الذي يصادفني !! للشاعر العراقي المعروف
الفراتُ بنُ علي البغدادي
#
كلما صادفني تامّلتُهُ ،،
عسى ان افقدَ الذاكرة !!
#
لقد سعت بي خُطىً بلا أثرِ
وطاف بي مُدجِنٌ بلا قَمَرِ
ورِيعَ بي مسحرٌ تقوّضه
ساعاتُهُ خِشيَةً منَ السَّحَر
كأنَّني لم يكنْ يُقاسمُني
يومي باخلاقِهِ سوى العَثَرِ
ومهجتي لم يكنْ يُراودُني
ممّا بها موردٌ سوى الكَدَرِ
حتّى ظلالي التي أُخايلُها
غمامةً دَمدَمَت بلا مطر
وغايتي منذُ ان تناظرَني
تَفَرَّقَتْ في متاهةِ النّظَرِ
لا استطيعُ السؤالَ عن حذِرٍ
ولا أُطيقُ الجوابَ في حذرِ
انا الغريبُ الذي يصادفُني
وجوهُنا مُزِّقَتْ بلا صُوَرِ
في مُقفِرٍ اقبلَتْ سواعدُنا
وادبَرتْ اذرعاً من الحَجَرِ
وفي الدُّخانِ السّبيلُ ملهِمةٌ
نفوسَنا أنّنا بلا قَدَرٍ
##
ألا تراني سعى مجاورةً
شكّي الى حبِّهِ فلمْ يُجَرِ
وبعضُ قلبي شكا مخافتَه
من بعضِهِ اذ هوى منَ الذُّعُرِ
وذاك شوقي دنا على عجلٍ
من ليلتي سامراً فلم يُسَرِ
زعمتُها ماضياً مقطَّعَةً
اوصالَهُ من دمٍ ومن شَرَرِ
لكنَّها اظلمت مخلِّفَةً
للموتِ ارجوحةً من الضجَرِ
##
كم شبَّ روحي يداً وماسكنت
داميةُ المشتهى سوى القُفُرِ
ولاالليالي رمتْ مزاعمَها
عن ناظرٍ واجمٍ ومنتَظِرِ
حسبتُ اشباحَها تفارقُني
لكنّها في معارجِ الفِكَرِ
تُغَيِّبُ الناسَ في مخاطبتي
وفي سكوتي تضِجُّ بالبشَرِ
ولاتراني سوى طريدِ غدٍ
او مَيّتٍ فيهِ غير مستَترِ
وتستبيحِ المدى وتقذفُ بي
على جدارٍ ينوءُ منحدرِ
في عتمةٍ من قيامةٍ شَبَحَتْ
بجانبيَّ اليدينِ في سَقَرِ
فكّا جحيمٍ بدت نيابُهما
حمراءَ في جبهتي وفي نَحَري
حتى نَضَت وحشةٌ بخيفتها
قد رُفِعَتْ جثّةً من الصِّغَرِ
فهل انا الحيُّ ذاعَ مصرعُهُ
ام ميِّتٌ هاربٌ من الحُفَرِ
##
ألامسُ في ركضِهِ بلا صدَدٍ
من مقبلٍ مدبرٍ ومُندَثِرِ
واليومُ في دأْبِهِ مغالطةً
جلمودةٌ اشكلَتْ على الصَّخَرِ
مذ ليمَ شوقي وهزَّهُ قلقٌ
عندَ افتراقِ الهواجسِ الكُثُرِ
قد كان سرّاً مضى لشاردةٍ
وباتَ لايكتفي من الجهَرِ
الصوتُ امْ صمتُهُ يناشدُهُ
في صاحبٍ مطرقٍ و مهتَصَرِ
الارضُ في ذاتِهِ مبعثرةٌ
على سمواتِهِ بلا نُذُرِ
وكلُّ نهرِ جرى لفتنتِهِ
سوى دماهُ التي على نَهَرِ
حمراءَ جمّتْ بهِ غمائمُها
فلم يجدْ مسفراً من الشَّجَرِ
##
حقائب العمرِ مذ هوتْ بَدَداً
وشاهدُ النَّفْسِ خارجَ الدّهَرِ
وسالفُ الدَّهرِ مذ غفا بدمي
يُقِلُّني بالسدى الى عُمُري
فايُّنا سالفٌ ومقبلُنا
غريميَ الثارَ بي ولمْ أَثُرِ
وأيُّنا ايقنَتْ مذاهبُهُ
إن لم يكنْ مشهدَيْنِ تنحسِرِ
وايُّنا كانني ولم اكُنِ
وايُّنا صرتُهُ ولم يَصِرِ
##
أنا وظنّي خطى ترادفِنا
أنا وحبّي شقاءُ مُحْتَضِرِ
والنّفسُ ميلادُها بذي جَلَبٍ
والنّفْسُ إيثارُها لمنكَسِرِ
وهل يشي حالكٌ اخلَّتَهُ
وأُنسُهُ دون انجمٍ زُهُرِ
اتُدركُ النورَ نارُ مبتهلٍ
إلهُهُ لمْ يعدْ منَ السّفرِ
اتُفقَهُ الارضُ جمرَ مفتئِدٍ
وعاكفُ الريحِ غيرُ مستعرِ
أنا وقهري بلا مواربةٍ
مازالَ فينا غوايةُ الخطرِ
ولمْ يزلْ دأبُنا سواسيةً
انْ يركبَ الظَّنُّ طائشَ البَحَرِ
وأنْ تُنيرَ السماءَ كلُّ يدٍ
مقطوعةٍ حيثُ بعدُ لم تُنِرِ
وأنْ تُريقَ الدماءَ دائرةٌ
في موضعِ الشَّمسِ حيثُ لمْ تَدُرِ
لعلَّ من وابلٍ يظلّلُنا
مفازةً في قناعِ منهمِرِ
وعَلَّ من سائرٍ يودّعُنا
فنلتقي بعضَنا بلا سِيَرِ
لا المهدُ لا اللحدُ لا وساوسنا
تنالُ منها مخالبُ البصَرِ
والتّيهُ طبّالُهُ تراكُضُنا
عرائسُ التّيهِ ارجلُ القَهَرِ
##
الفراتًُ بنُ علي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
النصُّ الشِّعريُّ ...
بين مُستَوَيَيْنِ .....
الهدمُ الاولُ
الهدمُ الثاني
في نصوص الفرات بن علي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أن تصنع من طينة الوجدان
صوراً شعريةً تخدمُ الغرضَ
الاحداثيَّ المنصوصَ من قِبلِ الذات.
هذا يعني أن نحتاجَ إلى منصّةٍ رفيعةِ الشأنِ من الخبرة الاعتباريةِ المتعاليةِ
الجذرِ والآفاق .
فلعل الخَلْقَ هنا _ عند الفرات بن علي _ خَلْقانِ ، خَلقٌ وجوديٌّ متماثلٌ مع بُناهُ ومعهودِ لَزْمِهِ ورابطِه الكليِّ،
وخلقٌ آخرٌ ابداعيٌّ هو اختلاقُ الفنان ومعماريته . او قل تناصّاتُ التعبيري التي تُغْرِقُ متلقّيها بالدهشةِ والانبهارِ حتما .
وان لم تتوفرْ هاتانِ الصفتانِ تخرجُ التناصّاتُ عن قصديّتها المرجوة ،
الفرات بن علي في هذا النص ماكان بعيدا عما نرى،
فالوجدانيُّ بربيعه وهزيعه
ابرقَ وامطرَ ناعماً ورَشْقاً
من اللؤلؤيِّ والعقيقِ اليمانيِّ
سطّرَ فنظّرَ وعبّرَ ....
لعب مع الفرح بجناحٍ واحدٍ
ولعبَ مع التجلّي وهَتْكِ السُّتُرِ بجناحينِ
واردفَ مكاشفاتياً بجنحٍ ثالثٍ ملائكيٍّ يخلقُ من الطبيعةِ التي يرى طبيعةَ عرفانٍ شعريٍّ بهيجٍ مثل الدوائرَ والخطوطِ والسمواتِ الملوّنةِ ، تحتلُّ العبارةُ فيها القاسمَ المشتركَ الذي يستلهم ماتمليه احاسيسُ الباطنِ والظاهر ،
نعم اَخَذَتْنا إذ جذبَتْنا وهذي نَوبَةٌ ومااكثر النوبات
لو سيطرتْ على المتلقّي وسحبتْهُ من مكانيّته المادية إلى مكانيّةِ النصّ . واحدثت شهوديةً له انمسكَ حتماً بقوى الجمال المعهودِ وصار في نسبيةٍ اخرى تختلف ، فتطوّحُ به الانواءُ حتى يرتوي ارتواء العَطِشِ
من سَفرِه ، والتلقّي سفرٌ خاصٌّ خارج المكان والزمان إلى زمكانٍ ليس له حدودٌ ، ولااتجاهٌ ارضيٌّ ، انما هو عالم من السلام واللذة العاليينِ واكثر ،
وبهذي المعيارية نقدَرُ أن نقيسَ إمكانَ تجربةِ مبدعٍ
حفرَ مجسّماتِ صورِه على جدارٍ طائرٍ تارةً واقعيّاً كالبثور القمرية المنمّشة
وتارةً على دواليب من الفنتازيا الوردية التخيّلِ والتهاويم ،
وبين هذي وتلك يحلّقُ طائرُ العشقِ يحطُّ يطيرُ
ويطير في التيه وهو الذي يروي بلسانٍ مفهومٍ مرةً ويعطينا مسايرةً مع الحدث ،
ومرةً يشتّتُني وادخلُ في الحَيْرَةِ .فاستنجدُ لمَّ نفسي
او أستعينُ بغيري المُضمَر معي من سلال الجمعي
فقط اتّخِذُهُ دليلاً أو كَرْعةَ خمرٍ انتشي بها من الظنى والرَّهق،
فاعيدَ هجرتي بجناحِ عصفورٍ تدرّبَ يطوي لفافاتِ العَصفِ يهبط معها ويصعد معها ولا يتأثر بل يؤثّرُ فيجتهدَ مآلاً لنفسه مثلَ الزَّلَفةِ الصغرى والزلفة
المَرقَب الكبرى.
واحدةً تحصر للبعيدِ والثانية تحصر للقريب
وبين هذي وتلك يبرز الأنا السامي ، يخطُّ لو سمح اللفظُ والتبصّرُ والفكرةُ إشاراتِ المبدع الاعتباري والوقتَ النظيفَ له
فمثلُ شعر ( الفرات بن علي )
ومن وجهة نظرنا الاعتبارية
وجوباً وفرضاً طوعياً أن نحدّدَ مستوى طاقته ومعناه في عالم وعيه الذي يحمله لا نفترض عليه وعياً أبداً ، قد يكون هنا حالةَ تعسفٍ واعسار ،
الفراتُ بطبيعةِ تجربتِه وملازمتُنا لها طوالَ الوقت،
ينهلُ من منطقةٍ هي خارجُ المادي ولايستخدم تقانةَ هدمِ الكتلة البنّاء ليؤسسَ عليها من مَصْلِها كما يفعل غيرُه .
انما في اعتقادنا يهدمُ المهدومَ اصلاً والمتحوّلَ أصلاً ويعبّئُها إلى تعبئةٍ وجهوزٍ وإدخار ،
ولو نوينا التعريج عن فلسفة الهدم في منهج أصحابنا لأننا نستغل الحضور المعرفي لتوسعة المفاهيم خاصةً النقدية ،
( الهدم البَنّاء ) كمصطلح استحدثناه وفق ما نوينا معرفياً هو حال ومآل معا
يتخاطرانِ يتخادمانِ يفترضهما موقف جمالي مرهون للمثالي اولا وهي الاشارة وللواقعي وفق حساب العَوَز والحاجة في المكان وهي الاغارة.
عندها يُخْلَقُ الكائن المادي في الوجود أو الصورة الفنّية في البعد المقابل الإبداعي .
تُهدَمُ الحَبّةُ كتلتها في موسم غمرها في التراب والغريب ، فيظهرُ معناها الجمالي المنتظر يظهَرُ المتحوّلُ الجديد أو نقول معادِلُها المستترُ بإثبات محدثٍ جديدٍ يثيرُ الدهشةَ في الوقت والتنوّع ،
تتحوّلُ كتلةُ الدقيقِ إلى كتلةِ عجينٍ محدثٍ ومنها إلى كتلة أو صورةِ رغيفٍ أو متنوعاتِ جمالٍ تفرضها الاغراضُ في حينه.
وهكذا هو ناموس الهدم عندنا ، فلعل الوجودَ في هدم دائم وتحوّل دائم ومن صورة لأخرى وهكذا ،
ولانريد أن نتوسّعَ ، فنعود ونقول إن الفرات بن علي
في نتاج ( أنا الغريب )
وهذي منهجيته في صنع وابتداع نصوصه حسب وجهة نظرنا الاعتبارية تحليلا نقديا وتفسيرا للظاهرة الفنية عنده ،
أنه لايستسيغ الهدمَ الاولَ انما يجعلُ من المهدوم مهدوماً انقى وأكثرَ حرية من ثقل الجَثمَنَةِ الاساس، هذي رؤيتنا في قراءة صنعه وطبعه الشعري ،
يهدمُ الغزالةَ والوردةَ والبحرَ
وايّ عنصر مستدعىً ًمساهمٍ في خدمة المحتوى ، نعم يقف عند تميّزٍ ثانٍ في أخذ عصارةَ الاثير لتلك المهدوماتِ ويبدأ بالابتكار الاعتباري.
هذي نبذة سريعةتنويهية ،
ولايجوز لنا أن نخفي بل نتذكر
سعيَ ممالكِ النحل وهو الذي يحوّل النقيَّ الصافيَ إلى انقى واصفى ، رحيقُ الزَّهرِ الى شهدٍ وعسلٍ
طبيعةً عذبةً إلى طبيعةٍ اعذبَ منها ،
( أنا الغريبُ الذي يصادفُني )
مجهولٌ ضاجٌّ بالشجن وعالمٌ مخمور بالانا
هذا الباب الذي ندخل ونخرج منه ، فإذا باتَ البابُ هكذا ، - على قلق كأنَّ الريحَ تحتي - فكيف بالمَبنى الشعري . وهل مانظّرتْ له الاعتبارية ينطبق مع الرؤيا المنصوصة...؟
وعسانا المجاراة ولو على حافة حجر حادّ ،
★لقد سعتْ بي خُطىً بلا أثرِ
وطافَ بي مُدجِنٌ بلا قَمَرِ.
_ قال له سيّارٌ حالُك ام ماذا ؟
_ قلنا له طيّارٌ تُطوى له الأمكنة ،
_ وهل خلعَ زمانَه حين خلعَ نَعلَه ، (اخلعْ نعليكَ انّك....ا)
_ قلنا زمانُهُ محمولٌ فيه ، كما هو في زمانه يُحملُ، معادلةٌ يختزلُها البيتُ الشعري اعلاه ،
خطىً بلا أثرِ
نعم لا لثابتٍ مستقرِّ المكان
بل لأثيرٍ مفتولٍ دوّار قريب وبعيدٍ معاً .
*مُدجِنٌ بلا قمرِ
وهل مثلُهُ قمرٌ ، نعم
إلّا قمرُهُ هو طبعاً
وهذا واردٌ متحقّقٌ بالحتم
فالكائنُ ذاتُهُ هو ، لو وجدناه هو حتى وان اختفى ، نعم بنينا على معلوم ذاتيّ منظور .
★ أنا الغريبُ الذي يصادفُني
وجوهُنا مُزّقت بلا صُوَرِ
هذي المقابلةُ المتلبِّسَةُ غربتَها المولعةَ بالحضور الانوي المعافى للوجه الشديد في الوقت الجمعي ، ولطالما أنَّ الفردَ يواجه ويتحدى ولو كان على حساب حاله المحظور
قسراً ورغماً ، فلعله الشاخص الموجود والباعث الايجاب مهما حال المحال عن المواجهة مع الضوء والحلم ،
★فهل أنا الحيُّ ذاع مصرعُهُ
ام ميّتٌ
هاربٌ من الحُفَرِ
هذي العناصر في منظورنا هُدمتْ هدمَيْنِ وتم تبنّيها من قبل الذات السامي في موقف الخَلْق أو موقف الصيرورة. واجتهاد ما تمَّ اجتهاده من المنصوصات.
( ام ميّتٌ هاربٌ من الحُفَرِ )
وهل اغرب من هذا التساؤل في هذا الراهن الذي حاصر الشاعر حتى في كيانه وفي شخصانياته
ايُّ ممزّق هذا الذي يشكو منه.. أنها طبيعتانِ طبيعةُ ميّتٍ وطبيعته ثانيةً وهو هاربٌ كم جميل هذا وديناميكي حركي حافل .
وايُّ جهةٍ ضلّتْ وما جمعت شتاتَها فضاع من ضاع واندثر بعدما شبَّ وشاع.
هذي اوجاع مبدع وطموح
ذات بين دولابين من الثلج والنار .
بين جنةٍ وبين جهنم.
.........
حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري
العراق
الفراتُ بنُ علي البغدادي
#
كلما صادفني تامّلتُهُ ،،
عسى ان افقدَ الذاكرة !!
#
لقد سعت بي خُطىً بلا أثرِ
وطاف بي مُدجِنٌ بلا قَمَرِ
ورِيعَ بي مسحرٌ تقوّضه
ساعاتُهُ خِشيَةً منَ السَّحَر
كأنَّني لم يكنْ يُقاسمُني
يومي باخلاقِهِ سوى العَثَرِ
ومهجتي لم يكنْ يُراودُني
ممّا بها موردٌ سوى الكَدَرِ
حتّى ظلالي التي أُخايلُها
غمامةً دَمدَمَت بلا مطر
وغايتي منذُ ان تناظرَني
تَفَرَّقَتْ في متاهةِ النّظَرِ
لا استطيعُ السؤالَ عن حذِرٍ
ولا أُطيقُ الجوابَ في حذرِ
انا الغريبُ الذي يصادفُني
وجوهُنا مُزِّقَتْ بلا صُوَرِ
في مُقفِرٍ اقبلَتْ سواعدُنا
وادبَرتْ اذرعاً من الحَجَرِ
وفي الدُّخانِ السّبيلُ ملهِمةٌ
نفوسَنا أنّنا بلا قَدَرٍ
##
ألا تراني سعى مجاورةً
شكّي الى حبِّهِ فلمْ يُجَرِ
وبعضُ قلبي شكا مخافتَه
من بعضِهِ اذ هوى منَ الذُّعُرِ
وذاك شوقي دنا على عجلٍ
من ليلتي سامراً فلم يُسَرِ
زعمتُها ماضياً مقطَّعَةً
اوصالَهُ من دمٍ ومن شَرَرِ
لكنَّها اظلمت مخلِّفَةً
للموتِ ارجوحةً من الضجَرِ
##
كم شبَّ روحي يداً وماسكنت
داميةُ المشتهى سوى القُفُرِ
ولاالليالي رمتْ مزاعمَها
عن ناظرٍ واجمٍ ومنتَظِرِ
حسبتُ اشباحَها تفارقُني
لكنّها في معارجِ الفِكَرِ
تُغَيِّبُ الناسَ في مخاطبتي
وفي سكوتي تضِجُّ بالبشَرِ
ولاتراني سوى طريدِ غدٍ
او مَيّتٍ فيهِ غير مستَترِ
وتستبيحِ المدى وتقذفُ بي
على جدارٍ ينوءُ منحدرِ
في عتمةٍ من قيامةٍ شَبَحَتْ
بجانبيَّ اليدينِ في سَقَرِ
فكّا جحيمٍ بدت نيابُهما
حمراءَ في جبهتي وفي نَحَري
حتى نَضَت وحشةٌ بخيفتها
قد رُفِعَتْ جثّةً من الصِّغَرِ
فهل انا الحيُّ ذاعَ مصرعُهُ
ام ميِّتٌ هاربٌ من الحُفَرِ
##
ألامسُ في ركضِهِ بلا صدَدٍ
من مقبلٍ مدبرٍ ومُندَثِرِ
واليومُ في دأْبِهِ مغالطةً
جلمودةٌ اشكلَتْ على الصَّخَرِ
مذ ليمَ شوقي وهزَّهُ قلقٌ
عندَ افتراقِ الهواجسِ الكُثُرِ
قد كان سرّاً مضى لشاردةٍ
وباتَ لايكتفي من الجهَرِ
الصوتُ امْ صمتُهُ يناشدُهُ
في صاحبٍ مطرقٍ و مهتَصَرِ
الارضُ في ذاتِهِ مبعثرةٌ
على سمواتِهِ بلا نُذُرِ
وكلُّ نهرِ جرى لفتنتِهِ
سوى دماهُ التي على نَهَرِ
حمراءَ جمّتْ بهِ غمائمُها
فلم يجدْ مسفراً من الشَّجَرِ
##
حقائب العمرِ مذ هوتْ بَدَداً
وشاهدُ النَّفْسِ خارجَ الدّهَرِ
وسالفُ الدَّهرِ مذ غفا بدمي
يُقِلُّني بالسدى الى عُمُري
فايُّنا سالفٌ ومقبلُنا
غريميَ الثارَ بي ولمْ أَثُرِ
وأيُّنا ايقنَتْ مذاهبُهُ
إن لم يكنْ مشهدَيْنِ تنحسِرِ
وايُّنا كانني ولم اكُنِ
وايُّنا صرتُهُ ولم يَصِرِ
##
أنا وظنّي خطى ترادفِنا
أنا وحبّي شقاءُ مُحْتَضِرِ
والنّفسُ ميلادُها بذي جَلَبٍ
والنّفْسُ إيثارُها لمنكَسِرِ
وهل يشي حالكٌ اخلَّتَهُ
وأُنسُهُ دون انجمٍ زُهُرِ
اتُدركُ النورَ نارُ مبتهلٍ
إلهُهُ لمْ يعدْ منَ السّفرِ
اتُفقَهُ الارضُ جمرَ مفتئِدٍ
وعاكفُ الريحِ غيرُ مستعرِ
أنا وقهري بلا مواربةٍ
مازالَ فينا غوايةُ الخطرِ
ولمْ يزلْ دأبُنا سواسيةً
انْ يركبَ الظَّنُّ طائشَ البَحَرِ
وأنْ تُنيرَ السماءَ كلُّ يدٍ
مقطوعةٍ حيثُ بعدُ لم تُنِرِ
وأنْ تُريقَ الدماءَ دائرةٌ
في موضعِ الشَّمسِ حيثُ لمْ تَدُرِ
لعلَّ من وابلٍ يظلّلُنا
مفازةً في قناعِ منهمِرِ
وعَلَّ من سائرٍ يودّعُنا
فنلتقي بعضَنا بلا سِيَرِ
لا المهدُ لا اللحدُ لا وساوسنا
تنالُ منها مخالبُ البصَرِ
والتّيهُ طبّالُهُ تراكُضُنا
عرائسُ التّيهِ ارجلُ القَهَرِ
##
الفراتًُ بنُ علي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
النصُّ الشِّعريُّ ...
بين مُستَوَيَيْنِ .....
الهدمُ الاولُ
الهدمُ الثاني
في نصوص الفرات بن علي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أن تصنع من طينة الوجدان
صوراً شعريةً تخدمُ الغرضَ
الاحداثيَّ المنصوصَ من قِبلِ الذات.
هذا يعني أن نحتاجَ إلى منصّةٍ رفيعةِ الشأنِ من الخبرة الاعتباريةِ المتعاليةِ
الجذرِ والآفاق .
فلعل الخَلْقَ هنا _ عند الفرات بن علي _ خَلْقانِ ، خَلقٌ وجوديٌّ متماثلٌ مع بُناهُ ومعهودِ لَزْمِهِ ورابطِه الكليِّ،
وخلقٌ آخرٌ ابداعيٌّ هو اختلاقُ الفنان ومعماريته . او قل تناصّاتُ التعبيري التي تُغْرِقُ متلقّيها بالدهشةِ والانبهارِ حتما .
وان لم تتوفرْ هاتانِ الصفتانِ تخرجُ التناصّاتُ عن قصديّتها المرجوة ،
الفرات بن علي في هذا النص ماكان بعيدا عما نرى،
فالوجدانيُّ بربيعه وهزيعه
ابرقَ وامطرَ ناعماً ورَشْقاً
من اللؤلؤيِّ والعقيقِ اليمانيِّ
سطّرَ فنظّرَ وعبّرَ ....
لعب مع الفرح بجناحٍ واحدٍ
ولعبَ مع التجلّي وهَتْكِ السُّتُرِ بجناحينِ
واردفَ مكاشفاتياً بجنحٍ ثالثٍ ملائكيٍّ يخلقُ من الطبيعةِ التي يرى طبيعةَ عرفانٍ شعريٍّ بهيجٍ مثل الدوائرَ والخطوطِ والسمواتِ الملوّنةِ ، تحتلُّ العبارةُ فيها القاسمَ المشتركَ الذي يستلهم ماتمليه احاسيسُ الباطنِ والظاهر ،
نعم اَخَذَتْنا إذ جذبَتْنا وهذي نَوبَةٌ ومااكثر النوبات
لو سيطرتْ على المتلقّي وسحبتْهُ من مكانيّته المادية إلى مكانيّةِ النصّ . واحدثت شهوديةً له انمسكَ حتماً بقوى الجمال المعهودِ وصار في نسبيةٍ اخرى تختلف ، فتطوّحُ به الانواءُ حتى يرتوي ارتواء العَطِشِ
من سَفرِه ، والتلقّي سفرٌ خاصٌّ خارج المكان والزمان إلى زمكانٍ ليس له حدودٌ ، ولااتجاهٌ ارضيٌّ ، انما هو عالم من السلام واللذة العاليينِ واكثر ،
وبهذي المعيارية نقدَرُ أن نقيسَ إمكانَ تجربةِ مبدعٍ
حفرَ مجسّماتِ صورِه على جدارٍ طائرٍ تارةً واقعيّاً كالبثور القمرية المنمّشة
وتارةً على دواليب من الفنتازيا الوردية التخيّلِ والتهاويم ،
وبين هذي وتلك يحلّقُ طائرُ العشقِ يحطُّ يطيرُ
ويطير في التيه وهو الذي يروي بلسانٍ مفهومٍ مرةً ويعطينا مسايرةً مع الحدث ،
ومرةً يشتّتُني وادخلُ في الحَيْرَةِ .فاستنجدُ لمَّ نفسي
او أستعينُ بغيري المُضمَر معي من سلال الجمعي
فقط اتّخِذُهُ دليلاً أو كَرْعةَ خمرٍ انتشي بها من الظنى والرَّهق،
فاعيدَ هجرتي بجناحِ عصفورٍ تدرّبَ يطوي لفافاتِ العَصفِ يهبط معها ويصعد معها ولا يتأثر بل يؤثّرُ فيجتهدَ مآلاً لنفسه مثلَ الزَّلَفةِ الصغرى والزلفة
المَرقَب الكبرى.
واحدةً تحصر للبعيدِ والثانية تحصر للقريب
وبين هذي وتلك يبرز الأنا السامي ، يخطُّ لو سمح اللفظُ والتبصّرُ والفكرةُ إشاراتِ المبدع الاعتباري والوقتَ النظيفَ له
فمثلُ شعر ( الفرات بن علي )
ومن وجهة نظرنا الاعتبارية
وجوباً وفرضاً طوعياً أن نحدّدَ مستوى طاقته ومعناه في عالم وعيه الذي يحمله لا نفترض عليه وعياً أبداً ، قد يكون هنا حالةَ تعسفٍ واعسار ،
الفراتُ بطبيعةِ تجربتِه وملازمتُنا لها طوالَ الوقت،
ينهلُ من منطقةٍ هي خارجُ المادي ولايستخدم تقانةَ هدمِ الكتلة البنّاء ليؤسسَ عليها من مَصْلِها كما يفعل غيرُه .
انما في اعتقادنا يهدمُ المهدومَ اصلاً والمتحوّلَ أصلاً ويعبّئُها إلى تعبئةٍ وجهوزٍ وإدخار ،
ولو نوينا التعريج عن فلسفة الهدم في منهج أصحابنا لأننا نستغل الحضور المعرفي لتوسعة المفاهيم خاصةً النقدية ،
( الهدم البَنّاء ) كمصطلح استحدثناه وفق ما نوينا معرفياً هو حال ومآل معا
يتخاطرانِ يتخادمانِ يفترضهما موقف جمالي مرهون للمثالي اولا وهي الاشارة وللواقعي وفق حساب العَوَز والحاجة في المكان وهي الاغارة.
عندها يُخْلَقُ الكائن المادي في الوجود أو الصورة الفنّية في البعد المقابل الإبداعي .
تُهدَمُ الحَبّةُ كتلتها في موسم غمرها في التراب والغريب ، فيظهرُ معناها الجمالي المنتظر يظهَرُ المتحوّلُ الجديد أو نقول معادِلُها المستترُ بإثبات محدثٍ جديدٍ يثيرُ الدهشةَ في الوقت والتنوّع ،
تتحوّلُ كتلةُ الدقيقِ إلى كتلةِ عجينٍ محدثٍ ومنها إلى كتلة أو صورةِ رغيفٍ أو متنوعاتِ جمالٍ تفرضها الاغراضُ في حينه.
وهكذا هو ناموس الهدم عندنا ، فلعل الوجودَ في هدم دائم وتحوّل دائم ومن صورة لأخرى وهكذا ،
ولانريد أن نتوسّعَ ، فنعود ونقول إن الفرات بن علي
في نتاج ( أنا الغريب )
وهذي منهجيته في صنع وابتداع نصوصه حسب وجهة نظرنا الاعتبارية تحليلا نقديا وتفسيرا للظاهرة الفنية عنده ،
أنه لايستسيغ الهدمَ الاولَ انما يجعلُ من المهدوم مهدوماً انقى وأكثرَ حرية من ثقل الجَثمَنَةِ الاساس، هذي رؤيتنا في قراءة صنعه وطبعه الشعري ،
يهدمُ الغزالةَ والوردةَ والبحرَ
وايّ عنصر مستدعىً ًمساهمٍ في خدمة المحتوى ، نعم يقف عند تميّزٍ ثانٍ في أخذ عصارةَ الاثير لتلك المهدوماتِ ويبدأ بالابتكار الاعتباري.
هذي نبذة سريعةتنويهية ،
ولايجوز لنا أن نخفي بل نتذكر
سعيَ ممالكِ النحل وهو الذي يحوّل النقيَّ الصافيَ إلى انقى واصفى ، رحيقُ الزَّهرِ الى شهدٍ وعسلٍ
طبيعةً عذبةً إلى طبيعةٍ اعذبَ منها ،
( أنا الغريبُ الذي يصادفُني )
مجهولٌ ضاجٌّ بالشجن وعالمٌ مخمور بالانا
هذا الباب الذي ندخل ونخرج منه ، فإذا باتَ البابُ هكذا ، - على قلق كأنَّ الريحَ تحتي - فكيف بالمَبنى الشعري . وهل مانظّرتْ له الاعتبارية ينطبق مع الرؤيا المنصوصة...؟
وعسانا المجاراة ولو على حافة حجر حادّ ،
★لقد سعتْ بي خُطىً بلا أثرِ
وطافَ بي مُدجِنٌ بلا قَمَرِ.
_ قال له سيّارٌ حالُك ام ماذا ؟
_ قلنا له طيّارٌ تُطوى له الأمكنة ،
_ وهل خلعَ زمانَه حين خلعَ نَعلَه ، (اخلعْ نعليكَ انّك....ا)
_ قلنا زمانُهُ محمولٌ فيه ، كما هو في زمانه يُحملُ، معادلةٌ يختزلُها البيتُ الشعري اعلاه ،
خطىً بلا أثرِ
نعم لا لثابتٍ مستقرِّ المكان
بل لأثيرٍ مفتولٍ دوّار قريب وبعيدٍ معاً .
*مُدجِنٌ بلا قمرِ
وهل مثلُهُ قمرٌ ، نعم
إلّا قمرُهُ هو طبعاً
وهذا واردٌ متحقّقٌ بالحتم
فالكائنُ ذاتُهُ هو ، لو وجدناه هو حتى وان اختفى ، نعم بنينا على معلوم ذاتيّ منظور .
★ أنا الغريبُ الذي يصادفُني
وجوهُنا مُزّقت بلا صُوَرِ
هذي المقابلةُ المتلبِّسَةُ غربتَها المولعةَ بالحضور الانوي المعافى للوجه الشديد في الوقت الجمعي ، ولطالما أنَّ الفردَ يواجه ويتحدى ولو كان على حساب حاله المحظور
قسراً ورغماً ، فلعله الشاخص الموجود والباعث الايجاب مهما حال المحال عن المواجهة مع الضوء والحلم ،
★فهل أنا الحيُّ ذاع مصرعُهُ
ام ميّتٌ
هاربٌ من الحُفَرِ
هذي العناصر في منظورنا هُدمتْ هدمَيْنِ وتم تبنّيها من قبل الذات السامي في موقف الخَلْق أو موقف الصيرورة. واجتهاد ما تمَّ اجتهاده من المنصوصات.
( ام ميّتٌ هاربٌ من الحُفَرِ )
وهل اغرب من هذا التساؤل في هذا الراهن الذي حاصر الشاعر حتى في كيانه وفي شخصانياته
ايُّ ممزّق هذا الذي يشكو منه.. أنها طبيعتانِ طبيعةُ ميّتٍ وطبيعته ثانيةً وهو هاربٌ كم جميل هذا وديناميكي حركي حافل .
وايُّ جهةٍ ضلّتْ وما جمعت شتاتَها فضاع من ضاع واندثر بعدما شبَّ وشاع.
هذي اوجاع مبدع وطموح
ذات بين دولابين من الثلج والنار .
بين جنةٍ وبين جهنم.
.........
حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري
العراق