د. أحمد الحطاب - كفى من هدر الزمان السياسي!!!

الزمان وقتٌ و"الوقتُ من ذهبٍ" كما يُقال. وهذا يعني أنه، إذا أردنا أن نُعطيَ للوقت قيمةً أو ثمناً، فإن تقييمَه يُقاس بشيءٍ له قيمة تجارية واجتماعية عالية، أَلاَ وهو الذهب. فما دام الزمان وقتاً، فالزمان نفسُه من ذهبٍ، وبالتالي، فكل زمان من ذهبٍ. فما هو الزمان السياسي؟ الزمان السياسي هو الوقتُ الذي يقضيه السياسيون في التفكير والعمل والنضال والبحث والتنقيب والتحليل والنقد والدراسة والتقييم والأبداع… السؤال الذي يفرض نفسَه هنا هو : "هل فعلا سياسيو هذا البلد السعيد يستغلون الزمان السياسي، الذي هو من ذهبٍ، للقيام بهذه الأشياء الفكرية والعملية؟ الجواب على هذا السؤال تُبيِّنه الفقرات الموالية.

الأحزاب السياسية، بغض النظر عن كونها يسارية، يمينية، وسطية، إدارية، وطنية تقليدية، ليبرالية، اشتراكية… والتي أفرزتها صناديق الاقتراع في العقود الأربعة الأخيرة، إما أن تكون مواطنة حتى النخاع وإما أن تتمادى في خداعها للشعب.

وإذا كانت فعلا، حقا وحقيقة مواطنةً وتريد الخيرَ لهذه البلاد، و تسعى لإعلاء شأنها بين الأمم، علماً وثقافةً و وعياُ، كان أمامها، برلماناً وحكومةً، ورشان لا ثالثَ لهما، أساسيان، مصيريان وحاسمان، لطالما وقفا حجر عثرة أمام تقدم البلاد وازدهارها : القضاء على الأمية وإعادة النظر بكيفية جذرية في أسُس وغايات المنظومة التربوية. إلى يومنا هذا، لا تزال الأميةُ منتشِرةً في البلاد ولا تزال منظومتُنا التَّربوية دون المستوى ألمرغوب فيه.

كان على هذه الأحزاب المتعاقبة على تدبير الشأن العام، أن تُدرِكَ أن التَّصدِّي لآفة الأمية والتغيير الجذري للمنظومة التربوية هما القضيتان الوطنبتان اللتان يتمُّ من خلالهما بناءُ الإنسان المغربي المتشبِّع بروح المواطنة وحب الوطن والحامل للقيمات المضافة اجتماعيا، ثقافيا، اقتصاديا، علميا…

خارج هذا الإطار، لا أرى ومواطنون كثيرون نفعا لا في الأحزاب السياسية ولا قي الانتخابات ولا في البرلمان ولا في الحكومة. وخصوصا أن بلداناً أخرى، أقل شأنا من بلادنا في الخمسينيات والستينيات، استطاعت أن تقضيَ على الأمية وأن تُحسِّنَ جودةَ منظوماتها التَّربوبة. وهاهي اليوم تحتل المراتب المتقدِّمة في التَّصنيفات العالمية. إندونيسيا، وسنغافورة وكوريا الجنوبية كمثال!

كفى من هدر الزمان السياسي الذي يموِّله المغاربة بضرائبهم ولم يجنوا منه إلا الوهم و تفاقم الفساد والانتظار المزمن. كفى من ذر الرماد على العيون وكفى من ترديد الشعارات الفارغة التي سئم منها الشعب المغربي وتسبَّبت له في إصابته بمرضي اليأس وخيبة الأمل. كفى من الضحك على الدقون وكفى من استحمار الناس ومن تزييف إرادتهم.

كفى منكم، إن لم تستطيعوا أن تكونَ لكم الجرأةُ والشجاعةُ لتحمُّل مسئولياتكم كاملةً كما ينصُّ عليها الدستور والقانون. فإن لم تكن لكم الجرأة للقيام بمهامكم طبقا لتطلُّعات الشعب وإرادته، فانسحبوا من المشهد السياسي وخلِّصونا من نفاقكم ومن تهافتكم على كراسي السلطة. يا مُبتدعي القاسم الانتخابي الذي يضرب الديمقراطية في العمق ولا يخدم إلا مصالحكم الضيقة.

ألم تكفيكم أكثر من أربعة عقود وأنتم تنهشون جسدَ هذه البلاد نهشا ما بعده نهشٌ؟ ألم تكفيكم أكثر من ستة عقود وأنتم مُتربِّعون على عرش الفساد والريع والجشع والربح غير المشروع؟ ألم تكفيكم أكثر من ستة عقود وأنتم تضحكون على دقون المواطنين، وأنتم تبيعون القِردة وتضحكون على مَن اشتراها؟ ألم تكفيكم أكثر من اربعة عقود وأنتم تبيعون الأوهامَ للناس؟

خَلَّصونا منكم واتركوا الساحة السياسية لأعلى سلطة في البلاد التي أصبح يلجأ لها المغاربة من كل حدب وصوب من أجل الإنصاف والعدالة والتَّمتُّع بالحقوق. سلطة أبانت بكل سموٍّ، عن حبها لمصلحة الوطن والمواطنين.

كفى من هدر الزمان السياسي!!! الزمان السياسي الذي يموِّله المالُ العام. والمال العام مِلك للشعب. وهدر الزمان السياسي هو بمثابة هدر المال العام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى