يصاب كثيرون بخيبة أمل من أشخاص قريبين منهم قدموا لهم في نظرهم الكثير من المساعدة، ووقفوا بجانبهم في أيام شدتهم، وقد كان من المفترض أن يردّوا الجميل لأصحابه وقت حاجتهم، لكن قضت العادة أنهم يقابلون الإحسان بالإساءة، وصدق الأفعال بتجاهلها، والنبل في التعامل باللؤم فيها، والمروءة في الصداقة بالوضاعة، وقد يصل الأمر إلى حدّ العداء والخصومة، هذه الشكوى المتكررة ليست من شخص واحد، بل نراها في الحياة كثيراً، ونطالعها على صفحات التواصل الحديثة بصفة دورية، وهذا السلوك المشين يسبب لكثيرين حالة نفسية خطيرة، وقد يصل الأمر إلى إصدار أحكام عامة عن الأصدقاء، والتباكي على اضمحلال واقع الصداقة، وندرة وجود الصديق في الحياة العامة، وللخروج من مثل هذه الأزمات ينبغي للشخص أن يميز بين الأمور المتداخلة، ويتعرف على حقائقها، وقبل التمييز لا بد أن يكون سقف تطلعاته وسطاً، فلا يميل في تصرفاته إلى الجفاء التام، ولا يجنح إلى الحب الكامل دائماً، بل يعيش وسطاً بينهما، وبهذه الوسطية سيدرك كثيراً من الحقائق التي ربما تكون غائبة عنه، ولا يسعنا في علاقاتنا مع الآخرين -خاصة بعد تغلل الماديات في المعاملات اليومية- إلّا أن نتوقع في صداقتنا تطلعات عادية بل شبه عادية، فكلما كانت تطلعاتنا كثيرة ومتمركزة حول أشخاص معدودين كان الإحباط أكثر مرارة حين وقوع ما لا يهواه الشخص، أو ما تمليه الصداقة من واجبات، ومما ينبغي استقراره في نفسك أنّ صديقك مهما كان قريباً منك، أو كانت صداقتك به متينة هو ليس كالمرآة لك، يتعامل معك كما يجب أن يكون الصديق؛ لأن المرء في الغالب يتعامل مع الآخرين وفق ثقافته وشخصيته، لا وفق ثقافتهم وشخصياتهم، وللصحة النفسية السوية لك يجب أن توطن نفسك على أنّه لا يوجد شخص لن تجر معرفتك به خيبة أمل لحظة ما، فإذا عرفت ذلك ووقع ما لا تحبه منه لم يكن الأمر عليك طارئاً؛ فأنت قد مهدت لنفسك حدوثه، فتستطيع أن تتعايش مع الأحداث كلها بهذه النفسية التي اخترتها، وينبغي هنا أن نؤكد على حقيقة أخرى ثابتة بحكم التجربة، وهي أنّ حياة العمل المتواصلة مع زملائك في الوظائف المختلفة هي أدعى للملل والسآمة، وهي بطبيعة الحال تحتوي على ما ينغص حياتك، لأنّ اللقاء اليوميّ مع أناسٍ مما يثقل على نفس الجميع خصوصاً إذا لم يكن بينك وبينهم دائرة مشتركة في الاهتمامات، وغالباً ما يكون المزاج العام أسرع إلى الغضب، وتكون النفس أشد ميلًا إلى سوء الظن بالآخرين، ورصد وترقب الأخطاء من أيّ أحد، فكان من الحكمة في مثل هذه الاجتماعات التقليل من الانخراط الكثير في الأحاديث الجانبية، أو الدخول في صداقات متينة مع زملاء عملك، وللنبيه أن يفرق بين الزميل والصديق، فالزميل يجب أن تكون ساعاته معك محدودة، وكلامك معه في حدود القاعدة المشتركة في العمل لا أكثر؛ لأنّ الدخول في الصداقة بمعناها الواسع سيكلف الشخص أشياء كثيرة، فحقوق الصحبة كبيرة ومتعددة، والعاقل مَن يقلل قدر إمكانه من أصحابه؛ إذ العمر لا يتسع للقيام بواجب الصحبة، أو لمزيد من الأشخاص المتعبِين في تعاملهم، لكن لما غابت تلك المعاني ضاعت الحقائق.
د. علي زين العابدين الحسيني - كاتب ازهري
د. علي زين العابدين الحسيني - كاتب ازهري
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com