لما تزايد انتشار أدب الرعب لدى العرب حتى فاق الحد, وبالرغم من أن لديّ رصيد من المقالات التي لم تنشر بعد في هذا الموضوع, آثرت التوجه مباشرة إلى النوع الأقل حظا في الإهتمام به. [TM1] فلما رافق الإهتمام بالرعب بالنظر إلى الفانتازيا, لأن عنصر تراثي مهم مثل السحر أو الجن موجود في النوعين. بقى الخيال العلمي منعزلا خفيا عن الأنظار. والحقيقة أن هذه واحدة من الأسباب التي جعلت أدب الخيال العلمي منزويا ومظلوما في العالم العربي. ولكن قبل الإنتقال إليها نعرّف أولا بأدب الخيال العلمي.
الخيال العلمي هو الخيال الممكن. في سلسة من التعريفات ذات الشقين أطلقها على مجموعة من المفاهيم مثل المجموعة المكونة للأنواع الرئيسية للفانتازيا / الخيال. وهي
الرعب: الخيال المخيف.
الفانتازيا: الخيال العجيب.
الخيال العلمي: الخيال الممكن.
الغرابة: الخيال المحير.
[TM2]
الخيال الممكن,يقصد به السرديات الأدبية والفنية التي تعني بالوقائع الممكن تحققها نظريا. ومفهوم الممكن نظريا يشمل كل ما هو علمي أو فلسفي.
وبناء على هذا لا يكون منوطا بالمستقبل فقط بل وبالماضي في صورة تتضح بنوع أدبي يسمى التاريخ البديل. حيث يقوم المبدع بتخيل أحداث كان يمكن أن تحدث في الماضي ويمكن أن يستثمر تأثيرها ممتدا إلى الحاضر أو المستقبل في واقع بديل. ولما قلت السرديات الأدبية والفنية ميزت بذلك عن السردية العلمية, حيث وبحسب أحد التعريفات, يجب قول القص الخيالي العلمي أو القص العلمي.[TM3] مضيفا عنصر القصصية للتمييز بين الأدب والعلم. حيث أن التخيل العلمي / أو الفلسفي -وهو ما يعزز قيمة الخيال كما يراها آينشتاين وفيلسوف كبير مثل أبو يعرب المرزوقي-[TM4] هو أحد البنى الأساسية في العلوم النظرية. وبناء عليه يتم توقع نتائج معينة قد تحدث أو لا تحدث. وقد يقصد الخيال العلمي أماكن قاصية موجودة في الحاضر. كل هذا يعني أن الخيال العلمي لا يحده زمان أو مكان محددين.
العنصر الثاني الذي يجب إضافته إلى التعريف هو القصدية, أي أن أدب الخيال العلمي هو أدب يعني بالوقائع الممكن تحققها نظريا, مع العلم لدى المبدع والمتلقي بإمكانية هذا التحقق. وبناء على هذا يتم إقصاء أي أعمال فانتازية كان ينظر إلى ما تعرضه على أنه ضمن المستحيلات, مثل البلورة السحرية (الشاشة) وبساط الريح (الطائرة) والمارد (القنبلة) وغيرها من المنتجات الفانتازية التي تحولت إلى أدوات علمية.
مع ذلك,يرجع بعض الباحثين نشأة الخيال العلمي إلى أول الأنواع الأدبية في تاريخ البشرية, أي بانصهاره في الأساطير البدائية رفيقا للرعب والفانتازيا. فضمن أسباب خلق الإنسان للأساطير هو البحث عن خالقه, ثم البحث في مخلوقات هذا الخالق (أو العكس), وصولا إلى أو مرورا بـ استكشاف مقدرة الإنسان -أهم مخلوقاته بالنسبة للإنسان نفسه على الأقل- في التفاعل مع الموجودات / المخلوقات الأخرى واستكشاف مقدراته في الزمن القادم, أي المستقبل.[TM5] إن الأساطير غايتها كانت اختراع قصص تفسر الظواهر المحيطة بالإنسان القديم ليروي فضوله, واختراع رؤى تروي نزعته الفضولية في التطلع للمستقبل. ويرى الباحثين أن التفكير الأسطوري واحد من المراحل الرئيسية في تاريخ الفكر الإنساني خاصة وامتزاجه بالتفكير الفلسفي. لذا يرجع عدد من النقاد (ومنهم زينار قدري في مقالها المذكور بالمصادر) نشأة الخيال العلمي إلى ملحمة جلجاميش وبعض القصص المصرية القديمة. وهي فرضية أرفضها نظرا لعدم اتفاقها مع التعريف السليم لأدب الخيال العلمي, والذي وضحنا بعضه بالأعلى, والذي يشمل في مكوناته عناصر ترتبط بالتحليل العلمي, مثل الإدراك والقصدية والتفسير ووضع الاحتمالات. فلا يصح أن نعتبر أي ضرب من ضروب الفانتازيا خيالا علميا فقط لأنها تريد أن تعرف ما القادم, أو لأن هناك متحققات تشابهت مع تلك التصورات. فحتى الجهلة يذهبون إلى العرافين آملين في معرفة شيء عن المستقبل, والعرافين قد يتصادف تحقق تنبؤاتهم العابثة (كذب المنجمون ولو صدقوا, أو/و لو صدفوا).
لذا هذه ليست -في أفضل الأحوال- إلا جذور وإرهاصات للخيال العلمي,حيث يكاد يجمع -عدا بعض الأعمال الفلسفية المبكرة التي نرجع لها لاحقا في مقالات أخرى- المؤرخين والباحثين والنقاد والكتاب, على أن النشأة الحقيقية للخيال العلمي كانت بعصرنا الحديث في القرن السابع عشر [TM6] مرتبطا بنشأة نوع أدبي آخر هو الرواية وليس الأسطورة. حيث توفرت على عناصر مثل القصدية والوضوح والاستطبان. وهي عناصر بالغة الأهمية في أدب الخيال العلمي متماسك الأركان. ونتناولها بالتفصيل في مقال آخر.
وتمت نشأته عبر الأعمال المؤسسة الأولى, مثل
-كبلر / قصة الحلم 1634
-جودوين / رجل في القمر 1638
[TM7] -فونتيل / رواية لقاءات في قمة العالم[TM8] 1686
وكتب أدباء كبار مثل تولتسوي وبلزاك بعض قصص الخيال العلمي, وبالطبع لا نغفل يوتوبيا توماس مور, وتوالت الأعمال في هذا المضمار إلى أن جاءت ماري شيلي عام 1818 وإبان عصر الثورة الصناعية, ومعها جاء التاريخ الحقيقي لأدب الخيال العلمي خاصة بعد ظهور العبقرية الفرنسية جول فيرن, والعبقرية الإنجليزية هربرت جورج ويلز.
وقد مررنا على عدة مئويات / قرون من الخيال العلمي, نرى أن أغلبها أو كلها مقترن بالغرب الأوروبي والأمريكي, وهم الذين لهم السبق العلمي في القرون الخمسة الأخيرة من بعد العصور الوسطى. فطبيعي أن يشمل السعي للعلم التعبير عنه في هذا النوع الأدبي.
وفي ظل صراع العلوم التطبيقية مع الشرق و(كوكب اليابان), نتطرق في مقال لاحق إلى الخيال العلمي لديهم, أي اليابان والشرق الأقصى والأدنى. وما يعني هنا هي حضارات الوسط بين الشرق والغرب. أي العرب. أو الشرق الأوسط.
وكان نصيب العرب من الخيال العلمي -رغم أن هناك دراسات تشير إلى بدايات ترجع للعصور الوسطى وحتى عصور ما قبل الميلاد- في المائة عام المشكلة للقرن الأخير قبيل الدخول إلى الألفية الثالثة. وهي بداية مبكرة بالنسبة إلى عمر الرواية الحديثة بالرغم من بطء تطور الخيال العلمي في العالم العربي وصولا إلى فترة ما بعد دخول أحمد خالد توفيق إلى الساحة, وتزايد انتشار -ولا أقول تطور- هذا النوع مع الأنواع الأخرى من رعب وفانتازيا. والإقبال الجماهيري الكاسح على الأنواع الخيالية من الكتاب قبل القراء.
ولما أقول مائة عام من الخيال العلمي فأنا كنت أريد أن أتحدث بمعزل عن الألفية الثالثة ولكن وجدت نفسي لأتمم مسيرة المائة عام أطوق السنوات حول عام 1913 وصولا إلى عام 2012. والبداية في 1913 بناء على بحث الناقد حمادة هزاع المعنون بـ مئة عام من الخيال العلمي. وفيه أن أول كاتب عربي للخيال العلمي هو محمود خليل رشيد.[TM9]
ولكن لما بلغنا العام 2013 يطرح السؤال نفسه عند المقارنة بين أدباء الغرب وأدباء العرب, رواد الخيال العلمي على جانبي الأطلسي. لما تأخر الخيالي العلمي في العالم العربي؟ تأخر النشأة وتأخر التطور! خاصة وأننا تجاوزنا هذا التاريخ (2023) بنحو عشر سنوات أو يزيد.
والإجابة تشمل الأسباب الآتية.
1-الدين
2-التراث
3-العلوم
4-النقد / الأنوع
أولا الدين, وقد أشار وائل رداد إلى هذه المشكلة في العديد من المرات عبر مقالاته وحتى منشوراته على الفيس بوك.
ثانيا التراث, وأعني هنا العلاقة الطردية بين تزايد الإقبال إلى قصص الفانتازيا المستمدة من التراث المهيمن على الذائقة العربية, وشح أي إقبال على قصص الخيال العلمي الغريبة عن تراثهم, والمقيدة بأطر علمية تزيح شطح الخيال الذي يشكل السمة الغالبة في الفانتازيا. وهي ذائقة بدأت تتغير في مطلع التسعينات, والإقبال على مجموعة من الأساطير الحضرية الفانتازية والعلمية إلى درجة الهوس بها, حتى صارت صيحة إعلامية في تلك الفترة قبل اختراع مفهوم الموجة الإعلامية (تريند).
وفي حوار مع الكاتب ماجد القاضي يرى أن لعدم انتشار الخيال العلمي سببان؛أحدهما هو عدم ميل الكاتب للعلوم التي يجب عليه تحصيل كفايته منها في الأساسيات (كيمياء – فيزياء – أحياء – فلك – جيولوجيا,إلخ...). ولكن لم يوضح كفاية ما هو السبب الثاني.[TM10]
وهذا تقريبا هو السبب الثالث, فيصف أحمد خالد توفيق المجتمع العربي بصفته مستهلك للعلم وليس منتج له, ويتفق معه أغلب النقاد الاجتماعيين قبل الأدبيين.
ثم رابعا تأتي مسألة النقد, ومشكلة الأنواع. قبل أحمد خالد توفيق, لم يكن هناك تأسيس فعلي لأنواع مستقلة في الأدب العربي, وحتى اليوم, لا نرى أي تفريعات نوعية لأدب خيال علمي معني بالمستقبل, وآخر للماضي, وآخر للفضاء, ولباطن الأرض أو البحر, بل ويتم الخلط بين الخيال العلمي والفانتازيا والرعب, وهو خلط حادث حتى لدى الغرب. أما عن أسباب انتشاره, فذلك راجع ربما لتيارات العولمة, والحداثة, المنتشرة في كل مكان حتى فاضت بنا. سبب آخر لانتشاره هو التوق للخيال بالطبع. لكن يلزمنا تأسيس قاعدة جماهيرية / نقدية, وحتى الآن, لا يبدوا لي أن ذلك متحقق على نحو كافي, خاصة بعد وفاة أحمد خالد توفيق, نبيل فاروق, ورؤوف وصفي, وهم من هم؛ آخر الأعلام الكبار في هذا المجال.
وأخيرا يمكننا حصر أهمية الخيال العلمي في محورين أساسيين؛ الأول هو المعرفة التصورية, حيث قد يعطينا الأدب رؤى مستقبلية عما سيحدث في الغد القريب أو البعيد. ويشكل مرآة للمستقبل تعكس مشاكل الحاضر؛ النفسية والإجتماعية والسياسية والفكرية والعلمية والفنية وغيره. ومن ناحية أخرى يعطي مجالا واسعا لتطوير أفكار العلماء وحثهم على الابتكار رفيق الإبداع. وهناك فرع من أدب الخيال العلمي مخصص لتلك القضايا, وهو الخيال العلمي المحكم.[TM11] أو الخيال العلمي الصعب. ولهذا أكد آينشتاين على أهمية الخيال ورفعه في مكانة تعلو العلم.
[HR][/HR]
[TM1]يتفق معي في ذلك محمد الدواخلي لما رتب الإهتمام بالأدب الخيالي على التوالي؛الرعب ثم الفانتازيا ثم الخيال العلمي. انظر حوار معه في مجلة ومضات,ع 6,مهرجان الرعب للجميع,ص 10.
[TM2]وهي تعريفات مستقاة من قراءات واسعة نذكر منهم مثلا لا حصرا
[TM3]أحمد صقر والخيال العلمي.
[TM4]انظر أي مرجع لقول آينشتاين,تقريبا في كتاب الأدب الأمريكي.
[TM5]انظر وول دورانت وأخرين.
[TM6]خصوصا في القرن العشرين,ويتفق على ذلك عدد كبير من الباحثين,نذكر منهم
-أحمد صقر / الخيال العلمي في المسرح / مقال على موقع الحوار المتمدن
https://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=258426&r=0
-زينار قدري / أدب الخيال العلمي والفنون السردية / مقال على موقع الكتابة
أدب الخيال العلمى والفنون السردية.. "شيفرة آدم والعملاق هومو"نموذجًا - موقع الكتابة الثقافي
[TM7]القصة العلمية الحديثة .. إلى أين؟ / د.ي. هينجر,ت ماجدة جوهر / مجلة الفكر المعاصر,عدد 52 يونيو 1969,ص 79.
الأرشيف: الفكر المعاصر العدد 52 تاريخ الإصدار 1 يونيو 1969 مقالة القصة العلمية الحديثة إلى أين؟ - ترجمة: ماجدة جوهر
[TM8]الخيال العلمى ، أدب القرن العشرين، محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1994م،ص13. نقلا عن مقال زينار صدقي.
[TM9]مجلة ومضات,العدد الثالث,ص3.
[TM10]ومضات,العدد الخامس,ص16.
[TM11]ومضات,العدد الخامس,ص16.
الخيال العلمي هو الخيال الممكن. في سلسة من التعريفات ذات الشقين أطلقها على مجموعة من المفاهيم مثل المجموعة المكونة للأنواع الرئيسية للفانتازيا / الخيال. وهي
الرعب: الخيال المخيف.
الفانتازيا: الخيال العجيب.
الخيال العلمي: الخيال الممكن.
الغرابة: الخيال المحير.
[TM2]
الخيال الممكن,يقصد به السرديات الأدبية والفنية التي تعني بالوقائع الممكن تحققها نظريا. ومفهوم الممكن نظريا يشمل كل ما هو علمي أو فلسفي.
وبناء على هذا لا يكون منوطا بالمستقبل فقط بل وبالماضي في صورة تتضح بنوع أدبي يسمى التاريخ البديل. حيث يقوم المبدع بتخيل أحداث كان يمكن أن تحدث في الماضي ويمكن أن يستثمر تأثيرها ممتدا إلى الحاضر أو المستقبل في واقع بديل. ولما قلت السرديات الأدبية والفنية ميزت بذلك عن السردية العلمية, حيث وبحسب أحد التعريفات, يجب قول القص الخيالي العلمي أو القص العلمي.[TM3] مضيفا عنصر القصصية للتمييز بين الأدب والعلم. حيث أن التخيل العلمي / أو الفلسفي -وهو ما يعزز قيمة الخيال كما يراها آينشتاين وفيلسوف كبير مثل أبو يعرب المرزوقي-[TM4] هو أحد البنى الأساسية في العلوم النظرية. وبناء عليه يتم توقع نتائج معينة قد تحدث أو لا تحدث. وقد يقصد الخيال العلمي أماكن قاصية موجودة في الحاضر. كل هذا يعني أن الخيال العلمي لا يحده زمان أو مكان محددين.
العنصر الثاني الذي يجب إضافته إلى التعريف هو القصدية, أي أن أدب الخيال العلمي هو أدب يعني بالوقائع الممكن تحققها نظريا, مع العلم لدى المبدع والمتلقي بإمكانية هذا التحقق. وبناء على هذا يتم إقصاء أي أعمال فانتازية كان ينظر إلى ما تعرضه على أنه ضمن المستحيلات, مثل البلورة السحرية (الشاشة) وبساط الريح (الطائرة) والمارد (القنبلة) وغيرها من المنتجات الفانتازية التي تحولت إلى أدوات علمية.
مع ذلك,يرجع بعض الباحثين نشأة الخيال العلمي إلى أول الأنواع الأدبية في تاريخ البشرية, أي بانصهاره في الأساطير البدائية رفيقا للرعب والفانتازيا. فضمن أسباب خلق الإنسان للأساطير هو البحث عن خالقه, ثم البحث في مخلوقات هذا الخالق (أو العكس), وصولا إلى أو مرورا بـ استكشاف مقدرة الإنسان -أهم مخلوقاته بالنسبة للإنسان نفسه على الأقل- في التفاعل مع الموجودات / المخلوقات الأخرى واستكشاف مقدراته في الزمن القادم, أي المستقبل.[TM5] إن الأساطير غايتها كانت اختراع قصص تفسر الظواهر المحيطة بالإنسان القديم ليروي فضوله, واختراع رؤى تروي نزعته الفضولية في التطلع للمستقبل. ويرى الباحثين أن التفكير الأسطوري واحد من المراحل الرئيسية في تاريخ الفكر الإنساني خاصة وامتزاجه بالتفكير الفلسفي. لذا يرجع عدد من النقاد (ومنهم زينار قدري في مقالها المذكور بالمصادر) نشأة الخيال العلمي إلى ملحمة جلجاميش وبعض القصص المصرية القديمة. وهي فرضية أرفضها نظرا لعدم اتفاقها مع التعريف السليم لأدب الخيال العلمي, والذي وضحنا بعضه بالأعلى, والذي يشمل في مكوناته عناصر ترتبط بالتحليل العلمي, مثل الإدراك والقصدية والتفسير ووضع الاحتمالات. فلا يصح أن نعتبر أي ضرب من ضروب الفانتازيا خيالا علميا فقط لأنها تريد أن تعرف ما القادم, أو لأن هناك متحققات تشابهت مع تلك التصورات. فحتى الجهلة يذهبون إلى العرافين آملين في معرفة شيء عن المستقبل, والعرافين قد يتصادف تحقق تنبؤاتهم العابثة (كذب المنجمون ولو صدقوا, أو/و لو صدفوا).
لذا هذه ليست -في أفضل الأحوال- إلا جذور وإرهاصات للخيال العلمي,حيث يكاد يجمع -عدا بعض الأعمال الفلسفية المبكرة التي نرجع لها لاحقا في مقالات أخرى- المؤرخين والباحثين والنقاد والكتاب, على أن النشأة الحقيقية للخيال العلمي كانت بعصرنا الحديث في القرن السابع عشر [TM6] مرتبطا بنشأة نوع أدبي آخر هو الرواية وليس الأسطورة. حيث توفرت على عناصر مثل القصدية والوضوح والاستطبان. وهي عناصر بالغة الأهمية في أدب الخيال العلمي متماسك الأركان. ونتناولها بالتفصيل في مقال آخر.
وتمت نشأته عبر الأعمال المؤسسة الأولى, مثل
-كبلر / قصة الحلم 1634
-جودوين / رجل في القمر 1638
[TM7] -فونتيل / رواية لقاءات في قمة العالم[TM8] 1686
وكتب أدباء كبار مثل تولتسوي وبلزاك بعض قصص الخيال العلمي, وبالطبع لا نغفل يوتوبيا توماس مور, وتوالت الأعمال في هذا المضمار إلى أن جاءت ماري شيلي عام 1818 وإبان عصر الثورة الصناعية, ومعها جاء التاريخ الحقيقي لأدب الخيال العلمي خاصة بعد ظهور العبقرية الفرنسية جول فيرن, والعبقرية الإنجليزية هربرت جورج ويلز.
وقد مررنا على عدة مئويات / قرون من الخيال العلمي, نرى أن أغلبها أو كلها مقترن بالغرب الأوروبي والأمريكي, وهم الذين لهم السبق العلمي في القرون الخمسة الأخيرة من بعد العصور الوسطى. فطبيعي أن يشمل السعي للعلم التعبير عنه في هذا النوع الأدبي.
وفي ظل صراع العلوم التطبيقية مع الشرق و(كوكب اليابان), نتطرق في مقال لاحق إلى الخيال العلمي لديهم, أي اليابان والشرق الأقصى والأدنى. وما يعني هنا هي حضارات الوسط بين الشرق والغرب. أي العرب. أو الشرق الأوسط.
وكان نصيب العرب من الخيال العلمي -رغم أن هناك دراسات تشير إلى بدايات ترجع للعصور الوسطى وحتى عصور ما قبل الميلاد- في المائة عام المشكلة للقرن الأخير قبيل الدخول إلى الألفية الثالثة. وهي بداية مبكرة بالنسبة إلى عمر الرواية الحديثة بالرغم من بطء تطور الخيال العلمي في العالم العربي وصولا إلى فترة ما بعد دخول أحمد خالد توفيق إلى الساحة, وتزايد انتشار -ولا أقول تطور- هذا النوع مع الأنواع الأخرى من رعب وفانتازيا. والإقبال الجماهيري الكاسح على الأنواع الخيالية من الكتاب قبل القراء.
ولما أقول مائة عام من الخيال العلمي فأنا كنت أريد أن أتحدث بمعزل عن الألفية الثالثة ولكن وجدت نفسي لأتمم مسيرة المائة عام أطوق السنوات حول عام 1913 وصولا إلى عام 2012. والبداية في 1913 بناء على بحث الناقد حمادة هزاع المعنون بـ مئة عام من الخيال العلمي. وفيه أن أول كاتب عربي للخيال العلمي هو محمود خليل رشيد.[TM9]
ولكن لما بلغنا العام 2013 يطرح السؤال نفسه عند المقارنة بين أدباء الغرب وأدباء العرب, رواد الخيال العلمي على جانبي الأطلسي. لما تأخر الخيالي العلمي في العالم العربي؟ تأخر النشأة وتأخر التطور! خاصة وأننا تجاوزنا هذا التاريخ (2023) بنحو عشر سنوات أو يزيد.
والإجابة تشمل الأسباب الآتية.
1-الدين
2-التراث
3-العلوم
4-النقد / الأنوع
أولا الدين, وقد أشار وائل رداد إلى هذه المشكلة في العديد من المرات عبر مقالاته وحتى منشوراته على الفيس بوك.
ثانيا التراث, وأعني هنا العلاقة الطردية بين تزايد الإقبال إلى قصص الفانتازيا المستمدة من التراث المهيمن على الذائقة العربية, وشح أي إقبال على قصص الخيال العلمي الغريبة عن تراثهم, والمقيدة بأطر علمية تزيح شطح الخيال الذي يشكل السمة الغالبة في الفانتازيا. وهي ذائقة بدأت تتغير في مطلع التسعينات, والإقبال على مجموعة من الأساطير الحضرية الفانتازية والعلمية إلى درجة الهوس بها, حتى صارت صيحة إعلامية في تلك الفترة قبل اختراع مفهوم الموجة الإعلامية (تريند).
وفي حوار مع الكاتب ماجد القاضي يرى أن لعدم انتشار الخيال العلمي سببان؛أحدهما هو عدم ميل الكاتب للعلوم التي يجب عليه تحصيل كفايته منها في الأساسيات (كيمياء – فيزياء – أحياء – فلك – جيولوجيا,إلخ...). ولكن لم يوضح كفاية ما هو السبب الثاني.[TM10]
وهذا تقريبا هو السبب الثالث, فيصف أحمد خالد توفيق المجتمع العربي بصفته مستهلك للعلم وليس منتج له, ويتفق معه أغلب النقاد الاجتماعيين قبل الأدبيين.
ثم رابعا تأتي مسألة النقد, ومشكلة الأنواع. قبل أحمد خالد توفيق, لم يكن هناك تأسيس فعلي لأنواع مستقلة في الأدب العربي, وحتى اليوم, لا نرى أي تفريعات نوعية لأدب خيال علمي معني بالمستقبل, وآخر للماضي, وآخر للفضاء, ولباطن الأرض أو البحر, بل ويتم الخلط بين الخيال العلمي والفانتازيا والرعب, وهو خلط حادث حتى لدى الغرب. أما عن أسباب انتشاره, فذلك راجع ربما لتيارات العولمة, والحداثة, المنتشرة في كل مكان حتى فاضت بنا. سبب آخر لانتشاره هو التوق للخيال بالطبع. لكن يلزمنا تأسيس قاعدة جماهيرية / نقدية, وحتى الآن, لا يبدوا لي أن ذلك متحقق على نحو كافي, خاصة بعد وفاة أحمد خالد توفيق, نبيل فاروق, ورؤوف وصفي, وهم من هم؛ آخر الأعلام الكبار في هذا المجال.
وأخيرا يمكننا حصر أهمية الخيال العلمي في محورين أساسيين؛ الأول هو المعرفة التصورية, حيث قد يعطينا الأدب رؤى مستقبلية عما سيحدث في الغد القريب أو البعيد. ويشكل مرآة للمستقبل تعكس مشاكل الحاضر؛ النفسية والإجتماعية والسياسية والفكرية والعلمية والفنية وغيره. ومن ناحية أخرى يعطي مجالا واسعا لتطوير أفكار العلماء وحثهم على الابتكار رفيق الإبداع. وهناك فرع من أدب الخيال العلمي مخصص لتلك القضايا, وهو الخيال العلمي المحكم.[TM11] أو الخيال العلمي الصعب. ولهذا أكد آينشتاين على أهمية الخيال ورفعه في مكانة تعلو العلم.
[HR][/HR]
[TM1]يتفق معي في ذلك محمد الدواخلي لما رتب الإهتمام بالأدب الخيالي على التوالي؛الرعب ثم الفانتازيا ثم الخيال العلمي. انظر حوار معه في مجلة ومضات,ع 6,مهرجان الرعب للجميع,ص 10.
[TM2]وهي تعريفات مستقاة من قراءات واسعة نذكر منهم مثلا لا حصرا
[TM3]أحمد صقر والخيال العلمي.
[TM4]انظر أي مرجع لقول آينشتاين,تقريبا في كتاب الأدب الأمريكي.
[TM5]انظر وول دورانت وأخرين.
[TM6]خصوصا في القرن العشرين,ويتفق على ذلك عدد كبير من الباحثين,نذكر منهم
-أحمد صقر / الخيال العلمي في المسرح / مقال على موقع الحوار المتمدن
https://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=258426&r=0
-زينار قدري / أدب الخيال العلمي والفنون السردية / مقال على موقع الكتابة
أدب الخيال العلمى والفنون السردية.. "شيفرة آدم والعملاق هومو"نموذجًا - موقع الكتابة الثقافي
[TM7]القصة العلمية الحديثة .. إلى أين؟ / د.ي. هينجر,ت ماجدة جوهر / مجلة الفكر المعاصر,عدد 52 يونيو 1969,ص 79.
الأرشيف: الفكر المعاصر العدد 52 تاريخ الإصدار 1 يونيو 1969 مقالة القصة العلمية الحديثة إلى أين؟ - ترجمة: ماجدة جوهر
[TM8]الخيال العلمى ، أدب القرن العشرين، محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1994م،ص13. نقلا عن مقال زينار صدقي.
[TM9]مجلة ومضات,العدد الثالث,ص3.
[TM10]ومضات,العدد الخامس,ص16.
[TM11]ومضات,العدد الخامس,ص16.