د. علي زين العابدين الحسيني - صدى الصمت.. "نص نثري"

أنا وهو إنسانٌ أضاع عمره في بحر الصمت، فلا يجاوز كلامه لسانه؛ فإن أظهره ندم، وإن أخفاه تعب وتألم. فهل هناك وجع أكثر من وجعه؟!
فتشت عن الراحة والأمن النفسي فلم أجدهما إلا في لزوم أمرين: الصمت والعزلة، ومن لم يكن الصمت وطنه .. كانت الحسرة سبيله.
"الصمت" هذه هي الكلمة التي لا يقابلها في حياتك إلا كلمة "السكينة".
روح الحياة في طمأنينتها، وروح الطمأنينة في سعادتها، وروح السعادة في صمتها.
كُتب الصمتُ عليكم لعلكم تنجون.
وتحين ساعات علينا لا يفهم فيها شيء، هي ساعات اللاشيء، هنا صمتٌ، وهناك صمتٌ، وهنالك الصمت أيضًا.
لقد علمتُ أنّ الصمت نعمةٌ كبري وقت الشدائد وأيام المصائب، ولا يستطيعه إلّا الأقوياء.
إنّ وجع القلب وألمه وأنتَ في فضاء الصمت خير لك مِن إظهاره وأنتَ في نفق انتظار الشفقة ممن لا شفقة في قلبه.
إنّه ليوشك أن يأتي عليكم زمان لا يجد فيه أحدكم ما يشفي عليله ويروي غليله إلّا الصمت. حقاً، إنّه يمنحنا فرصة استخراج ما في عقول الآخرين دون عناء.
ليس يخيب الإنسان إلا خيبة الثرثرة! ولا يقتل نفسه من صمتٍ بل من كلام!
أنا من أناسٍ يفضلون الحياة الهادئة، يجلسون في الزوايا البعيدة، يبتعدون عن المظاهر الصاخبة، يطيلون الصمت، يستمتعون بقراءة الأفكار، يطيلون النظر في الطبيعة، يحرصون على تدوين خواطرهم، وبإمكان أيّ شخص الانضمام إلى هؤلاء الهادئين الحالمين بحياة خاصة جميلة.
تتملكني رغبة جامحة في عزلة فكرية، فالإنجاز هو ما ينشأ في الشخص بسبب الصمت.
في أوقات الصمت تحيا العقول، فالفكرة تحمل الفكرة، والخاطر يتبع الخاطر، والمعنى يفسر المعنى.
في أنفسهم الحسد، وفي عقولهم الحقد، وفي خيالهم الانتقام، وفي أيديهم المكر، وفي كلامهم التَّجني، وفي أفعالهم الغموض.
وتحسب أنّ لهم قلوباً، ويخيّل إليك أحياناً أنّهم مرضى.
ستأتي اللحظة التي يرى فيها سيء الخلق بعينيه أنّ كلّ أعماله في خيبة، وسيلحق بها كالمنهزم.
ألا يخجلون؟
ويحكِ أيتها الأفعال الدنيئة! لقد كافحتُ الأخلاق السيئة بهذا السكوت!
إنّها لعزمةٌ مني أن أعيش عزيزاً.
حافظ على مودة أصحابك بالتغافل عن أخطائهم، والزم الصمت حينئذٍ من أجل بقاء بيت المودة.
وتبسَّم الصمت كأنّما يحاول أن تسمو صداقتنا ويتجدد وفاؤنا! وله ابتسامة عزيزة الجمال؛ إذ هي ابتسامة البقاء!
تظاهر دائما أنّك بخير مهما حلّ بك أو نزل عليك، فالصمت أفضل من تظاهر الآخرين بالحزن عليك أو شفقتهم، فتعلم الصمت وكتمان الأحزان.
يا عجباً للعاجزين عن الصمت!
يا مَن لهم في الصمت زادٌ! انشروا الأمل بين الناس، فإن لم تستطيعوا فعودوا أنفسكم الفأل، فإن لم تستطيعوا فالتزموا الصمت، وهو أقل المطلوب.
إذا عظم الجهل عمّ الصمت!
ما أعجب سرّ الصمت! كلّ صمتٍ صدقةٌ جاريةٌ على الحاسدين!
الصمت أسهل طريق لاستعادة النفس الغارقة في بحر الحياة، وقد لا تستطيع أن تواجه جميع صعوبات الحياة، ولكنك تستطيع أن توقف بعضها به.
يا دموعَ الصمت! لقد أثبتّ أن النفس لن تتعزى عن شيء منها بشيء سواه.
إنّ النفس الهادئة هي في حقيقتها الروح الصامتة.
انظر بالروح الصامتة ترَ الكون كله في سعادته البالغة، ليس فيه إلا السرور والرضى والجمال.
وتحققتُ حينئذٍ أنّه النجاة.
أقسمتُ بيني وبين نفسي أن أجدد حياتي بالصمت! وبدأت الحياة تزهو!
هو الطريق الجديد لأجل الحياة الفاضلة واستمرار الإنسان العظيم، فلا تنقطع منه، وعش فيه أبداً، واجعله عصاك التي تتوكأ عليها، وتدفع بها السوء عن نفسك.
كأنّك في صمتك أمير البيان.



[HEADING=2]د. علي زين العابدين الحسيني - كاتب أزهري[/HEADING]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى