البروفيسور لطفي منصور - عُمَرُ بنُ الفارض وقصيدَتُهُ اليائِيَّةُ ساكنَةُ الرَّويِّ في التَّصَوُّف..

عمرُ بن عليّ بنِ مُرْشِد الْحَمَوِيُّ الأصْلِ الْمِصْرِيُّ المولِدُ والدّارُ والوفاة. من أكبرِ وأشهرِ شعراءِ الصوفيّةِ. كان يُؤْمِنُ مِثْلَ ابنِ العربي بوحدَةِ الوجود (أيْ الله موجودٌ في كُلِّ شَيْء ، وكلُّ شَيْءٍ من الله، وهو الاتّحاد: اتّحادُ نفسُ الصوفيّ وروحُه مع الوجودِ الإلهي).
عاشَ لم ابْنُ الفارِضِ مُرَفّهًا في حياته ولباسِه ومأْكَلِهِ ومَشْرَبِه، وكانت له جوارٍ يضربنَ له بِالدُّفِّ والشِّبّابة (الناي) أثناءَ الْوَجْدِ والرَّقْصِ الصُّوفي.
ولُقِّبَ بِسلطانِ العاشقين.
يكثرُ الغزَلُ في شعره. الصّوفيون يعتبرونه غزلًا بالذّات الإلهيّة، وهذا لا يليق بالحضْرة الإلهيّة.
(انظر .. بحثنا "شعر العشق والخمر عند الصوفيّة" وهو محاضرة ألقيتْ في يوم دراسي للتصوّف في كليّة القاسمي لم تنشر بعد. يمكن الحصول عليها من مكتبة كاتب هذه السطور)
مات ابن الفارض ٦٣٢/١٢٣٥م.
تقعُ القصيدة التي سنختارُ منها بيتينِ في ١٥٣ بيتا من الشعر من بحر الرَّمَل. سوف أشير إلى معتقدات الصوفيّة وشرح المفردات الصعبة بعد كلّ بيت.
يقول ابن الفارض:
(سائِقَ الأظْعانِ يطْوي البيدَ طَيْ
مُنْعِمًا عَرِّجْ عَلَى كُثْبانِ طَيْ)
الأظعان: جمع ظعينة وهي المرأة ما دامت في الْهَوْدَج. يطوي: يقطع بالسّير. البيد: جمعُ بيداء وهي الصحراء. عَرِّجْ مِنَ التعريج وهو الْمَيْل.
طَيْ: قبيلة عربيّة معروفة منها حاتَالطائي.
الرموز الصوفيّة:
سائِقُ الأظعان هو الله. والأظعان هم الْبَشَر. كثبان طيْ هِيَ الْمقامات الْمُحمديّة الكثيرة كرمل الكثيب. يتوسّل إلى الله أن يوصِلَه إلى تلك المقامات.
( وَبِذاتِ الشِّيحِ عَنِّي إِنْ مَرَرْ
تَ بِحَيٍّ مِنْ عُرَيْبِ الْجِزْعِ حَيْ)
الشِّيح: نبات يُزهر له رائِحة. وذات الشيح يقصد مِنطقة في ديار بربوع في نجد ينبتُ فيها الشِّيح. الجِزْع: مُنْعَطَفُ الوادي المتَّسِع الذي ينبت فيها الشِّيحُ. عُرَيْب: تصغير عَرَب يسكنونَ الْجِزْعَ. حَيْ الثانية: فعلُ أمْرٍ مِنْ حَيَّا تَحِيَّةً.
المعنى: أيُّها السّائِقُ إن مَرَرْتَ بِحَيٍّ مِنَ العربِ فَحَيِّهم عنّي.
الرمز الصوفي:
ذات الشِّيح: مقامُ الْحَيْرَةِ في الله. الصوفيون يؤمنون بالمقامات للتَّقَرُّب إلى الحضرة الإلهيّة. وهي عبارةٌ عن محطّات الواحدة فَوْقَ الأخرى وعددها عِنْدَ المعتدلين سبعُ مقامات بعدد السماوات. ومقام الحَيْرَة هو مَقَام رائِحةِ الحضْرة الإلهيّة ذات الرائحة الزكية (الشيح).
المعنى الإجمالي البيتين:
أيُّها السائقُ إِنْ مَرَرْتَ بِالأظعانِ في المكان المسمَّى عنه بذات الشِّيح حَيِّهِ عَنِّي. وذلك مِنْ
قِبَلِ قولِه صَلَّى اللّه عليه وَسَلَّم: "اللّهمَّ أَنْتَ اَلسَّلامُ ومِنْكَ اَلسَّلامُ وَإليْكَ مَرْجِعُ السّلامِ.
أكتفي بهذه اللمحةِ القصيرةِ لتَأْخُذوا فكرَةً عن الصوفيّة. ومن يبغي الزيادةِ فلينظُرْ بحثنا المذكور أعلاه.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى