أحزاب الكفاءات. هذا ما سمعناه قبل وأثناء الحملة الانتخابية التي جرت أطوارُها خلالَ شهر شتنبر 2021 و التي تمخَّضت عنها الحكومة الحالية التي تحكُمُ البلادَ، أو بالأحرى، التي تتحكَّمُ في البلاد. وهذا كذلك ما سمعناه وقرأناه في بعض الصُّحف حين تم تعيينُ رئيس الحكومة وحين تشكَّلت هذه الحكومة من الأحزاب الثلاثة التي تصدَّرت نتائجُها الانتخاباتِ. غير أن هذه الأحزاب الثلاثة والصُّحف التابعة لها وجِهاتٌ أخرى لم تتوقَّفْ عن تضليلِ المواطنين بزعمِها أن مفهومَ "الكفاءة" مرتبِطٌ فقط وحصريا بنوعية وجودة الدِّبلومات أو الشهادات التي حصلَ عليها مَن هم مؤهَّلون للاستوزار.
غير أن هذه الأحزاب والصُّحف والجِهات الأخرى تعمَّدت خلطاً بين "الكفاءة العلمية" و "الكفاءة السياسية". الكفاءة العِلمية لها قواعِدُها وخصوصياتُها. ومَن أراد أن يُمارسَها ويبَيِّنَ مزاياها، فمكانُه ليس في الحكومة. مكانُه في المختبرات العلمية لإنتاجِ قيماتٍ مضافةٍ تستفيد منها البلاد والعباد. أما الكفاءةُ السياسيةُ، كمفهوم، فهي أوسعُ وأكبر بكثيرٍ من الكفاءة العِلمية، وبالتالى، أكبر من نوعيةِ وجودة الشهادات أو الدِّبلومات المُحصَّل عليها.
أن يكونَ المُمارسُ للسياسة حاصلا على شواهد عليا، فهذا شيءٌ مرغوبٌ فيه وله انعكاسات إيجابية على ممارسة السياسة. لكن هناك من الصِّفات والخِصال ما هو أهمُّ وأفيدُ وأنفعُ للجميع، والتي، من المفروض ومن الضروري أن يتحلَّى بها كل مَن اراد أن يُمارسَ السياسةَ ببُعدها العلمي، الاجتماعي والثقافي. وهنا، لا بدَّ من طرحِ سؤالٍ أولٍ أعتبرُه مهمّاً للغاية : "هل حكومات التَّكنوقراط التي دبَّرت الشأنَ العامَّ ببلادنا حلَّت كلَّ المشاكل التي عانى منها المواطنون منذ الاستقلال"؟
التَّقنوقراط هم، فعلا، الوزراء الذين يتمتَّعون بكفاءةٍ علمية عالية لكنَّ تجربتَهم السياسية ضعيفة، إن لم نقُل غائبة! والحكومة الحالية، شئنا أم أبينا، تحتوي على وزراء تكنوقراط احتضنتهم أحزابٌ سياسية، في آخِرِ ساعة، اضطرارياً. السؤال الثاني لا يقلُّ أهمِّيةً عن الأول : "لماذا هؤلاء التِّكنوقراط، الموجودون في الحكومة الحالية، لم يكن لهم انتماءٌ سياسيٌّ قبل الاستوزار"؟ الجواب بسيطٌ جدا : لاَّنهم لا يثقون في السياسة كما هي مُمارسةٌ في بلادنا! السؤال الثالث، هو الآخرُ مهمٌّ للغاية، لكنه، في نفس الوقتِ، مُحيِّرٌ : "فهل من المعقول أن يتمَّ استوزارُ أشخاصٍ لا يثقون في السياسة علماً أن تدبيرَ الشأن العام لا يمكن، على الإطلاق، تدبيرُه في غياب هذه السياسة!
هذا هو مشهدُنا السياسي الذي، في أحسن الأحوال، هو عبارة عن مسرحية متقنة الإخراج! مسرحيةٌ يجد فيها كل حزبٍ وكلُّ مستوزَرٍ ضالَّتَه التي، بكل بساطةٍ، تُختَزَلُ في السباق لاحتلال كراسي السلطة.
ولهذا، فما هو مفيدٌ للبلاد والعباد هو الجمعُ، في شخصٍ واحدٍ، بين الكفاءة العلمية والكفاءة السياسية. وإذا استثنينا الحكومات التي دبَّرت الشأنَ العامَّ للبلاد، مباشرةً بعد الاستقلال، فنادرا ما حصلَ هذا الجمعُ عند تشكيلِ الحكومات التي حكمت البلادَ إلى يومنا هذا. فما هي "الكفاءة السياسية"؟
الكفاءة السياسية تفرض على كلُّ شخصٍ، رجُل أو إمرأة، مقبلٍ على تدبيرِ الشأن العام، تحت غطاءٍ حزبي، أن يكونَ هذا الشخصُ، أولا وقبل كل شيء، إنساناً يولي للقيم الإنسانية ما تستحقُّه من اهتمامٍ وتقديرٍ. لأن السياسي، وزيراً كان أو برلمانيا أو مستشارا جماعيا، ما كان ليصلَ المرتبة التي هو فيها لولا ثقةُ الناس فيه. ولهذا، فالقيم الإنسانية هي المِقياسُ الأساسي الذي، يجب الاعتمادُ عليه ليستحقَّ الإنسانُ امرَ تدبير شؤون الإ.نسان. وهذه القيم الإنسانية كثيرةٌ، متنوِّعة ومتداخلة، أذكر منها على سبيل المثال : فضلا عن التَّجربة السياسية والكاريزما، يخاف اللهَ، خلوقٌ ومُحترمٌ للآخر، متواضع، مسؤول، نزيهٌ…
1.يخافُ اللهَ قبل أن يخافَ العبدَ. وهذا يعني أنه يتمتَّع بإيمانٍ قوي يجعلُه مؤمنا بالحق و يعمل به و يُنيرُ فكرَه وسلوكَه وعملَه. وهذا يعني كذلك أنه يجب أن لا ينسى السياسيُ أن دستورَ البلاد ينصُّ على أن دينَ الدولة هو الإسلام. ولا داعيَ للقول أن الإسلامَ هو الدين الذي يحثُّ، بإلحاحٍ، على التحلِّي بالقيم الإنسانية وعلى النهوض بها. والغريبُ في الأمرِ أن التَّحلِّي بالقيم الإنسانية نجده مكرَّسا في تدبير الشأن العام في العديد من الدول العِلمانية التي فصلت بين الدين والسياسة. أما عندنا، فتدبيرُ الشأن العام لا هو نابِع من العِلمانية ولا هو مُحترمٌ للمبادئ الدينية (القيم الإنسانية). تدبيرُ الشأن العام عندنا يخضعُ لأهواء مَن اختارهم الشعبُ نيابةً عنه لتدبيرِ شأنِه العام في خَرقٍ واضحٍ للدستور والقيم الإنسانية.
2.خلوقٌ ومُحترِمٌ للآخر. خلوقٌ تعني أن السياسي، من الضروري، أن يتحلَّى بأخلاقٍ عاليةٍ لأنه يحمل أمانةً في عُنُقه تتمثَّل في تدبير شؤون الناس. فمن المحتَّم عليه أن يكونَ صادقا، أميناً وإن رأى مُنكرا أو فسادا يتصدَّى لهما ويُحاربُهما صِيانةً لأمن وأمان المحتمع. كما يتحتَّمُ على السياسي أن يحترمَ نفسَه ويحترمَ الآخرين. واحترام النفس واحترامُ الآخرين يحتِّمان على السياسي أن لا يتفوَّهَ بكلام غير لائق وأن لا يحتقرَ مَن كلُّفوه بأمانة تدبير الشأن العام. لكن بعضَ الوزراء والبرلمانيين لم يحترموا لا أنفسَهم ولا المواطنين. فمنهم مَن أراد إعادةَ تربيةَ هؤلاء المواطنين ومنهم مَن وصفهم ب"الْمْدَاويخ" ومنهم مَن وصفهم ب"الْمْرَاضِين" ومنهم مَن صاح في وجههم صارخاً وغاضباً "بْغَيْتُنا نْخْدْمو بيليكي"... ومنهم مَن سَمَحَ لمُطربِ راب rap أن يصعدَ لخشبة مهرجانٍ موسيقي ليحتقرَ المغاربة كلهم ويدوسَ، أمامَ الملإ، قيمَهم وأخلاقَهم، حاملا بيدٍ الميكروفون وقنينةَ كحولٍ باليد الأخرى. إنه عبثٌ ما بعده عبثٌ. عبثٌ يضرب عرضَ الحائط كل القيم الإنسانية والأخلاقية وكل الجهود التي تبذلها الأسر والمجتمع من أجل تكوين أجيالٍ صالحة لنفسها ولبلدها. كل هذه التَّجاوزات غالبا ما تمرُّ مرورَ الكرام وكأنها شيءٌ عادي لا يُعاقب عليه القانون. في أمصارٍ أخرى يسود فيها مبدأ "دولة الحق والقانون"، لا يمكن لسياسي يحترم نفسَه أن تكونَ له تضرُّفات مثل هذه. وإن تجرَّأ، عليه مواجهةُ القانون والشارع والحزب السياسياذي الذي ينتمي إليه!
3.متواضع. إلا التَّواضع لن نجدَه مكرَّسا لا في أحشاء ولا في عقول وزرائنا وبرلمانيينا. هل رأيتم، يوما ما، وزيراً أوبرلمانياُ نزل عند الجماهير واختلط بهم وتجاذب معهم أطراف الحديث؟ هل رأيتم وزيرا يتجوَّل في الشارع مثله مثل عامة الناس؟ هل رأيتم وزيرا يقوم بزيارة رسمية لمدينة أو جهة من جهات المملكة دون بروتوكول؟… ما يُتقنه وزراءنا هو الاستعلاء على الناس والتَّكبُّر في وجوههم. وكأن الاستوزارَ ينفي إنسانيةَ الوزير ويُعطيه صفةَ السيد الذي يعلو ولا يُعلى عليه. بينما الوزير، مهما علا شأنُه، يجب، بحُكم حملِه أمانةَ تدبير شؤون الناس، أن يبقى قريبا من هؤلاء الناس. وما يُستعربُ له هو أننا نرى، بأُمِّ أعييننا في أمصار تحترم نفسَها، وزراءَ يتجوَّلون في الشارع العام، يصطفون في الطوابير ويمتطون وسائلَ النقل العمومية ويرافقون أبنائهم إلى المدارس…
4.مسؤول ونزيه. تدبير الشأن العام تكليفٌ وليس تشريفاً. وما دام تدبيرُ الشأن العام تكليفاً، فإن مَن هو مُكلَّفٌ بهذا التَّدبير، تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة. فالأمانةُ تقتضي أن يُقدِّرَ المُكلَّف، وزيرا كان أم برلمانيا أو مستشاراً جماعيا، هذه المسؤولية ويقوم بها أحسن قيام. ما يُلاحظ عندنا أن أغلبَ المسؤولين يعتبرون تدبيرَ الشأن العام تشريفاً وليس تكليفاً. حينها، تضيع المسؤولية ويضيع معها التَّدبيرُ والمواطنون.
هل رأيتم، يوما ما، وزيراً أو برلمانيا قدَّم استقالتَه من منصِبه لأن ظروفَ العمل والظروف المحيطة به لم تسمح له بالقيام بمسؤوليتِه كما يتطلَّب ذلك الواجب.؟ ما يحدث هو التَّشبُّث بالمناصب وعمل المستحيل للحِفاظ عليها. بينما في أمصارٍ أخرى وبالضبط، في المملكة المُتَّحدة (بريطانيا،)، استقال من منصبهما وزيران أولان في أقل من شهرين. الأول هو بوريس جونسون Boris Johnson والثاني هي ليز تراس Liz Truss. والغريب في الأمر أن مَن دفع بوريس إلى الاستقالة، ليس فقط المعارضة المتمثلة في حزب العُمال، لكن كذلك أعضاء من داخِلِ الحزب الحاكم الذي هو حزب المحافظين. أهناك شعورٌ بالمسؤولية أكثر من هذا؟ أهناك تقديرٌ للمسؤولية أكثر من هذا؟ أهناك نزاهةٌ أكثر من هذه؟ أهناك احترامٌ للمواطنين أكثر من هذا؟ أرأيتم مواطنةً أكثر من هذه؟ أرأيتم ماذا تعني الكفاءة السياسية؟ ارأيتم ماذا تعني التَّجربة السياسية؟
ما يمكن استنتاجُه من تصرُّفات وزرائنا وبرلمانيينا، هو أنهم بعيدون كل البُعد عن ما جاء به دستورُ البلاد. بل بعيدون كل البُعد عن القيم الإنسانية والأخلاقية التي بدونها، تضيعُ الديمقراطية ويضيع التَّدبيرُ الجيِّد للشأن العام وتضيع حقوقُ المواطنين…
غير أن هذه الأحزاب والصُّحف والجِهات الأخرى تعمَّدت خلطاً بين "الكفاءة العلمية" و "الكفاءة السياسية". الكفاءة العِلمية لها قواعِدُها وخصوصياتُها. ومَن أراد أن يُمارسَها ويبَيِّنَ مزاياها، فمكانُه ليس في الحكومة. مكانُه في المختبرات العلمية لإنتاجِ قيماتٍ مضافةٍ تستفيد منها البلاد والعباد. أما الكفاءةُ السياسيةُ، كمفهوم، فهي أوسعُ وأكبر بكثيرٍ من الكفاءة العِلمية، وبالتالى، أكبر من نوعيةِ وجودة الشهادات أو الدِّبلومات المُحصَّل عليها.
أن يكونَ المُمارسُ للسياسة حاصلا على شواهد عليا، فهذا شيءٌ مرغوبٌ فيه وله انعكاسات إيجابية على ممارسة السياسة. لكن هناك من الصِّفات والخِصال ما هو أهمُّ وأفيدُ وأنفعُ للجميع، والتي، من المفروض ومن الضروري أن يتحلَّى بها كل مَن اراد أن يُمارسَ السياسةَ ببُعدها العلمي، الاجتماعي والثقافي. وهنا، لا بدَّ من طرحِ سؤالٍ أولٍ أعتبرُه مهمّاً للغاية : "هل حكومات التَّكنوقراط التي دبَّرت الشأنَ العامَّ ببلادنا حلَّت كلَّ المشاكل التي عانى منها المواطنون منذ الاستقلال"؟
التَّقنوقراط هم، فعلا، الوزراء الذين يتمتَّعون بكفاءةٍ علمية عالية لكنَّ تجربتَهم السياسية ضعيفة، إن لم نقُل غائبة! والحكومة الحالية، شئنا أم أبينا، تحتوي على وزراء تكنوقراط احتضنتهم أحزابٌ سياسية، في آخِرِ ساعة، اضطرارياً. السؤال الثاني لا يقلُّ أهمِّيةً عن الأول : "لماذا هؤلاء التِّكنوقراط، الموجودون في الحكومة الحالية، لم يكن لهم انتماءٌ سياسيٌّ قبل الاستوزار"؟ الجواب بسيطٌ جدا : لاَّنهم لا يثقون في السياسة كما هي مُمارسةٌ في بلادنا! السؤال الثالث، هو الآخرُ مهمٌّ للغاية، لكنه، في نفس الوقتِ، مُحيِّرٌ : "فهل من المعقول أن يتمَّ استوزارُ أشخاصٍ لا يثقون في السياسة علماً أن تدبيرَ الشأن العام لا يمكن، على الإطلاق، تدبيرُه في غياب هذه السياسة!
هذا هو مشهدُنا السياسي الذي، في أحسن الأحوال، هو عبارة عن مسرحية متقنة الإخراج! مسرحيةٌ يجد فيها كل حزبٍ وكلُّ مستوزَرٍ ضالَّتَه التي، بكل بساطةٍ، تُختَزَلُ في السباق لاحتلال كراسي السلطة.
ولهذا، فما هو مفيدٌ للبلاد والعباد هو الجمعُ، في شخصٍ واحدٍ، بين الكفاءة العلمية والكفاءة السياسية. وإذا استثنينا الحكومات التي دبَّرت الشأنَ العامَّ للبلاد، مباشرةً بعد الاستقلال، فنادرا ما حصلَ هذا الجمعُ عند تشكيلِ الحكومات التي حكمت البلادَ إلى يومنا هذا. فما هي "الكفاءة السياسية"؟
الكفاءة السياسية تفرض على كلُّ شخصٍ، رجُل أو إمرأة، مقبلٍ على تدبيرِ الشأن العام، تحت غطاءٍ حزبي، أن يكونَ هذا الشخصُ، أولا وقبل كل شيء، إنساناً يولي للقيم الإنسانية ما تستحقُّه من اهتمامٍ وتقديرٍ. لأن السياسي، وزيراً كان أو برلمانيا أو مستشارا جماعيا، ما كان ليصلَ المرتبة التي هو فيها لولا ثقةُ الناس فيه. ولهذا، فالقيم الإنسانية هي المِقياسُ الأساسي الذي، يجب الاعتمادُ عليه ليستحقَّ الإنسانُ امرَ تدبير شؤون الإ.نسان. وهذه القيم الإنسانية كثيرةٌ، متنوِّعة ومتداخلة، أذكر منها على سبيل المثال : فضلا عن التَّجربة السياسية والكاريزما، يخاف اللهَ، خلوقٌ ومُحترمٌ للآخر، متواضع، مسؤول، نزيهٌ…
1.يخافُ اللهَ قبل أن يخافَ العبدَ. وهذا يعني أنه يتمتَّع بإيمانٍ قوي يجعلُه مؤمنا بالحق و يعمل به و يُنيرُ فكرَه وسلوكَه وعملَه. وهذا يعني كذلك أنه يجب أن لا ينسى السياسيُ أن دستورَ البلاد ينصُّ على أن دينَ الدولة هو الإسلام. ولا داعيَ للقول أن الإسلامَ هو الدين الذي يحثُّ، بإلحاحٍ، على التحلِّي بالقيم الإنسانية وعلى النهوض بها. والغريبُ في الأمرِ أن التَّحلِّي بالقيم الإنسانية نجده مكرَّسا في تدبير الشأن العام في العديد من الدول العِلمانية التي فصلت بين الدين والسياسة. أما عندنا، فتدبيرُ الشأن العام لا هو نابِع من العِلمانية ولا هو مُحترمٌ للمبادئ الدينية (القيم الإنسانية). تدبيرُ الشأن العام عندنا يخضعُ لأهواء مَن اختارهم الشعبُ نيابةً عنه لتدبيرِ شأنِه العام في خَرقٍ واضحٍ للدستور والقيم الإنسانية.
2.خلوقٌ ومُحترِمٌ للآخر. خلوقٌ تعني أن السياسي، من الضروري، أن يتحلَّى بأخلاقٍ عاليةٍ لأنه يحمل أمانةً في عُنُقه تتمثَّل في تدبير شؤون الناس. فمن المحتَّم عليه أن يكونَ صادقا، أميناً وإن رأى مُنكرا أو فسادا يتصدَّى لهما ويُحاربُهما صِيانةً لأمن وأمان المحتمع. كما يتحتَّمُ على السياسي أن يحترمَ نفسَه ويحترمَ الآخرين. واحترام النفس واحترامُ الآخرين يحتِّمان على السياسي أن لا يتفوَّهَ بكلام غير لائق وأن لا يحتقرَ مَن كلُّفوه بأمانة تدبير الشأن العام. لكن بعضَ الوزراء والبرلمانيين لم يحترموا لا أنفسَهم ولا المواطنين. فمنهم مَن أراد إعادةَ تربيةَ هؤلاء المواطنين ومنهم مَن وصفهم ب"الْمْدَاويخ" ومنهم مَن وصفهم ب"الْمْرَاضِين" ومنهم مَن صاح في وجههم صارخاً وغاضباً "بْغَيْتُنا نْخْدْمو بيليكي"... ومنهم مَن سَمَحَ لمُطربِ راب rap أن يصعدَ لخشبة مهرجانٍ موسيقي ليحتقرَ المغاربة كلهم ويدوسَ، أمامَ الملإ، قيمَهم وأخلاقَهم، حاملا بيدٍ الميكروفون وقنينةَ كحولٍ باليد الأخرى. إنه عبثٌ ما بعده عبثٌ. عبثٌ يضرب عرضَ الحائط كل القيم الإنسانية والأخلاقية وكل الجهود التي تبذلها الأسر والمجتمع من أجل تكوين أجيالٍ صالحة لنفسها ولبلدها. كل هذه التَّجاوزات غالبا ما تمرُّ مرورَ الكرام وكأنها شيءٌ عادي لا يُعاقب عليه القانون. في أمصارٍ أخرى يسود فيها مبدأ "دولة الحق والقانون"، لا يمكن لسياسي يحترم نفسَه أن تكونَ له تضرُّفات مثل هذه. وإن تجرَّأ، عليه مواجهةُ القانون والشارع والحزب السياسياذي الذي ينتمي إليه!
3.متواضع. إلا التَّواضع لن نجدَه مكرَّسا لا في أحشاء ولا في عقول وزرائنا وبرلمانيينا. هل رأيتم، يوما ما، وزيراً أوبرلمانياُ نزل عند الجماهير واختلط بهم وتجاذب معهم أطراف الحديث؟ هل رأيتم وزيرا يتجوَّل في الشارع مثله مثل عامة الناس؟ هل رأيتم وزيرا يقوم بزيارة رسمية لمدينة أو جهة من جهات المملكة دون بروتوكول؟… ما يُتقنه وزراءنا هو الاستعلاء على الناس والتَّكبُّر في وجوههم. وكأن الاستوزارَ ينفي إنسانيةَ الوزير ويُعطيه صفةَ السيد الذي يعلو ولا يُعلى عليه. بينما الوزير، مهما علا شأنُه، يجب، بحُكم حملِه أمانةَ تدبير شؤون الناس، أن يبقى قريبا من هؤلاء الناس. وما يُستعربُ له هو أننا نرى، بأُمِّ أعييننا في أمصار تحترم نفسَها، وزراءَ يتجوَّلون في الشارع العام، يصطفون في الطوابير ويمتطون وسائلَ النقل العمومية ويرافقون أبنائهم إلى المدارس…
4.مسؤول ونزيه. تدبير الشأن العام تكليفٌ وليس تشريفاً. وما دام تدبيرُ الشأن العام تكليفاً، فإن مَن هو مُكلَّفٌ بهذا التَّدبير، تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة. فالأمانةُ تقتضي أن يُقدِّرَ المُكلَّف، وزيرا كان أم برلمانيا أو مستشاراً جماعيا، هذه المسؤولية ويقوم بها أحسن قيام. ما يُلاحظ عندنا أن أغلبَ المسؤولين يعتبرون تدبيرَ الشأن العام تشريفاً وليس تكليفاً. حينها، تضيع المسؤولية ويضيع معها التَّدبيرُ والمواطنون.
هل رأيتم، يوما ما، وزيراً أو برلمانيا قدَّم استقالتَه من منصِبه لأن ظروفَ العمل والظروف المحيطة به لم تسمح له بالقيام بمسؤوليتِه كما يتطلَّب ذلك الواجب.؟ ما يحدث هو التَّشبُّث بالمناصب وعمل المستحيل للحِفاظ عليها. بينما في أمصارٍ أخرى وبالضبط، في المملكة المُتَّحدة (بريطانيا،)، استقال من منصبهما وزيران أولان في أقل من شهرين. الأول هو بوريس جونسون Boris Johnson والثاني هي ليز تراس Liz Truss. والغريب في الأمر أن مَن دفع بوريس إلى الاستقالة، ليس فقط المعارضة المتمثلة في حزب العُمال، لكن كذلك أعضاء من داخِلِ الحزب الحاكم الذي هو حزب المحافظين. أهناك شعورٌ بالمسؤولية أكثر من هذا؟ أهناك تقديرٌ للمسؤولية أكثر من هذا؟ أهناك نزاهةٌ أكثر من هذه؟ أهناك احترامٌ للمواطنين أكثر من هذا؟ أرأيتم مواطنةً أكثر من هذه؟ أرأيتم ماذا تعني الكفاءة السياسية؟ ارأيتم ماذا تعني التَّجربة السياسية؟
ما يمكن استنتاجُه من تصرُّفات وزرائنا وبرلمانيينا، هو أنهم بعيدون كل البُعد عن ما جاء به دستورُ البلاد. بل بعيدون كل البُعد عن القيم الإنسانية والأخلاقية التي بدونها، تضيعُ الديمقراطية ويضيع التَّدبيرُ الجيِّد للشأن العام وتضيع حقوقُ المواطنين…