د. علي زين العابدين الحسيني

لستُ أدري هل كنّا سنصل إلى ذروة الإبداع الثقافي لو لم يتح لكثير من أعلام الأدب والثقافة في حياتنا المعاصرة نشر تراثهم؛ كالوحيين، والنظرات، والعبقريات، والقطوف، والحصاد، والفيض، والنهضة! إنّ حياتنا حافلةٌ بأعلام وأصحاب أقلام على اختلاف مشاربهم، ولا تزال الناشئة مقبلين على أدبهم قراءة ودراسة...
ظهرت جريدة "الديوان الجديد" بعد غياب مجلات عريقة من سماء الأدب، فملأت فراغاً، وسدت حاجة كثير من المتطلعين إلى الثقافة القويمة لا المعرفة الخفيفة، صرنا ننتظر صدور "الديوان الجديد" مع أول كل شهر بفارغ الصبر، تلك الحالة النفسية التي أنا عليها قبل بداية كل شهر تذكرني بما أخبرني به أستاذي الراوية...
لستُ أدري وأنا في صغري كم كنتُ أشتاق إلى كلّ قديم، ما الذي جعلني أرتد إلى زمن غير زمني، وعادات غير عادات بني جيلي، وإلى كتّاب غير أبناء عصري؟ أهو حدس لاشعوري بأنّ هذا النوع من الكتابة يتناقض مع ميل كثيرين إلى الهروب من الجدية أم انعطاف منهجي طبيعي في الحصول على مادة غنية بكثير من المفردات...
في بداية طفولتي كنت قرير النفس بأعمال الحقول، أنتقل بينها في فسحة من العيش وسرور للنفس، ولا يذهب هذا السرور إلا ما كان من سفري إلى القاهرة بين حين لآخر لزيارة أقارب والدتي، لقد قضيت موهناً من عمري أقيم فيها على فترات متقطعة، وأعظم ما فيها تلك الأحياء القديمة المرتبطة بالتاريخ الحضاريّ والثقافيّ،...
في الحقيقة، أنَّنِي كتبتُ عن فنّ التَّراجمِ عند د. عليّ الحُسينيّ مُحبًّا مبهورًا مختارًا؛ فالعصرُ الذي وَسْمُهُ فنُّ كتابةِ الذَّاتِ، وتغْشاهُ مخازي الجُحودِ والنُّكرانِ والتّناسي للمُصلحينَ، يصِيرُ ردُّ الجميلُ تبرًا مسبوكًا في كومةٍ من القشِّ، وأندرَ من الكِبريتِ الأحمرِ...! هذا مع أنّ...
امتدّ عمر أستاذنا الأكبر محمد رجب البيومي فأدرك الأساتذة الكبار المشهورين والمغمورين، وحفظ عنهم مواقف كثيرة، وروى عنهم روايات نادرة، وهو رجل -كما عرفته- نادر الوجود يمتلك ذاكرة قوية تسعفه بما يحتاجه وقت الكتابة أو الاستشهاد، ويعي تاريخ الأمة العربية وأدبها في صدره يقصه كأنه بين عينيه، ويتفوق على...
إننا قوم لم نتعود أن نحتفي بعظمائنا! أبعث ذكرى أستاذي محمد رجب البيومي قبل موعدها بأيام قليلة، وأدعو تلامذته وعارفي فضله إلى تمجيد مئويته وتخليدها، والكشف عما في آثاره المتعددة من جواهر دفينة! فيا طلابه وصحبه الأكرمين الذين أحبكم وأهدى إليكم ما خطت يراعته مَن أولى منكم بالاحتفاء بمئويته وإثارة...
ما رأيت الـنسّابين مـجمعين على فضل وتعظيم وإجـلال أحدٍ كهذا الرجل! هذا رجلٌ وارث علم السادة الأشراف، وخلاصةٌ نقية لثقافة المؤرخين، وقطبٌ من أقطاب علم الأنساب المعاصرين، وأصدق الأمثلة للبحاثة الجاد، فيه نبوغ النشأة، وقدرة المحققين، وقوة الاطلاع، ودقة الوصف، وأصالة التفكير، وتنوع المعارف، ونظرة...
القارئُ لأستاذنا محمَّد رجب البيومي يُدرك أنَّه تكلَّم عن حياته الوجدانية بتفصيلٍ أكثر من الأُدباء المحافظين غيره، فكتاباته تكشف لنا أنَّه رجل مسجور العاطفة، رقيق الطَّبع، صادق المشاعر، وهذا جانب خفيّ يكاد لا يُعرف عنه في الأوساط الثَّقافية، ربما أظهر بعضه في قصائده عن زوجته المصونة، وقصة حبه في...
إن القارئ لآثار أستاذنا محمد رجب البيومي سيدرك أنّه تكلم عن حياته الوجدانية بشيء من التفصيل إذا ما قورن بغيره من الأدباء المحافظين، فتكشف كتاباته لنا عن مشاعر مرهفة وملكات جمالية قادرة تؤكد ما يختزنه هذا الأديب من أحاسيس، وما يتمتع به من صدق في العاطفة، وسمو في الحس، ووضوح في الرؤية. هو رجل...
يصاب كثيرون بخيبة أمل من أشخاص قريبين منهم قدموا لهم في نظرهم الكثير من المساعدة، ووقفوا بجانبهم في أيام شدتهم، وقد كان من المفترض أن يردّوا الجميل لأصحابه وقت حاجتهم، لكن قضت العادة أنهم يقابلون الإحسان بالإساءة، وصدق الأفعال بتجاهلها، والنبل في التعامل باللؤم فيها، والمروءة في الصداقة...
حان الوقت الذي يجب أن يكون اسم "محمد رجب البيومي" متداولًا على ألسنة الأدباء! ولنا أملٌ بعد سلسلة هذه المقالات برعاية جريدة "الديوان الجديد" لرائدها الأستاذ الطلعة عمرو الزيات أن يعرف الشباب المتطلع إلى الأدب قيمة البيوميّ الحقيقية، فهو مضرب المثل في أكثر من اتجاه بلغته الرائعة التي تجذب القارئ...
في الأول من شهر أكتوبر سنة 1923م ولد أستاذنا الأكبر محمد رجب البيومي الذي قيض له أن يكون نابغاً متعدد المواهب في كثيرٍ من المجالات، وأن يكون على رأس مدرسة تاريخية أدبية تهتم بكتابة تراجم الأعلام ورواد النهضة الحديثة، ولقد حمل الرجل -بصدق ودون مجاملة- لواء العربية بفنونها والتاريخ بأحداثه...
هو شاعرٌ في حياته، وطبعه، ومُثُله، ونظراته، ومشاعره، وجلسته، وأخلاقه، ومعاملاته، ورحلاته، وأسلوب تفكيره، وطريقة تدريسه، يطربك شعره، ويعجبك نثره، عاطفته مؤثرة، وأحاسيسه متدفقة، وروحه منطلقة، والشعر شيء يجري في دم محمد عبد الرحيم بدر الدين، فأفكاره وأقواله ورؤاه وأحلامه وتخيلاته وصوره وأفراحه...
إنّ عظماء العلماء هم الأمثلة الحية لمعاني الحضارة والإنسانية، تلك المعاني التي يتقاسمها العلماء تقاسماً متفاوتاً، لكننا نرى كلّ معاني الصلاح والإجلال والإكبار والأخلاق السامية معظمة ومكبرة ومجسمة في عظماء العلماء؛ كالإمام النووي. وإنّ البصير الموفق يبصر بعينه ويشعر بقلبه كل معاني العظمة في...

هذا الملف

نصوص
53
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى