المغرب اليوم في مفتتح حياة جديدة، يجب أن يتغير فيها كل ما يمت بصلة إلى عهد الاستبداد والاستعباد وأن لا يغفل المصلحون أي شيء من هذه الصلة، مهما تفه قدره، وحقر مقداره، فإن المرض العضال ينشأ من جرثومة لا ترى، وقد يكون انتكاسه أخطر من الإصابة الأولى.
وإن من أهم ما يجب تغييره، ما تركه الاستعمار في العقول من إلحاد ومادية، وفي القلوب من قسوة وميل وفي الجوارح من جموح وحرون، وفي النفوس من ضعف سوء، وما تركه في المدرسة من تضليل وتجهيل وفي الإدارة من محسوبية واستغلال وفي المتاجر من احتكار وانتهاز، وفي المحاكم من ظلم وارتشاء، وفي المجتمع من خدعة واستهتار، وتحرر وانطلاق.
فلقد كانت أيدي الاستعمار تبسط نفوذها في كل ميدان للقضاء على كل المقومات التي تنهض بالأمة، والتي تخرجها من الظلمات إلى النور، وفي مقدمة هذه المقومات الروح الإسلامية المتغلغلة في قلب الشعب المغربي الكادح، فعمدت إلى إزالة معالم الإسلام الصحيح - «إسلام الوجدان والعقل والعمل» - تدريجيا من بلادنا بكل الوسائل التي تملكها، وبيدها المال والجاه والألقاب والأوسمة والوظائف وكل المرغبات، في ركابها الخونة والمنافقون والدساسون والانتهازيون والمستغلون.
إن الحياة الجديدة للمغاربة يجب أن تتغير، وأن تقلب رأسا على عقب، ويجب أن يكون هذا التغيير مبنيا من أول يوم على أسس متينة من أخلاق الإسلام وتربيته، وشريعته وآدابه، لأننا شعب مسلم، وعزتنا في الإسلام، وضمان استقلالنا في بناء مستقبلنا على قواعد الإسلام.
وإن في الإسلام ما تشتهيه الأنفس الراضية، وتلذ به الأعين المبصرة، وتطمئن إليه القلوب المومنة ويغني المستبصر عن غيره.
وإن في الإسلام من المرونة والسماح ما يتيح للمسلمين أن يأخذوا كل ما يتوقفون عليه مما جاء به التطور البشري من حضارة صحيحة وأنظمة صالحة، وصناعة مفيدة، ولا يشترط الإسلام في هذه المأخوذات إلا شرطا واحدا فقط وهو أن لا تناقض تعاليم الإسلام.
يبدأ بناء المستقبل السعيد للمغاربة بالدعوة إلى الخير، والتبشير بالنصر، والتنفير من الشر، والإنذار بالخذلان، "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" ? [آل عمران: 104]، وذلك بتأسيس المؤسسات التربوية وبث الدعاة في كل الجهات لأجل العمل على تكوين النشء الصالح، وتوجيه الشباب الفتي، وإرشاد الرجال الكبار.
ولن أطيل الموضوع بإلفات نظر القارئين والقارئات إلى المساوئ من رواسب الاستعمار، ودسائس أحباب المستعمرين، ولا إلى ما في هذه الرواسب من خطر وشر، ولا إلى ما في هذه الدسائس من خديعة ومكر، فإن الأمر أوضح من أن يشرح، وأبين من أن يوضح، وإنما ألفت النظر إلى أن جيلنا الحاضر هو العماد في بناء المستقبل الزاهر، وهو المسؤول عن متانة هذا البناء وجماله، وتناسقه، فلهذا يجب أن نسلحه -قبل دخول المعمعة- بالإيمان الصادق، والخلق الكريم، والأمل الواسع، والعلم الصحيح، والجد المسترسل، ونمزج له المادة بالروح، مع مراعاة مقتضى الأحوال، ومسايرة التطور في الأعمال، حتى يكون -بإذن الله- من الفائزين بالعزة والسيادة في الدنيا والكرامة والسعادة في الآخرة.
نريد من جيلنا -وبالأخص من شبابنا- أن يكون مثال الإنسان المتعلم الراقي، المشارك في شتى المعارف النافعة في بناء الحضارة الصحيحة، ونحب أن نراه في مثاله هذا: شبابا مسلما إسلاما حقيقيا (لا إسلاما جغرافيا)، وإني أعني بالإسلام الحقيقي، إسلام القرآن والسنة، إسلام السلف الصالح الذي عز بأتباعه ففتح وحكم وعدل، وربى وأصلح وأشاد، إسلام الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار، وما كان الرعيل الأول سوى كتلة من شباب مكة والمدينة، حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وآتاهم تقواهم، ورباهم الرسول صلى الله عليه وسلم على حب الله والخوف منه، وتقدير مسؤولية العرض عليه، وعرفهم أن أحبهم إلى الله هو أنفعهم للناس، فتسابقوا إلى الجهاد في سبيل الخير الاجتماعي، حتى كان منهم شباب وأي شباب!! ... شباب استعد كل فرد من أفراده للتضحية بمصالحه الشخصية في سبيل المصلحة الاجتماعية، وبمشتهياته الملحة لأجل صيانة الفضيلة، والمحافظة على الأخلاق الكريمة، يتغلب على العواطف الهائجة بالعقل، وعلى الضعف البشري بالواجب، وعلى الهواجس الشيطانية بالإيمان...
ونحن في هذا العصر الذي نصفي فيه تركة الاستعمار أحوج ما نكون إلى هذا الصنف من الشباب المسلم، محتاجون إلى أرواح يقظة، وقلوب حية، وعقل نظيف، وشعور ملتهب، وطموح نبيل، وفوق ذلك مفتقرون إلى رجولة كاملة تؤمن بالله وتشعر بالمسؤولية، وتخاف العاقبة، ليحدوها الإيمان والشعور، وخوف الله لأن تقوم بالواجب لأنه واجب، إذ الحياة إذا نضب منها الإيمان، وتزعزعت فيها العقيدة فقدت قيمتها وتدهورت مزاياها، وأصبح الشخص فيها شهوانيا، شأنه شأن الحيوان، همه أن يأكل ويشرب ويتناسل إجابة لدواعي الغريزة، ودوافع الاحتفاظ بالنوع، وإن حياة من هذا النوع لا قيمة لها ولا خير فيها، ولا نرضاها لجيلنا ولا لشبابنا، وصدق الله العظيم: ? "...وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ" ? [محمد: 12].
ونحن إذا دعونا الأمة إلى تغيير ما بأنفسنا، وما بوطنها مما تركه الاستعمار من المصائب والويلات، ودعونا إلى توجيه الشباب في حال ابتداء حياته الاستقلالية إلى هذا التكون الإسلامي الصحيح، فلأننا نريد منه أن يكون معتزا بدينه عاملا به ومعتزا بلغته ووطنه، تاريخه وآدابه وقومه، وأن يكون مجاريا لآخر طراز من مدنية العصر الحاضر: في العلم والمعرفة، والفن والمظهر، والنظام والترتيب، في المسجد والمدرسة، والبيت والطريق، والمشغل والنادي، وصدق الله العظيم ...إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ...? [الرعد: 11]، وعلى الله التوكل، وله دعوة الحق، وبه الاهتداء، وإليه المآب.
دعوة الحق
1 العدد
وإن من أهم ما يجب تغييره، ما تركه الاستعمار في العقول من إلحاد ومادية، وفي القلوب من قسوة وميل وفي الجوارح من جموح وحرون، وفي النفوس من ضعف سوء، وما تركه في المدرسة من تضليل وتجهيل وفي الإدارة من محسوبية واستغلال وفي المتاجر من احتكار وانتهاز، وفي المحاكم من ظلم وارتشاء، وفي المجتمع من خدعة واستهتار، وتحرر وانطلاق.
فلقد كانت أيدي الاستعمار تبسط نفوذها في كل ميدان للقضاء على كل المقومات التي تنهض بالأمة، والتي تخرجها من الظلمات إلى النور، وفي مقدمة هذه المقومات الروح الإسلامية المتغلغلة في قلب الشعب المغربي الكادح، فعمدت إلى إزالة معالم الإسلام الصحيح - «إسلام الوجدان والعقل والعمل» - تدريجيا من بلادنا بكل الوسائل التي تملكها، وبيدها المال والجاه والألقاب والأوسمة والوظائف وكل المرغبات، في ركابها الخونة والمنافقون والدساسون والانتهازيون والمستغلون.
إن الحياة الجديدة للمغاربة يجب أن تتغير، وأن تقلب رأسا على عقب، ويجب أن يكون هذا التغيير مبنيا من أول يوم على أسس متينة من أخلاق الإسلام وتربيته، وشريعته وآدابه، لأننا شعب مسلم، وعزتنا في الإسلام، وضمان استقلالنا في بناء مستقبلنا على قواعد الإسلام.
وإن في الإسلام ما تشتهيه الأنفس الراضية، وتلذ به الأعين المبصرة، وتطمئن إليه القلوب المومنة ويغني المستبصر عن غيره.
وإن في الإسلام من المرونة والسماح ما يتيح للمسلمين أن يأخذوا كل ما يتوقفون عليه مما جاء به التطور البشري من حضارة صحيحة وأنظمة صالحة، وصناعة مفيدة، ولا يشترط الإسلام في هذه المأخوذات إلا شرطا واحدا فقط وهو أن لا تناقض تعاليم الإسلام.
يبدأ بناء المستقبل السعيد للمغاربة بالدعوة إلى الخير، والتبشير بالنصر، والتنفير من الشر، والإنذار بالخذلان، "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" ? [آل عمران: 104]، وذلك بتأسيس المؤسسات التربوية وبث الدعاة في كل الجهات لأجل العمل على تكوين النشء الصالح، وتوجيه الشباب الفتي، وإرشاد الرجال الكبار.
ولن أطيل الموضوع بإلفات نظر القارئين والقارئات إلى المساوئ من رواسب الاستعمار، ودسائس أحباب المستعمرين، ولا إلى ما في هذه الرواسب من خطر وشر، ولا إلى ما في هذه الدسائس من خديعة ومكر، فإن الأمر أوضح من أن يشرح، وأبين من أن يوضح، وإنما ألفت النظر إلى أن جيلنا الحاضر هو العماد في بناء المستقبل الزاهر، وهو المسؤول عن متانة هذا البناء وجماله، وتناسقه، فلهذا يجب أن نسلحه -قبل دخول المعمعة- بالإيمان الصادق، والخلق الكريم، والأمل الواسع، والعلم الصحيح، والجد المسترسل، ونمزج له المادة بالروح، مع مراعاة مقتضى الأحوال، ومسايرة التطور في الأعمال، حتى يكون -بإذن الله- من الفائزين بالعزة والسيادة في الدنيا والكرامة والسعادة في الآخرة.
نريد من جيلنا -وبالأخص من شبابنا- أن يكون مثال الإنسان المتعلم الراقي، المشارك في شتى المعارف النافعة في بناء الحضارة الصحيحة، ونحب أن نراه في مثاله هذا: شبابا مسلما إسلاما حقيقيا (لا إسلاما جغرافيا)، وإني أعني بالإسلام الحقيقي، إسلام القرآن والسنة، إسلام السلف الصالح الذي عز بأتباعه ففتح وحكم وعدل، وربى وأصلح وأشاد، إسلام الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار، وما كان الرعيل الأول سوى كتلة من شباب مكة والمدينة، حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وآتاهم تقواهم، ورباهم الرسول صلى الله عليه وسلم على حب الله والخوف منه، وتقدير مسؤولية العرض عليه، وعرفهم أن أحبهم إلى الله هو أنفعهم للناس، فتسابقوا إلى الجهاد في سبيل الخير الاجتماعي، حتى كان منهم شباب وأي شباب!! ... شباب استعد كل فرد من أفراده للتضحية بمصالحه الشخصية في سبيل المصلحة الاجتماعية، وبمشتهياته الملحة لأجل صيانة الفضيلة، والمحافظة على الأخلاق الكريمة، يتغلب على العواطف الهائجة بالعقل، وعلى الضعف البشري بالواجب، وعلى الهواجس الشيطانية بالإيمان...
ونحن في هذا العصر الذي نصفي فيه تركة الاستعمار أحوج ما نكون إلى هذا الصنف من الشباب المسلم، محتاجون إلى أرواح يقظة، وقلوب حية، وعقل نظيف، وشعور ملتهب، وطموح نبيل، وفوق ذلك مفتقرون إلى رجولة كاملة تؤمن بالله وتشعر بالمسؤولية، وتخاف العاقبة، ليحدوها الإيمان والشعور، وخوف الله لأن تقوم بالواجب لأنه واجب، إذ الحياة إذا نضب منها الإيمان، وتزعزعت فيها العقيدة فقدت قيمتها وتدهورت مزاياها، وأصبح الشخص فيها شهوانيا، شأنه شأن الحيوان، همه أن يأكل ويشرب ويتناسل إجابة لدواعي الغريزة، ودوافع الاحتفاظ بالنوع، وإن حياة من هذا النوع لا قيمة لها ولا خير فيها، ولا نرضاها لجيلنا ولا لشبابنا، وصدق الله العظيم: ? "...وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ" ? [محمد: 12].
ونحن إذا دعونا الأمة إلى تغيير ما بأنفسنا، وما بوطنها مما تركه الاستعمار من المصائب والويلات، ودعونا إلى توجيه الشباب في حال ابتداء حياته الاستقلالية إلى هذا التكون الإسلامي الصحيح، فلأننا نريد منه أن يكون معتزا بدينه عاملا به ومعتزا بلغته ووطنه، تاريخه وآدابه وقومه، وأن يكون مجاريا لآخر طراز من مدنية العصر الحاضر: في العلم والمعرفة، والفن والمظهر، والنظام والترتيب، في المسجد والمدرسة، والبيت والطريق، والمشغل والنادي، وصدق الله العظيم ...إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ...? [الرعد: 11]، وعلى الله التوكل، وله دعوة الحق، وبه الاهتداء، وإليه المآب.
دعوة الحق
1 العدد