المقال رقم (٣٤) ضمن سلسلة مقالات (القبح والجمال)..
قد يبدو هذا العنوان مألوفاً.. نعم، فقد رأيناه على شاشات هواتفنا البدائية في مطلع الألفية الحالية قبل امتلاك الهواتف المتطورة التي يحملها أغلبنا اليوم، لكنه في هذا المقال سيعبر أو (يحاول) التعبير عن حالةٍ من الغموض الذي لف العلاقة المركبة بين الدين والفن والناس، اتسمت به مراحل هامة من حياتنا ولا زالت تلقي بظلالها على مجتمعاتنا في شتى المواضيع حتى الآن وإن لم يعي الكثيرون ذلك، ضمن المواضيع التي استعرضناها طيلة هذه السلسلة من المقالات التي حاولت تقديم اضاءات على الأحداث التي غيرت مجتمعاتنا وساهمت في تغيير الحياة عموماً..
حيث ظل الحديث عن هذا الموضوع نادراً ضمن أطرٍ ضيقة وخلف الأبواب المغلقة تقريباً حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي، لتصبح هذه القضية مثار جدلٍ كبير ومحل تساؤل بعيداً عن إجاباتٍ واضحة وشفافة، تتخللها موجات من التصريحات العنيفة والتراشق الإعلامي (من مختلف الأطراف) بين الحين والآخر، والغريب في هذه القضية هو تجنب المباشرة والصراحة من قبل الجميع، وهو ما انسحب على سلوك المواطن العادي الذي يرى حسب اهتماماته وطريقة تفكيره قدوةً له سواءاً كان ذلك في بعض (رجال الدين أو الدعاة) أو بعض (الفنانين والمثقفين) أو بعض (الوجوه المعروفة) التي نحرص على وضعها في تصنيف بعيد تمام البعد عن الفن والثقافة حفظاً لقيمتهم الأدبية والمعنوية..
وبالعودة إلى حقبة الثمانينات التي شهدت بداية هذه الحالة والتي استمرت حتى اليوم (لكن بوتيرة مختلفة حسب كل مرحلة) من اعتزال للكثير من الفنانين والفنانات للعمل الفني وارتداء الحجاب، نجد أن هناك نماذج متفاوتة من بين الأسماء الكثيرة التي أقدمت على هذه الخطوة، حيث استمر البعض في خياره حتى وفاته أو حتى اليوم فيما تراجع قسمٌ آخر عنه، ولكن القصة لا ترتبط في الإقدام على اتخاذ هذا القرار قدر ارتباطها بأسبابه وبالسلوكيات والتصريحات التي رافقته أو تلته (والتي سنتحدث عنها بشكل خاص) وكان لها أثرها على الناس دون أدنى شك، فقرار من هذا النوع بعد عقود من ارتباط الفن بحياة الناس اليومية وتداخله مع قضاياهم المعيشية والوطنية أحدث بلبلةً وشرخاً في الشارع العام وأثار الكثير من التساؤلات عن السنوات الماضية التي كانت تجنح نحو التحرر (نعني هنا فترة وظروف محددة من التاريخ العربي الحديث)..
فلفتت هذه الموجة النظر إلى نقطة بالغة الأهمية وهي أن المناخ العام الذي عاش فيه أغلبنا لا يعبر بالضرورة عن واقع المجتمع و(مختلف شرائحه)، كما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن هوية المجتمع من جهة وإلى التساؤل عن مدى معرفتهم بماهية الفن والثقافة من جهة أخرى، كما أظهر في الوقت الذي يحاول البعض أن يحكي فيه عن (الإنفتاح على العالم) أننا لا نعرف بعضنا قبل أن نفكر فيما هو أبعد من حدودنا..
فبشكل أو بآخر نجد أن شريحة من (رجال الدين) حكم على الفن بناءاً على ما يصل إليه من أخبار، لكنه لا يمتلك معلوماتٍ كافية أو فهماً لماهية الفن وفلسفته وعمقه ومعانيه، وبعضهم قد يخلط (عن جهل) الجيد بالرديء عدا عن أنه لم يطلع على أي نموذج أو عمل كي يستطيع تقديم حكمٍ سليم عليه كجزءٍ هام من العوامل المؤثرة في حياتنا..
كما أن الكثير من العاملين في المجالات الفنية والثقافية والأدبية على اتساع نطاقاتها أيضاً بنوا حكمهم على الدين أو مشكلتهم معه بناءاً على ما سمعوه، دون الإطلاع أو التثبت من صحة ما وصل إليهم على أنه (رأي الدين في الفن) وهي مشكلة معقدة للغاية، إلى جانب قسمٍ آخر قدم رأياً نابعاً من مشاهدات لتجارب شخصية أو عامة عاشت ظروفاً قاسية في بيئة متشددة نقدر وجعها لكنها وقعت في خطأ التعميم، عدا عن فئة قدمت رؤيتها الخاصة التي قد لا تعبر بالضرورة عن حقيقة الأديان ولا تخلو من التجني المتعمد في كثيرٍ من الأحيان، سواءاً كان ذلك بحثاً عن شهرةٍ أكبر أو رغبةً في الإنتقام من البيئة التي نشأ فيها أو حتى مجاراةً لأجندةٍ خارجية تعدهم بالعالمية التي سال لعاب الكثيرين لها دون أن ينالوا فتاتها، فابتعد كلا الطرفين عن جوهر القضية التي تلامس الجميع ووظفها لخدمة وجهة نظره وهو أبعد ما يكون عن الموضوعية وخدمة حالة التعايش والتسامح والإستقرار والإحترام بين كافة الفئات حيث لكلٍ خياره الشخصي العاقل الواعي والمسؤول..
فموقف الأديان السماوية ببساطة ووضوح يعارض كل ما يثير الغرائز أو يحرض على الخطيئة أو قد يروج لها أو لفعل سيء من شأنه أن يساهم في إيذاء الآخرين أو إفساد أخلاقهم، أما الفن بمعناه الحقيقي السامي فيؤمن (قبل أن تدخل التجارة فيه ككل شيء) أيضاً بالحق والخير والجمال ويوظف الحرية في التعبير عن هذه القيم استناداً إلى معايير جمالية فلسفية بحتة لا تعترف بقيود سوى تلك التي تحاول الحفاظ على جوهر العمل الفني ليخرج بشكلٍ راقٍ يوصل الفكرة دون ابتذال تاركاً المساحة مفتوحة للمبدع ليفكر ويبتكر كون عباءة الفن واسعة جداً ومنظورها ومقاربتها للحياة عموماً مختلفة، وهو ما قد لا يلتقي مع الأديان للأسباب التي تم ذكرها والتي تضع سلوك البشر ضمن ضوابط أخلاقية، وهنا على الإنسان أن يختار بنفسه طريقه، حيث خلق وقوف الكثيرين في منطقةٍ رمادية دون تحديد وجهتهم حالةً من الفوضى والعبث، كونهم منتظرين لما ستقرره (الأغلبية) من كلا الطرفين التي يفوق الولاء لمنطقها أي ولاءٍ آخر بغية تحقيق أكبر استفادة ممكنة دون تحمل مسؤولية تذكر..
للحديث بقية..
خالد جهاد..
قد يبدو هذا العنوان مألوفاً.. نعم، فقد رأيناه على شاشات هواتفنا البدائية في مطلع الألفية الحالية قبل امتلاك الهواتف المتطورة التي يحملها أغلبنا اليوم، لكنه في هذا المقال سيعبر أو (يحاول) التعبير عن حالةٍ من الغموض الذي لف العلاقة المركبة بين الدين والفن والناس، اتسمت به مراحل هامة من حياتنا ولا زالت تلقي بظلالها على مجتمعاتنا في شتى المواضيع حتى الآن وإن لم يعي الكثيرون ذلك، ضمن المواضيع التي استعرضناها طيلة هذه السلسلة من المقالات التي حاولت تقديم اضاءات على الأحداث التي غيرت مجتمعاتنا وساهمت في تغيير الحياة عموماً..
حيث ظل الحديث عن هذا الموضوع نادراً ضمن أطرٍ ضيقة وخلف الأبواب المغلقة تقريباً حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي، لتصبح هذه القضية مثار جدلٍ كبير ومحل تساؤل بعيداً عن إجاباتٍ واضحة وشفافة، تتخللها موجات من التصريحات العنيفة والتراشق الإعلامي (من مختلف الأطراف) بين الحين والآخر، والغريب في هذه القضية هو تجنب المباشرة والصراحة من قبل الجميع، وهو ما انسحب على سلوك المواطن العادي الذي يرى حسب اهتماماته وطريقة تفكيره قدوةً له سواءاً كان ذلك في بعض (رجال الدين أو الدعاة) أو بعض (الفنانين والمثقفين) أو بعض (الوجوه المعروفة) التي نحرص على وضعها في تصنيف بعيد تمام البعد عن الفن والثقافة حفظاً لقيمتهم الأدبية والمعنوية..
وبالعودة إلى حقبة الثمانينات التي شهدت بداية هذه الحالة والتي استمرت حتى اليوم (لكن بوتيرة مختلفة حسب كل مرحلة) من اعتزال للكثير من الفنانين والفنانات للعمل الفني وارتداء الحجاب، نجد أن هناك نماذج متفاوتة من بين الأسماء الكثيرة التي أقدمت على هذه الخطوة، حيث استمر البعض في خياره حتى وفاته أو حتى اليوم فيما تراجع قسمٌ آخر عنه، ولكن القصة لا ترتبط في الإقدام على اتخاذ هذا القرار قدر ارتباطها بأسبابه وبالسلوكيات والتصريحات التي رافقته أو تلته (والتي سنتحدث عنها بشكل خاص) وكان لها أثرها على الناس دون أدنى شك، فقرار من هذا النوع بعد عقود من ارتباط الفن بحياة الناس اليومية وتداخله مع قضاياهم المعيشية والوطنية أحدث بلبلةً وشرخاً في الشارع العام وأثار الكثير من التساؤلات عن السنوات الماضية التي كانت تجنح نحو التحرر (نعني هنا فترة وظروف محددة من التاريخ العربي الحديث)..
فلفتت هذه الموجة النظر إلى نقطة بالغة الأهمية وهي أن المناخ العام الذي عاش فيه أغلبنا لا يعبر بالضرورة عن واقع المجتمع و(مختلف شرائحه)، كما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن هوية المجتمع من جهة وإلى التساؤل عن مدى معرفتهم بماهية الفن والثقافة من جهة أخرى، كما أظهر في الوقت الذي يحاول البعض أن يحكي فيه عن (الإنفتاح على العالم) أننا لا نعرف بعضنا قبل أن نفكر فيما هو أبعد من حدودنا..
فبشكل أو بآخر نجد أن شريحة من (رجال الدين) حكم على الفن بناءاً على ما يصل إليه من أخبار، لكنه لا يمتلك معلوماتٍ كافية أو فهماً لماهية الفن وفلسفته وعمقه ومعانيه، وبعضهم قد يخلط (عن جهل) الجيد بالرديء عدا عن أنه لم يطلع على أي نموذج أو عمل كي يستطيع تقديم حكمٍ سليم عليه كجزءٍ هام من العوامل المؤثرة في حياتنا..
كما أن الكثير من العاملين في المجالات الفنية والثقافية والأدبية على اتساع نطاقاتها أيضاً بنوا حكمهم على الدين أو مشكلتهم معه بناءاً على ما سمعوه، دون الإطلاع أو التثبت من صحة ما وصل إليهم على أنه (رأي الدين في الفن) وهي مشكلة معقدة للغاية، إلى جانب قسمٍ آخر قدم رأياً نابعاً من مشاهدات لتجارب شخصية أو عامة عاشت ظروفاً قاسية في بيئة متشددة نقدر وجعها لكنها وقعت في خطأ التعميم، عدا عن فئة قدمت رؤيتها الخاصة التي قد لا تعبر بالضرورة عن حقيقة الأديان ولا تخلو من التجني المتعمد في كثيرٍ من الأحيان، سواءاً كان ذلك بحثاً عن شهرةٍ أكبر أو رغبةً في الإنتقام من البيئة التي نشأ فيها أو حتى مجاراةً لأجندةٍ خارجية تعدهم بالعالمية التي سال لعاب الكثيرين لها دون أن ينالوا فتاتها، فابتعد كلا الطرفين عن جوهر القضية التي تلامس الجميع ووظفها لخدمة وجهة نظره وهو أبعد ما يكون عن الموضوعية وخدمة حالة التعايش والتسامح والإستقرار والإحترام بين كافة الفئات حيث لكلٍ خياره الشخصي العاقل الواعي والمسؤول..
فموقف الأديان السماوية ببساطة ووضوح يعارض كل ما يثير الغرائز أو يحرض على الخطيئة أو قد يروج لها أو لفعل سيء من شأنه أن يساهم في إيذاء الآخرين أو إفساد أخلاقهم، أما الفن بمعناه الحقيقي السامي فيؤمن (قبل أن تدخل التجارة فيه ككل شيء) أيضاً بالحق والخير والجمال ويوظف الحرية في التعبير عن هذه القيم استناداً إلى معايير جمالية فلسفية بحتة لا تعترف بقيود سوى تلك التي تحاول الحفاظ على جوهر العمل الفني ليخرج بشكلٍ راقٍ يوصل الفكرة دون ابتذال تاركاً المساحة مفتوحة للمبدع ليفكر ويبتكر كون عباءة الفن واسعة جداً ومنظورها ومقاربتها للحياة عموماً مختلفة، وهو ما قد لا يلتقي مع الأديان للأسباب التي تم ذكرها والتي تضع سلوك البشر ضمن ضوابط أخلاقية، وهنا على الإنسان أن يختار بنفسه طريقه، حيث خلق وقوف الكثيرين في منطقةٍ رمادية دون تحديد وجهتهم حالةً من الفوضى والعبث، كونهم منتظرين لما ستقرره (الأغلبية) من كلا الطرفين التي يفوق الولاء لمنطقها أي ولاءٍ آخر بغية تحقيق أكبر استفادة ممكنة دون تحمل مسؤولية تذكر..
للحديث بقية..
خالد جهاد..