بهاء الصالحي - مقاربة نقدية في رواية (ليلة في حياة كاتب) لمجدي جعفر



ما أجمل أن يكون الكاتب ناقدا هنا يكون مقياس القراءة درجة التكامل ما بين عناصر العمل الفني وكذلك البعد السببي في العلاقة، هنا نطرح العلاقة بين السارد والمسرود هل يعتبر المسرود مادة خام لتجارب الروح التي تجتاح عقل السارد وذلك تأسيسا علي الفرضية القائلة إن الرواية عمل عقلي متسلح بمفهوم التأثير الوجداني حيث جاذبية الحكي كنوع من إعادة إنتاج الذات أو البحث عن نماذج تبريرية تجعل السارد غير قابل لجلد ذاته.

الافتتاحية وملاءمتها لعتبة العنوان كمدخل اقناعي من حيث توافقه مع المدخل التأسيسي، حيث أن التأسيس يخلق الأسئلة التي يبحث القارئ عن اجابتها عبر تصفحه للنص، حيث كان التناقض مابين الحالة التاريخية للبطل والحالة الحالية، ذلك يطرح سؤالا عن كيف أزري بالأستاذ وماهي دوافع انسحابه من الحياة، لتكون العقدة الخاصة بالرواية عقدة مقلوبة، لتكون السردية شرح لذلك المشهد المعقد الذي أجاد الكاتب وصفه من خلال إجادة التقطيع ليكون بحثنا بشغف عن طبيعة الأستاذ وعلاقته بأبنه مع التناول السردي مابين وائل وماجد النهري ليكون توظيف وائل موزعا ،فقد ورد ذكر وائل في صفحة ٦وكذلك صفحة ٢١ ،التوظيف هنا، لبلورة المكان والزمان المتممان للحدث الدرامي داخل الرواية ، حيث تأتي العلاقة التبادلية مابين الريف والمدينة وعلاقتهما بمزاج الأستاذ، ذلك التاريخ والبحث عن المجايلة الصحيحة من خلال حوار التلميذ مع أستاذه وكأنه نوع من تقييم الانبهار كمدخل إنساني لإعادة إنتاج الذات من خلال تصحيح المفاهيم .

وتبقي هنا الفرضية الرئيسية : هل بحث السارد عن ذاته داخل تأمله وسرده لحواره مع الأستاذ تلك الحالة الإنسانية الدرامية والقائمة على التناقض والشغف؟

النمط الإنساني للبطل

مابين حال الشغف والانبهار بالأستاذ لدي ماجد النهري وكذلك ادراكه لمدى هزيمة ذلك النموذج أمام تقلبات الحياة من خلال تعدد مصادر الرصد الخاصة من العام إلى الخاص من خلال رصد نماذج القتل المعنوي للواقع من خلال جسامة التزوير لإرادة الناس خلال الانتخابات ،وهنا طرح جديد لصورة من صور الصراع .

توزيع درجات السرد كي يتم الإجابة على الغامض في ذلك الفصل الافتتاحي الذي بلور فيه ملامح عامة لذلك الفصل الافتتاحي ،علاوة على بعض المستويات السردية التقريرية والتي تعكس رؤية السارد واقعه وكذلك كونها مؤشر لتفسير المترادف من النماذج المسرودة مثل : صفحة ٢٣ : أمن بالحق وأحب العلم واتبع الفطرة ولا تقم في مملكة سادتها الفوضي .

هنا التألف مابين دلالة التناص كمدخل اقناعي لقراءة التفاصيل وهذا يؤكد على مهارة سبك مفردات البناء القصصي عند مجدي جعفر وهو ما يفسر تواتر كيف سقط الدفراوي وأحمد جمال في انتخابات الدولة .

فكرة المثقف العدمي الذي فقد قدرته على الفعل من خلال كونه في المرحلة البينية مابين النقاء الكونفشيوسي والبراجماتية التي صاحبت رغبة شوقي السعيد في ادراجه ضمن الحياة السياسية بملامحها الغير متوافقة مع مبادئه المسامحة وهنا دلالة تضمين نص كونفشيوس هنا كأطار مرجعي .

ذلك التناقض أدى إلى مفهوم الاحساس بالخطيئة واردي بالبطل إلى هوة الازدواج ، فقد سجن نفسه في بيته من خلال تلك المقاطع التي اوردها وهي حالة من فلسفة العجز وعدم القدرة على تجاوز الواقع وذلك لأن المثقف القابع بداخله قد تدنس ، وقد انعكس ذلك التناقض في احساسه الجسدي بفكرة ( الهرش ) وهو نوع من الحساسية التي توجب إيلام الجسد حتي الإدماء، هنا يصبح ذلك المرض مثار : صفحة ٣٤ : كان الهرش يبدأ ببطء ، ثم يزداد شيئا فشيئا ،ويبلغ الهرش ذروته، تتحول يدي البيضاء إلى قطع من يد حمراء ،وجلبابي جلباب جزار التقطيع ، ووجهي وجه شيعي في أسابيع الندم والتباكي، وأصل في جسمي إلى حالة شبق ، تصل لحد الانتعاظ دون القذف .

النمط الإنساني المراد تقديمه من قبل السارد هو نمط المثقف المهزوم المنسحب من الحياة فكانت مفردات القهر متعايشة مع واقعه اليومي من خلال اختلاط مشاهد سجن طره مع سجن الوحدة حيث توزع الآخرون في حياته بذكريات متناثرة فخليل من الاولى والبر والرعاية من قريبته الثانية ووجد الراحة عند ابن اخته في عزبته، فلا هو كمثقف تمرد علي طبقته وخلق له مرجعية مستقلة وهو نوع من الهزيمة ،ولا هو قادر على ممارسته لطقوس طبقته وتراثه العائلي العريق ، اذن هو سجين حلمه وأسير القهر فقرر ممارسة الازدواجية صفحة ٣٢ :

وأن كنت غائبا عمن حولي ، دخلت داخلي تماما ، انا أحول صالة منزلي إلى ديكور محبسي.

المكان : السجن . الديكور صالة منزلي .

وحيدا مع سبعين عاما ، ( شاخخ علي نفسي ) .

التبويب الخاص بالرواية

جاء التبويب على غير شكل ثابت وهنا قيمة التجريب الذي يقدمه الكاتب حيث يمزج مابين ثلاثة أشكال من الإبداع الأدبي من خلال تقنية السيرة الذاتية المقدمة في صورة ترجمة للواقع الذي عاشه بطل الرواية علاوة على الرواية كفن قصصي له قواعده المميزة ،هنا نطرح السؤال حول الواقع والفن حيث أن الفن هو رؤية فردية لمشهد جماعي حيث يتم تصحيح الواقع من خلال قدرة الإبداع الأدبي على تجسيد رؤية للواقع ، حيث يعكس الأمر تحديد الهوية وهو نوع من الإسقاط على أزمة الهوية الاجتماعية للمثقف المصري بحكم الاستقطاب الفكري في ظل الأصولية المفرطة المسيطرة على العالم .

السؤال هنا حول واقعية الأحداث، نعم ستجد ذلك البطل سائرا بجوارك في الشارع ،هنا قدرة الكاتب على قراءة الواقع واستبطان ما وراء الكلمات العابرة ،وهنا رصيد المثقف المصري الحقيقي ، الذكاء هنا في اختيار شخصية البطل وبعده المثقف ،هنا طبيعة المبرر الفني لاختيار ذلك البعد الإنساني في شخصية البطل كي يعبر الكاتب من خلال سردياته ،حيث يناقش من صفحة ٨٣ حتي صفحة ٩٢ في حوار مع الذات، هنا توازي الأبنية الحوارية مع الذات لأننا في ظل أزمة الذات نفتقد لمن يمتلك شفرة أرواحنا .

ماذا اضافت تلك الرواية؟

يقدم لنا نمط من أنماط الرواية الحديثة وهي رواية الشخصية حيث كانت الرواية على طولها عبارة عن رحلة في وعي مثقف مصري فقد دوره على ارض الواقع ناتج اصطداماته الطويلة وقدرة الرأي العام الموجه على تشويه وجهه النضالي الحقيقي .

هنا تصبح الوحدة الموضوعية للرواية حول قدرة الواقع بتناقضاته على خلق ردود أفعال تعكس أزمة الواقع ذاته لتكون الرواية في نهاية الأمر نوع من التوثيق الفكري للواقع حيث أن الفن ليس سلعة بقدر ما أنه موقف من العالم وهنا دور المبدع كمثقف عضوي، وهو أمر يشهد به لصالح مجدي جعفر ، ولعل كثافة الآراء والطروحات الفكرية عبر الرواية وعلى الراغب في ذلك متابعة الثلاثية واستقصاء كم الصفحات الحوارية مابين أحفاد السيد أحمد عبدالجواد .

القيمة الفعلية لروايات الشخصية أنها قادرة على استبطان الذات الملهمة وتحويلها إلى نماذج مجردة، هنا لابد من امتلاك الوسيط اللغوي وكذلك تغذية النمط الدرامي برؤية مغايرة لأن ذات المبدع ليست وسيطا محايدا والا كان الأدب تقريرا صحفيا



بهاء الصالحي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى