(فارس) فتى في الرابعة عشر من عمره، متحمس، لا يهدأ، والمشكلة الكبرى: أنه لا يهاب شيئًا.
في عام 2000 تحديدًا، وجد (فارس) أن الكرة قد جاءت في ملعبه؛ فالانتفاضة الفلسطينية الشعبية قائمة، والمواجهات اليومية بين قوات الاحتلال وبين الأهالي العُزّل لا تنقطع. شعر (فارس) أن هذا هو مكانه المفضل دون سائر بقاع الأرض: أمام الدبابات!
في شرق غزة، كان (فارس) يقيم مع والديه وإخوته، وقد كانت المدينة حينها محتلة قبل أن تتحرر لاحقًا. في فترة الانتفاضة، كانت الاشتباكات مع جنود الاحتلال تتكرر بشكل يوميّ، من الكبار والصغار، مدفوعين بالرغبة في أن يصل صوتهم المحتج إلى العالم، معلنين أنهم سأموا انتهاك المقدسات، والاستهانة بالأرواح. سأموا الدعم الدولي لواحدة من أبشع صور الاستعمار الذي تختفي ثقافته يومًا بعد يوم لدى شعوب العالم بأسره إلا لدى المحتل المستولي على أرضهم؛ إذ يبني مستعمراته فيها بصورة لا تنقطع، ويزداد طغيانًا بمرور الوقت. كانوا يقفون صامدين أمام بنادق الجنود المشهرة في وجوههم، وأمام الدبابات المصوبة نحو بيوتهم تريد أن تمحيها من وجه الأرض، لا يملكون إلا الحجارة، يلقونها في وجه واحد من أقوى جيوش العالم تسليحًا.
في تلك الأجواء عاش (فارس).
كان توجهه المستمر إلى ساحات الاشتباك سببًا لتوبيخ والديه له، ولعقابه بالحبس أحيانًا. فهم يدركون ما لا يدركه المراهق البرئ من قبح المحتل: هذه اللعبة ليست متكافئة ولا شريفة يا ولدي! وهؤلاء اللاعبون لا يتورعون عن انتهاك أسمى القيم في سبيل تحقيق الفوز. في إحدى المرات، هرعت أمه لتجتذبه بعيدًا عن أحد مواقع الاشتباك الذي تكرر ذهابه إليه ولحاقها به يوميًا على مدار الأسبوع، وجدته كعادته في الصفوف الأولى، على بعد خطوات قليلة من مصدر الخطر. قالت له يائسة:
" تريد أن تلقي حجارة؟ حسنًا.. على الأقل قف وراء شئ.. اتخذ ساترًا.. لماذا تتقدم حتى من يكبرونك من رفاقك! "
في تلك اللحظة، سمعت الأم من ولدها الرد الذي تعرفه في قرارة نفسها ويبقيها في قلق مستمر:
" أنا لست خائفًا "
لكن (فارس) لم يكن صادقًا تمامًا؛ فقد كان يخشى شيئًا ويتجنبه: الكاميرات. تقول أمه، أنه كان يخشى أن يصوره أحد الصحفيين فيراه أبوه، مما يعرضه للعقاب أو الحبس من قبله لحمايته. أصبح توجهه إلى مناطق الاشتباك شغله الشاغل، والأم تلاحقه على مدار اليوم، حتى أنها في أحد الأيام اضطرت للخروج ثلاثة مرات لتلحق به وتعيده إلى المنزل.
في 8 نوفمبر 2000، استشهد الطفل (فارس عودة).
استشهد برصاصة مصوبة في رقبته، في اشتباكات مع قوات الاحتلال قرب معبر المنطار. تلقى الرصاصة بينما كان ينحني ليلتقط حجارة من الأرض. ولأن (فارس) كان دومًا يتقدم الجميع، كان استشهاده على بعد خطوات من دبابة إسرائيلية، منعت الاسعاف من الوصول إلى جثمانه لمدة ساعة، قبل أن تأخذه إلى المستشفى، ليُعلن استشهاده فور وصوله.
الصورة الشهيرة ل (فارس)، التقطها له مصور وكالة الأسوشيتد بريس من أحد مواقع الاشتباكات في التاسع والعشرين من أكتوبر، أي قبل استشهاده بعشرة أيام تقريبًا، ويظهر فيها (فارس) بجسده الضئيل من ظهره، يقف أمام الدبابات المتقدمة نحو أرضه، يقذف في وجهها حجارة.
في أحد الحوارات بعد استشهاده، قالت السيدة (أنعام) والدة (فارس):
" عندما أرى صورته يتمزق قلبي إلى أشلاء..في عام 2000 تحديدًا، وجد (فارس) أن الكرة قد جاءت في ملعبه؛ فالانتفاضة الفلسطينية الشعبية قائمة، والمواجهات اليومية بين قوات الاحتلال وبين الأهالي العُزّل لا تنقطع. شعر (فارس) أن هذا هو مكانه المفضل دون سائر بقاع الأرض: أمام الدبابات!
في شرق غزة، كان (فارس) يقيم مع والديه وإخوته، وقد كانت المدينة حينها محتلة قبل أن تتحرر لاحقًا. في فترة الانتفاضة، كانت الاشتباكات مع جنود الاحتلال تتكرر بشكل يوميّ، من الكبار والصغار، مدفوعين بالرغبة في أن يصل صوتهم المحتج إلى العالم، معلنين أنهم سأموا انتهاك المقدسات، والاستهانة بالأرواح. سأموا الدعم الدولي لواحدة من أبشع صور الاستعمار الذي تختفي ثقافته يومًا بعد يوم لدى شعوب العالم بأسره إلا لدى المحتل المستولي على أرضهم؛ إذ يبني مستعمراته فيها بصورة لا تنقطع، ويزداد طغيانًا بمرور الوقت. كانوا يقفون صامدين أمام بنادق الجنود المشهرة في وجوههم، وأمام الدبابات المصوبة نحو بيوتهم تريد أن تمحيها من وجه الأرض، لا يملكون إلا الحجارة، يلقونها في وجه واحد من أقوى جيوش العالم تسليحًا.
في تلك الأجواء عاش (فارس).
كان توجهه المستمر إلى ساحات الاشتباك سببًا لتوبيخ والديه له، ولعقابه بالحبس أحيانًا. فهم يدركون ما لا يدركه المراهق البرئ من قبح المحتل: هذه اللعبة ليست متكافئة ولا شريفة يا ولدي! وهؤلاء اللاعبون لا يتورعون عن انتهاك أسمى القيم في سبيل تحقيق الفوز. في إحدى المرات، هرعت أمه لتجتذبه بعيدًا عن أحد مواقع الاشتباك الذي تكرر ذهابه إليه ولحاقها به يوميًا على مدار الأسبوع، وجدته كعادته في الصفوف الأولى، على بعد خطوات قليلة من مصدر الخطر. قالت له يائسة:
" تريد أن تلقي حجارة؟ حسنًا.. على الأقل قف وراء شئ.. اتخذ ساترًا.. لماذا تتقدم حتى من يكبرونك من رفاقك! "
في تلك اللحظة، سمعت الأم من ولدها الرد الذي تعرفه في قرارة نفسها ويبقيها في قلق مستمر:
" أنا لست خائفًا "
لكن (فارس) لم يكن صادقًا تمامًا؛ فقد كان يخشى شيئًا ويتجنبه: الكاميرات. تقول أمه، أنه كان يخشى أن يصوره أحد الصحفيين فيراه أبوه، مما يعرضه للعقاب أو الحبس من قبله لحمايته. أصبح توجهه إلى مناطق الاشتباك شغله الشاغل، والأم تلاحقه على مدار اليوم، حتى أنها في أحد الأيام اضطرت للخروج ثلاثة مرات لتلحق به وتعيده إلى المنزل.
في 8 نوفمبر 2000، استشهد الطفل (فارس عودة).
استشهد برصاصة مصوبة في رقبته، في اشتباكات مع قوات الاحتلال قرب معبر المنطار. تلقى الرصاصة بينما كان ينحني ليلتقط حجارة من الأرض. ولأن (فارس) كان دومًا يتقدم الجميع، كان استشهاده على بعد خطوات من دبابة إسرائيلية، منعت الاسعاف من الوصول إلى جثمانه لمدة ساعة، قبل أن تأخذه إلى المستشفى، ليُعلن استشهاده فور وصوله.
الصورة الشهيرة ل (فارس)، التقطها له مصور وكالة الأسوشيتد بريس من أحد مواقع الاشتباكات في التاسع والعشرين من أكتوبر، أي قبل استشهاده بعشرة أيام تقريبًا، ويظهر فيها (فارس) بجسده الضئيل من ظهره، يقف أمام الدبابات المتقدمة نحو أرضه، يقذف في وجهها حجارة.
في أحد الحوارات بعد استشهاده، قالت السيدة (أنعام) والدة (فارس):
صحيح أنني أشعر بالفخر لوصفه بالبطل..
لوقوفه أمام الدبابة..
لكل ما فعل.
لكني حين أرى رفاقه أثناء عودتهم بعد انتهاء اليوم الدراسي، أعجز عن منع نفسي من البكاء.
لقد كنت أتحدث مع جيراني للتو وأخبرتهم أنني خائفة جدًا.. (تمسح دموعها)..
خائفة أن يضيع ما قدّم سدى ويعود كل شئ إلى ما كان عليه،
من أن يكون فقداني لابني هو الشئ الوحيد الذي حدث ".
إلى اليوم، ونحن على أعتاب عام 2024، تفقد آلاف الأمهات يوميًا أبنائهن في فلسطين المحتلة.
إنه لعار علينا وعلى البشرية جمعاء أن يعود كل شئ إلى ما كان عليه، وكأن شيئًا لم يحدث.
***
مصدر الصورة: أرشيف المتحف الفلسطيني الوطني، (ملصق بعنوان "إسرائيل تستهدف الأطفال"، 2000):