ما رأيت الـنسّابين مـجمعين على فضل وتعظيم وإجـلال أحدٍ كهذا الرجل!
هذا رجلٌ وارث علم السادة الأشراف، وخلاصةٌ نقية لثقافة المؤرخين، وقطبٌ من أقطاب علم الأنساب المعاصرين، وأصدق الأمثلة للبحاثة الجاد، فيه نبوغ النشأة، وقدرة المحققين، وقوة الاطلاع، ودقة الوصف، وأصالة التفكير، وتنوع المعارف، ونظرة الفاحص، وتحرير المؤرخ، وتوجيه الاجتماعي.
وهو نموذج كريم من أولئك الذي عاشوا حياتهم للعلم والخدمة الاجتماعية، ومن الروّاد القلائل الذين جمعوا بين النسب وعلم الآثار بتمكن، ومؤرخ نسّابة له فكرة كاملة في الحياة والمجتمع والحضارة والثقافة العامة.
(1)
هو العلامة المحقق والعالم المدقق الشريف أحمد ضياء بن محمد قللي العنقاوي ابن مدينة "قنا" ينتمي إلى أسرة من كرائم أسر السادة الأشراف (آل قللي) من الأشراف بني حسن العنقاوية بمحافظة "قنا" بمصر، والعنقاوي نسبة إلى جدهم الأعلى الشريف عنقا بن وبير بن محمد بن عاطف بن أبي دعيج ابن أمير مكة محمد أبي نمي الأول ابن أبي سعد الحسن، وتـعدّ أسرته من طلائع الأسر بصعيد مصر في السمو والبذل والعلم والوجاهة.
هذا الأستاذ الكبير من المشتغلين بعلم الأنساب، المحققين لمسائله، ندر من بلغ قدره في هذا العلم، واسع الاطلاع، فقد وعى كثيراً من أنساب المتقدمين والمتأخرين وأقوال السادة الأشراف ونوادرهم، وهو بحقٍ مفخرة من مفاخر أهل مصر.
ولد الشريف أحد ضياء العنقاوي سنة 1956م في مدينة "قنا" بصعيد مصر، ونشأ في أسرة علمية ذات مجد سالف وكرم حاضر، ترجع بأصولها العريقة إلى الإمام الحسن بن علي عليه السلام، فهو من بيت عز ومجد.
ترعرع أستاذنا في كنف الفضل والصلاح، ونما في وسط علمي، فهو ابن أسرة مهتمة بالنسب النبوي الشريف، وقد تلقى تعليمه في مدارس "قنا" إلى أن تخرج من الثانوية العامة سنة 1975م من مدرسة "الشهيد عبد المنعم رياض الثانوية العسكرية"، وليس أعظم شرفاً للشخص من أن يحمل في دراسته الأكاديمية بين علوم الآثار وبين علم النسب وغيره من العلوم الداعمة له، فيحصل في دراسته كثيراً من المعارف، وتقدم لنا هذه الدراسة حينئذٍ عالماً موسوعياً، ذا اطلاع على كثير من ضروب المعارف، فبعد حصوله على الشهادة الثانوية التحق بجامعة القاهرة في "كلية الآثار"، ليسانس شعبة الآثار الإسلامية إلى أن تخرج منها سنة 1980م، وقد اتجه في دراسته إلى الآثار الإسلامية، مما كان له عظيم الأثر في إيمانه الصادق بالتاريخ ودوره في الحضارة، ونمت عنده بسبب دراسة الآثار ملكة التشوق لمعرفة التواريخ والأمكنة، والشغف بالكتب التي تبحث في هذه الموضوعات.
وقد درس العديد من اللغات؛ كالفارسية والتركية والهيروغليفية، وأجاد اللغة الفرنسية والإنجليزية.
ولوالده دور بارز في حياته، حيث كان مشجعاً ومحفزاً له على الاهتمام بعلم الأنساب، وخصه ببعض الموروثات من الوثائق والحجج المحكمية والأهلية الموروثة، ولجده اهتمامٌ بالغ ومعرفة تامة بهذا العلم، وقد ورث عنه وثائق ومخطوطات ومشجرات عليها توقيعاته تبين مدي اهتمامه، وتولى بعض أجداده نظارة وقف الأشراف بقنا، علاوة علي توليهم منصب شيوخ مشايخ منطقة قنا، وهذا يبين مدى إلمامهم بقبائل وأنساب المنطقة وغيرها، وكان جده "الشريف حسن عبد الله حسان العنقاوي" من زعماء العمل الوطني، حيث قاد المعارك بالصعيد، واستضاف بقنا لذلك نقيب أشراف مصر "السيد عمر مكرم" الذي درس معه بالأزهر الشريف، كما استضاف نقيب أشراف الحجاز السيد السقاف بقنا في رحلته للبحث والتدوين لأنساب المنطقة، ولديه مدونات تؤكد ذلك .
ولا مناص هنا من الإشارة إلى أثر العادات المجتمعية الحسنة والمحافظة على التقاليد القويمة في حياة الصعيد؛ لأنها ذات دلالة مهمة على تكوين أستاذنا في حياته، حيث نشأ في وسط يحافظ على التقاليد الأصيلة، وهذا الوسط كان له بالغ الأثر في حياته، فلا يستطيع أن يقدم ساعتئذٍ على عادات مستنكرة، حتى شملت هذه التقاليد كلّ صنوف الحياة.
(2)
قرأ كثيراً من كتب الأنساب منذ صغره، وطوف في شبابه بكتب الأنساب مطبوعها ومخطوطها، واستوعب جميع النصوص والمسائل الهامة فيها، حتى صارت له خبرة واسعة بتراجم السادة الأشراف وأخبارهم، وأسرته على وجه الخصوص، ولأجل ذلك صاحب كبار النسابين بمصر والعالم الإسلامي، فتلقى أستاذنا علم النسب أولًا عن كبار النسابين بمدينته قنا، ومن أجلّ شيوخه الذين أخذ عنهم: الشريف المعمر هاشم بن محمد العنقاوي (ت1403)، والشريف منصور بن محمد الأحمر العنقاوي (ت1407)، وابنا عميه الشريف أنور الأحمر العنقاوي (ت1409)، والمعمر محمد بن عبد الرحيم بن حسنين العنقاوي المعروف بكمال حسنين (ت1422)، والشريف مصطفى شملول الجمازي الحسيني (ت1424)، وقد تعددت استفاداته من هؤلاء النسابين الكبار، ما بين أخذ وضبط لبعض الروايات المتعلقة بهذا الفن، واطلاع على الوثائق والصكوك والحجج والسجلات الرسمية التي كانوا يمتلكونها عن طريق الإرث عن آبائهم وأجدادهم، وسؤال واستفسار عن بعض أسر الأشراف وأنسابهم داخل قنا وخارجها، حيث كان دائماً كثير السؤال والاستفسار مما أكسبه اهتمام أساتذته واعتنائهم به، وكان في مناقشاته معهم يتسم بطابع قوة الفهم، والقدرة على الاستيعاب، واستخلاص الدرر والفوائد.
لم يقتصر الشريف ضياء العنقاوي في دراسته لعلم الأنساب على أساتذته بقنا، ولكنّه صال وجال في البلدان الأخرى، وطار وحلق في ضروب المعرفة، وتجول في المدن باحثاً منقباً عن المصورات النفيسة والمشجرات النادرة، فزار العديد من البلدان للاستفادة، لعل من أهمها بلاد المغرب والشام وتركيا وخاصة الأرشيف العثماني بإسطنبول وأنقرة، واقتنى منهما حوالي مليون وثيقة، وفي رحلاته المتعددة اقتنى كثيراً من نفائس المخطوطات، واتصل برواد هذا الميدان مما أكسبه فهماً وخبرة فوق علمه.
وحصّل أستاذنا وقت تردده وإقامته ببلاد الحرمين ما تبقى من أصول هذا الفن ومسائله، وذاكر وروى عن كبار النسّابين بالحجاز معلومات نفيسة عن الأسر الشريفة وأنسابها، وتعرّف بكثير من مشاهير رجالها، وكانت استفادته في الحجاز بالعديد من العلماء الأجلاء، إلا أن استفادته الكبرى -كما كتب لي- كانت عن شخصيتين بارزتين: الشريف مساعد بن منصور بن مساعد آل زيد (ت1430) وله العديد من المصنفات في التاريخ والأنساب ومنها كتابه الشهير "جداول أمراء مكة وحكامها"، والشريف محمد بن منصور بن هاشم الشهير بالنجدي، وله العديد من المؤلفات، ومنها كتابة الشهير "قبائل الطائف وأشراف الحجاز".
وقد أقام مدة طويلة بالحجاز مشتغلًا بالعلم ونشر رسائل من تصنيفه، وكان لاتصاله المباشر بأشراف الحجاز أثر في نجاح مشروعاته المعرفية.
وهؤلاء العلماء الأجلاء المبرزون في هذا الفن كانوا يجلونه ويحبونه ويعرفون فضله وعلو كعبه!
والحق أن الشريف "ضياء العنقاوي" ثمرة من ثمار هؤلاء الأعلام المذكورين، وخطوة تالية لأساتذته في علم الأنساب!
(3)
تعتز مصر بشخصيته المميزة، ولقد صرنا نفتخر به على الآخرين، ونحكي في المجالس: "فينا الشريف أحمد ضياء العنقاوي فلن نغلب في هذا الفن"، وقد قدّم الكثير في هذا العلم حتى صار مرجعاً رئيساً من مراجع علم النسب لا يستطيع باحث أن يتخطاه.
ولا يستطيع أحدٌ نزع [مصريته] عنه، فهو مصري ثابت الأركان يعتز بوطنه، ويفتخر به، ويعمل على إعلاء شأنه، وممن له قدم راسخة في الاهتمام بقضايا الوطن.
رجل نسابة، ممتع المجالسة، غزير الفوائد، معظماً عند الخاصة والعامة، محط أنظار المهتمين من شتى البلدان، يعرفون فضله، ويحرصون على مودته، فقوله معتمد وكلامه لا يقبل الشك.
كثير التواضع، وعلى جانب عظيم من الأدب الرفيع والخلق الحسن، مَن رآه عرف أنه من نسل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يتكلم أو يفصح عن نسبه الشريف.
يعتصم برجولة باهرة، ويرتفع دائماً فوق الصغائر، ويعزف عن أعمال الصغار.
وهو أبيّ النفس، لم يتكسب بكتاباته ومشجراته، ولم يمدح أحداً أو يكتب عمود نسبه؛ طلباً لبره، ومن علماء الأنساب الذين ترتجف منه فرائص كثيرين من المشتغلين بهذا العلم، لأن معه الحجج والأدلة مع القوة والجراءة في الحق، وهذه مقومات لقبول قوله في الغالب.
وقد اشتهر فضله بين الناس في مصر والوطن العربي، فهو جليل القدر بينهم، سالكاً سبيل أجداده الأخيار، معمراً أوقاته بالبحث والتنقيب عن مآثر أهل البيت النبوي الأطهار وأنسابهم الشريفة.
وفي أثناء حديثه تراه متفانياً في محبة آل البيت -رضي الله عنهم- يطيل الكلام عنهم تلذذاً بأفضالهم وأعمالهم.
وأما إذا جلس في مجالس النسابين وتكلم تخاله يتفجر علمًا وفوائد نفيسة وحكايات نادرة من جميع جوارحه حتى عدّ في هذا الفن من أفراد العصر الذين قل أنْ يجود الزمان بمثلهم إلا بعد حين.
وقد وقف حياته كلها على خدمة علم الأنساب والاعتناء بمشجرات الأسر الشريفة، وكان حبه لهذا الأمر في كلّ مرحلة من مراحل حياته.
وبحكم وجوده فترة ليست بالقصيرة ببلاد الحرمين فقد أكرمه الله عز وجل فحجّ واعتمر مراراً، تقبل الله منه صالح الأعمال!
ومن منهجه الذي احتفظه لنفسه في سائر كتبه: التحليل للمصادر التاريخية وما يعتريها من نقص، والإعراض عن بعض أعمدة النسب المضطربة إن لم يجد عموداً صريحاً، واستبعاد المصادر التي بها خلط أو وضع في الأنساب، وعدم الاعتماد على بعض المصادر التي تعتمد النسب عن طريق الأم، والميل إلى النهج العلمي في التمحيص والتدقيق.
(4)
تكاثرت أعباؤه، واختلفت حيواته، وتنوعت مناصبه، وهل يختار الشخص طريقه في الحياة وهو مميز في العلم والحياة العملية، ومشارك في كثير من المعارف؟ فالمنصب حينئذٍ مهيأ له، والطريق مفتوح أمامه، وهكذا كان "أحمد ضياء العنقاوي" الآثاري، والنسابة، والمؤرخ، وناظر الأوقاف، والمشارك في الحياة العامة، والمصلح الاجتماعي، والكاتب، والإعلامي، والمحقق.
له في كل مكان أو مؤسسة عدة أعمال، بها نتائج ملحوظة وآثار مشهودة، فقد عمل أولًا بوظيفة مفتش بالآثار الإسلامية بمصر، ثم التحق سنة 1983م بوزارة الإعلام، وتقلد فيها عدة مناصب، وتولى في نفس السنة أيضاً نظارة وإدارة شؤون وقف الأشراف بني حسن العنقاوية بقنا، وهو الوكيل المفوض عن الأشراف العنقاوية بقنا حتى الآن، هذا إلى جانب حياته المزدحمة بالعمل الاجتماعي في كثير من المؤسسات الخيرية، والمليئة بحضور كثير من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والبرامج التلفزيونية.
وهو في كل أطوار عمله مثالُ القدوة، والأخلاق الفاضلة، والانشغال بالمصلحة العامة.
وقد استخلصت من سؤالي المتكرر له ومراجعة آثاره وسؤال عارفيه والاطلاع على أحواله أنه قد أضاف إضافة بناءة في ميادين أربعة: علم النسب، والتصنيف والتحقيق، والعمل الاجتماعي، والحضور العربي والصلة بأكابر المشتغلين بالعلم، ووقائع حياته تكشف عن حقيقة واحدة لا يمكن تجاهلها أنه رجل طبع منذ نشأته الأولى على الأعمال الجليلة، وتؤكد لنا مسيرة حياته تلك الحقيقة بجلاء إذا ما قارناها مع غيره من أبناء جيله، ولعل كثرة الأعمال والكتب والمقالات والمشجرات مع جلالتها تجعلنا في حيرة تامة واندهاش لمحاولة إظهار أهمها، وفي الحقيقة كلها من المهمات.
فهو آثاري مع علماء الآثار، ونسابة مع النسابين، ومؤرخ مع المؤرخين، ومحقق مع المحققين، ومصنف مع مصنفي الكتب، ورحّالة مع الرحالين، ووجيه مع أرباب الوجاهة، واجتماعي مع أصحاب العمل الخيري، وإعلامي مع الإعلاميين، وكاتب مع الكتّاب، فله في كثير من التخصصات مشاركة وعناية.
(5)
إنّ في العناوين التي اختارها لكتبه وأبحاثه ومقالاته ما ينم عن منهجه في علم النسب، فجاءت معبرة عن قضاياه الكبرى، ناطقة بتنوع اهتماماته ومشاريعه!
يعد العنقاوي حجة في علم الأنساب وثقة ثبتاً يرجع إليه في مشكلات هذا العلم، وهو من أقدر نسابة العصر على النقد وتفنيد الأقوال واستحضار الحجج والأدلة، حاضر الجواب حلو النادرة، وتعد كتاباته سجلًا زاخراً بشتى ألوان المعرفة بعلم الأنساب ومتعلقاته، كما أنها تدل على صبره وجلده على جمع المخطوطات والمشجرات، وتتبع الروايات والنصوص واستقصائها، وقد أحيا بعمله بعض المخطوطات الهامة.
فبعد أن شب الشريف ضياء العنقاوي عن الطوق، وبعد أن ارتوى من علوم القوم في علم الأنساب، وبعد أن زار بلداناً كثيرة لأجل هذا، واجتمع بأجلّ علماء الأنساب ورحبوا به، آنس من نفسه القدرة على التصنيف والكتابة والإفادة والنفع، فألف وكتب وناقش وحاور وحاضر.
وامتازت كتبه بأنها أصول يعتد بها، ومراجع يعتمد عليها في عصرنا الحاضر، فليست من نوع الكتب التي يمكن الاستغناء عنها، بل هي مراجع أصيلة لا يمكن لباحث أن يبحث في علم النسب دون الرجوع إليها، أو الإحالة في مصادره ومراجعه إليها، ومَن رجع إلى فهرس كتاب من كتب النسابة المعاصرين سيجد بلا شك أن كتب الشريف "أحمد ضياء العنقاوي" أهم المراجع التي استند عليها، وقد سدت كتبه فراغاً كبيراً في كتب الأنساب عند المعاصرين كانت في أمس الحاجة إليها.
ألف المؤلفات المحررة التي تدلّ على تمكنه وتحقيقه وعلو كعبه في صمت ودون ضجة، حتى شهد له معاصروه بالتفوق، ففي كتبه وأبحاثه العلمية ارتباطٌ وثيقٌ بكتب التراجم والتاريخ، وتنبيه على الأقوال الضعيفة، وسهولة في العرض، وله المقالات التاريخية المهمة والحوارات المتعددة التي نشرت في الجرائد والمجلات بمصر وغيرها من البلدان، وقد أخرج أكثر من ١٣٠ بحثاً علمياً محكماً في الأنساب ونحوها في تاريخ الحرمين، نشر بعضها حتى الآن ضمن عشر مجلدات بمؤسسة الفرقان بلندن بموسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وله تآليف عديدة تفوق العشرين، منها:
كتابه الفريد "حياتي في الحياة" وهو سيرة ذاتية حافلة، أقرب إلى المذكرات التاريخية، وقد كتب لي عن هذا الكتاب: "هو كتاب مخطوط في أربعة عشر مجلداً حتى الآن، وقد فقد منه الجزء السادس، ويحتوي على سيرة حياتي الذاتية مع مواقفي في رحلة حياتي وتصوراتي وانطباعاتي وآرائي المختلفة، علاوة على ذكر ما في رحلاتي وزياراتي في البلدان والمواضع والأماكن والمدن المختلفة سواء في الداخل أو الخارج، ومنه استقيت كتابي "رحلاتي في بلاد الحرمين" الذي طبع في مجلدين، كما توجد فيه كثير من المدونات والملاحظات عن المصادر التاريخية والنسبية التي استفدت منها، ومحاضرات ومحاضر في التاريخ والأنساب المختلفة، وآرائي في ذلك، وبالجملة فهذه السيرة هي أحداث حياتي علي شكل يوميات".
ومنها كتابه "الأصول في أخبار من نزل مصر من مشاهير ذرية الرسول" وقد مهد فيه تمهيداً تاريخياً لدخول السادة الأشراف أرض مصر منذ القرن الثاني الهجري حتى القرن الثاني عشر الهجري، مع توضيح دورهم الإجمالي في مصر دون التوسع في ذلك، ثم ذكر أسماء المشاهير من الأشراف الذين دخلوا مصر من ذرية الإمامين الحسين والحسن ابني الإمام عليّ رضي الله عنهم، وقد رجع في ذلك إلى الكتب الموثقة والمصادر الأصيلة، وقد استبعد من كتابه المصادر غير الموثوقة أو التي بها وضع أو خلط في علم الأنساب، وقسم دراسته إلى قسمين: الأول يضم الأشراف الحسنيين، والآخر يضم الأشراف الحسينيين، وفصل القول في كلّ قسم.
وأما كتابه الأجلّ فهو كتاب ""معجم أشراف الحجاز في بلاد الحرمين" وبه أفاد الشريف أحمد العنقاوي أشراف الحجاز، فكانت له يد بيضاء في جمع ما تناثر من أنساب أشراف الحجاز فيه، ووقائع تأليف هذا الكتاب العظيم تكشف عن حقيقة واحدة لا يمكن تجاهلها أنّه عالمٌ متمكن في علم النسب وغيره، ومن لم يطلع على كتابه هذا فلا حقّ له أن يدعي معرفة بعلم الأنساب، ولا أن يبحث في تاريخ الأسر الشريفة وأعيانهم.
لعل في إطلاقي لقب "شيخ النسابين" على الشريف أحمد ضياء العنقاوي إشادة بأعماله، وتنويهاً على بعض فضائله، واعترافاً بجهوده، وهو لقب حقيق به لم يأت مجاملة مني، بل وراءه قدرة فائقة، وأدوات بحثية نادرة، وكتب مصنفة جامعة، وهمة في التمحيص والتحليل.
د. علي زين العابدين الحسيني - كاتب أزهري
مجلة "أقلام عربية" باليمن، عدد: أغسطس
هذا رجلٌ وارث علم السادة الأشراف، وخلاصةٌ نقية لثقافة المؤرخين، وقطبٌ من أقطاب علم الأنساب المعاصرين، وأصدق الأمثلة للبحاثة الجاد، فيه نبوغ النشأة، وقدرة المحققين، وقوة الاطلاع، ودقة الوصف، وأصالة التفكير، وتنوع المعارف، ونظرة الفاحص، وتحرير المؤرخ، وتوجيه الاجتماعي.
وهو نموذج كريم من أولئك الذي عاشوا حياتهم للعلم والخدمة الاجتماعية، ومن الروّاد القلائل الذين جمعوا بين النسب وعلم الآثار بتمكن، ومؤرخ نسّابة له فكرة كاملة في الحياة والمجتمع والحضارة والثقافة العامة.
(1)
هو العلامة المحقق والعالم المدقق الشريف أحمد ضياء بن محمد قللي العنقاوي ابن مدينة "قنا" ينتمي إلى أسرة من كرائم أسر السادة الأشراف (آل قللي) من الأشراف بني حسن العنقاوية بمحافظة "قنا" بمصر، والعنقاوي نسبة إلى جدهم الأعلى الشريف عنقا بن وبير بن محمد بن عاطف بن أبي دعيج ابن أمير مكة محمد أبي نمي الأول ابن أبي سعد الحسن، وتـعدّ أسرته من طلائع الأسر بصعيد مصر في السمو والبذل والعلم والوجاهة.
هذا الأستاذ الكبير من المشتغلين بعلم الأنساب، المحققين لمسائله، ندر من بلغ قدره في هذا العلم، واسع الاطلاع، فقد وعى كثيراً من أنساب المتقدمين والمتأخرين وأقوال السادة الأشراف ونوادرهم، وهو بحقٍ مفخرة من مفاخر أهل مصر.
ولد الشريف أحد ضياء العنقاوي سنة 1956م في مدينة "قنا" بصعيد مصر، ونشأ في أسرة علمية ذات مجد سالف وكرم حاضر، ترجع بأصولها العريقة إلى الإمام الحسن بن علي عليه السلام، فهو من بيت عز ومجد.
ترعرع أستاذنا في كنف الفضل والصلاح، ونما في وسط علمي، فهو ابن أسرة مهتمة بالنسب النبوي الشريف، وقد تلقى تعليمه في مدارس "قنا" إلى أن تخرج من الثانوية العامة سنة 1975م من مدرسة "الشهيد عبد المنعم رياض الثانوية العسكرية"، وليس أعظم شرفاً للشخص من أن يحمل في دراسته الأكاديمية بين علوم الآثار وبين علم النسب وغيره من العلوم الداعمة له، فيحصل في دراسته كثيراً من المعارف، وتقدم لنا هذه الدراسة حينئذٍ عالماً موسوعياً، ذا اطلاع على كثير من ضروب المعارف، فبعد حصوله على الشهادة الثانوية التحق بجامعة القاهرة في "كلية الآثار"، ليسانس شعبة الآثار الإسلامية إلى أن تخرج منها سنة 1980م، وقد اتجه في دراسته إلى الآثار الإسلامية، مما كان له عظيم الأثر في إيمانه الصادق بالتاريخ ودوره في الحضارة، ونمت عنده بسبب دراسة الآثار ملكة التشوق لمعرفة التواريخ والأمكنة، والشغف بالكتب التي تبحث في هذه الموضوعات.
وقد درس العديد من اللغات؛ كالفارسية والتركية والهيروغليفية، وأجاد اللغة الفرنسية والإنجليزية.
ولوالده دور بارز في حياته، حيث كان مشجعاً ومحفزاً له على الاهتمام بعلم الأنساب، وخصه ببعض الموروثات من الوثائق والحجج المحكمية والأهلية الموروثة، ولجده اهتمامٌ بالغ ومعرفة تامة بهذا العلم، وقد ورث عنه وثائق ومخطوطات ومشجرات عليها توقيعاته تبين مدي اهتمامه، وتولى بعض أجداده نظارة وقف الأشراف بقنا، علاوة علي توليهم منصب شيوخ مشايخ منطقة قنا، وهذا يبين مدى إلمامهم بقبائل وأنساب المنطقة وغيرها، وكان جده "الشريف حسن عبد الله حسان العنقاوي" من زعماء العمل الوطني، حيث قاد المعارك بالصعيد، واستضاف بقنا لذلك نقيب أشراف مصر "السيد عمر مكرم" الذي درس معه بالأزهر الشريف، كما استضاف نقيب أشراف الحجاز السيد السقاف بقنا في رحلته للبحث والتدوين لأنساب المنطقة، ولديه مدونات تؤكد ذلك .
ولا مناص هنا من الإشارة إلى أثر العادات المجتمعية الحسنة والمحافظة على التقاليد القويمة في حياة الصعيد؛ لأنها ذات دلالة مهمة على تكوين أستاذنا في حياته، حيث نشأ في وسط يحافظ على التقاليد الأصيلة، وهذا الوسط كان له بالغ الأثر في حياته، فلا يستطيع أن يقدم ساعتئذٍ على عادات مستنكرة، حتى شملت هذه التقاليد كلّ صنوف الحياة.
(2)
قرأ كثيراً من كتب الأنساب منذ صغره، وطوف في شبابه بكتب الأنساب مطبوعها ومخطوطها، واستوعب جميع النصوص والمسائل الهامة فيها، حتى صارت له خبرة واسعة بتراجم السادة الأشراف وأخبارهم، وأسرته على وجه الخصوص، ولأجل ذلك صاحب كبار النسابين بمصر والعالم الإسلامي، فتلقى أستاذنا علم النسب أولًا عن كبار النسابين بمدينته قنا، ومن أجلّ شيوخه الذين أخذ عنهم: الشريف المعمر هاشم بن محمد العنقاوي (ت1403)، والشريف منصور بن محمد الأحمر العنقاوي (ت1407)، وابنا عميه الشريف أنور الأحمر العنقاوي (ت1409)، والمعمر محمد بن عبد الرحيم بن حسنين العنقاوي المعروف بكمال حسنين (ت1422)، والشريف مصطفى شملول الجمازي الحسيني (ت1424)، وقد تعددت استفاداته من هؤلاء النسابين الكبار، ما بين أخذ وضبط لبعض الروايات المتعلقة بهذا الفن، واطلاع على الوثائق والصكوك والحجج والسجلات الرسمية التي كانوا يمتلكونها عن طريق الإرث عن آبائهم وأجدادهم، وسؤال واستفسار عن بعض أسر الأشراف وأنسابهم داخل قنا وخارجها، حيث كان دائماً كثير السؤال والاستفسار مما أكسبه اهتمام أساتذته واعتنائهم به، وكان في مناقشاته معهم يتسم بطابع قوة الفهم، والقدرة على الاستيعاب، واستخلاص الدرر والفوائد.
لم يقتصر الشريف ضياء العنقاوي في دراسته لعلم الأنساب على أساتذته بقنا، ولكنّه صال وجال في البلدان الأخرى، وطار وحلق في ضروب المعرفة، وتجول في المدن باحثاً منقباً عن المصورات النفيسة والمشجرات النادرة، فزار العديد من البلدان للاستفادة، لعل من أهمها بلاد المغرب والشام وتركيا وخاصة الأرشيف العثماني بإسطنبول وأنقرة، واقتنى منهما حوالي مليون وثيقة، وفي رحلاته المتعددة اقتنى كثيراً من نفائس المخطوطات، واتصل برواد هذا الميدان مما أكسبه فهماً وخبرة فوق علمه.
وحصّل أستاذنا وقت تردده وإقامته ببلاد الحرمين ما تبقى من أصول هذا الفن ومسائله، وذاكر وروى عن كبار النسّابين بالحجاز معلومات نفيسة عن الأسر الشريفة وأنسابها، وتعرّف بكثير من مشاهير رجالها، وكانت استفادته في الحجاز بالعديد من العلماء الأجلاء، إلا أن استفادته الكبرى -كما كتب لي- كانت عن شخصيتين بارزتين: الشريف مساعد بن منصور بن مساعد آل زيد (ت1430) وله العديد من المصنفات في التاريخ والأنساب ومنها كتابه الشهير "جداول أمراء مكة وحكامها"، والشريف محمد بن منصور بن هاشم الشهير بالنجدي، وله العديد من المؤلفات، ومنها كتابة الشهير "قبائل الطائف وأشراف الحجاز".
وقد أقام مدة طويلة بالحجاز مشتغلًا بالعلم ونشر رسائل من تصنيفه، وكان لاتصاله المباشر بأشراف الحجاز أثر في نجاح مشروعاته المعرفية.
وهؤلاء العلماء الأجلاء المبرزون في هذا الفن كانوا يجلونه ويحبونه ويعرفون فضله وعلو كعبه!
والحق أن الشريف "ضياء العنقاوي" ثمرة من ثمار هؤلاء الأعلام المذكورين، وخطوة تالية لأساتذته في علم الأنساب!
(3)
تعتز مصر بشخصيته المميزة، ولقد صرنا نفتخر به على الآخرين، ونحكي في المجالس: "فينا الشريف أحمد ضياء العنقاوي فلن نغلب في هذا الفن"، وقد قدّم الكثير في هذا العلم حتى صار مرجعاً رئيساً من مراجع علم النسب لا يستطيع باحث أن يتخطاه.
ولا يستطيع أحدٌ نزع [مصريته] عنه، فهو مصري ثابت الأركان يعتز بوطنه، ويفتخر به، ويعمل على إعلاء شأنه، وممن له قدم راسخة في الاهتمام بقضايا الوطن.
رجل نسابة، ممتع المجالسة، غزير الفوائد، معظماً عند الخاصة والعامة، محط أنظار المهتمين من شتى البلدان، يعرفون فضله، ويحرصون على مودته، فقوله معتمد وكلامه لا يقبل الشك.
كثير التواضع، وعلى جانب عظيم من الأدب الرفيع والخلق الحسن، مَن رآه عرف أنه من نسل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يتكلم أو يفصح عن نسبه الشريف.
يعتصم برجولة باهرة، ويرتفع دائماً فوق الصغائر، ويعزف عن أعمال الصغار.
وهو أبيّ النفس، لم يتكسب بكتاباته ومشجراته، ولم يمدح أحداً أو يكتب عمود نسبه؛ طلباً لبره، ومن علماء الأنساب الذين ترتجف منه فرائص كثيرين من المشتغلين بهذا العلم، لأن معه الحجج والأدلة مع القوة والجراءة في الحق، وهذه مقومات لقبول قوله في الغالب.
وقد اشتهر فضله بين الناس في مصر والوطن العربي، فهو جليل القدر بينهم، سالكاً سبيل أجداده الأخيار، معمراً أوقاته بالبحث والتنقيب عن مآثر أهل البيت النبوي الأطهار وأنسابهم الشريفة.
وفي أثناء حديثه تراه متفانياً في محبة آل البيت -رضي الله عنهم- يطيل الكلام عنهم تلذذاً بأفضالهم وأعمالهم.
وأما إذا جلس في مجالس النسابين وتكلم تخاله يتفجر علمًا وفوائد نفيسة وحكايات نادرة من جميع جوارحه حتى عدّ في هذا الفن من أفراد العصر الذين قل أنْ يجود الزمان بمثلهم إلا بعد حين.
وقد وقف حياته كلها على خدمة علم الأنساب والاعتناء بمشجرات الأسر الشريفة، وكان حبه لهذا الأمر في كلّ مرحلة من مراحل حياته.
وبحكم وجوده فترة ليست بالقصيرة ببلاد الحرمين فقد أكرمه الله عز وجل فحجّ واعتمر مراراً، تقبل الله منه صالح الأعمال!
ومن منهجه الذي احتفظه لنفسه في سائر كتبه: التحليل للمصادر التاريخية وما يعتريها من نقص، والإعراض عن بعض أعمدة النسب المضطربة إن لم يجد عموداً صريحاً، واستبعاد المصادر التي بها خلط أو وضع في الأنساب، وعدم الاعتماد على بعض المصادر التي تعتمد النسب عن طريق الأم، والميل إلى النهج العلمي في التمحيص والتدقيق.
(4)
تكاثرت أعباؤه، واختلفت حيواته، وتنوعت مناصبه، وهل يختار الشخص طريقه في الحياة وهو مميز في العلم والحياة العملية، ومشارك في كثير من المعارف؟ فالمنصب حينئذٍ مهيأ له، والطريق مفتوح أمامه، وهكذا كان "أحمد ضياء العنقاوي" الآثاري، والنسابة، والمؤرخ، وناظر الأوقاف، والمشارك في الحياة العامة، والمصلح الاجتماعي، والكاتب، والإعلامي، والمحقق.
له في كل مكان أو مؤسسة عدة أعمال، بها نتائج ملحوظة وآثار مشهودة، فقد عمل أولًا بوظيفة مفتش بالآثار الإسلامية بمصر، ثم التحق سنة 1983م بوزارة الإعلام، وتقلد فيها عدة مناصب، وتولى في نفس السنة أيضاً نظارة وإدارة شؤون وقف الأشراف بني حسن العنقاوية بقنا، وهو الوكيل المفوض عن الأشراف العنقاوية بقنا حتى الآن، هذا إلى جانب حياته المزدحمة بالعمل الاجتماعي في كثير من المؤسسات الخيرية، والمليئة بحضور كثير من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والبرامج التلفزيونية.
وهو في كل أطوار عمله مثالُ القدوة، والأخلاق الفاضلة، والانشغال بالمصلحة العامة.
وقد استخلصت من سؤالي المتكرر له ومراجعة آثاره وسؤال عارفيه والاطلاع على أحواله أنه قد أضاف إضافة بناءة في ميادين أربعة: علم النسب، والتصنيف والتحقيق، والعمل الاجتماعي، والحضور العربي والصلة بأكابر المشتغلين بالعلم، ووقائع حياته تكشف عن حقيقة واحدة لا يمكن تجاهلها أنه رجل طبع منذ نشأته الأولى على الأعمال الجليلة، وتؤكد لنا مسيرة حياته تلك الحقيقة بجلاء إذا ما قارناها مع غيره من أبناء جيله، ولعل كثرة الأعمال والكتب والمقالات والمشجرات مع جلالتها تجعلنا في حيرة تامة واندهاش لمحاولة إظهار أهمها، وفي الحقيقة كلها من المهمات.
فهو آثاري مع علماء الآثار، ونسابة مع النسابين، ومؤرخ مع المؤرخين، ومحقق مع المحققين، ومصنف مع مصنفي الكتب، ورحّالة مع الرحالين، ووجيه مع أرباب الوجاهة، واجتماعي مع أصحاب العمل الخيري، وإعلامي مع الإعلاميين، وكاتب مع الكتّاب، فله في كثير من التخصصات مشاركة وعناية.
(5)
إنّ في العناوين التي اختارها لكتبه وأبحاثه ومقالاته ما ينم عن منهجه في علم النسب، فجاءت معبرة عن قضاياه الكبرى، ناطقة بتنوع اهتماماته ومشاريعه!
يعد العنقاوي حجة في علم الأنساب وثقة ثبتاً يرجع إليه في مشكلات هذا العلم، وهو من أقدر نسابة العصر على النقد وتفنيد الأقوال واستحضار الحجج والأدلة، حاضر الجواب حلو النادرة، وتعد كتاباته سجلًا زاخراً بشتى ألوان المعرفة بعلم الأنساب ومتعلقاته، كما أنها تدل على صبره وجلده على جمع المخطوطات والمشجرات، وتتبع الروايات والنصوص واستقصائها، وقد أحيا بعمله بعض المخطوطات الهامة.
فبعد أن شب الشريف ضياء العنقاوي عن الطوق، وبعد أن ارتوى من علوم القوم في علم الأنساب، وبعد أن زار بلداناً كثيرة لأجل هذا، واجتمع بأجلّ علماء الأنساب ورحبوا به، آنس من نفسه القدرة على التصنيف والكتابة والإفادة والنفع، فألف وكتب وناقش وحاور وحاضر.
وامتازت كتبه بأنها أصول يعتد بها، ومراجع يعتمد عليها في عصرنا الحاضر، فليست من نوع الكتب التي يمكن الاستغناء عنها، بل هي مراجع أصيلة لا يمكن لباحث أن يبحث في علم النسب دون الرجوع إليها، أو الإحالة في مصادره ومراجعه إليها، ومَن رجع إلى فهرس كتاب من كتب النسابة المعاصرين سيجد بلا شك أن كتب الشريف "أحمد ضياء العنقاوي" أهم المراجع التي استند عليها، وقد سدت كتبه فراغاً كبيراً في كتب الأنساب عند المعاصرين كانت في أمس الحاجة إليها.
ألف المؤلفات المحررة التي تدلّ على تمكنه وتحقيقه وعلو كعبه في صمت ودون ضجة، حتى شهد له معاصروه بالتفوق، ففي كتبه وأبحاثه العلمية ارتباطٌ وثيقٌ بكتب التراجم والتاريخ، وتنبيه على الأقوال الضعيفة، وسهولة في العرض، وله المقالات التاريخية المهمة والحوارات المتعددة التي نشرت في الجرائد والمجلات بمصر وغيرها من البلدان، وقد أخرج أكثر من ١٣٠ بحثاً علمياً محكماً في الأنساب ونحوها في تاريخ الحرمين، نشر بعضها حتى الآن ضمن عشر مجلدات بمؤسسة الفرقان بلندن بموسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وله تآليف عديدة تفوق العشرين، منها:
كتابه الفريد "حياتي في الحياة" وهو سيرة ذاتية حافلة، أقرب إلى المذكرات التاريخية، وقد كتب لي عن هذا الكتاب: "هو كتاب مخطوط في أربعة عشر مجلداً حتى الآن، وقد فقد منه الجزء السادس، ويحتوي على سيرة حياتي الذاتية مع مواقفي في رحلة حياتي وتصوراتي وانطباعاتي وآرائي المختلفة، علاوة على ذكر ما في رحلاتي وزياراتي في البلدان والمواضع والأماكن والمدن المختلفة سواء في الداخل أو الخارج، ومنه استقيت كتابي "رحلاتي في بلاد الحرمين" الذي طبع في مجلدين، كما توجد فيه كثير من المدونات والملاحظات عن المصادر التاريخية والنسبية التي استفدت منها، ومحاضرات ومحاضر في التاريخ والأنساب المختلفة، وآرائي في ذلك، وبالجملة فهذه السيرة هي أحداث حياتي علي شكل يوميات".
ومنها كتابه "الأصول في أخبار من نزل مصر من مشاهير ذرية الرسول" وقد مهد فيه تمهيداً تاريخياً لدخول السادة الأشراف أرض مصر منذ القرن الثاني الهجري حتى القرن الثاني عشر الهجري، مع توضيح دورهم الإجمالي في مصر دون التوسع في ذلك، ثم ذكر أسماء المشاهير من الأشراف الذين دخلوا مصر من ذرية الإمامين الحسين والحسن ابني الإمام عليّ رضي الله عنهم، وقد رجع في ذلك إلى الكتب الموثقة والمصادر الأصيلة، وقد استبعد من كتابه المصادر غير الموثوقة أو التي بها وضع أو خلط في علم الأنساب، وقسم دراسته إلى قسمين: الأول يضم الأشراف الحسنيين، والآخر يضم الأشراف الحسينيين، وفصل القول في كلّ قسم.
وأما كتابه الأجلّ فهو كتاب ""معجم أشراف الحجاز في بلاد الحرمين" وبه أفاد الشريف أحمد العنقاوي أشراف الحجاز، فكانت له يد بيضاء في جمع ما تناثر من أنساب أشراف الحجاز فيه، ووقائع تأليف هذا الكتاب العظيم تكشف عن حقيقة واحدة لا يمكن تجاهلها أنّه عالمٌ متمكن في علم النسب وغيره، ومن لم يطلع على كتابه هذا فلا حقّ له أن يدعي معرفة بعلم الأنساب، ولا أن يبحث في تاريخ الأسر الشريفة وأعيانهم.
لعل في إطلاقي لقب "شيخ النسابين" على الشريف أحمد ضياء العنقاوي إشادة بأعماله، وتنويهاً على بعض فضائله، واعترافاً بجهوده، وهو لقب حقيق به لم يأت مجاملة مني، بل وراءه قدرة فائقة، وأدوات بحثية نادرة، وكتب مصنفة جامعة، وهمة في التمحيص والتحليل.
د. علي زين العابدين الحسيني - كاتب أزهري
مجلة "أقلام عربية" باليمن، عدد: أغسطس
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com