وأنا أتأمل في الخريطة العالمية وأتمعَّن كثرةَ الدُّول وحدودَها، هذه الحدود التي أحياناً تثير الدّهشة نظرا لامتدادها على مسافات طويلة على شكل خط مستقيم أو على شكل خط شديد الالتواء أو على شكل خط مستقيم ثم ملتوٍ ثم مستقيم، الخ. فطرحتُ على نفسي سؤالا لا يقل حيرةً من تلك التي أحسستُ بها أمام استقامة أو التواء خطوط الحدود.
السؤال : "هل الحدود، كيفما كان شكلها، هي التي تجعل مثلا الأمريكي أمريكيا والسوداني سودانيا والهندي هنديا والفرنسي فرنسيا، الخ.؟"
السؤال فعلا مُحَيِّرٌ لأنه ليكون مثلا شخص ما أمريكيا، من الضّروري أن يزداد ويعيش داخل حدود بلاده. وفي نفس الوقت، من الممكن لشخص ما الحصولُ على الجنسية الأمريكية دون أن يزداد فوق التراب الأمريكي.
وتزداد الحيرة عندما نعرف أن الإقامة فوق التراب الأمريكي ليست شرطا قطعيا للاحتفاظ بالجنسية الأمريكية بمعنى أن الأمريكي يبقى أمريكيا ولو يُقيم بجميع دول العالم.
وتستمر الحيرة وتُحتِّم علينا أن نطرح سؤالا آخر : "إذن، لماذا تَصْلُحُ الحدود ما دامت هي التي تحدِّد الجنسية وفي نفس الوقت لا تحددها؟"
أضف إلى هذا أن الاستفادة من الجنسية الأمريكية في كلتي الحالتين لن يطرأ عليها أي تغيير سواء وُجِد التراب الأمريكي جنوب أو شرق أو وسط الكرة الأرضية!
وتستمر الحيرة ويُعادُ طرحُ نفس السؤال : "لماذا تَصْلُحُ الحدود؟" وطرح سؤال آخر : "هل تعدد الجنسيات، المُترتِّبُ عن تعدُّد الحدود، يجعل الأمريكي مثلا أو غيرَه كبشر، بغض النظر عن لون البشرة والتقاسيم الجسمانية، مختلفا عن البريطاني أو الصومالي أو النيجيري أو...؟"
لا أظن أن الاختلاف له علاقة بالحدود ما دامت هذه الأخيرة خطوط جامدة. لكنها رغم جمودها، لا تشكل عائقا لتَنقُّل الحضارات والثقافات والديانات والطقوس والاعتقادات والخرافات، الخ. إذن، إذا كان هناك اختلاف، فإنه ليس مُترتِّبا عن فعل الحدود ولا حتى عن الجنسية لأنه من الممكن أن يكون لبلدين (جنسيتين) نفس الحضارة ونفس الثقافة ونفس الديانة، وأكثر من هذا، بَلَدَانِ لا حدود مشتركة بينهما. إذن تعدُّد الجنسيات لا يؤدي حتما إلى تعدُّد الحضارات والثقافات والديانات. ثم نعود ونطرح السؤال : "لماذا تَصْلُحُ الحدود؟" إنه فعلا سؤال محير!
وهنا تحضرني الآية القرآنية الكريمة التي نصُّها : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات، الآية 13)".
في هذه الآية الكريمة، لم يقل سبحانه وتعالى "وجعلناكم شعبا"، بل قال "شعوبا" وصيغة الجمع هنا توحي بأن هذه الشعوب مختلفة. وهذا، في نظري، شيء منطقي بحكم رحابة الأرض وبُعد هذه الشعوب بعضها عن بعض. وقال تعالى : "لتعارفوا"، أي ليعرف بعضُكم البعضَ الآخر، لتتقاربوا وتتناسبوا. والتعارف والتقارب والتناسب أشياء تنفي الحدود وإن وُجِدَتْ. ثم قال سبحانه : "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ". وهنا كذلك لم يقل، عز وجل، "إن أكرمكم عند الله المسلمون ولا النصارى ولا اليهود ولا حتى جنسية دون أخرى". بل قال : "أتقاكم"، أي من اتبع ويتبع الحق وما سن الله من سبل الخير والإيمان.
وهذا شيء يقودنا إلى القول بأن الحدود ولا حتى الجنسيات لا تمنع الشعوب من التقارب. بل نقول إن الحدود من اختراع البشر. وهذا هو ما يجعلنا نقول إن تعدُّدَ الحدود يؤدي حتما إلى تعدد الجنسيات، مما يجعلنا نطرح سؤالا آخر : "ما هو الفرقُ بين جنسية وأخرى؟" أو بعبارة أخرى، "ما الفرق مثلا بين فرنسي وإيطالي وكندي و ...؟" إلى أن أصِلَ إلى السؤال الذي هو عنوان هذه المقالة : "ما الذي يجعلني أن أكون مغربيا؟" سؤال مُحيِّرٌ هو الآخر!
إني فقط أبحث عن مواصفات أو صفات أتميّز (نتميّز) بها عن مواطني دول أخرى لأقولَ إني مغربي أو إننا مغاربة.
وهنا، لا بد من توضيح مهمٍّ جدا وهو أنني عندما أبحث عن الخصوصيات لا يعني بتاتا أن يُفْهَمَ أنني أنكر إنني مغربي. أنا مغربي وأفتخر بمغربيتي. لكن ما خاب أحد يريد أن يرسِّخَ مغربيتَه بالبحث والتّحليل. إليكم البعضَ من هذه المواصفات أو الصفات :
الحدود. بغضِّ النّظر عن القانون والسياسة والجغرافيا والأعراف، الخ.، الحدود وحدها، فكريا، لا تجعلني مغربيا وخصوصا أن أشخاصا ليسوا مزدادين فوق التراب المغربي، من الممكن أن يحصلوا على الجنسية المغربية.
النظام السياسي. النظام السياسي بالمغرب ملكي. لكن دولا أخرى نظامها السياسي ملكي لكن سكانها ليسوا مغاربة. إذن النظام السياسي الملكي ليس خاصيةً مغربيةً.
المواطنة citoyenneté والوطنية Patriotisme. هتان الصفتان ليستا حكرا على المغرب. لا توجد بلاد لا تفتخر بالمواطنة والوطنية، وخصوصا، على مستوى دساتيرها. وحتى الدول الدكتاتورية لها مفهومها الخاص فيما يخصُّ المواطنة والوطنية.
اللغة. لغتانا الأم والرسميتان هما العربية والأمازيغية. لكن هناك بُلدان أخري لغتها عربية وأمازيغية، لكن سكانها ليسوا مغاربة. وحتى عندما يتعلق الأمر باللهجات، فاللهجة المغربية شبيهةٌ إلى حد كبير باللهجة الجزائرية. بل هناك الكثير من الناس يقيمون بالمغرب ويتقنون إحدى اللغتين الأم واللهجة المغربية. لكنهم ليسوا مغاربة. إذن، اللغة وحدها ليستْ كافية لتجعلني مغربيا.
العَلَم والنّشيد الوطنيان. لا يوجد مواطن على مستوى العالم لا يقف إجلالا واحتراما وتقديرا لهذين الرّمزين. وحتى لو حلّلنا محتوى الأناشيد الوطنية، فسنجد، رغم اختلاف أسلوبها وألحانها، أنها تتحدّث عن الوطنية وحبّ الوطن وعن مجده ورقيِّه وازدهاره وكفاحه وإنجازاته البطولية، الخ. يبقى هنا اختلاف الأعلام، شكلا ولونا، والأناشيد الوطنية، مضمونا ولحنا، هم العوامل التي تُعطي للحدود والجنسيات معنى خاصا بكل بلد على حِدة. بمعنى أن لكل بلدٍ عًلًمُه ونشيدُه الوطنبان اللذان يُميِّزانه عن البلدان الأخرى.
إلى حد الآن، الشيئان الوحيدان اللذان أتميَّز بهما عن مواطني بلدان أخرى ويجعلاني أقول إني مغربي، هما العَلَمُ والنشيد الوطنيان. ولهذا، عندما يحقٍّق مغربُنا أو رجالُه ونساءُه (باستثناء السياسيين) انجازاتٍ في شتى المجالات، وعلى رأسِها الرياضة، فإننا نحمل عَلَمَنا ونقبِّله ونتباهى به، افتخاراً بمغربيتِنا. وعَلَمُنا الوطني لا يمكن فصلُه عن نشيدنا الوطني. ولهذا، عندما يُعزَف نشيدُنا الوطني، فإننا، في الحقيقة، نقف إجلالاً واحتراما لوطننا، وفي نفس الوقت، افتخاراً بمغربيتِنا. وبطاقاتنا التعريفية الوطنية، بحَملِها رسما للعَلَم الوطني، فإنها تُنعِش هذا الافتخارَ وتُحييه، في كل لحظة وحين.
لكن، ما لا ننتبه له، هو أن مغربيتي ومغربيتَكم شيءٌ غير ملموس لا يُرى بالعين ولو استعملنا أقوى المجاهر! لماذا؟
لأن مغربيتي ومغربيتَكم يا سادة ويا سيِّدات، وحتى إن جسَّداها العَلَم والنشيدُ الوطنيان، فهي قيمةٌ معنويةٌ من القيم السّامية التي يجب أن تكونَ حاضرةً في كل مكان إنسانا وأرضا : في التراب، في الهواء، في السماء، في الماء، في الشجر…في الأجساد، في الوجدان، في الأفكار، في السلوك، في الأقوال، في الأفعال، في الممارسات، في التَّصرفات، في المعاملات، في القانون، في السياسة، في الشوارع، في الأزقة، في المرافق العمومية، في الحافلات، في...
حينها، تصبح الحدودُ والنظامُ السياسي والمواطنةُ والوطنيةُ واللغةُ والعَلَمُ والنشيدُ الوطنيان رموزا لها معاني، هي الأخرى، سامية. وهذا يعني أنني وأنكم مغاربة أينما حللنا وارتحلنا. إذن، فمَن اعتزَّ بمغربيتِه، فإنه، في نفس الوقت، يعتزُّ بحدودِ بلدِه وبنظامها السياسي وبالمواطنةُ وبالوطنيةُ وباللغةُ وبالعَلَمُ وبالنشيدُ الوطنيين.
وهنا، لا بدَّ من الإشارة أن الاعتزازَ مصدرُه واحد أوحد : تلاحُم الملك والشعب. ملك يحبُّ شعبَه وشعبٌ يحبُّ ملكَه. ملكٌ يحمل مشروعَ مجتمعٍ واضح المعالم. وشعبٌ لا يولي أي اهتمامٍ للأحزاب السياسية لأنها تشتغل في أمورٍ بعيدة كل البعد عن تطلُّعاتِه وطموخاتِه. أحزابٌ سياسيةٌ تغرِّد خارجَ هذا التَّلاحم!
السؤال : "هل الحدود، كيفما كان شكلها، هي التي تجعل مثلا الأمريكي أمريكيا والسوداني سودانيا والهندي هنديا والفرنسي فرنسيا، الخ.؟"
السؤال فعلا مُحَيِّرٌ لأنه ليكون مثلا شخص ما أمريكيا، من الضّروري أن يزداد ويعيش داخل حدود بلاده. وفي نفس الوقت، من الممكن لشخص ما الحصولُ على الجنسية الأمريكية دون أن يزداد فوق التراب الأمريكي.
وتزداد الحيرة عندما نعرف أن الإقامة فوق التراب الأمريكي ليست شرطا قطعيا للاحتفاظ بالجنسية الأمريكية بمعنى أن الأمريكي يبقى أمريكيا ولو يُقيم بجميع دول العالم.
وتستمر الحيرة وتُحتِّم علينا أن نطرح سؤالا آخر : "إذن، لماذا تَصْلُحُ الحدود ما دامت هي التي تحدِّد الجنسية وفي نفس الوقت لا تحددها؟"
أضف إلى هذا أن الاستفادة من الجنسية الأمريكية في كلتي الحالتين لن يطرأ عليها أي تغيير سواء وُجِد التراب الأمريكي جنوب أو شرق أو وسط الكرة الأرضية!
وتستمر الحيرة ويُعادُ طرحُ نفس السؤال : "لماذا تَصْلُحُ الحدود؟" وطرح سؤال آخر : "هل تعدد الجنسيات، المُترتِّبُ عن تعدُّد الحدود، يجعل الأمريكي مثلا أو غيرَه كبشر، بغض النظر عن لون البشرة والتقاسيم الجسمانية، مختلفا عن البريطاني أو الصومالي أو النيجيري أو...؟"
لا أظن أن الاختلاف له علاقة بالحدود ما دامت هذه الأخيرة خطوط جامدة. لكنها رغم جمودها، لا تشكل عائقا لتَنقُّل الحضارات والثقافات والديانات والطقوس والاعتقادات والخرافات، الخ. إذن، إذا كان هناك اختلاف، فإنه ليس مُترتِّبا عن فعل الحدود ولا حتى عن الجنسية لأنه من الممكن أن يكون لبلدين (جنسيتين) نفس الحضارة ونفس الثقافة ونفس الديانة، وأكثر من هذا، بَلَدَانِ لا حدود مشتركة بينهما. إذن تعدُّد الجنسيات لا يؤدي حتما إلى تعدُّد الحضارات والثقافات والديانات. ثم نعود ونطرح السؤال : "لماذا تَصْلُحُ الحدود؟" إنه فعلا سؤال محير!
وهنا تحضرني الآية القرآنية الكريمة التي نصُّها : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات، الآية 13)".
في هذه الآية الكريمة، لم يقل سبحانه وتعالى "وجعلناكم شعبا"، بل قال "شعوبا" وصيغة الجمع هنا توحي بأن هذه الشعوب مختلفة. وهذا، في نظري، شيء منطقي بحكم رحابة الأرض وبُعد هذه الشعوب بعضها عن بعض. وقال تعالى : "لتعارفوا"، أي ليعرف بعضُكم البعضَ الآخر، لتتقاربوا وتتناسبوا. والتعارف والتقارب والتناسب أشياء تنفي الحدود وإن وُجِدَتْ. ثم قال سبحانه : "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ". وهنا كذلك لم يقل، عز وجل، "إن أكرمكم عند الله المسلمون ولا النصارى ولا اليهود ولا حتى جنسية دون أخرى". بل قال : "أتقاكم"، أي من اتبع ويتبع الحق وما سن الله من سبل الخير والإيمان.
وهذا شيء يقودنا إلى القول بأن الحدود ولا حتى الجنسيات لا تمنع الشعوب من التقارب. بل نقول إن الحدود من اختراع البشر. وهذا هو ما يجعلنا نقول إن تعدُّدَ الحدود يؤدي حتما إلى تعدد الجنسيات، مما يجعلنا نطرح سؤالا آخر : "ما هو الفرقُ بين جنسية وأخرى؟" أو بعبارة أخرى، "ما الفرق مثلا بين فرنسي وإيطالي وكندي و ...؟" إلى أن أصِلَ إلى السؤال الذي هو عنوان هذه المقالة : "ما الذي يجعلني أن أكون مغربيا؟" سؤال مُحيِّرٌ هو الآخر!
إني فقط أبحث عن مواصفات أو صفات أتميّز (نتميّز) بها عن مواطني دول أخرى لأقولَ إني مغربي أو إننا مغاربة.
وهنا، لا بد من توضيح مهمٍّ جدا وهو أنني عندما أبحث عن الخصوصيات لا يعني بتاتا أن يُفْهَمَ أنني أنكر إنني مغربي. أنا مغربي وأفتخر بمغربيتي. لكن ما خاب أحد يريد أن يرسِّخَ مغربيتَه بالبحث والتّحليل. إليكم البعضَ من هذه المواصفات أو الصفات :
الحدود. بغضِّ النّظر عن القانون والسياسة والجغرافيا والأعراف، الخ.، الحدود وحدها، فكريا، لا تجعلني مغربيا وخصوصا أن أشخاصا ليسوا مزدادين فوق التراب المغربي، من الممكن أن يحصلوا على الجنسية المغربية.
النظام السياسي. النظام السياسي بالمغرب ملكي. لكن دولا أخرى نظامها السياسي ملكي لكن سكانها ليسوا مغاربة. إذن النظام السياسي الملكي ليس خاصيةً مغربيةً.
المواطنة citoyenneté والوطنية Patriotisme. هتان الصفتان ليستا حكرا على المغرب. لا توجد بلاد لا تفتخر بالمواطنة والوطنية، وخصوصا، على مستوى دساتيرها. وحتى الدول الدكتاتورية لها مفهومها الخاص فيما يخصُّ المواطنة والوطنية.
اللغة. لغتانا الأم والرسميتان هما العربية والأمازيغية. لكن هناك بُلدان أخري لغتها عربية وأمازيغية، لكن سكانها ليسوا مغاربة. وحتى عندما يتعلق الأمر باللهجات، فاللهجة المغربية شبيهةٌ إلى حد كبير باللهجة الجزائرية. بل هناك الكثير من الناس يقيمون بالمغرب ويتقنون إحدى اللغتين الأم واللهجة المغربية. لكنهم ليسوا مغاربة. إذن، اللغة وحدها ليستْ كافية لتجعلني مغربيا.
العَلَم والنّشيد الوطنيان. لا يوجد مواطن على مستوى العالم لا يقف إجلالا واحتراما وتقديرا لهذين الرّمزين. وحتى لو حلّلنا محتوى الأناشيد الوطنية، فسنجد، رغم اختلاف أسلوبها وألحانها، أنها تتحدّث عن الوطنية وحبّ الوطن وعن مجده ورقيِّه وازدهاره وكفاحه وإنجازاته البطولية، الخ. يبقى هنا اختلاف الأعلام، شكلا ولونا، والأناشيد الوطنية، مضمونا ولحنا، هم العوامل التي تُعطي للحدود والجنسيات معنى خاصا بكل بلد على حِدة. بمعنى أن لكل بلدٍ عًلًمُه ونشيدُه الوطنبان اللذان يُميِّزانه عن البلدان الأخرى.
إلى حد الآن، الشيئان الوحيدان اللذان أتميَّز بهما عن مواطني بلدان أخرى ويجعلاني أقول إني مغربي، هما العَلَمُ والنشيد الوطنيان. ولهذا، عندما يحقٍّق مغربُنا أو رجالُه ونساءُه (باستثناء السياسيين) انجازاتٍ في شتى المجالات، وعلى رأسِها الرياضة، فإننا نحمل عَلَمَنا ونقبِّله ونتباهى به، افتخاراً بمغربيتِنا. وعَلَمُنا الوطني لا يمكن فصلُه عن نشيدنا الوطني. ولهذا، عندما يُعزَف نشيدُنا الوطني، فإننا، في الحقيقة، نقف إجلالاً واحتراما لوطننا، وفي نفس الوقت، افتخاراً بمغربيتِنا. وبطاقاتنا التعريفية الوطنية، بحَملِها رسما للعَلَم الوطني، فإنها تُنعِش هذا الافتخارَ وتُحييه، في كل لحظة وحين.
لكن، ما لا ننتبه له، هو أن مغربيتي ومغربيتَكم شيءٌ غير ملموس لا يُرى بالعين ولو استعملنا أقوى المجاهر! لماذا؟
لأن مغربيتي ومغربيتَكم يا سادة ويا سيِّدات، وحتى إن جسَّداها العَلَم والنشيدُ الوطنيان، فهي قيمةٌ معنويةٌ من القيم السّامية التي يجب أن تكونَ حاضرةً في كل مكان إنسانا وأرضا : في التراب، في الهواء، في السماء، في الماء، في الشجر…في الأجساد، في الوجدان، في الأفكار، في السلوك، في الأقوال، في الأفعال، في الممارسات، في التَّصرفات، في المعاملات، في القانون، في السياسة، في الشوارع، في الأزقة، في المرافق العمومية، في الحافلات، في...
حينها، تصبح الحدودُ والنظامُ السياسي والمواطنةُ والوطنيةُ واللغةُ والعَلَمُ والنشيدُ الوطنيان رموزا لها معاني، هي الأخرى، سامية. وهذا يعني أنني وأنكم مغاربة أينما حللنا وارتحلنا. إذن، فمَن اعتزَّ بمغربيتِه، فإنه، في نفس الوقت، يعتزُّ بحدودِ بلدِه وبنظامها السياسي وبالمواطنةُ وبالوطنيةُ وباللغةُ وبالعَلَمُ وبالنشيدُ الوطنيين.
وهنا، لا بدَّ من الإشارة أن الاعتزازَ مصدرُه واحد أوحد : تلاحُم الملك والشعب. ملك يحبُّ شعبَه وشعبٌ يحبُّ ملكَه. ملكٌ يحمل مشروعَ مجتمعٍ واضح المعالم. وشعبٌ لا يولي أي اهتمامٍ للأحزاب السياسية لأنها تشتغل في أمورٍ بعيدة كل البعد عن تطلُّعاتِه وطموخاتِه. أحزابٌ سياسيةٌ تغرِّد خارجَ هذا التَّلاحم!