تنصُّ المادة 3 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلِّق بالأحزاب السياسية على ما يلي :
"تُؤَسَّسُ الأحزاب السياسية وتُمارِسُ أنشطتَها بكل حرِّية وفقَ الدستور وطِبقا لأحكام القانون".
ما يُثير الانتباهَ في نصِّ هذه المادة، هو عبارة "بكل حرية". وهذا يعني أن الأحزاب السياسية لها كامل الحرية في ممارسة أنشطتها ما دامت هذه الحرية تحترم الدستور والقوانين المعمول بها. و"بكل حرِّية" تعني كذلك أن الأحزاب السياسية لها كامل الصَّلاحية للقيام بمهامها أو أنشطتها دون انتظار الإشارة من أية جهةٍ كانت.
وحتى يكونَ الجواب على هذا السؤال مكتملا، دعونا نتعرَّف على أنشطة الأحزاب السياسية التي ينص عليها القانون. هذه الأنشطة تُحدِّدها المادة 2، و بالأخص، الفقرتان الثانية والثالثة من نفس المادة ونفس القانون المشار إليه أعلاه :
"يعمل الحزب السياسي، طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور، على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام".
"كما يساهم في التعبير عن إرادة الناخبين ويشارك في ممارسة السلطة على أساس التَّعدُّدية والتَّناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية".
فإذا كان القانون يعطي للأحزاب السياسية الحرِّيةَ للقيام بأنشطتِها المبيَّنة أعلاه، فهناك علامات استفهام تستحقُّ الطرحَ، منها على سبيل المثال :
1.هل فعلا الأحزاب السياسية مارست وتُمارس أنشطتَها بكل حرية؟
2.أو بعبارة أخرى : هل هناك مانع ملموس و واضح يمنع الأحزابَ السياسية من ممارسة أنشطتها بكل حرِّية؟
3.لماذا تلتزم الأحزابُ السياسية الصَّمتَ القاتلَ إزاء قضايا وطنية من الأهمِّية بمكان؟
4.لماذا، في حالة تفاعلها مع هذه القضايا، يأتي تفاعُلُها متأخِّرا بأيام إن لم يكن أحيانا بأسابيع؟
5.لماذا لا تُصدِر الأحزاب السياسية قراراتٍ وآراء حول القضايا الوطنية في حينه علما أن الدستور يكفل حرِّية التعبيرَ والرأي؟
6.هل تقوم الأحزاب السياسية قولا وفعلا بتأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي؟
ما نشاهده ونعيشه في الميدان هو أن هذا التأطيرَ والتَّكوينَ منعدمان. وإلا كيف تُفسِّر الأحزاب السياسية عزوفَ شريحة عريضة من المواطنين عن السياسة، وبالنالي، عن الانتخابات وعن المساهمة في تدبير الشأنين العام والمحلِّي؟
7.هل فعلا الأحزاب السياسية تعبِّر عن إرادة المواطنات والمواطنين الناخبينن؟
ما نشاهده ونعيشه في الميدان يجعلنا نُقِرُّ بالعكس تماما. وإلا كيف تفسِّر الأحزاب السياسية صعفَ الانخراط فيها؟ و كيف تفسِّر ابتعادَ شريحة عريضة من المثقفين عن الانخراط فيها؟
يمكن القول بدون تردُّدٍ إن الأحزابَ السياسية فشلت في القيام بأنشطتِها رغم "كل الحرِّية" التي خوَّلها لها القانون. إلا مهمة واحدة أتقنتها وتُتقنها الأحزاب السياسية : المشاركة في ممارسة السلطة. فماذا يعني هذا الاختيار الذي يتمُّ على حساب الأنشطة الأخرى؟
بكل بساطةٍ، الأحزاب السياسية ضربت عرض الحائط كل الأنشطة التي تربطها بالمواطنين واحتفظت فقط بالمهمة التي تناسبها وتخدم فقط وحصريا مصالحَها الضيِّقة. فلا غرابةَ أن يتنكَّرَ لها المواطنون ويضعونها في خانة النسيان. والمثير في الأمر أن هذه الأحزاب، إلى حدِّ الآن، سائرةٌ في نفس النهج.
لم نسمعْ و لم نَرَ أن حزبا واحدا راجع نفسَه وقام بنقد ذاتي علانيةً وأمام الملأ. بل إن الأحزاب السياسية، بفرط حبها للسلطة، اخترعت القاسمَ الانتخابي لضمان وصولها إلى هذه السلطة. أما المواطنة والشفافية والديمقراطية ومصلحة البلاد واقتصادها وتنميتها وتقدمها وتحبيب السياسة للمواطنين… فلتذهب كل هذه الأشياء إلى الجحيم!
وما أريد أن أختمَ به هذه المقالة، هو أننا، في الماضي، كنا نميِّز بين الأحزاب الجماهيرية والأحزاب النُّخبوية. الأحزاب الجماهيرية هي تلك الأحزاب التي تضم في عضويتِها شريحةً عريضةً من المواطنات والمواطنين، غالبا من الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين والحِرفيين… أما الأحزاب النُّخبوية، فهي الأحزاب التي تتشكَّل غالبية عضويتِها من المثقفين بمختلف مشاريهم، وخصوصا أولئك الذين لهم باع طويل في العلوم الإنسانية وعلى رأسها العلوم السياسية.
اليوم، أُفرِغت الأحزاب السياسية لا من الجماهير ولا من المثقفين. إلى درجة أنها لم تعد تختلف، بعضها عن البعض الآخر، إلا بالتَّسميات. تسميتات تتناقض تناقضا صارخا مع ما تُبرِّر به هذه الأحزاب وجودَها : التسابق المحموم نحو كراسي السلطة. أحزابٌ أصبحت صورةً طبقَ الأصل لقياداتٍِ همٌّها الوحيد هو الوصولشش إلى السلطة من أجل السلطة.
"تُؤَسَّسُ الأحزاب السياسية وتُمارِسُ أنشطتَها بكل حرِّية وفقَ الدستور وطِبقا لأحكام القانون".
ما يُثير الانتباهَ في نصِّ هذه المادة، هو عبارة "بكل حرية". وهذا يعني أن الأحزاب السياسية لها كامل الحرية في ممارسة أنشطتها ما دامت هذه الحرية تحترم الدستور والقوانين المعمول بها. و"بكل حرِّية" تعني كذلك أن الأحزاب السياسية لها كامل الصَّلاحية للقيام بمهامها أو أنشطتها دون انتظار الإشارة من أية جهةٍ كانت.
وحتى يكونَ الجواب على هذا السؤال مكتملا، دعونا نتعرَّف على أنشطة الأحزاب السياسية التي ينص عليها القانون. هذه الأنشطة تُحدِّدها المادة 2، و بالأخص، الفقرتان الثانية والثالثة من نفس المادة ونفس القانون المشار إليه أعلاه :
"يعمل الحزب السياسي، طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور، على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام".
"كما يساهم في التعبير عن إرادة الناخبين ويشارك في ممارسة السلطة على أساس التَّعدُّدية والتَّناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية".
فإذا كان القانون يعطي للأحزاب السياسية الحرِّيةَ للقيام بأنشطتِها المبيَّنة أعلاه، فهناك علامات استفهام تستحقُّ الطرحَ، منها على سبيل المثال :
1.هل فعلا الأحزاب السياسية مارست وتُمارس أنشطتَها بكل حرية؟
2.أو بعبارة أخرى : هل هناك مانع ملموس و واضح يمنع الأحزابَ السياسية من ممارسة أنشطتها بكل حرِّية؟
3.لماذا تلتزم الأحزابُ السياسية الصَّمتَ القاتلَ إزاء قضايا وطنية من الأهمِّية بمكان؟
4.لماذا، في حالة تفاعلها مع هذه القضايا، يأتي تفاعُلُها متأخِّرا بأيام إن لم يكن أحيانا بأسابيع؟
5.لماذا لا تُصدِر الأحزاب السياسية قراراتٍ وآراء حول القضايا الوطنية في حينه علما أن الدستور يكفل حرِّية التعبيرَ والرأي؟
6.هل تقوم الأحزاب السياسية قولا وفعلا بتأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي؟
ما نشاهده ونعيشه في الميدان هو أن هذا التأطيرَ والتَّكوينَ منعدمان. وإلا كيف تُفسِّر الأحزاب السياسية عزوفَ شريحة عريضة من المواطنين عن السياسة، وبالنالي، عن الانتخابات وعن المساهمة في تدبير الشأنين العام والمحلِّي؟
7.هل فعلا الأحزاب السياسية تعبِّر عن إرادة المواطنات والمواطنين الناخبينن؟
ما نشاهده ونعيشه في الميدان يجعلنا نُقِرُّ بالعكس تماما. وإلا كيف تفسِّر الأحزاب السياسية صعفَ الانخراط فيها؟ و كيف تفسِّر ابتعادَ شريحة عريضة من المثقفين عن الانخراط فيها؟
يمكن القول بدون تردُّدٍ إن الأحزابَ السياسية فشلت في القيام بأنشطتِها رغم "كل الحرِّية" التي خوَّلها لها القانون. إلا مهمة واحدة أتقنتها وتُتقنها الأحزاب السياسية : المشاركة في ممارسة السلطة. فماذا يعني هذا الاختيار الذي يتمُّ على حساب الأنشطة الأخرى؟
بكل بساطةٍ، الأحزاب السياسية ضربت عرض الحائط كل الأنشطة التي تربطها بالمواطنين واحتفظت فقط بالمهمة التي تناسبها وتخدم فقط وحصريا مصالحَها الضيِّقة. فلا غرابةَ أن يتنكَّرَ لها المواطنون ويضعونها في خانة النسيان. والمثير في الأمر أن هذه الأحزاب، إلى حدِّ الآن، سائرةٌ في نفس النهج.
لم نسمعْ و لم نَرَ أن حزبا واحدا راجع نفسَه وقام بنقد ذاتي علانيةً وأمام الملأ. بل إن الأحزاب السياسية، بفرط حبها للسلطة، اخترعت القاسمَ الانتخابي لضمان وصولها إلى هذه السلطة. أما المواطنة والشفافية والديمقراطية ومصلحة البلاد واقتصادها وتنميتها وتقدمها وتحبيب السياسة للمواطنين… فلتذهب كل هذه الأشياء إلى الجحيم!
وما أريد أن أختمَ به هذه المقالة، هو أننا، في الماضي، كنا نميِّز بين الأحزاب الجماهيرية والأحزاب النُّخبوية. الأحزاب الجماهيرية هي تلك الأحزاب التي تضم في عضويتِها شريحةً عريضةً من المواطنات والمواطنين، غالبا من الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين والحِرفيين… أما الأحزاب النُّخبوية، فهي الأحزاب التي تتشكَّل غالبية عضويتِها من المثقفين بمختلف مشاريهم، وخصوصا أولئك الذين لهم باع طويل في العلوم الإنسانية وعلى رأسها العلوم السياسية.
اليوم، أُفرِغت الأحزاب السياسية لا من الجماهير ولا من المثقفين. إلى درجة أنها لم تعد تختلف، بعضها عن البعض الآخر، إلا بالتَّسميات. تسميتات تتناقض تناقضا صارخا مع ما تُبرِّر به هذه الأحزاب وجودَها : التسابق المحموم نحو كراسي السلطة. أحزابٌ أصبحت صورةً طبقَ الأصل لقياداتٍِ همٌّها الوحيد هو الوصولشش إلى السلطة من أجل السلطة.