د. علي زين العابدين الحسيني

أنا وهو إنسانٌ أضاع عمره في بحر الصمت، فلا يجاوز كلامه لسانه؛ فإن أظهره ندم، وإن أخفاه تعب وتألم. فهل هناك وجع أكثر من وجعه؟! فتشت عن الراحة والأمن النفسي فلم أجدهما إلا في لزوم أمرين: الصمت والعزلة، ومن لم يكن الصمت وطنه .. كانت الحسرة سبيله. "الصمت" هذه هي الكلمة التي لا يقابلها في حياتك إلا...
في حياته ثلاثة جوانب عظيمة لا يمكن التغافل عنها هي: حياته العلمية بدار العلوم، واتصاله بمدرسة العقاد وتلميذه أبي همام عبد اللطيف عبد الحليم، وعمله الصحفي، فإذا أدركنا هذا الثالوث في حياته استطعنا أن نعرف ملامح شخصيته، وسرّ اللمسات الرائعة في كتاباته. لم تتح لي فرصة الالتقاء بالأستاذ...
هم يعرفونه وإن لم يلتقوا به، عرفوه مما قرأوا له، فأحاديثه في كتبه لذة من غير تعنت، وأسلوب من غير تكلف، وإدراك من غير تحديد! لقد حدثتني نفسي حين دخلت علينا السنة الميلادية الجديدة أن أخص أستاذنا الأكبر "محمد رجب البيومي" بمقال شهريّ أتحدث فيه عن بعض مظاهر العظمة والإجلال في شخصيته ومنجزه العلمي...
أسجل في هذه الخطرات بعض ما مرّ بنفسي من إمعانٍ في بعض الأحداث، وأخضع في ذلك إلى ما يوحيه الخاطر عبر الأيام مِن غير حرصٍ على ما يحرص عليه الواصفون، أو عنايةٍ بما هو معروفٌ عند المؤرخين، فما يسجله القلم هنا هو ضربٌ من التصوير لبعض خطرات النفس حينما تحاول تذكر ما كان، وتسمو بها إلى عالمٍ آخر من...
ابتسم لي ابتسامةً رقيقةً مُـعبِّرةً وهو على سرير المرض في المستشفى موصولاً بالأجهزة، وسُـرَّ حين عرف أنني من بلد شيخه الذي تعلَّم عليه الفقه الشافعي، وجدت بيني وبينه مَشابه في أسلوب الحياة؛ فكلانا اشتغل بمهنة الفلاحة ردحًا من الزمان، ولعلَّ هذه المشابه هي التي جذبتني إليه حين رأيته على تلك...
كانت الكتب فيما مضى متوفرة بكثرة على الأرصفة في مختلف المجالات، وحياة العلم في الجامعات والمجالس الخاصة على طول السنة ممتدة، وفي الآباء حرصٌ على تزويد أولادهم بشتى المعارف، لا رغبة في تحصيل شهادة، بل من أجل العلم نفسه؛ إذ كانوا يدركون قيمة العلم والعلماء، وبيوتُ الأساتذة والعلماء آنذاك زاخرةٌ...
لستُ أدري هل كنّا سنصل إلى ذروة الإبداع الثقافي لو لم يتح لكثير من أعلام الأدب والثقافة في حياتنا المعاصرة نشر تراثهم؛ كالوحيين، والنظرات، والعبقريات، والقطوف، والحصاد، والفيض، والنهضة! إنّ حياتنا حافلةٌ بأعلام وأصحاب أقلام على اختلاف مشاربهم، ولا تزال الناشئة مقبلين على أدبهم قراءة ودراسة...
لا ريب أنّ الاصطدام بأحداثٍ غريبةٍ كالاصطدام بكلماتٍ جديدة أو غامضة، فعندما يصطدم أحدنا بكلمةٍ لا يعرف معناها فإنّه سرعان ما يذهب إلى أقرب معجم للبحث عنها، ولا يكون هذا لأيّ شخصٍ، بل للمتشوق إلى معرفة كلّ ما هو جديد، وهكذا تمرّ علينا أحداثٌ يوميةٌ تستوجب النظر والتأمل دون محاولة منّا لتفسيرها،...
اِرتبطَ بتاريخ الأندلس وحضارتها اسمان في العصر الحديث، بحيث إذا أطلقت الأندلس انصرف الذهن إليهما، واسمهما العِلْميّان وخدمتهما لتاريخ الأندلس يمثلان حقبة من حقب التجديد التاريخي، ويغنيان عن كلّ الألقاب؛ لأننا مهما اجتهدنا في كتابةِ ألقابٍ علميةٍ تليق بهما فستظلّ غير كافية بالنسبة للجهود الحافلةِ...
لا أندرَ أن أعلل شدة إعجابي بالأستاذ الكبير أحمد حسن الزيات ومدرسته الأدبية، هذا الإعجاب الذي جعلني أكرر النظر في كلّ مقالاته، وأهتم غاية الاهتمام برسالته الزياتية ورواد مدرسته، وقد وجّه اللوم إليّ مراراً بسبب انشغالي المتكرر بهذه الحقبة الزمنية الفريدة وأربابها، وتأويل ذلك أنّ هذا التعلق قد سرى...
يعدّ أحمد الزيات أحد الكُتّاب الأربعة الذين يَنصح بقراءة آثارهم أستاذنا الكبير وديع فلسطين، فهو من القلائل الذين يكتبون مقالاتهم عن علمٍ، ويفهمون اللغة عن ممارسةٍ، ويعالجون أمراض المجتمع عن وعي، وبموته فقدت الأسرة الأدبية رجلاً قلّ نظيره في كتاباته وأسلوبه، ولم يخلفه أحدٌ في قوة بذله الأدبيّ، هو...
لا ينقضي عجبي مِن صاحب الطموح، فهو يريد أن يصل لأهدافه في وقت قصير؛ ظناً منه أنّ وصوله للتميز هو آخر مراحل حياته التي سيسعد بعدها، فلا يشقى أبداً، لكن يغيب عليه أنّ أغلب النجاحات يصل إليها الشخص بعد قدرٍ كبيرٍ من الجهد، وبالتالي لا يصل إلّا منهكاً متعباً من طُول الطريق ومواصلة السير، فلا يشعر...
ها أنا قد هجرت الإقبال على قراءة النصوص الأدبية قديمها وحديثها، ويممت شطر المنتديات الثقافية؛ لأكون معارف تكون لسان حالي ومقالي. في بداية الأمر كنت أذهب بنفسي، فما من ندوة تقام إلا أسعى إليها، تطور الأمر بعد شهور فأصبحت تتوالى عليّ الدعوات. لا أخفيك أني كنت أجلس مع المستمعين، كانت نفسي تروق أن...
لا أظن شيئاً مهملًا في السنين المتأخرة إهمال حركة التراجم وكتابة التواريخ، فبينما تغدق دور النشر على نشر الكتب الكثيرة، وبينما يحرص كثيرون على تزويد الحركة العلمية بالجديد من الأفكار والرؤى المعرفية، إذا بها تضن على حركة التأليف الحديثة بفن التراجم، وكتابة التاريخ، والالتفات للعظماء في شتى...
في مثل هذا اليوم وضعتني الدهشة بين أيدي هذه الحياة المملوءة بالنزاع والصراخ، ها قد سرتُ صباحاً مع الكتاب، ولا أدري كم مرة سار معي، لكنني لم أدرك بعدُ أسرار هذا الكتاب المملوء بالمعرفة، ولا عرفتُ خفايا الثقافة. في صباح هذا اليوم تغلبتْ فيه تخيلاتي على عاقلتي فمررتُ بأطراف الطريق، ووقفتُ أمام زرع...

هذا الملف

نصوص
53
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى