المحامي علي ابوحبله - المقاومة الشعبية إستراتيجية فعالة للنضال ضد النظام الاستعماري- العنصري الإسرائيلي

اعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله

الفلسطينيون بغالبيتهم بعض ألانتفاضه الثانية عام 2000 " انتفاضة الأقصى " وعسكرتها حيث خضعت تلك المرحلة لمزيد من التقييم والتحليلات والنتائج وتبين أن الاحتلال كان وما زال يسعى إلى الدفع للصراع المسلح لأنه يحقق في ذلك أهدافه وغاياته ويسهل عليه تمرير مشاريعه في الاستيلاء على الأراضي والتوسع الاستيطاني وتهويد القدس ويسعى للتقسيم ألزماني والمكاني للمسجد الأقصى وبيئته المفضلة في تمرير مخططه هو الدفع في عسكرة الصراع مع الفلسطينيين ،

مارس الشعب الفلسطيني، منذ عام 1917 وحتى اليوم، أشكالا متعددة من النضال ضد الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية، ومن ثم ضد الاستعمار والعنصرية الإسرائيلية. وقد اتسمت كل مرحلة من تاريخ الشعب الفلسطيني بتقدم أحد الأشكال على الأخرى، وأحيانا تعايشت أشكال نضالية مختلفة في نفس المرحلة. فمنذ العام 1917 وحتى الإضراب الشهير عام 1936 كانت المقاومة الشعبية المدنية هي الشكل الأبرز؛ حيث عقدت المؤتمرات الوطنية والشعبية وقدمت العرائض وتم تنظيم الإضرابات، جنبا إلى جنب مع أساليب الحوار والتفاوض والاتصال مع سلطات الاستعمار. وبين عامي 1937-1939 كانت الثورة الشعبية المسلحة هي الشكل الرئيس السائد على الأشكال الأخرى. وفي أعوام 1947-1949 كانت الحرب النظامية مع العمل الفدائي المحدود هي التي ميزت شكل المواجهة بين العرب والفلسطينيين من جانب، وبين المستعمرين البريطانيين والإسرائيليين من جانب آخر. ومنذ 1948 وحتى العام 1968 كانت السمة الأبرز هي التوجه للأمم المتحدة والمطالبة بتطبيق قراراتها، كما شهدت أشكالا للمقاومة المدنية؛ مسيرات، مؤتمرات وإضرابات ضد التوطين وضد الأحلاف العسكرية.

ومنذ عام 1968 وحتى انتفاضة عام 1987 كان العمل الفدائي والكفاح المسلح هو السمة الأبرز، وبين عام 1988-1993 كانت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية بكل مكوناتها من أساليب المقاومة المدنية هي الشكل الرئيس للمواجهة. بعد أوسلو تمت مأسسة الصراع من أجل احتوائه واستيعابه من قبل الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث بدأت الصورة بالتغيير مع اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول 2000. ومنذ ذلك التاريخ اتسمت المواجهة بتعايش أشكال متعددة للمواجهة، لكن طغت صورة المواجهة المسلحة العنيفة على هذه المرحلة حتى الآن، وغالبا ما كانت السياسة الإسرائيلية هي المسئول المباشر عن طغيان العنف على هذه المواجهة.

باستعراض لمحطات المقاومة الفلسطينية ضد استعمار فلسطين؛ لا بد من تأمل بعض المفاهيم والدروس التي تساعد على فهم هذا السياق المتنوع، من هذه التجارب الغنية واخذ الدروس والعبر ، وما هي العوامل المحلية، الإقليمية والدولية التي تحدد أشكال النضال؟؟ وكيف نقيم فعالية أشكال النضال المختلفة؟؟ وكيف يتوجب التعامل معها ضمن استراتيجيات ناجحة؟ وبالتحديد ما هو الشكل النضالي الملائم للمرحلة الحالية والمقبلة؟

قد يصعب الإجابة على كل هذه الأسئلة في هذه المقالة وهذا التحليل لأهمية الموضوع ، وخاصة أن موضوعة أشكال النضال تثير جدلا دائما على كافة المستويات الدولية والفكرية، منها ما يتناولها على أساس مدى مشروعيتها، وغيرها على أساس مدى الجدوى والفعالية ومدى قدرتها على إجبار الاحتلال على التسليم بحقوق الشعب الفلسطيني، أو قدرتها على الردع وتامين الحمايه للشعب الفلسطيني . ومما يزيد من تعقيد المسألة هو طبيعة العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تستخدم كل وسائل القتل الفتاكة كسبيل رئيسي لإحكام سيطرتها وهيمنتها على الشعب الفلسطيني ومصيره، وطبيعة الاستعمار الإسرائيلي العنصري الإحلالي-الاقتلاعي الذي يهدف للسيطرة على الأرض ذاتها واستبعاد أصحابها الأصليين، وليس مجرد استغلال موارد البلاد كما في الاستعمار التقليدي غير الاستيطاني. وما يزيد من صعوبة المعالجة الهادئة هو ارتهان إسرائيل لأعظم قوة مادية في تاريخ البشرية، الولايات المتحدة، مما يجعل الجهود الدولية للبحث عن حل لهذا الصراع الدامي، إما أنها تذهب أدراج الرياح أو تميل للضغط على الشعب الفلسطيني لقبول المنطق الإسرائيلي، مما يزيد في استعصاء البحث عن حلول تؤدي لتحقيق الامن والسلام المنشود .

يدور الحديث كثيرا هذه الأيام عن تجربة غاندي في المقاومة المدنية السلمية في الهند ضد التاج البريطاني، وعن تجربة المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، وفي كلا التجربتين الهندية والجنوب أفريقية عناصر متشابهة مع اختلافات وإن كانت المقاومة السلمية المدنية طاغية في الهند أكثر منها في جنوب أفريقيا. مع العلم أن كلا التجربتين تطورتا في سياق تاريخي طويل، واحتوت على أشكال متعددة للنضال إلا أن الشكل الحاسم كان المقاومة المدنية السلمية هي التي قادت تحقيق أهداف الحركتين التحرريتين. مع التأكيد على وجود الكثير من المعطيات والوقائع التي تشير إلى أوجه شبه كبيرة بين نظام الأبارتهايد السابق في جنوب أفريقيا وبين النظام الاستعماري العنصري الإسرائيلي، مع ضرورة التحذير من محاولة تعميم النموذج الجنوب الأفريقي في مطلق الأحوال؛ لكن يتوجب الاستفادة من الدروس الغنية لتلك التجربة.

ومع تناول التجارب المختلفة حول العالم، يجدر التأكيد أنه لا يمكن لحركة ما أن تقرر ما هو شكل النضال الرئيس؛ فأشكال الكفاح المختلفة تتقرر وفقا للعديد من العوامل المعقدة وضمن سياق تاريخي، وتتصل هذه العوامل بطبيعة الصراع وطبيعة العلاقة بين طرفي الصراع، وعوامل لها علاقة وطيدة بثقافة طرفي الصراع، والوسائل المستخدمة في السيطرة، والبدائل المتاحة للحركة التحررية مع الابعاد الإقليمية والدولية...الخ. وبالتالي لا يمكن تعميم أي شكل من نهاية ما أو في فترة نجاحه، وتطبيقه على حالة أخرى مهما كانت درجة التشابه بينهما؛ لأن ما يختزنه الشعب والحركة التي تقوده من تجربتها وثقافتها وتاريخها، وكذلك الطرف الآخر للصراع، يكون لها الدور الحاسم في سلوك طرفي الصراع، ومها بلغت المهارة لدى أفراد بعينهم ومدى معرفتهم ورغبتهم في تطبيق نموذج معين مارسته حركة أخرى في قيادة شعب ما، فإن ذلك لن ينجح أو يفيد في سياق الحالة التاريخية ومستوى تطور حركة شعب آخر. وعليه فإن الاستفادة من دروس الآخرين هو أمر ضروري ومشروع وله فائدة كبرى، وهو مختلف عن تعميم أشكال معينة أو محاولة نقلها وتبنيها كإستراتيجية مناسبة لكل الحالات أو كعقيدة أيديولوجية، فهذا سيكون خطأ قاتلا وغير ذي قيمة في الواقع الخاص.

اشتملت انتفاضة عام 1987-1993 على أوسع مشاركة شعبية فلسطينية وتميزت بطابعها الديمقراطي العميق؛ حيث المبادرة الجماهيرية والمشاركة الشعبية في تحديد أهدافها،وفي برامجها وآليات عملها، بحيث توفر تناغم كبير بين قيادتها وجماهيرها،وقد تجلى ذلك في الالتزام ببيانات الانتفاضة وبتعليماتها، وفي التضامن والتكافل الاجتماعي العميق، والإحساس الشامل بالأمن والأمل، كما في الشعور بالانتماء والحرص على المصلحة العامة...الخ.

قامت الانتفاضة على قاعدة التنظيم الاجتماعي الفلسطيني المستقل؛ تفتح الأسواق متى يقرر الفلسطينيون، وليس متى يقرر جيش الاحتلال، تغلق الطرق متى أرادت قيادة الانتفاضة وجماهيرها، يذهب العمال للعمل وفقا لقرار الانتفاضة، وصولا إلى الامتناع عن دفع الضرائب وأشكال من العصيان المدني الشامل، كما في تجربة بيت ساحور وغيرها. وكان لها عدة ركائز سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تستند إلى تجاوب وفعالية ومبادرة الجماهير الفلسطينية، كأساس لكل إنجازاتها. ان تجربة الانتفاضة الأولى توجت مخاض طويل في مسيرة الكفاح الفلسطيني؛ وتؤكد أن لا فرد ولا حزب ولا حركة مهما بلغ ذكاؤها، يمكن أن يقرر شكلا معينا وحيدا للنضال التحرري. فما كتب في الميثاق الوطني، وما كتب في أنظمة وأدبيات الفصائل لم يجد طريقه إلى التطبيق سوى في فترات محددة، ولم تنسجم الممارسة مع المعاني التي قصدت، كما أن الدعوة عام 1996 لإلغاء بنود في الميثاق الوطني التي لا تنسجم مع رسائل الاعتراف المتبادل واستحقاقات أوسلو؛ لم تمنع من اندلاع موجة جديدة من المواجهة، غلب عليها الطابع المسلح، وإن وجدت أشكال أخرى

بعد هذا الاستعراض الموجز لنضال شعبنا الفلسطيني الطويل والمرير ووفق هذه التجارب وما انبنى عليها من مكاسب وخسائر يطرح السؤال ؟؟؟؟ لماذا المقاومة الشعبية المدنية؟

المقاومة الشعبية المدنية (غير المسلحة) تستطيع ممارسة النضال على جميع الجبهات المفتوحة والضرورية وبأقل الخسائر؛ بدءا من العمل السياسي مرورا بالجبهة: الثقافية -الفكرية، والاقتصادية، وانتهاء بالاجتماعية-التنموية. والمقاومة الشعبية غير المسلحة هي الأسلوب الذي يستطيع شعبنا من خلاله الاستفادة من جميع الموارد والطاقات البشرية في الوطن وفي المنافي، يستطيع أن يشترك فيها الرجال والنساء، العامل والمزارع، الطفل والشيخ، وكل صاحب مهنة وكل ذي موهبة، كل صاحب علم، وكل من يمتلك شعورا إنسانيا، ولذلك فهو الشكل الأمثل لتعبئة كل الطاقات الفلسطينية والمساندة لها. ويجب أن تستند هذه المقاومة إلى ثبات مطلق على مبادئ سياسية واضحة وأهداف محددة، وأن تستند إلى رؤية إستراتيجية واضحة للمستقبل. المرونة والمبادرة مطلوبتان، فالتركيز على شكل المقاومة الشعبية المدنية لا يعني أبدا التخلي عن خيارات وبدائل أخرى؛ لكن الاستعداد لخيارات أخرى شيء، واللجوء إلى استخدامها في أي وقت ولأي سبب هو شيء آخر، وقد ينطوي على أضرار لا يمكن إصلاحها.

حقيقة يجب التوقف أمامها؛ وهو أن إسرائيل استغلت بشكل فعال العمليات التي يسقط فيها مدنيون إسرائيليون، أو إطلاق الصواريخ الفلسطينية البدائية منها وغير البدائية ، من أجل عزل الشعب الفلسطيني ومحاصرته عالميا. وهذه العمليات التي تأتي غالبا في إطار رد الفعل على الاعتداءات الإسرائيلية المخططة، غالبا ما تستغلها إسرائيل لتنفيذ مخططات أخرى تتعلق بالأرض والبنية التحتية الفلسطينية، وتستهدف المدنيين العزل الذين تلصق بهم تهمة "النية للقيام بعمل ضد مدنيين إسرائيليين"، أي تغتال وتقتل الفلسطينيين على النوايا ، والعالم لا يحرك ساكنا ويستسلم أمام ادعاءات إسرائيل محاربتها للإرهاب الفلسطيني ، . وفوق كل ذلك، ورغم محدودية أثر الصواريخ الفلسطينية، تصورها وسائل الدعاية الإسرائيلية والمؤيدة لها وكأنها سلاح مواز للقوة النووية الإسرائيلية، وكأن وجود دولة إسرائيل أصبح مهددا. وقد مكن ذلك إسرائيل من تصوير حربها على الشعب الفلسطيني كحرب على "الإرهاب" وكأنها موازية لحرب الولايات المتحدة على "الإرهاب". وهي تمكن إسرائيل، في النهاية، من التهرب من استحقاقات يفرضها القانون الدولي وتجيز لنفسها خرق كافة القوانين والمواثيق الدوليه

المقاومة الشعبية باتت أفضل وأنجع السبل في ظل المعطيات الدولية والاقليميه لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتفعيل الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل، سحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، حتى تلتزم بقواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة مدخلا لكل الراغبين بالمشاركة في مسيرة الكفاح الفلسطيني ليساهموا بمبادراتهم وإمكاناتهم السلميه في مواجهة الاحتلال . وأهم ما يميز هذه الحملة النضالية الشعبية السلميه أنها تضع نهايتها فقط عند تحقق الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وتطبيق فعلي لقرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948، أي عودة اللاجئين واستعادة أملاكهم وتعويضهم، وتحقيق المواطنة الكاملة والمساواة التامة لفلسطينيي 1948، واللاجئين الذين سيعودون لديارهم الأصلية ضمن دولة إسرائيل. وبالتالي هي تقدم أهدافا واضحة، بعيدة المدى؛ كما تقدم منهجية الحملات للعمل من أجلها، ويتسع نطاق الحملة على مستوى العالم، لكن مطلوب فعالية فلسطينية أكثر؛ وخاصة من قبل القوى السياسية، بحيث لا تبقى الحملة في نطاق المؤسسات غير الحكومية فقط، بل يجب أن تشمل كل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. وهي تحتاج إلى ترويج ثقافتها، وشعاراتها العامة، كما تحتاج إلى مبادرة محلية يومية ،والحملة هي احد أشكال المقاومة المدنية، ويمكن لأشكال المقاومة المدنية أن تكون فعالة جدا في مجالات عديدة تتصل بالعلاقة بين الشعب الفلسطيني وممارسات الاحتلال، يمكنها أن تعالج القيود على حركة السلع وقوة العمل، متابعة الكفاح ضد التوسع الاستيطاني، ضد عزل وتهويد القدس، التضامن مع الأسرى، مبادرات تنموية وعمل تطوعي، ....، كل شيء وكل الناس يمكن أن يحددوا أهدافا ويعملوا معا لانجازها بطرق سلمية وعبر المشاركة الشعبية، متحررين من الخوف والتردد والإحساس بفقدان الأمل، والانعزالية والتفكير في الهموم والمصالح الشخصية. ويمكن للنتائج الايجابية للمقاومة الشعبية المدنية أن تظهر فورا، ليس على صعيد الأهداف السياسية الكبرى بعيدة المدى، بل على صعيد المساهمة في تحسين ظروف الحياة واحترام الذات والتضامن بين أفراد المجتمع، وفي تزايد المشاركة الشعبية وارتقاء مستوى الوعي... نتائج عديدة تظهر سريعا وأخرى تحتاج إلى الكثير من الصبر وطول النفس وقوة الإرادة لمراكمتها. هذا هي متطلبات ومعطيات المرحلة الحالية وهي تكاد الأفضل والأجدر بالاهتمام والتفكير عن ما عداها[/B]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى