَحرَّكت مَشاعره نحو إحدى زميلاته، حدَّثها في أمر زواجه منها، لم تَهتم، بَحَث عن غيرها فلم تُوافقه، فوَّضَها في أن تختارَ له فلم تكترث، أعادَ عليها الطَلَب، أمْهَلَتهُ من دون رَد، ألمَحَ إلى إحدى قريباتها، قالت إنها لا تُحبها، يَسألها لماذا ترفض، قالت: ماذا يَنقصك؟ حاولَ إفهامها، أغلقَتْ أذنيها ونَحَّت عَقلها.
لم يجد بُدًّا من المُواجهة، أُمَّاه قرَّرتُ الزواج ولا أجد مُبرِّرا لرفضِك، ولا أريد فِعل شيء إلا وأنتِ راضية، زَمْجرَتْ، كادت أن تفقد عَقلها، التزمَت الصَّمت، وأخذت تتحاشاه حتى لا يُحدِّثها.
عاد ليَطرح الأمر مَرات ومَرات، قالت: لن يَحدُث ما دُمتُ حَيَّة، لن تأخذكَ مِنِّى واحدة، يُطمئنها، تَصُمّ أذانها.
يَنصحهُ أحدهم بأن يُفاجئها، لن يُجدي معها إلاَّ سياسة الأمر الواقع، أُمَّاه خَطَبتُ زميلتي ولَسَوفَ تُعجبك، تُغادره قبل أن يُكمل، تُغلق عليها حُجرتها وتُقاطعه عدة أيام.
حاول مِرارًا أن يَسترضيها، فلم تُعطهِ الفرصة، طمأنهُ أحدهم إلى أنها الغَيرة المُفرطةُ عليه وسوف تتأقلم مع الوضع الجديد رُويدًا رُويدًا.
يبدأ الشاب في تَجهيز شَقَّته، يُبلغها لعلَّها تَرجع، تتَّسع عيناها إلى حَدِّ الجُحُوظ، تَقومُ من أمامهِ إلى غُرفتها، تَسيرُ وكأنها مُتخشِّبة، خَاف من نَظراتها، أوَى إلى حُجرته يدعو ربه أن يَهدي حالها.
جَنَّ الليلُ- في تلكَ الليلة - جُنونه، تَزَيَّنت، ارتدت ملابسَ فاضحة، اقتحمَت عليه حُجرته، فاجَأته: سأُعطيكَ ما تَبحث عنهُ، خذهُ الآن فورًا، سأمنحكَ إياه كل ليلة، بل كلما تريد.
لم يُصدِّق الابنُ عيناهُ، يُكذبُ سَمْعِه، ينهض من سَريره مذعورًا، تتسع عيناه، يُحدثُ نفسه: يا إلهي، إنها لوثة عقلية، يُحاول تهدئتها، تحتضنه، تنهالُ عليه تقبيلًا، يدفَعها، تَقترب، يَتملَّص منها، تُحكِم عليه قبضتها، تُوالى ما تَفعَل، تَستمر، تَنهار مُقاومته، يَضعف، يُصير هو وهي كزوجين.
شَهران، ثلاثة، يُعود إلى رُشده، يَشعر بندم فادح، يكرَه نفسه، يَرفض العلاقة، تُصمِّم، يَمتنع، تُصِرّْ، قال: لن أعودَ ولو كان الجزاء قَتلِي، سأتزوج.
تتركه، تقف مُتصلِّبة، تَسيرُ ببطء إلى غرفتها، تجلس على حافَّة السَّرير بمَلابسها الداخلية، ينبلج الصباح، تتوجَّه إلى حَظيرة الماشية، تفتح علبة سُمّ آفات القطن "لانيت" تأخذ منها مِلعقة، تضع الملعقة في كوب اللبن، تُعِدّ له الإفطار كالمعتاد، تُقدِّم له اللبن، يُنقل إلى المُستشفى، تَصعد الروح إلى بارئها، يُقبَض عليها، تعترف، تحال إلى المحاكمة، يسألها القاضي:
- لماذا؟!
- تقول:
- حتى لا يَناله أحد!!
مَجنونةٌ بهِ، هو كلُّ شَيءٍ في حياتها، حتى بعد أن تَخرج في الجامعةِ والتحقَ بوظيفة منذ ثمان سنوات، وكأنه لم يَزل ابن العام الواحد حين ماتَ والده منذ ثلاثين عامًا، تُرافقه في ذهابه وإيابه، تنتظره أمام محل عَملِه، تخرج معه حتى في لقاءاتِ أصدقائه، لا تنام إلا وهو في حِضنها.
أبت على نفسها إلا أن تهبها له، رفضت الزواج ممن تقدموا لها من أزواج أرامل أو مطلقين، واصلت الكفاح ليل نهار حتى جعلت منه هذا المهندس الناجح.
تَحرَّكت مَشاعره نحو إحدى زميلاته، حدَّثها في أمر زواجه منها، لم تَهتم، بَحَث عن غيرها فلم تُوافقه، فوَّضَها في أن تختارَ له فلم تكترث، أعادَ عليها الطَلَب، أمْهَلَتهُ من دون رَد، ألمَحَ إلى إحدى قريباتها، قالت إنها لا تُحبها، يَسألها لماذا ترفض، قالت: ماذا يَنقصك؟ حاولَ إفهامها، أغلقَتْ أذنيها ونَحَّت عَقلها.
لم يجد بُدًّا من المُواجهة، أُمَّاه قرَّرتُ الزواج ولا أجد مُبرِّرا لرفضِك، ولا أريد فِعل شيء إلا وأنتِ راضية، زَمْجرَتْ، كادت أن تفقد عَقلها، التزمَت الصَّمت، وأخذت تتحاشاه حتى لا يُحدِّثها.
عاد ليَطرح الأمر مَرات ومَرات، قالت: لن يَحدُث ما دُمتُ حَيَّة، لن تأخذكَ مِنِّى واحدة، يُطمئنها، تَصُمّ أذانها.
يَنصحهُ أحدهم بأن يُفاجئها، لن يُجدي معها إلاَّ سياسة الأمر الواقع، أُمَّاه خَطَبتُ زميلتي ولَسَوفَ تُعجبك، تُغادره قبل أن يُكمل، تُغلق عليها حُجرتها وتُقاطعه عدة أيام.
حاول مِرارًا أن يَسترضيها، فلم تُعطهِ الفرصة، طمأنهُ أحدهم إلى أنها الغَيرة المُفرطةُ عليه وسوف تتأقلم مع الوضع الجديد رُويدًا رُويدًا.
يبدأ الشاب في تَجهيز شَقَّته، يُبلغها لعلَّها تَرجع، تتَّسع عيناها إلى حَدِّ الجُحُوظ، تَقومُ من أمامهِ إلى غُرفتها، تَسيرُ وكأنها مُتخشِّبة، خَاف من نَظراتها، أوَى إلى حُجرته يدعو ربه أن يَهدي حالها.
جَنَّ الليلُ- في تلكَ الليلة - جُنونه، تَزَيَّنت، ارتدت ملابسَ فاضحة، اقتحمَت عليه حُجرته، فاجَأته: سأُعطيكَ ما تَبحث عنهُ، خذهُ الآن فورًا، سأمنحكَ إياه كل ليلة، بل كلما تريد.
لم يُصدِّق الابنُ عيناهُ، يُكذبُ سَمْعِه، ينهض من سَريره مذعورًا، تتسع عيناه، يُحدثُ نفسه: يا إلهي، إنها لوثة عقلية، يُحاول تهدئتها، تحتضنه، تنهالُ عليه تقبيلًا، يدفَعها، تَقترب، يَتملَّص منها، تُحكِم عليه قبضتها، تُوالى ما تَفعَل، تَستمر، تَنهار مُقاومته، يَضعف، يُصير هو وهي كزوجين.
شَهران، ثلاثة، يُعود إلى رُشده، يَشعر بندم فادح، يكرَه نفسه، يَرفض العلاقة، تُصمِّم، يَمتنع، تُصِرّْ، قال: لن أعودَ ولو كان الجزاء قَتلِي، سأتزوج.
تتركه، تقف مُتصلِّبة، تَسيرُ ببطء إلى غرفتها، تجلس على حافَّة السَّرير بمَلابسها الداخلية، ينبلج الصباح، تتوجَّه إلى حَظيرة الماشية، تفتح علبة سُمّ آفات القطن "لانيت" تأخذ منها مِلعقة، تضع الملعقة في كوب اللبن، تُعِدّ له الإفطار كالمعتاد، تُقدِّم له اللبن، يُنقل إلى المُستشفى، تَصعد الروح إلى بارئها، يُقبَض عليها، تعترف، تحال إلى المحاكمة، يسألها القاضي:
- لماذا؟!
- تقول:
- حتى لا يَناله أحد!!