هل تتحول ألعاب الأطفال إلى واقع؟
هذا هو السؤال الذي يراودني كلما زرت، في العيد، مخيم بلاطة أو مخيم عسكر الجديد، أو كلما شاهدت أطفال أبناء إخوتي أو أبناء جيراني يشترون بعيدياتهم أسلحة بلاستيكية يلعبون فيها، وغالبا ما أعقب:
- هؤلاء هم مقاتلو الحرب القادمة ووقودها.
لم تكن طفولتنا تختلف كثيرا، فقد كان قسم منا يشتري أيضا المسدسات والبنادق البلاستيكية ويخيف الآخرين بها، وقد يلعب مع رفاق طفولته لعبة الحرب.
الآن، تجري الحرب في غزة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومنذ ١٩٤٨ تشهد فلسطين حربا متواصلة تتخللها فترات هدوء. تتوقف الحرب ثم تبدأ من جديد.
احتل قطاع غزة في العام ١٩٥٦ وفي العام ١٩٦٧ وشهد انتفاضتي كانون الأول ١٩٨٧ وأيلول ٢٠٠٠ - انتفاضة الأقصى - وحين كنس المحتل منه وأزيلت المستوطنات لم تنته الحرب.
منذ الانسحاب الإسرائيلي من القطاع ومنذ العام ٢٠٠٧ حين أصبح تحت حكم حركة حماس اندلعت حروب عديدة ٢٠٠٨ / ٢٠٠٩ و٢٠١٢ و٢٠١٤ و٢٠١٨ و٢٠٢١ والحرب الحالية؛ حرب ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. ومع انتهاء كل حرب، يؤجل حل المشكلة الفلسطينية حلا عادل ويزداد حصار قطاع غزة وتتواصل انتهاكات اليهود للأقصى وتتوسع المستوطنات في الضفة الغربية وتتواصل معاناة الفلسطينيين هنا وهناك.
في بداية الحرب، تردد ذكر أسماء مسؤولين فلسطينيين كان لهم أصابع مشهودة فيما يجري ومنها يحيى السنوار (أبو إبراهيم) المولود في العام ١٩٦٢، فهو الآن يدخل عامه الحادي والستين.
قبل الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية في العام ٢٠٢١ كان أبو إبراهيم يعرف أنه سجين سابق وقائد سياسي في حركة حماس، ولم يكن أحد من متابعي المشهد الروائي الفلسطيني يعرف أنه أصدر رواية عنوانها «الشوك والقرنفل» كتبها في العام ٢٠٠٤ وهو في سجن بئر السبع/ إيشل فلسطين. رواية بدأ كتابتها في زنازين سجن بئر السبع واكتملت بفصلها الثلاثين و»لكن لا زالت مأساة كاتبها ورفاقه مستمرة في أقبية سجون الاحتلال» (صفحة ٣٣٥)، لم يكن أحد يعرف أن له رواية حتى أخبرنا بالأمر الشاعر زكريا محمد وهو يكتب عن حرب ٢٠٢١، فالتفت في حينه إليها وكتبت عنها سلسلة خربشات في الفيسبوك وذكرتها في غير مقال لي في جريدة الأيام.
قدم أبو إبراهيم لروايته بالآتي:
«هذه ليست قصتي الشخصية وليست قصة شخص بعينه رغم أن كل أحداثها حقيقية، كل حدث منها أو كل مجموعة أحداث تخص هذا الفلسطيني أو ذاك، الخيال في هذا العمل فقط في تحويله إلى رواية تدور حول أشخاص محددين ليتحقق لها شكل العمل الروائي وشروطه، وكل ما سوى ذلك حقيقي، عشته وكثير منه سمعته من أفواه من عاشوه هم وأهلوهم وجيرانهم على مدار عشرات السنوات على أرض فلسطين الحبيبة.
أهديه إلى من تعلقت أفئدتهم بأرض الإسراء والمعراج من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط».
الراوي/ الروائي يقص في الفصلين الثاني والثالث عن ألعاب الأطفال التي كان وأبناء مخيمه يلعبونها ومنها لعبة «عرب ويهود»:
«أحيانا يلعب الأولاد (عرب ويهود)، حيث ينقسمون إلى فريقين: فريق العرب وفريق اليهود وكل فريق يحمل قطعا من الخشب أو الحطب على شكل بنادق يطلقون منها النار على بعضهم البعض وهم يصرخون (طاخ أنا طخيتك)، فيصرخ الآخر لا أنا طخيتك قبل، وفي كثير من الأحيان تتحول إلى مشاجرة خلافا على الذي (طخ) الثاني قبل صاحبه، ولكن الأغلب أن فريق العرب كان يجب أن ينتصر على فريق اليهود، حيث إن الكبار أو الأقوياء من الأولاد هم الذين يحددون أعضاء كل فريق ويكونون في فريق العرب» (صفحة ١٤).
هذه الألعاب التي كان الأطفال يلعبونها كان لها على أرض الواقع في غزة ما يوازيها. ما إن يبدأ الاحتلال حتى يبدأ في الوقت نفسه بعض مجندي أفراد جيش تحرير فلسطين ممن لم يغادروا قطاع غزة في ١٩٦٧ بتنظيم أنفسهم ليقودوا المقاومة.
الراوي ابن السادسة صحا على هذه الأجواء. صحا على منع التجول واعتقال الشباب المقاومين وسجنهم أحيانا وأحيانا على نجاحهم في ملاحقة العدو وقتله وجرحه والنجاح في الاختفاء، وصحا على غزة محتلة في النهار ومحررة في الليل، وعرف أن مخيم جباليا صار يسمى مخيم الثورة وكانت الأخبار «تسري في المخيم سريان النار في الهشيم، فتزيد الناس سعادة وترفع من المعنويات، ونحن كأطفال انعكس ذلك على لعبنا (عرب ويهود)، فقد صرنا نلعبها يوميا وأصبحت القاعدة السائدة أن العرب سيغلبون ويقتلون أعداءهم».
هل ظلت لعبة عرب ويهود في مخيلة الراوي ومن ورائه الكاتب؟ وهل لصق في الذهن قول محمود درويش في قصيدته «مديح الظل العالي»؟:
«هيروشيما هيروشيما
وحدنا نصغي إلى رعد الحجارة، هيروشيما
وحدنا نصغي لما في الروح من عبث ومن جدوى
وأمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية؟
يا هيروشيما العاشق العربي أمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا...».
ربما يعد ما شاهده يحيى السنوار في طفولته في الأعوام ١٩٦٧ إلى ١٩٧٢، قياسا إلى ما يجري الآن، ضربا من ألعاب الأطفال التي طورت أميركا فيها هداياها؛ من بقج للاجئين إلى لعب للموت عنقودية!!
عادل الأسطة
2023-11-05
هذا هو السؤال الذي يراودني كلما زرت، في العيد، مخيم بلاطة أو مخيم عسكر الجديد، أو كلما شاهدت أطفال أبناء إخوتي أو أبناء جيراني يشترون بعيدياتهم أسلحة بلاستيكية يلعبون فيها، وغالبا ما أعقب:
- هؤلاء هم مقاتلو الحرب القادمة ووقودها.
لم تكن طفولتنا تختلف كثيرا، فقد كان قسم منا يشتري أيضا المسدسات والبنادق البلاستيكية ويخيف الآخرين بها، وقد يلعب مع رفاق طفولته لعبة الحرب.
الآن، تجري الحرب في غزة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومنذ ١٩٤٨ تشهد فلسطين حربا متواصلة تتخللها فترات هدوء. تتوقف الحرب ثم تبدأ من جديد.
احتل قطاع غزة في العام ١٩٥٦ وفي العام ١٩٦٧ وشهد انتفاضتي كانون الأول ١٩٨٧ وأيلول ٢٠٠٠ - انتفاضة الأقصى - وحين كنس المحتل منه وأزيلت المستوطنات لم تنته الحرب.
منذ الانسحاب الإسرائيلي من القطاع ومنذ العام ٢٠٠٧ حين أصبح تحت حكم حركة حماس اندلعت حروب عديدة ٢٠٠٨ / ٢٠٠٩ و٢٠١٢ و٢٠١٤ و٢٠١٨ و٢٠٢١ والحرب الحالية؛ حرب ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. ومع انتهاء كل حرب، يؤجل حل المشكلة الفلسطينية حلا عادل ويزداد حصار قطاع غزة وتتواصل انتهاكات اليهود للأقصى وتتوسع المستوطنات في الضفة الغربية وتتواصل معاناة الفلسطينيين هنا وهناك.
في بداية الحرب، تردد ذكر أسماء مسؤولين فلسطينيين كان لهم أصابع مشهودة فيما يجري ومنها يحيى السنوار (أبو إبراهيم) المولود في العام ١٩٦٢، فهو الآن يدخل عامه الحادي والستين.
قبل الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية في العام ٢٠٢١ كان أبو إبراهيم يعرف أنه سجين سابق وقائد سياسي في حركة حماس، ولم يكن أحد من متابعي المشهد الروائي الفلسطيني يعرف أنه أصدر رواية عنوانها «الشوك والقرنفل» كتبها في العام ٢٠٠٤ وهو في سجن بئر السبع/ إيشل فلسطين. رواية بدأ كتابتها في زنازين سجن بئر السبع واكتملت بفصلها الثلاثين و»لكن لا زالت مأساة كاتبها ورفاقه مستمرة في أقبية سجون الاحتلال» (صفحة ٣٣٥)، لم يكن أحد يعرف أن له رواية حتى أخبرنا بالأمر الشاعر زكريا محمد وهو يكتب عن حرب ٢٠٢١، فالتفت في حينه إليها وكتبت عنها سلسلة خربشات في الفيسبوك وذكرتها في غير مقال لي في جريدة الأيام.
قدم أبو إبراهيم لروايته بالآتي:
«هذه ليست قصتي الشخصية وليست قصة شخص بعينه رغم أن كل أحداثها حقيقية، كل حدث منها أو كل مجموعة أحداث تخص هذا الفلسطيني أو ذاك، الخيال في هذا العمل فقط في تحويله إلى رواية تدور حول أشخاص محددين ليتحقق لها شكل العمل الروائي وشروطه، وكل ما سوى ذلك حقيقي، عشته وكثير منه سمعته من أفواه من عاشوه هم وأهلوهم وجيرانهم على مدار عشرات السنوات على أرض فلسطين الحبيبة.
أهديه إلى من تعلقت أفئدتهم بأرض الإسراء والمعراج من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط».
الراوي/ الروائي يقص في الفصلين الثاني والثالث عن ألعاب الأطفال التي كان وأبناء مخيمه يلعبونها ومنها لعبة «عرب ويهود»:
«أحيانا يلعب الأولاد (عرب ويهود)، حيث ينقسمون إلى فريقين: فريق العرب وفريق اليهود وكل فريق يحمل قطعا من الخشب أو الحطب على شكل بنادق يطلقون منها النار على بعضهم البعض وهم يصرخون (طاخ أنا طخيتك)، فيصرخ الآخر لا أنا طخيتك قبل، وفي كثير من الأحيان تتحول إلى مشاجرة خلافا على الذي (طخ) الثاني قبل صاحبه، ولكن الأغلب أن فريق العرب كان يجب أن ينتصر على فريق اليهود، حيث إن الكبار أو الأقوياء من الأولاد هم الذين يحددون أعضاء كل فريق ويكونون في فريق العرب» (صفحة ١٤).
هذه الألعاب التي كان الأطفال يلعبونها كان لها على أرض الواقع في غزة ما يوازيها. ما إن يبدأ الاحتلال حتى يبدأ في الوقت نفسه بعض مجندي أفراد جيش تحرير فلسطين ممن لم يغادروا قطاع غزة في ١٩٦٧ بتنظيم أنفسهم ليقودوا المقاومة.
الراوي ابن السادسة صحا على هذه الأجواء. صحا على منع التجول واعتقال الشباب المقاومين وسجنهم أحيانا وأحيانا على نجاحهم في ملاحقة العدو وقتله وجرحه والنجاح في الاختفاء، وصحا على غزة محتلة في النهار ومحررة في الليل، وعرف أن مخيم جباليا صار يسمى مخيم الثورة وكانت الأخبار «تسري في المخيم سريان النار في الهشيم، فتزيد الناس سعادة وترفع من المعنويات، ونحن كأطفال انعكس ذلك على لعبنا (عرب ويهود)، فقد صرنا نلعبها يوميا وأصبحت القاعدة السائدة أن العرب سيغلبون ويقتلون أعداءهم».
هل ظلت لعبة عرب ويهود في مخيلة الراوي ومن ورائه الكاتب؟ وهل لصق في الذهن قول محمود درويش في قصيدته «مديح الظل العالي»؟:
«هيروشيما هيروشيما
وحدنا نصغي إلى رعد الحجارة، هيروشيما
وحدنا نصغي لما في الروح من عبث ومن جدوى
وأمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية؟
يا هيروشيما العاشق العربي أمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا...».
ربما يعد ما شاهده يحيى السنوار في طفولته في الأعوام ١٩٦٧ إلى ١٩٧٢، قياسا إلى ما يجري الآن، ضربا من ألعاب الأطفال التي طورت أميركا فيها هداياها؛ من بقج للاجئين إلى لعب للموت عنقودية!!
عادل الأسطة
2023-11-05