بدأت الأسئلة مبكراً بل ومبكراً جداً منذ بداية أحداث الرواية وتزايدت معها حدة الأسئلة التي تصاعدت وتيرتها بشكلٍ منطقي صنعتها خيارات شخصياتها، ويحسب لها أنها أخرجت
الصور المعتادة من إطار الكمال ووضعتها أمام أعيننا وإن لم نكن راغبين في رؤيتها كما هي، فاستدرجت الروائية السورية ريما بالي قارئ عملها (غدي الأزرق) دون أن يدري إلى مساحاتٍ بعيدة عن تلك التي قد تدور في ذهنه عادةً..
فمع بدايةٍ تنقلنا إلى العيش بشكلٍ سلس ضمن بيئةٍ مسيحية سورية كان الكثيرون ينظرون إليها من الخارج (خاصةً من غير السوريين) على أنها (نوعاً ما) أقرب إلى المثالية مقارنةً بغيرها (وهذا قطعاً غير صحيح).. جاءت هذه الرواية لتقدم مشهداً متنوعاً واقعياً يحمل لوحةً متكاملة تقدم مختلف وجهات النظر بعيداً عن المغالاة، ويؤكد على أن ما يطفو على السطح في مختلف المجتمعات أو ما يصلنا منها لا يمثل بالضرورة الصورة الكاملة لها، فهناك دوماً ما لا نعرفه ويدور خلف الأبواب المغلقة متوارياً عن أعين الناس دون أن يحمل ذلك دلالةً سلبية كما قد يعتقد البعض..
(ندى خياط) الشخصية الرئيسية في العمل ليست كما تبدو من الخارج، فهي شخصية هشة، خائفة، مضطربة، تعاني من قلة الثقة بالنفس وعدم التأكد من خياراتها أو هويتها.. تبدو لمن يرسم صورتها في مخيلته امرأةً عصرية، جميلة، مثقفة، قوية وربما جريئة، لكنها في الحقيقة أنثى منكسرة (منذ طفولتها) وتحتاج دوماً إلى من يأخذ بيدها ويكون (توأمها) حتى لو كان ذلك على حساب قناعاتها وإن كانت تعطي للآخر ذلك الإنطباع المعاكس الذي يوحي بإستقلاليتها، وإلا لما رضيت بأن تنخرط في زواجٍ مر دفعت ثمنه غالياً مع أنها كانت تعلم الكثير من عيوب نصفها الآخر ورفيق طفولتها (نبيل) ومنها خيانته لها حتى قبل زواجهما، والذي عاشت في كنفه دور زوجة الوزير.. ذلك الرجل المهم الذي يحتم عليه منصبه الكثير من القرارات التي لم ترتضها يوماً، فملامح الإختلاف الجذري وليس الشكلي كانت واضحةً منذ خلافهما الذي خالته طفولياً حول معنى ورمزية القديسة (جان دارك) والتي كانت بشكلٍ أو بآخر (بيت القصيد) أو الرمز الذي يجسد تناقضاتها مع ذاتها قبل أن تجسد تناقضها مع (نبيل) وغيره من الأشخاص والأحداث..
ندى تعتقد أنها تعرف نفسها بينما هي ليست كذلك رغم ذكائها وثقافتها ومهاراتها والنضج النسبي الذي تتمتع به لكنه لم يكن حاضراً في كل اختياراتها، ندى كانت تنجذب إلى ما ينقصها وإلى كل ما ترى فيه انعكاساً لحكايتها أو يماثل فصلاً من فصولها أو أحد شخصياتها أو تفاصيلها، وبرغم أن استشهاد ابنها الوحيد كان حدثاً مفصلياً ونقطة تحولٍ في حياتها إلا أنه لم يغير في شخصيتها بقدر ما عرى أوجاعها القديمة وتساؤلاتها التي ظلت بداخلها ورغباتها التي لم تستطع تخطيها أو ترجمتها مع أن حياتها قد تبدو مثالية لمن يراها دون التعمق فيها...
ويتبلور ذلك مجدداً في علاقاتها التي ستبنيها لاحقاً على اختلافاتها والتي تبدو بمثابة دوائر متقاطعة تشغلها عن بناء صورتها الخاصة لنفسها وأمام نفسها أو تؤكد حاجتها إلى ذلك، فنحن كبشر ننجذب إلى ما نجد فيه شيئاً منا (بغض النظر إن كان ذلك صحياً أم لا في كثيرٍ من الأحيان)، فما علاقتها بالأختين التوأم (إيڤا و مارتا) وتعلقها الشديد بقصتهما واهتمامها بكشف ملابساتها إلا بحث عن ذاتها كإنسانة اعتقدت دون أن تدري أنها توأم (لنبيل)، هذا التوأم الذي تتقلب علاقتها به ومشاعرها نحوه بإستمرار دون القدرة على إنهائها بشكلٍ جدي، مع أن هاتين التوأمين خاصةً في هذا الزمن الذي نعيشه هما ضحية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد لا يصدق أحد قدر السذاجة والبساطة التي تتمتعان بهما فهما لم ينالا من الحياة سوى فتاتها، فتات الطفولة.. فتات الشعور بالإنتماء العائلي والشعور بالذات.. فتات الحب.. فتات الكرامة.. فتات العيش الإنساني الكريم، هما أشبه بصورة داخل قطعة زجاج مهشمة تكالبت عليهما الظروف وتم استغلالهما بأحقر وأقذر صورة ممكنة دون أن يساعدهما أحد، فشعرت (ندى) من خلالهما أن (بابلو) الفاسد والمنحل هو صورة أخرى عن (نبيل)، وهو ما دفعها للإنخراط في قصتهما اعتقاداً منها أنها تساعدهما بينما هي تبحث عن مساعدة للتداوي منه وهي من صدمت بمقدار وصوليته وانتهازيته ومتاجرته بالوجع.. حتى وإن كان ذلك على جثة ابنهما..
وبالمضي قدماً في رحلة (ندى) بين الوجوه والمدن والشخصيات تتضح صورتها كسيدة تعيش اضطراباً حقيقياً وصراعاً داخلياً وهي على وعيٍ تام به، وهذه النقطة بالغة الأهمية ليست للحديث عنها كمجرد شخصية في عمل فني أو روائي بل لتشابهها حد التطابق مع الكثير من سلوكيات أبناء مجتمعاتنا رجالاً كانوا أم نساءاً، فندى امرأة ناضجة ومثقفة تعرف أين الصواب وأين الخطأ وليست محدودة التجربة أو التفكير.. لكنها من وقت لآخر تجد بعض المبررات التي (تعفيها أمام نفسها) أو تقلل من شعورها بالذنب تجاه اختياراتها أو خطواتها أو غياب الحسم عن قرارات اتخذتها وكان يفترض أنها لا تقبل التراجع، فمزجت بين مخاوفها منذ الطفولة واخفاقاتها في سن الشباب مع (نبيل) وحسرتها على وحيدها (غدي) وموقفها مما يحدث في وطنها وأعادت تشكيلها في علاقتها مع (بوريس) الشاب الأوكراني الذي يذكرها بإبنها الراحل وانخرطت معه في علاقة كانت تتوجس منها حتى قبل أن تبدأ، وظلت تتسائل عنها في أعماقها ولم تشعر بالرضا عنها بعد أن وصلت إلى حدودها القصوى، فظنت ندى في بداية التعارف أنه مصاب بعقدة أوديب بسبب فارق السن الكبير بينهما والذي ظلت تذكر نفسها به على مدار الأحداث لكنها تناسته لاحقاً دون أن تحدد موقفها فعلياً من (نبيل)، فهي تشتاق إليه أحياناً وتشمئز منه في أحيانٍ أخرى كما تندفع كثيراً مع (بوريس) وتتذكر في بعض الأوقات أنه يذكرها بإبنها، وهو مالا ينفصل عن خوفها من ضياع العمر الذي ترمز له باللون الأزرق وحكاية قطعة القماش الزرقاء التي جاءت بعد سنواتٍ من الإنتظار، وعدم تحديدها لمعنى (جان دارك) بالنسبة إليها هل هي رمز ديني أم أنثوي أم رمز للتمرد على المجتمع أم نقطة خلافية تسعى من خلالها إلى إثبات نفسها بعد أن أخفقت في مواقف أخرى؟ هل تؤمن ندى بالروحانيات التي ولدت وترعرعت بينها وكانت تستحضرها من وقت لآخر بمثابة شعور أو حلم يعقب أحد تصرفاتها أم أنها محل شك كذلك التساؤل الذي طرحته على (بوريس) عندما أشعل شمعةً لأجلها في كاتدرائية نوتردام ؟
ندى شخصيةٌ لم تستطع أن تأخذ قراراً أو تحدد موقفاً واضحاً رغم توفر كافة المعطيات أمامها، وربما كان شعورها النسبي بالرضا بعد اكتشاف الطفل المفقود الذي جمع في مشهد ٍ مؤثر بين الأختين التوأمين بعد قطيعةٍ طويلة برغم تواجدهما معاً، والذي انتهى بشكلٍ مؤلم هو بمثابة تخفيف لألمها الشخصي وخسارتها المزدوجة لإبنها (غدي) الذي لم تغب ملامحه عن أحداث الرواية ولتوأمها الذي لا يشبهها (نبيل)، والذي فاجأتنا بعودته التي اختتمت بها العمل دون أن نعرف هدف وسبب هذه العودة تاركةً للقارىء وحده تصور ذلك بذكاءٍ يتخذ منحىً منطقياً، خاصةً مع اتساقها مع مسار الشخصيات والرواية ككل.. فهل غيّر (نبيل) موقفه أم عاد لإسترداد سيدة يعتبرها جزءًا من ممتلكاته رغم كل ما يفرق بينهما ؟
ريما بالي.. كاتبة متميزة خلقت بسردها المميز وأسلوبها السلس والجذاب والإنسيابي ولغتها الجميلة بذكاء فضاءاً شاسعاً عابراً للثقافات، استطاعت أن تثبت من خلاله ورغم اتساعه مدى تشابه البشر واحتياجاتهم وتناقضاتهم وعيوبهم وفضائلهم وحتى فسادهم ومبرراتهم وبحثهم عن ما يشبههم وما ينقصهم مهما تغيرت الظروف والوجوه والبلاد، وسطرت حالة بشرية تشبه الكثيرين في بلادنا بين تبنيهم لنموذج يختلف عن ما يمارسونه ويعكس حالة التردد الذي يعيشونه ضمن مساحة رمادية مليئة بالأسئلة التي امتدت لأجيال دون إجابة ونهايات يبدو أنها ستظل مفتوحة على الأقل في المدى المنظور..
خالد جهاد..
الصور المعتادة من إطار الكمال ووضعتها أمام أعيننا وإن لم نكن راغبين في رؤيتها كما هي، فاستدرجت الروائية السورية ريما بالي قارئ عملها (غدي الأزرق) دون أن يدري إلى مساحاتٍ بعيدة عن تلك التي قد تدور في ذهنه عادةً..
فمع بدايةٍ تنقلنا إلى العيش بشكلٍ سلس ضمن بيئةٍ مسيحية سورية كان الكثيرون ينظرون إليها من الخارج (خاصةً من غير السوريين) على أنها (نوعاً ما) أقرب إلى المثالية مقارنةً بغيرها (وهذا قطعاً غير صحيح).. جاءت هذه الرواية لتقدم مشهداً متنوعاً واقعياً يحمل لوحةً متكاملة تقدم مختلف وجهات النظر بعيداً عن المغالاة، ويؤكد على أن ما يطفو على السطح في مختلف المجتمعات أو ما يصلنا منها لا يمثل بالضرورة الصورة الكاملة لها، فهناك دوماً ما لا نعرفه ويدور خلف الأبواب المغلقة متوارياً عن أعين الناس دون أن يحمل ذلك دلالةً سلبية كما قد يعتقد البعض..
(ندى خياط) الشخصية الرئيسية في العمل ليست كما تبدو من الخارج، فهي شخصية هشة، خائفة، مضطربة، تعاني من قلة الثقة بالنفس وعدم التأكد من خياراتها أو هويتها.. تبدو لمن يرسم صورتها في مخيلته امرأةً عصرية، جميلة، مثقفة، قوية وربما جريئة، لكنها في الحقيقة أنثى منكسرة (منذ طفولتها) وتحتاج دوماً إلى من يأخذ بيدها ويكون (توأمها) حتى لو كان ذلك على حساب قناعاتها وإن كانت تعطي للآخر ذلك الإنطباع المعاكس الذي يوحي بإستقلاليتها، وإلا لما رضيت بأن تنخرط في زواجٍ مر دفعت ثمنه غالياً مع أنها كانت تعلم الكثير من عيوب نصفها الآخر ورفيق طفولتها (نبيل) ومنها خيانته لها حتى قبل زواجهما، والذي عاشت في كنفه دور زوجة الوزير.. ذلك الرجل المهم الذي يحتم عليه منصبه الكثير من القرارات التي لم ترتضها يوماً، فملامح الإختلاف الجذري وليس الشكلي كانت واضحةً منذ خلافهما الذي خالته طفولياً حول معنى ورمزية القديسة (جان دارك) والتي كانت بشكلٍ أو بآخر (بيت القصيد) أو الرمز الذي يجسد تناقضاتها مع ذاتها قبل أن تجسد تناقضها مع (نبيل) وغيره من الأشخاص والأحداث..
ندى تعتقد أنها تعرف نفسها بينما هي ليست كذلك رغم ذكائها وثقافتها ومهاراتها والنضج النسبي الذي تتمتع به لكنه لم يكن حاضراً في كل اختياراتها، ندى كانت تنجذب إلى ما ينقصها وإلى كل ما ترى فيه انعكاساً لحكايتها أو يماثل فصلاً من فصولها أو أحد شخصياتها أو تفاصيلها، وبرغم أن استشهاد ابنها الوحيد كان حدثاً مفصلياً ونقطة تحولٍ في حياتها إلا أنه لم يغير في شخصيتها بقدر ما عرى أوجاعها القديمة وتساؤلاتها التي ظلت بداخلها ورغباتها التي لم تستطع تخطيها أو ترجمتها مع أن حياتها قد تبدو مثالية لمن يراها دون التعمق فيها...
ويتبلور ذلك مجدداً في علاقاتها التي ستبنيها لاحقاً على اختلافاتها والتي تبدو بمثابة دوائر متقاطعة تشغلها عن بناء صورتها الخاصة لنفسها وأمام نفسها أو تؤكد حاجتها إلى ذلك، فنحن كبشر ننجذب إلى ما نجد فيه شيئاً منا (بغض النظر إن كان ذلك صحياً أم لا في كثيرٍ من الأحيان)، فما علاقتها بالأختين التوأم (إيڤا و مارتا) وتعلقها الشديد بقصتهما واهتمامها بكشف ملابساتها إلا بحث عن ذاتها كإنسانة اعتقدت دون أن تدري أنها توأم (لنبيل)، هذا التوأم الذي تتقلب علاقتها به ومشاعرها نحوه بإستمرار دون القدرة على إنهائها بشكلٍ جدي، مع أن هاتين التوأمين خاصةً في هذا الزمن الذي نعيشه هما ضحية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد لا يصدق أحد قدر السذاجة والبساطة التي تتمتعان بهما فهما لم ينالا من الحياة سوى فتاتها، فتات الطفولة.. فتات الشعور بالإنتماء العائلي والشعور بالذات.. فتات الحب.. فتات الكرامة.. فتات العيش الإنساني الكريم، هما أشبه بصورة داخل قطعة زجاج مهشمة تكالبت عليهما الظروف وتم استغلالهما بأحقر وأقذر صورة ممكنة دون أن يساعدهما أحد، فشعرت (ندى) من خلالهما أن (بابلو) الفاسد والمنحل هو صورة أخرى عن (نبيل)، وهو ما دفعها للإنخراط في قصتهما اعتقاداً منها أنها تساعدهما بينما هي تبحث عن مساعدة للتداوي منه وهي من صدمت بمقدار وصوليته وانتهازيته ومتاجرته بالوجع.. حتى وإن كان ذلك على جثة ابنهما..
وبالمضي قدماً في رحلة (ندى) بين الوجوه والمدن والشخصيات تتضح صورتها كسيدة تعيش اضطراباً حقيقياً وصراعاً داخلياً وهي على وعيٍ تام به، وهذه النقطة بالغة الأهمية ليست للحديث عنها كمجرد شخصية في عمل فني أو روائي بل لتشابهها حد التطابق مع الكثير من سلوكيات أبناء مجتمعاتنا رجالاً كانوا أم نساءاً، فندى امرأة ناضجة ومثقفة تعرف أين الصواب وأين الخطأ وليست محدودة التجربة أو التفكير.. لكنها من وقت لآخر تجد بعض المبررات التي (تعفيها أمام نفسها) أو تقلل من شعورها بالذنب تجاه اختياراتها أو خطواتها أو غياب الحسم عن قرارات اتخذتها وكان يفترض أنها لا تقبل التراجع، فمزجت بين مخاوفها منذ الطفولة واخفاقاتها في سن الشباب مع (نبيل) وحسرتها على وحيدها (غدي) وموقفها مما يحدث في وطنها وأعادت تشكيلها في علاقتها مع (بوريس) الشاب الأوكراني الذي يذكرها بإبنها الراحل وانخرطت معه في علاقة كانت تتوجس منها حتى قبل أن تبدأ، وظلت تتسائل عنها في أعماقها ولم تشعر بالرضا عنها بعد أن وصلت إلى حدودها القصوى، فظنت ندى في بداية التعارف أنه مصاب بعقدة أوديب بسبب فارق السن الكبير بينهما والذي ظلت تذكر نفسها به على مدار الأحداث لكنها تناسته لاحقاً دون أن تحدد موقفها فعلياً من (نبيل)، فهي تشتاق إليه أحياناً وتشمئز منه في أحيانٍ أخرى كما تندفع كثيراً مع (بوريس) وتتذكر في بعض الأوقات أنه يذكرها بإبنها، وهو مالا ينفصل عن خوفها من ضياع العمر الذي ترمز له باللون الأزرق وحكاية قطعة القماش الزرقاء التي جاءت بعد سنواتٍ من الإنتظار، وعدم تحديدها لمعنى (جان دارك) بالنسبة إليها هل هي رمز ديني أم أنثوي أم رمز للتمرد على المجتمع أم نقطة خلافية تسعى من خلالها إلى إثبات نفسها بعد أن أخفقت في مواقف أخرى؟ هل تؤمن ندى بالروحانيات التي ولدت وترعرعت بينها وكانت تستحضرها من وقت لآخر بمثابة شعور أو حلم يعقب أحد تصرفاتها أم أنها محل شك كذلك التساؤل الذي طرحته على (بوريس) عندما أشعل شمعةً لأجلها في كاتدرائية نوتردام ؟
ندى شخصيةٌ لم تستطع أن تأخذ قراراً أو تحدد موقفاً واضحاً رغم توفر كافة المعطيات أمامها، وربما كان شعورها النسبي بالرضا بعد اكتشاف الطفل المفقود الذي جمع في مشهد ٍ مؤثر بين الأختين التوأمين بعد قطيعةٍ طويلة برغم تواجدهما معاً، والذي انتهى بشكلٍ مؤلم هو بمثابة تخفيف لألمها الشخصي وخسارتها المزدوجة لإبنها (غدي) الذي لم تغب ملامحه عن أحداث الرواية ولتوأمها الذي لا يشبهها (نبيل)، والذي فاجأتنا بعودته التي اختتمت بها العمل دون أن نعرف هدف وسبب هذه العودة تاركةً للقارىء وحده تصور ذلك بذكاءٍ يتخذ منحىً منطقياً، خاصةً مع اتساقها مع مسار الشخصيات والرواية ككل.. فهل غيّر (نبيل) موقفه أم عاد لإسترداد سيدة يعتبرها جزءًا من ممتلكاته رغم كل ما يفرق بينهما ؟
ريما بالي.. كاتبة متميزة خلقت بسردها المميز وأسلوبها السلس والجذاب والإنسيابي ولغتها الجميلة بذكاء فضاءاً شاسعاً عابراً للثقافات، استطاعت أن تثبت من خلاله ورغم اتساعه مدى تشابه البشر واحتياجاتهم وتناقضاتهم وعيوبهم وفضائلهم وحتى فسادهم ومبرراتهم وبحثهم عن ما يشبههم وما ينقصهم مهما تغيرت الظروف والوجوه والبلاد، وسطرت حالة بشرية تشبه الكثيرين في بلادنا بين تبنيهم لنموذج يختلف عن ما يمارسونه ويعكس حالة التردد الذي يعيشونه ضمن مساحة رمادية مليئة بالأسئلة التي امتدت لأجيال دون إجابة ونهايات يبدو أنها ستظل مفتوحة على الأقل في المدى المنظور..
خالد جهاد..