امتدّ عمر أستاذنا الأكبر محمد رجب البيومي فأدرك الأساتذة الكبار المشهورين والمغمورين، وحفظ عنهم مواقف كثيرة، وروى عنهم روايات نادرة، وهو رجل -كما عرفته- نادر الوجود يمتلك ذاكرة قوية تسعفه بما يحتاجه وقت الكتابة أو الاستشهاد، ويعي تاريخ الأمة العربية وأدبها في صدره يقصه كأنه بين عينيه، ويتفوق على الرجال بعوارفه ومعارفه، ولا ريب أنّ مؤرخ القرن الماضي والحريص على تراجم رجاله لا بد أن تكون كتب البيومي ومقالاته من مراجعه البحثية، بل لن تجد كثيراً من المواقف والأقوال المنقولة عن أصحابها مباشرة إلا في آثاره الكثيرة.
وفي مكة المكرمة زار أستاذنا الأكبر البيوميّ الشاعر الكبير الحجازي أحمد بن إبراهيم الغزاوي لتعزيته في زوجته الراحلة، وكان الرجل كما وصفه البيومي عامر القلب بالإيمان، صابراً، متماسكاً، لكنه شكا له هجوم البعض على شعره قائلًا: "إنه يبارك الجيل الجديد من الشعراء، ويتمنى أن يعيدوا للمملكة عهود السالفين من شعراء الجزيرة الكبار، ولكنّ احترام الآباء واجب الأبناء".
لقد أراد البيومي أن يسليه ملفتاً نظره إلى أنّ كبار الشعراء هم محل النقد غالباً، فقد وجه لأمير الشعراء أحمد شوقي كثير من النقد، وتعرض لكثير من المعارك الأدبية، ولكنها لم تؤثر عليه، ولم تحل دون سبقه الشعري، والغزاوي كشوقي ينتقده أولاده ويناقشوه، وإن كانوا لا يراعون حق الأبوة والكبر معه إلا أن قلبه أفسح صدراً منهم، فكانت هذه الكلمات سبباً في راحته النفسية وسعادته البالغة. [طرائف ومسامرات، ص10]
الغزاوي: الشاعر السعودي "أحمد إبراهيم الغزاوي" أحد أوائل أدباء الحجاز، وأنصار الاتجاه الشعري المحافظ، ولد سنة 1318-1900م في مكة المكرمة، وقرأ بها العلم في حلقاته بالمسجد الحرام، ودرس في مدرسة "الصولتية" الشهيرة المعروفة بأزهر الحجاز، ودرس في مدرسة "الفلاح"، وبعد تزوده بالمعارف والشهادات المختلفة عمل في وزارة الأوقاف، وفي رئاسة القضاء، ثم بعد ذلك بمديرية المعارف، والصحافة، والإذاعة، ومجلس الشورى، وسبق له تحرير عدد من الصحف والمجلات السعودية؛ كصحيفة "أم القرى"، وزار السودان، والهند، واليمن، ومنحه الملك عبد العزيز عام 1932م لقب "شاعر جلالة الملك"، وقد اشتهر بإلقاء قصائد أمامه في المحافل الرسمية في المناسبات المختلفة، وهو أول مَن تولى إدارة الإذاعة السعودية في بداية تأسيسها عام 1948م، وبعد وفاته جُمعت قصائده في ستة مجلدات، وله أيضاً "شذرات الذهب" وهو مقالات في اللغة والأدب والتاريخ نشرها في مجلة "المنهل" في بابه الشهري المعنون بــــــــ"شذرات الذهب"، واستمر يكتب تحت هذا الباب إلى جانب حولياته وقصائده الشعرية حتى توفي بمكة المكرمة عام 1402-1981م، ودفن بها [تتمة الأعلام لمحمد خير رمضان يوسف 1/24]
كان الغزاوي ينشر في مجلة "المنهل" تحت عنوان "شذرات الذهب" الفوائد والفرائد الكثيرة، والغرر اللامعة، والنوادر العزيزة، يطوف فيها في شتّى أنواع المعارف؛ كالأدب والتاريخ والسيرة والفلك والخواطر النقدية والاجتماعية، وقد اكتمل تراثه من الشذرات في مجلد ضخم طبع برعاية "المنهل" بعد وفاته بسنين، فكانت طبعته الأولى سنة 1407-1987م، وجاء في إهداء هذا الكتاب: أنه قطع مختارة منتقاة في الدين والفكر والأدب والتاريخ وغيرها تقدمها المنهل؛ وفاء لكاتبها أحمد الغزاوي، وبذلًا للمعارف التي يرجى الاستفادة منها، ثم صدرت بقصيدة للشاعر إبراهيم خليل علاف، ومقدمة بعنوان "كلمة حق" للأستاذ محمود العارف، ثم ترجمة لجامع "الشذرات" للأستاذ عبد القدوس الأنصاري، وقد شارف هذا المجلد الضخم الألف من الصفحات.
حذا البيومي في كتابه الشهير "طرائف ومسامرات" شذرات الغزاوي، وصرح بذلك في مقدمة كتابه بقوله: "وقد رأيت من الأنسب أن نحيي ذكرى الرجل الفاضل باحتذاء صنيعه، فنحاول أن نعيد عنوان (الشذرات) لنصل ما انقطع من الحديث، ومن يدري فقد يأذن الله فتمتد هذه الشذرات حتى تأتي بكتاب تال، وهو أمل عزيز".
وحقق الله أمنية أستاذنا البيومي فأخرج مثل هذه الشذرات النادرة في كتابه "طرائف ومسامرات" في مجلد شارف الخمسمائة من الصفحات، بل قرأ له في شذراته ما اتخذ منه مجالًا لمقال نشره في مجلة "المنهل" عدد ربيع الثاني 1399 وجمادى الأولى 1399، وهو في المجلد الأربعين من المجلة بعنوان "بين القالي والغالي"، وقد نبهه البيومي على سهو علمي وقع فيه، حيث نشر الغزاوي في العدد الثالث ربيع الأول 1398 مقالًا بعنوان "أبو علي القالي وجمهرة ابن دريد"، فالعنوان عن أبي القالي، والحديث عن أبي الحسن علي بن أحمد الفالي، فبين الاسمين نقطة واحدة فارقة بين علمين، فهي تفصل بين رجلين كبيرين في زمنين مختلفين، وهذا التصحيح عرف البيومي أنه سيسعد صاحب الشذرات، وهو ما كان؛ حيث كتب عنه الغزاوي مقالًا بعنوان: "أحسن الله إليك وجزاك عني خير الجزاء"، نشر فيما في كتابه "الشذرات"، وهو عندي أشبه بالوثيقة المهمة التي تدلل على مكانة محمد رجب البيومي عند علماء البلدان الأخرى، حيث نعته الغزاوي في مقاله بـــــ "العلَّامة أستاذنا الجليل" ولنفاسة هذا المقال وقوة العلاقة بين علماء البلدان رأيت أن أفرده بهذا المقال، وأثبت هنا نص ما قاله الشاعر الكبير أحمد إبراهيم الغزاوي دون تغيير، حيث قال في الكتاب المذكور ص893:
"قرأتُ في المنهل الأغر الصادر برقم المجلد 40 ربيع الثَّاني 1399 ه وجُمادى الأولى 1399ه كلمةَ العلَّامة أستاذنا الجليل الدكتور مُحمَّد رجب البيومي الأستاذ بكلِّيَّة اللُّغة العربيَّة بالمنصورة بمصرَ العزيزة، والكلمةُ بعنوان: (بينَ القالي والغالي) وكم سرَّني كثيرًا ثناءُ فضيلته على أخيه في صدر كلمته القَيِّمة! ورغم ما أعانيه من الآلام النَّفسيَّة المرضيَّة عافاه الله منها جميعًا، فقد وجدتُّني بطوعي واختياري واعترافي بالفضل لصاحبه أكتبُ هذه الكلمةَ المتواضعة شاكرًا كلَّ الشُّكرِ لرعايته وتكريمه وجميل أفضاله وإرشاده.
وقد تأثَّرتُ كثيرًا بإحسانه المضاعف بإرشادي إلى الخطأ في (النقطة) بين: القالي، والغالي، وكما يقول المثل العامي: (العتب على النَّظَر)، وربَّ ملومٍ لا ذنبَ له؛ فقد كانتْ هذه الهفوةُ إبَّانَ مصيبة كبرى زلزلتْ كياني بوفاة ((عشيرة الحياة)) كلِّها رحمها الله، هذا من جهة، ومن الأخرى أحمدُ الله أنَّ الخطأ وإن كان في نقطة واحدة؛ فإنَّها أقلُّ خطرًا وأهميَّة من نقطة: (أخصِ من قبلك ...) المعروفة في الأدب العربي القديم. وجزاه الله عنِّي خيرَ الجزاء، (ورحِمَ اللهُ امرأً أهْدى إليَّ عُيوبي).
وما كانتْ مشاركتي في المنهل الأغرِّ وبالشَّذَرات إلا تأسِّيًا بأهل الفضل وذوي الأيادي البيضاء أمثال فضيلته، ومن قبيل:
فتشبَّهوا إن لم تكونوا مِثلَهمْ ** إنَّ التَّشبُّهَ بالكِرام فلاحُ
وحسبي غبطةً بعد هذا العمرِ الطَّويل أن أقرأ مثل هذا الرِّضا من علَّامة جليل، أمدَّ الله في حياته ووفَّقه لكلِّ ما يحبُّه ويرضاه، كما أرجوه ألَّا يحرمَني من دعواته الصَّالحة، (وكلُّ إناءٍ بالَّذي فيه ينضحُ)، وإليه أخلص التَّحيَّة وأزكى السَّلام، ولولا الإعياء والعياء؛ لأسهبتُ فيما يحبُّه، (وحسبُك من القِلادة ما أحاطَ بالعُنُق)" اهـ
أعود فأقول: إنّ هذا المقال للشاعر الكبير أحمد الغزاوي يعدّ وثيقة حية مهمة للتواصل الثقافي، ومدّ الجسور الأدبية بين أدباء الأقطار العربية، والاندماج بين الأجيال المختلفة، ويؤسس لفكرة عربية خالصة تتحرر من شوائب الإقليمية الضيقة، وتدعو إلى الاعتراف بالمائدة الثقافية العربية، والتكامل الثقافي المعاصر بين أدباء العرب، وتساعد على زيادة التأثير للخطاب المعرفي، تلك التي تلتقي مع القيم والمبادئ والأخلاق الحسنة، ولا تتعارض بأيّ حال مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، ومن ثمَّ تحث الأدباء العرب إلى خلق روح الاحتفاء بالمشاريع الثقافية العربية وأربابها، هذه الروح التي يفوح شذاها، ويعبق طيبها، وتصدح ألحانها في كلّ ناحية.
د. علي زين العابدين الحسيني - كاتب ازهري
مجلة "كل العرب" بفرنسا، عدد:٦٢
وفي مكة المكرمة زار أستاذنا الأكبر البيوميّ الشاعر الكبير الحجازي أحمد بن إبراهيم الغزاوي لتعزيته في زوجته الراحلة، وكان الرجل كما وصفه البيومي عامر القلب بالإيمان، صابراً، متماسكاً، لكنه شكا له هجوم البعض على شعره قائلًا: "إنه يبارك الجيل الجديد من الشعراء، ويتمنى أن يعيدوا للمملكة عهود السالفين من شعراء الجزيرة الكبار، ولكنّ احترام الآباء واجب الأبناء".
لقد أراد البيومي أن يسليه ملفتاً نظره إلى أنّ كبار الشعراء هم محل النقد غالباً، فقد وجه لأمير الشعراء أحمد شوقي كثير من النقد، وتعرض لكثير من المعارك الأدبية، ولكنها لم تؤثر عليه، ولم تحل دون سبقه الشعري، والغزاوي كشوقي ينتقده أولاده ويناقشوه، وإن كانوا لا يراعون حق الأبوة والكبر معه إلا أن قلبه أفسح صدراً منهم، فكانت هذه الكلمات سبباً في راحته النفسية وسعادته البالغة. [طرائف ومسامرات، ص10]
الغزاوي: الشاعر السعودي "أحمد إبراهيم الغزاوي" أحد أوائل أدباء الحجاز، وأنصار الاتجاه الشعري المحافظ، ولد سنة 1318-1900م في مكة المكرمة، وقرأ بها العلم في حلقاته بالمسجد الحرام، ودرس في مدرسة "الصولتية" الشهيرة المعروفة بأزهر الحجاز، ودرس في مدرسة "الفلاح"، وبعد تزوده بالمعارف والشهادات المختلفة عمل في وزارة الأوقاف، وفي رئاسة القضاء، ثم بعد ذلك بمديرية المعارف، والصحافة، والإذاعة، ومجلس الشورى، وسبق له تحرير عدد من الصحف والمجلات السعودية؛ كصحيفة "أم القرى"، وزار السودان، والهند، واليمن، ومنحه الملك عبد العزيز عام 1932م لقب "شاعر جلالة الملك"، وقد اشتهر بإلقاء قصائد أمامه في المحافل الرسمية في المناسبات المختلفة، وهو أول مَن تولى إدارة الإذاعة السعودية في بداية تأسيسها عام 1948م، وبعد وفاته جُمعت قصائده في ستة مجلدات، وله أيضاً "شذرات الذهب" وهو مقالات في اللغة والأدب والتاريخ نشرها في مجلة "المنهل" في بابه الشهري المعنون بــــــــ"شذرات الذهب"، واستمر يكتب تحت هذا الباب إلى جانب حولياته وقصائده الشعرية حتى توفي بمكة المكرمة عام 1402-1981م، ودفن بها [تتمة الأعلام لمحمد خير رمضان يوسف 1/24]
كان الغزاوي ينشر في مجلة "المنهل" تحت عنوان "شذرات الذهب" الفوائد والفرائد الكثيرة، والغرر اللامعة، والنوادر العزيزة، يطوف فيها في شتّى أنواع المعارف؛ كالأدب والتاريخ والسيرة والفلك والخواطر النقدية والاجتماعية، وقد اكتمل تراثه من الشذرات في مجلد ضخم طبع برعاية "المنهل" بعد وفاته بسنين، فكانت طبعته الأولى سنة 1407-1987م، وجاء في إهداء هذا الكتاب: أنه قطع مختارة منتقاة في الدين والفكر والأدب والتاريخ وغيرها تقدمها المنهل؛ وفاء لكاتبها أحمد الغزاوي، وبذلًا للمعارف التي يرجى الاستفادة منها، ثم صدرت بقصيدة للشاعر إبراهيم خليل علاف، ومقدمة بعنوان "كلمة حق" للأستاذ محمود العارف، ثم ترجمة لجامع "الشذرات" للأستاذ عبد القدوس الأنصاري، وقد شارف هذا المجلد الضخم الألف من الصفحات.
حذا البيومي في كتابه الشهير "طرائف ومسامرات" شذرات الغزاوي، وصرح بذلك في مقدمة كتابه بقوله: "وقد رأيت من الأنسب أن نحيي ذكرى الرجل الفاضل باحتذاء صنيعه، فنحاول أن نعيد عنوان (الشذرات) لنصل ما انقطع من الحديث، ومن يدري فقد يأذن الله فتمتد هذه الشذرات حتى تأتي بكتاب تال، وهو أمل عزيز".
وحقق الله أمنية أستاذنا البيومي فأخرج مثل هذه الشذرات النادرة في كتابه "طرائف ومسامرات" في مجلد شارف الخمسمائة من الصفحات، بل قرأ له في شذراته ما اتخذ منه مجالًا لمقال نشره في مجلة "المنهل" عدد ربيع الثاني 1399 وجمادى الأولى 1399، وهو في المجلد الأربعين من المجلة بعنوان "بين القالي والغالي"، وقد نبهه البيومي على سهو علمي وقع فيه، حيث نشر الغزاوي في العدد الثالث ربيع الأول 1398 مقالًا بعنوان "أبو علي القالي وجمهرة ابن دريد"، فالعنوان عن أبي القالي، والحديث عن أبي الحسن علي بن أحمد الفالي، فبين الاسمين نقطة واحدة فارقة بين علمين، فهي تفصل بين رجلين كبيرين في زمنين مختلفين، وهذا التصحيح عرف البيومي أنه سيسعد صاحب الشذرات، وهو ما كان؛ حيث كتب عنه الغزاوي مقالًا بعنوان: "أحسن الله إليك وجزاك عني خير الجزاء"، نشر فيما في كتابه "الشذرات"، وهو عندي أشبه بالوثيقة المهمة التي تدلل على مكانة محمد رجب البيومي عند علماء البلدان الأخرى، حيث نعته الغزاوي في مقاله بـــــ "العلَّامة أستاذنا الجليل" ولنفاسة هذا المقال وقوة العلاقة بين علماء البلدان رأيت أن أفرده بهذا المقال، وأثبت هنا نص ما قاله الشاعر الكبير أحمد إبراهيم الغزاوي دون تغيير، حيث قال في الكتاب المذكور ص893:
"قرأتُ في المنهل الأغر الصادر برقم المجلد 40 ربيع الثَّاني 1399 ه وجُمادى الأولى 1399ه كلمةَ العلَّامة أستاذنا الجليل الدكتور مُحمَّد رجب البيومي الأستاذ بكلِّيَّة اللُّغة العربيَّة بالمنصورة بمصرَ العزيزة، والكلمةُ بعنوان: (بينَ القالي والغالي) وكم سرَّني كثيرًا ثناءُ فضيلته على أخيه في صدر كلمته القَيِّمة! ورغم ما أعانيه من الآلام النَّفسيَّة المرضيَّة عافاه الله منها جميعًا، فقد وجدتُّني بطوعي واختياري واعترافي بالفضل لصاحبه أكتبُ هذه الكلمةَ المتواضعة شاكرًا كلَّ الشُّكرِ لرعايته وتكريمه وجميل أفضاله وإرشاده.
وقد تأثَّرتُ كثيرًا بإحسانه المضاعف بإرشادي إلى الخطأ في (النقطة) بين: القالي، والغالي، وكما يقول المثل العامي: (العتب على النَّظَر)، وربَّ ملومٍ لا ذنبَ له؛ فقد كانتْ هذه الهفوةُ إبَّانَ مصيبة كبرى زلزلتْ كياني بوفاة ((عشيرة الحياة)) كلِّها رحمها الله، هذا من جهة، ومن الأخرى أحمدُ الله أنَّ الخطأ وإن كان في نقطة واحدة؛ فإنَّها أقلُّ خطرًا وأهميَّة من نقطة: (أخصِ من قبلك ...) المعروفة في الأدب العربي القديم. وجزاه الله عنِّي خيرَ الجزاء، (ورحِمَ اللهُ امرأً أهْدى إليَّ عُيوبي).
وما كانتْ مشاركتي في المنهل الأغرِّ وبالشَّذَرات إلا تأسِّيًا بأهل الفضل وذوي الأيادي البيضاء أمثال فضيلته، ومن قبيل:
فتشبَّهوا إن لم تكونوا مِثلَهمْ ** إنَّ التَّشبُّهَ بالكِرام فلاحُ
وحسبي غبطةً بعد هذا العمرِ الطَّويل أن أقرأ مثل هذا الرِّضا من علَّامة جليل، أمدَّ الله في حياته ووفَّقه لكلِّ ما يحبُّه ويرضاه، كما أرجوه ألَّا يحرمَني من دعواته الصَّالحة، (وكلُّ إناءٍ بالَّذي فيه ينضحُ)، وإليه أخلص التَّحيَّة وأزكى السَّلام، ولولا الإعياء والعياء؛ لأسهبتُ فيما يحبُّه، (وحسبُك من القِلادة ما أحاطَ بالعُنُق)" اهـ
أعود فأقول: إنّ هذا المقال للشاعر الكبير أحمد الغزاوي يعدّ وثيقة حية مهمة للتواصل الثقافي، ومدّ الجسور الأدبية بين أدباء الأقطار العربية، والاندماج بين الأجيال المختلفة، ويؤسس لفكرة عربية خالصة تتحرر من شوائب الإقليمية الضيقة، وتدعو إلى الاعتراف بالمائدة الثقافية العربية، والتكامل الثقافي المعاصر بين أدباء العرب، وتساعد على زيادة التأثير للخطاب المعرفي، تلك التي تلتقي مع القيم والمبادئ والأخلاق الحسنة، ولا تتعارض بأيّ حال مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، ومن ثمَّ تحث الأدباء العرب إلى خلق روح الاحتفاء بالمشاريع الثقافية العربية وأربابها، هذه الروح التي يفوح شذاها، ويعبق طيبها، وتصدح ألحانها في كلّ ناحية.
د. علي زين العابدين الحسيني - كاتب ازهري
مجلة "كل العرب" بفرنسا، عدد:٦٢