المستشار بهاء المري - مَشاغل...

لم يقوَ والدها على إبداء شهادته حتى في جلسةٍ كان لابُدَّ أن تكون سِرِّية، وقف مُطأطئ الرأس يتحاشَى التقاء نظره بمن حوله، وبرئيس المحكمة نفسه.
حلف اليمين وجاء لينطق فانعقد لسانه وراح في نَوبة بكاء مَرير، ترَفَّق به القاضي إلى حين، ثم عاد ليسأله عن معلوماته، نظر إليه بعينين زائغتين دامعتين وأجهش بالبكاء خفَضَ بعدها وجهه ومدَّ يده في جيبه وأخرجها بعدد من الصفحات لمحادثة جرَت على تطبيق التواصل الاجتماعي "واتس آب".
في هذه الأوراق كان يرجو ذلك الشاب أن يتزوج ابنته فأجابه الشاب في صفاقةٍ بالغة:
- لا أتزوج عاهرة.
يسأله وهو يَسترحمه:
- وماذا تريد مِنَّا يا ولدي؟
يستمر في صفاقته:
- تعود لي كما كانت. أعاشرها ولا أتزوجها!
يستعطفه، يتمسك الشاب بنذالته، بل ويتوعَّد: إنْ لم تُرسلها لي غدا؛ نَشَرتُ على الملأ ما أرسلتُه لكَ من قبل.
لم تنجح المساومة، نفذ الشاب ما هدد به، أرسَل صورها العارية ومقاطع الفيديو الفاضحة إلى "إيميلات" وبرامج المحادثات "والفيس بوك" لجميع أصدقائها، سرَت الفضيحة بين أقرانها في كُليتها العملية المرموقة، وفي النادي الاجتماعي الشهير الذي ينتسبون إليه سريان النار في الهشيم، تسقط أمها مغشيًا عليها، ويُنقل الأب إثر ارتفاع ضغط الدم المفاجئ إلى المستشفى.
يُثبت القاضي ما حَوته صفحات "الواتس آب" ويُعفيه من أن يُعيد بلسانه تقطيع قلبه، فإن باقي الأوراق تحمل كل ما كان.
وحيدةٌ هي لأبوين أستاذين في الجامعة، لم تَجد من جليس ولا أنيس وهما يَرمحان من تدريس إلى عمل في الصيدليات المتعددة المملوكة لهما، إلى إنشاء المزيد منها إلى ..... وإلى .... وإلى .... لا تُقابلهما نهارًا إلا مصادفةً في المصعد، وعندما يعودان فجرًا تكون قد خلدَت إلى نومها.
استعاضت عنهما بذلك المستهتر، جمعهما صف ثانوي واحد في مدرسة واحدة "إنترناشونال" لم يكن له راعيًا هو الآخر، والداه مُعاران للخارج ويعيش مع جدته، استمرَّا طيلة سنوات ثلاثة لا يفترقان، يَخرجان ويمرحان ويعودان كما يحلو لهما، لم يسألها أحد إلى أين تذهب، ولا متى عادت وفيمَ كان خُروجها، جَوامِح الغريزة لم تجد لها كَوابحًا ولا مُراقبًا، بلغ الأمر حَدّ تصوير لقاءاتهما الجنسية الكاملة بطريق الفيديو، ولما عادت لرُشدها فور دخول الجامعة قاطعَته ونأَت عنه، فكان ما كان من صَنيعهِ.
يَشْرَع هو ووالدتها في الانصراف بعد انتهاء المرافعة يستوقفهما القاضي ويسألهما: أين كنتما؟ يخفِضُ الأب نظره، تتحرَّك شفتاه كأنها ترتعش، يُجيب بصوتٍ متهدِّج فيه حشرجة: "مَشاغل"!

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
الأدب القضائي - المحاكمات والمحاكمات الأدبية
المشاهدات
383
آخر تحديث
أعلى