سامي الحاج حسين - قراءة في قصيدة (عناكب الحنين) للشاعر والأديب السوري مصطفى الحاج حسين).

إضاءة:
قصيدة متوهجة بالصور والمعاني القوية،جميلة عذبة تجمع بين ملامح التكثيف أحياناً والاستفاضة المعبرة عن المعاناة أحيانا أخر،وتحتوي على تمايز بين حسرة الام الحاضرة وفراقها الأبدي المؤلم، وبين شعورك بالذنب وشدة الاعتذار عن غربتك القسرية ولوعتك بالوطن،وبين جحيم الوطن وعبث الافتراق عنه.
أما عن الأسلوب ففيه قوة جذب للمتلقي تجمع بين القص والشعر والخطابة،فمنذ الكلمة الأولى تلفت الانتباه وتشد اهتمام المتلقي(كانت) أي أنها لم تعد موجودة حتى أنها كانت غائبة في الوصف الرائع الذي يشي بأعظم الحنان حنان الأم رغم وجود الاستطرادات بتلاحق الصور التي تحاول من خلالها تكريس المعنى المراد وتقويته ورغم كثرة العطف في الجمل والمفردات إضافة للنعوت المستفيضة والإضافات وهذا ربما يشتت ذهن المتلقي عن متن القصيدة.
لكن وقد جاءت الإزاحة الجمالية الماتعة في منتصف القصيدة حيث تم تحويل السرد فيها من صيغة الغائب (كانت..)إلى صيغة المخاطب (ياأمي) فقد استحضر خيالك الأم التي هي محور القصيدة فصارت الأم أمامك فجأة لتطلب منها الصفح عن ذنب لاشأن لك به ولتبدي لها شديد الأسف وتقدم لها التبريرات التي تبرئ بعدك عنها مبرزا لها شكواك الصادقة من ضياعك المقيت كصيغة للاعتذار وإرضاء لضميرك عن تخبطنا في الحياة.
في النهاية أرى أن قصيدتك هذه تظل نوعاً من القصائد المكثفة المختصرة الموحية والمفعمة بالعذوبة والجمال
والدهشة والتماسك.

أما كأغنية فأرى أنها بحاجة إلى كثير من المعالجة من حيث ترادف المفردات وعطوفات الجمل وكثرة النعوت والمضافات رغم الوجدانية الرائعة للمعنى الكلي او العام والرمزي لمحتوى القصيدة..وفقك الله ودمت بكل الجمال والألق.

سامي الحاج حسين.


* جحافلُ العناكبِ..

أحاسيس : مصطفى الحاج حسين.

كانتْ تجمعُ في راحةٍ يدِها
سبعَ سماواتٍ وأُفّقا
وعشرَ محيطاتٍ ونهرا
وملايينَ الشّجيراتِ
المثمرةِ بشموسِ الحنانِ
أمّي التي ما ودَّعتُ عينيها
المشتاقتينِ إلى صوتيَ
الهائمِ في السّحابِ
والصّاعدِ إلى ترابِ الوطنِ
المسيَّجِ بالعذابِ
وتلالِ الجماجمِ والخرائبِِ
وحشُ النوائبِ والدّمارِ فرَّقَنا يا أمي
وجحافلُ الأنيابِِ والمخالبُِ
وأطماعُ الخفافيشِ والثّعالبُ
أقصانا
فلا تعتَبي يا أمّي
على موتٍ بدرَ منِّي
وشرّدَ أدمعي
وزرعَ المصائبَ في غُربتي
لا تعتَبي
الرِّيحُ صارتْ تعبثُ بي
وتأكلُ العناكبُ وديان قلبي *.

مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى