قد يبدو عنوان هذه المقالة غريباً للوهلة الأولى؛ إذ إنّ المحاكم معنية بالفصل بين المتخاصمين في المنازعات الاقتصادية والاجتماعية والجرمية، وغيرها من الخصومات والجرائم الناجمة عن تشابك المصالح والعلاقات بين الأفراد والجماعات في المجتمعات البشرية وما قد يتمخّض عنها من خلافات أو تجاوزات أو تعدّيات، وذلك بتحكيم الشرائع والقوانين المعمول بها في هذه المجتمعات.
إنّ الاحتكام إلى الحجّة والمنطق والعلم وتفنيد الرأي وبيان صوابه أو بطلانه إنّما هو السبيل الطبيعي للفصل في مثل هذا النوع من الخصومات والنزاعات.
لكنّ حساسية بعض القضايا الخلافية المتّصلة بالمعتقدات والأديان والرأي العام، بصورة خاصّة ، قد يدفع ببعض الخلافات الفكرية إلى ساحة القضاء وأروقة المحاكم للبتِّ في موضوعها والفصل بين أطرافها.
وتمثّل قضية كتاب ( في الشعر الجاهليّ ) الذي أصدره الدكتور طه حسين عام (١٩٢٦م) أوضح مثال في العصر الحديث على هذا النوع من المحاكمات الفكرية.
لقد تسبّب هذا الكتاب ومنهج البحث العلميّ الذي اعتمده طه حسين بإثارة مشاعر الغضب والاستنكار الشديد لدى فئات كثيرة من عامّة المسلمين وخاصّتهم في مصر والعالم العربيّ؛ إذ إنّ هذا المنهج يقوم أساساً على مبدأ الشكّ المبدئيّ في موضوع البحث - حسب الفيلسوف الفرنسي ديكارت - بوصفه منطَلقاً منهجيّاً للتّثبّت من عناصر هذا الموضوع وإطلاق الحكم النهائيّ بشأنه.
لقد قاد هذا المنهج طه حسين إلى إنكار معظم الشعر الجاهلي، وما استتبعه ذلك من طعن بالدين الإسلاميّ وتشكيك ببعض ما ورد في القرآن الكريم حول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وصلة القربى التي تجمعهما بالعرب، وكذلك بثّ الشكوك حول القراءات السّبع ومصدرها، والتعريض بمكانة قريش وبني هاشم والنبي عليه السلام، وأخيراً ذهاب المؤلّف إلى إنكار أوليّة الإسلام في بلاد العرب من خلال أصوله الإبراهيمية.
في عام (١٩٦٩م) نشر الباحث والكاتب والروائيّ الكبير خيري شلبي (١٩٣٨-٢٠١١م) كتابه المهم ( محاكمة طه حسين)* متضمّناً قرار النيابة العامة المصرية برئاسة النائب العام الأستاذ محمد نور، بعد تحقيقه، مع تعليق وافٍ يتناول ظروف ودلائل وحيثيات القضية.
سأكتفي هنا بذكر بعض الفقرات الدّالة والمهمة الواردة في هذا الكتاب، تاركاً للقارئ الكريم فسحة التمعّن في مدلولاتها، وربّما القياس عليها في بعض القضايا المشابهة .
جاء في قرار النيابة العامّة:
"..........وحيث إنّه اتّضح من أقوال المبلِّغين أنّهم ينسبون للمؤلّف أنّه طعن على الدين الإسلاميّ في مواضع أربعة من كتابه:
-الأول: إنّ المؤلّف أهان الدين الإسلاميّ بتكذيب القرآن في أخباره عن إبراهيم وإسماعيل، حيث ذكر في ص ٢٦ من كتابه:
" للتوراة أن تحدّثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدّثنا عنهما أيضاً، ولكنّ ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخيّ....."
-الثاني: ما تعرّض له المؤلّف في شأن القراءات السّبع المجمع عليها.....وأنّه في كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله..."
-الثالث: ينسبون للمؤلّف أنّه طعن في كتابه على النبيّ-صلّى الله عليه وسلّم-.....فقال في ص ٧٢ من كتابه: " ......فلأمر ما اقتنع الناس بأنّ النبيّ يجب أن يكون صفوة بني هاشم وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف........وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنسانية كلّها. "
-الرابع: إنّ الأستاذ المؤلّف أنكر أنّ للإسلام أوليّة في بلاد العرب وأنّه دين إبراهيم؛ إذ يقول في ص ٨٠ : " ......وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أنّ الإسلام يجدّد دين إبراهيم، ومن هنا أخذوا يعتقدون أنَّ دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور......"
كانت تلك أهم المآخذ التي أخذها أصحاب القضية على صاحب كتاب (في الشعر الجاهلي) كما وردت في تقرير النيابة العامّة.
فكيف تناول النائب العام هذه المآخذ؟
لقد أسهب التقرير في مناقشتها وتفنيدها، مستدلاً على ذلك بأقوال المؤلّف/المتّهم أثناء جلسات المحاكمة ليخلُص إلى قوله حول المأخذ الأول:
" ونحن لا نفهم كيف أباح المؤلّف لنفسه أن يخلط بين الدين والعلم، وهو القائل بأنّ الدين يجب أن يكون بمعزل عن هذا النوع من البحث الذي هو بطبيعته قابل للتغيير والنقض والشكّ والإنكار- ص ٢٢ من محضر التحقيق- وإنّنا حين نفصل بين العلم والدين نضع الكتب السماوية موضع التقديس، ونعصمها من إنكار المنكرين وطعن الطاعنين......."
وجاء في تقرير النيابة حول الأمر الثاني:
" ....فالمؤلّف لم يتعرّض لمسألة القراءات من حيث إنّها منزَلة أو غير منزَلة، وإنّما قال كثُرَت القراءات وتعدَّدت اللهجات، وقال إنّ الخلاف الذي وقع في القراءات تقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطعْ أن تغيّر حناجرها وألسنتها وشفاهها، فهو بذلك يصف الواقع.........ونحن نرى أنّ ما ذكره المؤلّف في هذه المسألة هو بحث علميّ لا تَعارضَ بينه وبين الدين ولا اعتراض عليه."
وجاذ في تقرير النيابة حول الأمر الثالث:
" ........ونحن لا نرى اعتراضاً على بحثه على هذا النحو من حيث هو وإنّما كلّ ما نلاحظه عليه أنّه تكلّم فيما يختصّ بأسرة النبيّ-صلّى الله عليه وسلّم- ونسبه في قريش بعبارة خالية من كلّ احترام، بل وبشكل تهكّميّ غير لائق ولا يوجَد في بحثه ما يدعوه لإيراد العبارة على هذا النحو. "
وقد جاء في تقرير النيابة حول المأخَذ الرابع:
" يقول حضرات المبلغين إنّ الأستاذ المؤلّف أنكر أنّ للإسلام أوليّة في بلاد العرب وأنّه دين إبراهيم..................وحيث أنّ كلام المؤلّف هنا هو استمرار في بحث بيان أسباب انتحال الشعر، من حيث تأثير الدين على الانتحال.........ونحن لا نرى اعتراضاً على أن يكونَ مرادُه بما كتب في هذه المسألة هو ما ذكره، ولكنّنا نرى أنّه كان سيّئ التعبير جدّاً في بعض عباراته....."
وقد جاء في خلاصة قرار المحكمة :
" إنّ للمؤلّف فضلاً لا يُنكَر في سلوكه طريقاً جديداً للبحث حذا فيه حذو العلماء من الغربيين، ولكنّه لشدّة تأثّره بما أخذ عنهم قد تورّط في بحثه حتى تخيّل حقاً ما ليس بحق، أو ما لا يزال في حاجة إلى إثبات أنّه حق.
إنّه قد سلك طريقاً مظلماً فكان عليه أن يسير على مهل وأن يحتاط في سيره حتى لا يضلّ، ولكنّه أقدم بغير احتياط فكانت النتيجة غير محمودة.
وحيث إنّه ممّا تقدّم يتّضح أنّ غرض المؤلّف لم يكن الطعنَ والتّعدّي على الدين؛ بل إنّ العبارات الماسّة بالدين التي أوردها في بعض المواضيع من كتابه إنّما قد أوردها في سبيل البحث العلميّ مع اعتقاده أنّ بحثه يقتضيها.
وحيث إنّه من ذلك يكون القصد الجنائيّ غير متوفّر . " فلذلك " تُحفَظ الأوراق إدارياً..
محمد نور رئيس نيابة مصر
القاهرة في ٣٠ مارس سنة ١٩٢٧م "
أخيراً..فإنّه من المهمّ الإشارة إلى ماتحلّى به النائب العام الراحل (محمد نور) من نزاهة وحنكة وحكمة، بل ومن ذائقة أدبية عالية وحِسّ نقديّ رفيع، الأمر الذي مكّنه من تلمّس روح القانون بعيداً عن الوقوع أسير نصوصه وبنوده الباردة الصمّاء، فجاء حكمه محقّقاً للحقّ والعدل والإنصاف.
كما أنّني أحثّ القارئ بشدّة على العودة إلى الكتاب وقراءته كاملاً للوقوف على مجمل ملابسات هذه القضية وما اتّصل بها من قريب أو بعيد؛ ما يسمح له بتكوين قناعته الخاصة حول هذه المحاكمة. وهذا يقتضي، بطبيعة الحال، العودة إلى كتاب طه حسين، الذي نُشِرَ بعد المحاكمة تحت عنوان (في الأدب الجاهلي) بعد حذف الموضوعات الإشكالية التي أثارت الجدل والاستنكار وتسبّبت في محاكمة المؤلّف طه حسين.
*- خيري شلبي، محاكمة طه حسين، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٧٢م .
دكتور زياد العوف
إنّ الاحتكام إلى الحجّة والمنطق والعلم وتفنيد الرأي وبيان صوابه أو بطلانه إنّما هو السبيل الطبيعي للفصل في مثل هذا النوع من الخصومات والنزاعات.
لكنّ حساسية بعض القضايا الخلافية المتّصلة بالمعتقدات والأديان والرأي العام، بصورة خاصّة ، قد يدفع ببعض الخلافات الفكرية إلى ساحة القضاء وأروقة المحاكم للبتِّ في موضوعها والفصل بين أطرافها.
وتمثّل قضية كتاب ( في الشعر الجاهليّ ) الذي أصدره الدكتور طه حسين عام (١٩٢٦م) أوضح مثال في العصر الحديث على هذا النوع من المحاكمات الفكرية.
لقد تسبّب هذا الكتاب ومنهج البحث العلميّ الذي اعتمده طه حسين بإثارة مشاعر الغضب والاستنكار الشديد لدى فئات كثيرة من عامّة المسلمين وخاصّتهم في مصر والعالم العربيّ؛ إذ إنّ هذا المنهج يقوم أساساً على مبدأ الشكّ المبدئيّ في موضوع البحث - حسب الفيلسوف الفرنسي ديكارت - بوصفه منطَلقاً منهجيّاً للتّثبّت من عناصر هذا الموضوع وإطلاق الحكم النهائيّ بشأنه.
لقد قاد هذا المنهج طه حسين إلى إنكار معظم الشعر الجاهلي، وما استتبعه ذلك من طعن بالدين الإسلاميّ وتشكيك ببعض ما ورد في القرآن الكريم حول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وصلة القربى التي تجمعهما بالعرب، وكذلك بثّ الشكوك حول القراءات السّبع ومصدرها، والتعريض بمكانة قريش وبني هاشم والنبي عليه السلام، وأخيراً ذهاب المؤلّف إلى إنكار أوليّة الإسلام في بلاد العرب من خلال أصوله الإبراهيمية.
في عام (١٩٦٩م) نشر الباحث والكاتب والروائيّ الكبير خيري شلبي (١٩٣٨-٢٠١١م) كتابه المهم ( محاكمة طه حسين)* متضمّناً قرار النيابة العامة المصرية برئاسة النائب العام الأستاذ محمد نور، بعد تحقيقه، مع تعليق وافٍ يتناول ظروف ودلائل وحيثيات القضية.
سأكتفي هنا بذكر بعض الفقرات الدّالة والمهمة الواردة في هذا الكتاب، تاركاً للقارئ الكريم فسحة التمعّن في مدلولاتها، وربّما القياس عليها في بعض القضايا المشابهة .
جاء في قرار النيابة العامّة:
"..........وحيث إنّه اتّضح من أقوال المبلِّغين أنّهم ينسبون للمؤلّف أنّه طعن على الدين الإسلاميّ في مواضع أربعة من كتابه:
-الأول: إنّ المؤلّف أهان الدين الإسلاميّ بتكذيب القرآن في أخباره عن إبراهيم وإسماعيل، حيث ذكر في ص ٢٦ من كتابه:
" للتوراة أن تحدّثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدّثنا عنهما أيضاً، ولكنّ ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخيّ....."
-الثاني: ما تعرّض له المؤلّف في شأن القراءات السّبع المجمع عليها.....وأنّه في كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله..."
-الثالث: ينسبون للمؤلّف أنّه طعن في كتابه على النبيّ-صلّى الله عليه وسلّم-.....فقال في ص ٧٢ من كتابه: " ......فلأمر ما اقتنع الناس بأنّ النبيّ يجب أن يكون صفوة بني هاشم وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف........وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنسانية كلّها. "
-الرابع: إنّ الأستاذ المؤلّف أنكر أنّ للإسلام أوليّة في بلاد العرب وأنّه دين إبراهيم؛ إذ يقول في ص ٨٠ : " ......وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أنّ الإسلام يجدّد دين إبراهيم، ومن هنا أخذوا يعتقدون أنَّ دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور......"
كانت تلك أهم المآخذ التي أخذها أصحاب القضية على صاحب كتاب (في الشعر الجاهلي) كما وردت في تقرير النيابة العامّة.
فكيف تناول النائب العام هذه المآخذ؟
لقد أسهب التقرير في مناقشتها وتفنيدها، مستدلاً على ذلك بأقوال المؤلّف/المتّهم أثناء جلسات المحاكمة ليخلُص إلى قوله حول المأخذ الأول:
" ونحن لا نفهم كيف أباح المؤلّف لنفسه أن يخلط بين الدين والعلم، وهو القائل بأنّ الدين يجب أن يكون بمعزل عن هذا النوع من البحث الذي هو بطبيعته قابل للتغيير والنقض والشكّ والإنكار- ص ٢٢ من محضر التحقيق- وإنّنا حين نفصل بين العلم والدين نضع الكتب السماوية موضع التقديس، ونعصمها من إنكار المنكرين وطعن الطاعنين......."
وجاء في تقرير النيابة حول الأمر الثاني:
" ....فالمؤلّف لم يتعرّض لمسألة القراءات من حيث إنّها منزَلة أو غير منزَلة، وإنّما قال كثُرَت القراءات وتعدَّدت اللهجات، وقال إنّ الخلاف الذي وقع في القراءات تقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطعْ أن تغيّر حناجرها وألسنتها وشفاهها، فهو بذلك يصف الواقع.........ونحن نرى أنّ ما ذكره المؤلّف في هذه المسألة هو بحث علميّ لا تَعارضَ بينه وبين الدين ولا اعتراض عليه."
وجاذ في تقرير النيابة حول الأمر الثالث:
" ........ونحن لا نرى اعتراضاً على بحثه على هذا النحو من حيث هو وإنّما كلّ ما نلاحظه عليه أنّه تكلّم فيما يختصّ بأسرة النبيّ-صلّى الله عليه وسلّم- ونسبه في قريش بعبارة خالية من كلّ احترام، بل وبشكل تهكّميّ غير لائق ولا يوجَد في بحثه ما يدعوه لإيراد العبارة على هذا النحو. "
وقد جاء في تقرير النيابة حول المأخَذ الرابع:
" يقول حضرات المبلغين إنّ الأستاذ المؤلّف أنكر أنّ للإسلام أوليّة في بلاد العرب وأنّه دين إبراهيم..................وحيث أنّ كلام المؤلّف هنا هو استمرار في بحث بيان أسباب انتحال الشعر، من حيث تأثير الدين على الانتحال.........ونحن لا نرى اعتراضاً على أن يكونَ مرادُه بما كتب في هذه المسألة هو ما ذكره، ولكنّنا نرى أنّه كان سيّئ التعبير جدّاً في بعض عباراته....."
وقد جاء في خلاصة قرار المحكمة :
" إنّ للمؤلّف فضلاً لا يُنكَر في سلوكه طريقاً جديداً للبحث حذا فيه حذو العلماء من الغربيين، ولكنّه لشدّة تأثّره بما أخذ عنهم قد تورّط في بحثه حتى تخيّل حقاً ما ليس بحق، أو ما لا يزال في حاجة إلى إثبات أنّه حق.
إنّه قد سلك طريقاً مظلماً فكان عليه أن يسير على مهل وأن يحتاط في سيره حتى لا يضلّ، ولكنّه أقدم بغير احتياط فكانت النتيجة غير محمودة.
وحيث إنّه ممّا تقدّم يتّضح أنّ غرض المؤلّف لم يكن الطعنَ والتّعدّي على الدين؛ بل إنّ العبارات الماسّة بالدين التي أوردها في بعض المواضيع من كتابه إنّما قد أوردها في سبيل البحث العلميّ مع اعتقاده أنّ بحثه يقتضيها.
وحيث إنّه من ذلك يكون القصد الجنائيّ غير متوفّر . " فلذلك " تُحفَظ الأوراق إدارياً..
محمد نور رئيس نيابة مصر
القاهرة في ٣٠ مارس سنة ١٩٢٧م "
أخيراً..فإنّه من المهمّ الإشارة إلى ماتحلّى به النائب العام الراحل (محمد نور) من نزاهة وحنكة وحكمة، بل ومن ذائقة أدبية عالية وحِسّ نقديّ رفيع، الأمر الذي مكّنه من تلمّس روح القانون بعيداً عن الوقوع أسير نصوصه وبنوده الباردة الصمّاء، فجاء حكمه محقّقاً للحقّ والعدل والإنصاف.
كما أنّني أحثّ القارئ بشدّة على العودة إلى الكتاب وقراءته كاملاً للوقوف على مجمل ملابسات هذه القضية وما اتّصل بها من قريب أو بعيد؛ ما يسمح له بتكوين قناعته الخاصة حول هذه المحاكمة. وهذا يقتضي، بطبيعة الحال، العودة إلى كتاب طه حسين، الذي نُشِرَ بعد المحاكمة تحت عنوان (في الأدب الجاهلي) بعد حذف الموضوعات الإشكالية التي أثارت الجدل والاستنكار وتسبّبت في محاكمة المؤلّف طه حسين.
*- خيري شلبي، محاكمة طه حسين، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٧٢م .
دكتور زياد العوف