د. أحمد الحطاب - الكذب مرض لكنه في السياسة مهارة

هناك أشخاص يكون الكذب عندهم عبارة عن حالات نفسية مرضية بحيث لا يهدأ لهم بال إلا بممارسته الكذب. والكذب في هذه الحالة يكون ناتجا عن نقص أو تدَبدبٍ أو عيوب في الشخصية أو يكون ناتجا عن التباهي والتظاهر بصفات وخصال ليست مُتوفِّرةً في مَن يكذب. قد نقول إن هؤلاء الأشخاص معذورون ولا يُلامون ما دامت حالاتُهم حالاتٌ مرضية.

لكن عندما يصبح الكذبُ ممارسةً ذكية مقصودة، يجب أخذ الحذر وخصوصا عندما يتعلق الأمر بأولئك الذين يتخذون السياسة كمطية لقضاء حاجات في نفس يعقوب وليس كوسيلة لخدمة الصالح العام. هذا النوع من السياسيين لا يمكنهم بتاتا أن يعيشوا بدون كذب. إنهم يعرفون الحقيقة لكنهم يُخفونَها عن الناس. وحتى إن لم يُخفوها، فإنهم يحيطونها بأجمل الأكاذيب حتى تصبح جذابةً ومُقنعة.

ولهذا، فكذِب السياسي ليس كأي كذب. إنه كذب مدروس، مُنمَّق ومُزخرف إلى حد أن مَن يسمعُه لا يبقى بينه وبين الجنة إلا بعض الخطوات. كذِبٌ فيه شيء من التخدير للعقول. والغريب في الأمر أنه، بقدر ما لا يعير الناس أي اهتمام للكذب المرَضي، بقدر ما يصغون للكذب السياسي الذي يتنكَّرُ في لباس الحقيقة. والكذب السياسي، مع كل أسف، هو الذي :

1.أوصل العديدَ من المُنتخَبين إلى العديد من الجماعات المحلية حيث تحوَّل هذا الكذب إلى فساد وإفساد ونَهْب وخرق للقانون وتَّنكُّر للمسئولية وتجاهل لحقوق المواطنين…

2.أوصل العديدَ من المُنتخَبين إلى قُبَّة مجلس النُّواب حيث يستمرُّ الكذب على شكل خُطب ونقاشات وتراشُقات وأسئلة وأجوبة فارغة من كل محتوى ولا تُسمن ولا تُغني من جوع.

3.جعل بعض السياسيين يظهرون للناس، قبل الاستوزار، كملائكة أو كأصْلح الصُّلاَّح. وبمجرَّد ما بظفرون بكرسي السلطة، يطلقون العِنانَ لخُبثهم وتَحدِّيهم للقانون وللجميع واستغلالهم البشِعِ والوقِح لمناصبهم ومواقعهم السياسية.

4.جعل شريحةً عريضةً من المواطنين وعلى رأسهم الطبقة المُثقَّفة يكرهون السياسة ويعزفون عن مُمارستها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى