الثور من أعظم الأبطال الحضاريين، وله من الأنواع أكثر مما للحمار. وما زال بعضها متوحشا كبعض أنواع الحمر. إنه عظيم ولكن ليس بمستوى الحمار. عاشا معا. الأرجح أن يكون تدجين الثور قد أعقب تدجين الحمار بفترة، ربما لا تكون طويلة. قوته وخطورته حالتا دون تأهيله المبكر. وقد ظل يرمز إلى القوة حتى يومنا هذا إلى جانب العناد والشخصية المستقلة والنارية. يقول جيمس هويل:
شعرة واحدة من امرأة يمكنها أن تجر
أكثر من مئة زوج من الثيران.
وفي ظنه أنه جاء بأعظم قوة على الأرض. وهناك مثل صيني يدل على قوة الثور وعناده معا: "إن لم يرغب الثور في شرب الماء فعبثا تحني له رأسه". أما الشاعر ييتس فلا يرى تشبيها للقدر الساحق سوى الثيران:
وما السنون إلا ثيران سود ضخمة تجوب العالم
يرعاها الرب ويقودها خلفه
وحين تمر تسحقني أقدامها.
عمل بهمة ونشاط إلى جانب الحمار. وأحيانا يوضع النير على كتفيهما معا. كل حضارات العالم تقريبا مدينة لهما. وقد عرفت الشعوب القديمة فضلهما فقرنتهما معا. جاء في سفر الخروج، أو الوصايا العشر "لا تشته بيت قريبك ولا امرأته ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره. . ." فالثور والحمار من عماد الحضارتين الرعوية والزراعية. كان حليب الحمير أشبه بالدواء للصدر والحلق والبلعوم ومكافحة مرض الخناق والخناق الكاذب والسعال الديكي. وهو أقرب الأنواع إلى حليب الأم. وكان حليب البقر دواء للعظام والنمو. أما حليب الحمير فلم يعد يستخدم اليوم، أما حليب البقر فما زالوا يتباهون به. وعلى هذا الحليب منذ آلاف السنين ترعرع نسل الإنسان الذي تنكر لهذين البطلين. وكان التنكر للحمار هو الأسبق، مثلما كان تدجينه هو الأسبق.
وفي الوقت الذي يبدو فيه الحمار خفيفا قليل المهابة، ويبدو الثور كملك عظيم، نجد أن حماقات الثور كثيرة، بينما لا يعرف الحمار حماقة أبدا. ولكنه منذ أن ظهر حمل عبء الأضاحي عن الحمار، فصار هو الذي يذبح في الهياكل أو البيوت أو المسالخ، وتراجع لحم الحمار رويدا رويدا إلى أن صار محرما أو شبه محرم. وفي شعر جيمس هويل الذي ورد من قبل نلاحظ أن قوة الثيران التي تجرها شعرة امرأة مرافقة لخفة العقل والحماقة والبلادة. ومع ذلك ألصقت هذه الصفات بصديقه الحمار. وهو عكس الحمار، سريع الغضب سريع الاستجابة، ينفعل فيهجم مباشرة بكل حماقة. وغضبه مدمر مرعب. قال وليم بليك:
من آذى حسونا
لن تحبه الرجال
ومن أثار غضب ثور
لن تحبه امرأة.
لا يُعرف كيف كان يعيش قبل التدجين. هناك نوع ما زال بريا هو "ثور المسك" يعيش على شكل مجتمعات متآلفة. وإذا حاق شر أو خطر اصطف الثيران على شكل دائرة والإناث في داخلها، فيرى العدو نفسه أمام سور من القرون القوية المخيفة فيقفل راجعا. وبهذه العملية حمى نفسه من الانقراض. وما يزال يعيش في مجموعات قوية الأواصر.
استفاد منه الإنسان كثيرا فقدسته بعض الشعوب، كالإغريق حيث عندما يقتل بحارة أوليس الثيران المقدسة يدفعون ثمنا باهظا لذلك، وكالمصريين الذين رفعوه إلى مصاف الآلهة وبنوا لـه الـهياكل الضخمة. لقد هذه الشعوب بفضله واستفادت من بلاغته. إن الحمار لا يقل عنه فائدة، ولكن نزوع الإنسان إلى القوة جعله يقدس ويؤله الثور ويدير ظهره للحمار. قدم الثور بلاغة القوة والمنعة والمهابة والجبروت. . . وهذا ما بقي منه في الأدب. أما بقية المنافع من أمثال الحراثة وعربات الجر والترعة وضخ المياه. . . فلم تذكر فضائله فيها. باختصار نقول إن الإنسان ترك الصفات النبيلة التي يشترك فيها الثور مع الحمار وتمسك بالصفات التي ليس فيها سوى الخطورة وتشويش العلاقات البشرية. إن عشق العنف دليل على وجوده في أعماق النفس. ولهذا رفعوا الثور فصار إلها وخفضوا الحمار حتى صار رمزا للغباء والبلادة والكسل، وهي صفات غير موجودة فيه بل في الثور. ليس هناك حمار كسول بل هو أشد نشاطا من الثور. وهو جلود حتى أطلقت عليه الناس "أبو صابر" بينما الثور نزق، أخرق، سريع الإثارة، مندفع بلا تفكير، ومقاتل بلا تدبر. وقد دل اختيار الثور على ما في أعماق الإنسان من وحشية. "ذو القرنين" كان أفضل لقب يمكن أن ينعت به الرجل القوي الجبار. أراد الإنسان أن يكون مثله فما أحب فيه سوى قرنيه الرامزين إلى القوة الجسدية والجنسية. وظل هذا اللقب شائعا منذ الإله أمون وحتى مجيء الإسكندر. وقد خفّ تداول هذه الصفة بعد الإسكندر ولكنها لم تختف من الممارسة. لم يعد أحد يلقب بذي القرنين. ولكن القرنين ظلا يظهران على رؤوس المقاتلين هنا وهناك، وبالأخص القبائل الجرمانية، الذين دكوا صرح روما.
* حنا عبود: (البلاغة من الابتهال إلى العولمة)
حنا عبود
شعرة واحدة من امرأة يمكنها أن تجر
أكثر من مئة زوج من الثيران.
وفي ظنه أنه جاء بأعظم قوة على الأرض. وهناك مثل صيني يدل على قوة الثور وعناده معا: "إن لم يرغب الثور في شرب الماء فعبثا تحني له رأسه". أما الشاعر ييتس فلا يرى تشبيها للقدر الساحق سوى الثيران:
وما السنون إلا ثيران سود ضخمة تجوب العالم
يرعاها الرب ويقودها خلفه
وحين تمر تسحقني أقدامها.
عمل بهمة ونشاط إلى جانب الحمار. وأحيانا يوضع النير على كتفيهما معا. كل حضارات العالم تقريبا مدينة لهما. وقد عرفت الشعوب القديمة فضلهما فقرنتهما معا. جاء في سفر الخروج، أو الوصايا العشر "لا تشته بيت قريبك ولا امرأته ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره. . ." فالثور والحمار من عماد الحضارتين الرعوية والزراعية. كان حليب الحمير أشبه بالدواء للصدر والحلق والبلعوم ومكافحة مرض الخناق والخناق الكاذب والسعال الديكي. وهو أقرب الأنواع إلى حليب الأم. وكان حليب البقر دواء للعظام والنمو. أما حليب الحمير فلم يعد يستخدم اليوم، أما حليب البقر فما زالوا يتباهون به. وعلى هذا الحليب منذ آلاف السنين ترعرع نسل الإنسان الذي تنكر لهذين البطلين. وكان التنكر للحمار هو الأسبق، مثلما كان تدجينه هو الأسبق.
وفي الوقت الذي يبدو فيه الحمار خفيفا قليل المهابة، ويبدو الثور كملك عظيم، نجد أن حماقات الثور كثيرة، بينما لا يعرف الحمار حماقة أبدا. ولكنه منذ أن ظهر حمل عبء الأضاحي عن الحمار، فصار هو الذي يذبح في الهياكل أو البيوت أو المسالخ، وتراجع لحم الحمار رويدا رويدا إلى أن صار محرما أو شبه محرم. وفي شعر جيمس هويل الذي ورد من قبل نلاحظ أن قوة الثيران التي تجرها شعرة امرأة مرافقة لخفة العقل والحماقة والبلادة. ومع ذلك ألصقت هذه الصفات بصديقه الحمار. وهو عكس الحمار، سريع الغضب سريع الاستجابة، ينفعل فيهجم مباشرة بكل حماقة. وغضبه مدمر مرعب. قال وليم بليك:
من آذى حسونا
لن تحبه الرجال
ومن أثار غضب ثور
لن تحبه امرأة.
لا يُعرف كيف كان يعيش قبل التدجين. هناك نوع ما زال بريا هو "ثور المسك" يعيش على شكل مجتمعات متآلفة. وإذا حاق شر أو خطر اصطف الثيران على شكل دائرة والإناث في داخلها، فيرى العدو نفسه أمام سور من القرون القوية المخيفة فيقفل راجعا. وبهذه العملية حمى نفسه من الانقراض. وما يزال يعيش في مجموعات قوية الأواصر.
استفاد منه الإنسان كثيرا فقدسته بعض الشعوب، كالإغريق حيث عندما يقتل بحارة أوليس الثيران المقدسة يدفعون ثمنا باهظا لذلك، وكالمصريين الذين رفعوه إلى مصاف الآلهة وبنوا لـه الـهياكل الضخمة. لقد هذه الشعوب بفضله واستفادت من بلاغته. إن الحمار لا يقل عنه فائدة، ولكن نزوع الإنسان إلى القوة جعله يقدس ويؤله الثور ويدير ظهره للحمار. قدم الثور بلاغة القوة والمنعة والمهابة والجبروت. . . وهذا ما بقي منه في الأدب. أما بقية المنافع من أمثال الحراثة وعربات الجر والترعة وضخ المياه. . . فلم تذكر فضائله فيها. باختصار نقول إن الإنسان ترك الصفات النبيلة التي يشترك فيها الثور مع الحمار وتمسك بالصفات التي ليس فيها سوى الخطورة وتشويش العلاقات البشرية. إن عشق العنف دليل على وجوده في أعماق النفس. ولهذا رفعوا الثور فصار إلها وخفضوا الحمار حتى صار رمزا للغباء والبلادة والكسل، وهي صفات غير موجودة فيه بل في الثور. ليس هناك حمار كسول بل هو أشد نشاطا من الثور. وهو جلود حتى أطلقت عليه الناس "أبو صابر" بينما الثور نزق، أخرق، سريع الإثارة، مندفع بلا تفكير، ومقاتل بلا تدبر. وقد دل اختيار الثور على ما في أعماق الإنسان من وحشية. "ذو القرنين" كان أفضل لقب يمكن أن ينعت به الرجل القوي الجبار. أراد الإنسان أن يكون مثله فما أحب فيه سوى قرنيه الرامزين إلى القوة الجسدية والجنسية. وظل هذا اللقب شائعا منذ الإله أمون وحتى مجيء الإسكندر. وقد خفّ تداول هذه الصفة بعد الإسكندر ولكنها لم تختف من الممارسة. لم يعد أحد يلقب بذي القرنين. ولكن القرنين ظلا يظهران على رؤوس المقاتلين هنا وهناك، وبالأخص القبائل الجرمانية، الذين دكوا صرح روما.
* حنا عبود: (البلاغة من الابتهال إلى العولمة)
حنا عبود