كانتِ الأديبة المغربية خناثة بنونة أول كاتبة مغربية تكتب في القصة القصيرة بمجموعتها " ليسقط الصمت " ، وذلك في أواسط الستينيات ، حيث كان طبع كتاب معجزة من المعجزات ، خاصة من لدن امرأة. إن خناثة بنونة وغيرها ، وقد كن قليلات آنذاك ، فاطمة الراوي صاحبةُ أول رواية تنحاز إلى المهمَّشين " غدا تتبدل الأرض " ورفيقة الطبيعة ( زينب فهمي ) التي كانت تكتب كلَّ أسبوع تقريبا قصصَها الاجتماعية بجريدة "العلم " ، وكانت تُخفي نفسَها تحت اسم مستعار لأن المجتمع كان ما يزال له موقف سلبي إزاءَ كتابةِ المرأة والتعبير عن همومِها وعواطِفها وهواجِسها. لزينب فهمي مجموعات قصصية مطبوعة: " رجل وامرأة " (1969 ) و" تحت القنطرة ( 1976) و" ريح السموم " (1979 ) . من عاد يتذكرها اليوم ؟ . من التفت إلى أعمالها وتصدَّى لها بالدراسة والتحليل إلا إذا استثنينا قلة قليلة من النقاد والدارسين للقصة القصيرة في المغرب، أذكر منهم هنا الناقد المغربي نجيب العوفي الذي عُنِي بدراسة بعض أعمال الكاتبتين في كتابيه "درجة الوعي في الكتابة؛ " الأولى : دراسته الموسومة بــ" الوعي الثابت والوعي المتحول في مجموعة ( الصورة والصوت ) لخناثة بنونة ( ) ، والثانية وسمها الناقد بعنوان " البعد الاجتماعي في ( رجل وامرأة ) لرفيقة الطبيعة ( زينب فهمي ) ( ) .وفي عمله الأكاديمي حول القصة القصيرة المغربية " الموسوم بـ " مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية من التأسيس إلى التجنيس " ( ) ، حيث خص مجموعة " ليسقط الصمت " بدراسة تحليلية ركز فيها على دراسة الشخصية القصصية ، ( ص : 253 وما بعدها )، كما رصد في مجموعة " رجل وامرأة " إشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة ، مقارناً بين رؤيتي الكاتبتين إلى هذه العلاقة في المجتمع المغربي في سنوات الستين من القرن الماضي. كما أذكر أحد رواد النقد القصصي والروائي الأستاذ أحمد اليبوري في دراسته القائمة على الإيجاز المعجز كعادته في كتابة دراساته وأبحاثه، وهي : " الذاتي والقومي في إنتاج خناتة بنونة " ( ) . لقد كان الكبار يقدرون أعمال الناسَ حق قدرها، فقد قدم الأستاذ علال الفاسي صاحبة " ليسقط الصمت " للجمهور بقوله: " إنها ابنتي وابنة المغرب "، وكتبَ مقدمةً لروايتها "النار والاختيار "، كما دبَّج الأستاذُ عبدالله إبراهيم مقدمةً لرواية " غداً تتبدلُ الأرض " لفاطمة الراوي ، ولا ننسى أن نضيف إلى هؤلاء المبدعات الأديبة الروائية آمنة اللوه (1926 - 2015) صاحبة رواية "الملكة خناثة قرينة المولى إسماعيل". وفي الحقيقة، يُمكن أن نؤرخ للكتابة الإبداعية التي كتبتها المرأةُ المغربيةُ في القصة القصيرة والرواية بهذه الأعمال . يقول الأستاذ أحمد اليبوري : " لا يسعُ المتتبعُ للكتابةِ الأدبيةِ في المغرب إلا أن يعترفَ بالمكانةِ المتميزة التي تحتلُّها خناثة بنونة في مجالي القصة والرواية على السواء. ويرى أن " أولَ شيء يثير الاهتمام في أعمالها : " ليسقط الصمت" و" الصورة والصوت" ، و" العاصفة " و"الغد والغضب " ، و "النار والاختيار" و" الصمت الناطق " ، هو اللُّغة التي كُتِبتْ بها هذه الأعمال ، في تميزها بخصائص متفردة على مستوى المعجم والتركيب ، فقد تم انتقاء الكلمات بعناية كبيرة جعلتها بعيدة عن المتداول ، بل حتى عن اللغة الوسطى ، خاصة في كتاباتها الأولى التي جنحت إلى التعبير الاستعاري ، مما يدعو إلى التساؤل بصدد بعض الفقرات من مجموعة " ليسقط الصمت " و " والنار والاختيار " أين ينتهي الحَكي وأين تبدأ قصيدة النثر ؟ " ( ) . وقد حلل الأستاذ أحمد اليبوري من خلال هذه الفقرة تحليلاً دقيقا أسلوب خناثة بنونة في كتاباتها لاسيما في الكتابين اللذين تمت الإشارة إليهما أعلاه. وثمة نصوص متعددة في المتنين المذكورين، تؤكد ما ذهب إليه الناقد، نكتفي هنا بالتمثيل بأحدها من قصة بعنوان "عاصفة من عبير " وهو التالي : " أنتِ يا مِبْخَرةَ ندٍّ تُنْعِشُ تراكمَ السنين في عُروقي .. تذيبها .. تُحيلها إلى هُنَيهةٍ ضَائِعةٍ في خِضَّمِّ نَشْوة.. لماذا؟ .. لماذا تُسْبِلينَ عَليكِ أرديةَ مَلَلٍ وتَمْضِين.. يسْحَبُكِ منْ عالَمِي المُعَرْبِدِ نداءٌ يُجَلِّلُ في نَظْرَتِكَ عَالَمَكَ بِالضِّياء، فَتُخَلِّفينَ لي وَرَاءَ قضبانِ صَمْتِي ، فَجِيعَةَ إِنْسَانٍ يُحْتَضَر . " وإذا كانت بلاغة الحكي تم تهميشها، فإن بلاغة الشِّعر هيمنتْ على نصوص المتنين. وهنا يصدق ما قاله ذات مرة الشاعر المغربي أحمد المجاطي بأنه يجد الشعر في الرواية (السرد)، ولا يجده في الشعر . أليس ما قرأنا هو فعلاً (عاصفة من عبير الشِّعْر وعَبَقه؟)
لقد وظفت خناثة بنونة هذه اللغة الشِّعرية المؤثرة للتعبير عن قضايا ذاتية وموضوعية هي كالتالي :
1 ـ قضية المرأة المثقفة , يقول الناقد نجيب العوفي " إن الموضوعة المحورية في مجموعة " ليسقط الصمت " لخناثة بنونة هي إشكالية المرأة , والمرأة المثقفة حصراً وتحديداً " ( ) ، ويرى العوفي أن هذه التيمة تبدو طبيعية ومبررة بالنسبة للقاصة وللواقع الاجتماعي والنفسي الذي تعيشه المرأة بصفة عامة والمرأة المثقفة على وجه الخصوص. ( انظر ص: 253 )
2 ـ رصد الحياة الاجتماعية والتركيز على هموم الكادحين والمهمشين والمعذبين في الأرض ، وعلى غياب القيم الإنسانية النبيلة في المجتمع الإنساني . تبدأ أول قصة في المجموعة بعنوان " الصمت الممزق .."بالعبارات الدالة التالية : المناديل والأسلاك والممر الغائر والأخاديد ، وجراحاتك .. كل ذلك يهدم تراث الإنسانية من القيم : لا عدل .. لا حق .. لا همم ، لا شرف على الأرض .. ونسير .. مقيدين بصمت تفرضه المنطقة .." ( )
3 ـ القضية الوطنية : لا تخلو مجموعة " ليسقط الصمت " من التعبير عن الهم الوطني المحلي ، ومن أبرز القصص التي تناولت هذه القضية " فداك يا وطني " ( ص : 86 )
4 ـ القضية الفلسطينية التي لم تكتفِ خناثة بنونة بالكتابة عنها في كتابها " النار والاختيار " على سبيل المثال ، فقد رأت أن الكتابة ليست ذات جدوى وحدها للنضال من أجل فلسطين المغتصبة والقدس المحتلة وغزة الشهيدة التي يحتاج أهلها إلى المأوى والمأكل والماء، والمساعدات المالية والتضحية بما يملكُ المَرءُ من غال ونفيس من أجل تخفيف المعاناة عن أهلها أطفالاً ونساءً وكل المستضعفين الأبرياء. لذلك كانت هي المُبادِرة إلى الكثير من الأعمال الخيرية في قطاع غزة : إعادة إعمار بعض دورها المدمرة وتسليمها لأصحابها، وبناء المدارس وغيرها من المرافق الضرورية، وذلك ببذل كل مالها والسهر بنفسها على تتبع هذه المنجزات . أليست حفيدة َ "فاطمة الفهرية" التي وهبت كل أموالها التي ورثتها عن والدها وزوجها في أكبر إنجاز عمراني وعِلمي هو جامع القرويين، التي صارت أولَ جامعة في العالم، سعياً لنيل رضا الله ورغبةً في أن يحتَسب لها صدقةً جارية. في أحيان كثيرة ينتاب المرء اليأس والإحساس بالعبث واللاَّجدوى في عالم يقوم على قانون الغاب، يفتقر إلى القيم الإنسانية النبيلة ، لكن يأتي من يعيد إليك الإيمان باستمرار وجودها في الحياة رغم كل دواعي الإحباط. ومن شاهد مؤخراً برنامج " قهيوة ، ولا، أتاي" الذي يعده الإذاعي المعروف " عتيق بنشكَير "، مع خناثة بنونة، سيدرك ذلك بالملموس من خلال حماس تلك السيدة الفاضلة ذات المحتد الكريم ، ومن خلال نضالها العملي ، وبذلها الغالي والنفيس من أجل تحقيق غاياتها الإنسانية النبيلة.
يبقى أن نقول في الأخير ، إن على الجيل الجديد أن يتعرف على إبداعات الأجيال السابقة من الأديبات والأدباء (نساء ورجالا) ، وأنَّ على الأساتذة في الجامعات المغربية في وحدات اللغة العربية وآدابها، أن يوجهوا اهتمام الطلبة إلى دراسة هذه الأعمال الأدبية في مختلف الأجناس، سواء على مستوى الإجازة أو غيرها : ما ستر – دكتوراه ، فهي أعمال جديرة بالاهتمام والدراسة والتحليل .
الهوامش :
1 ـ درجة الوعي في الكتابة / دراسات نقدية ، طبع ونشر دار النشر المغربية ، الدار البيضاء ، 1980 ، ص : 225
وما بعدها .
2 ـ نفسه ، ص : 281 .
3 ـ مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية / من التأسيس إلى التجنيس ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ـ الدارالبيضاء ، 1987 .
4 ـ الكتابة الروائية في المغرب / البنية والدلالة ، شركة النشر والتوزيع ـ المدارس ، الدار البيضاء ، 2006 ، ص: 123 وما بعدها.
5 ـ الكتابة الروائية في المغرب / البنية والدلالة ، شركة النشر والتوزيع ـ المدارس ، الدار البيضاء ، 2006 ، ص: 123 .
6 ـ مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية ، مرجع سابق الذكر، ص: 253.
7 ـ ليسقط الصمت، ط 1، دار الكتب، الدار البيضاء، 1967.
لقد وظفت خناثة بنونة هذه اللغة الشِّعرية المؤثرة للتعبير عن قضايا ذاتية وموضوعية هي كالتالي :
1 ـ قضية المرأة المثقفة , يقول الناقد نجيب العوفي " إن الموضوعة المحورية في مجموعة " ليسقط الصمت " لخناثة بنونة هي إشكالية المرأة , والمرأة المثقفة حصراً وتحديداً " ( ) ، ويرى العوفي أن هذه التيمة تبدو طبيعية ومبررة بالنسبة للقاصة وللواقع الاجتماعي والنفسي الذي تعيشه المرأة بصفة عامة والمرأة المثقفة على وجه الخصوص. ( انظر ص: 253 )
2 ـ رصد الحياة الاجتماعية والتركيز على هموم الكادحين والمهمشين والمعذبين في الأرض ، وعلى غياب القيم الإنسانية النبيلة في المجتمع الإنساني . تبدأ أول قصة في المجموعة بعنوان " الصمت الممزق .."بالعبارات الدالة التالية : المناديل والأسلاك والممر الغائر والأخاديد ، وجراحاتك .. كل ذلك يهدم تراث الإنسانية من القيم : لا عدل .. لا حق .. لا همم ، لا شرف على الأرض .. ونسير .. مقيدين بصمت تفرضه المنطقة .." ( )
3 ـ القضية الوطنية : لا تخلو مجموعة " ليسقط الصمت " من التعبير عن الهم الوطني المحلي ، ومن أبرز القصص التي تناولت هذه القضية " فداك يا وطني " ( ص : 86 )
4 ـ القضية الفلسطينية التي لم تكتفِ خناثة بنونة بالكتابة عنها في كتابها " النار والاختيار " على سبيل المثال ، فقد رأت أن الكتابة ليست ذات جدوى وحدها للنضال من أجل فلسطين المغتصبة والقدس المحتلة وغزة الشهيدة التي يحتاج أهلها إلى المأوى والمأكل والماء، والمساعدات المالية والتضحية بما يملكُ المَرءُ من غال ونفيس من أجل تخفيف المعاناة عن أهلها أطفالاً ونساءً وكل المستضعفين الأبرياء. لذلك كانت هي المُبادِرة إلى الكثير من الأعمال الخيرية في قطاع غزة : إعادة إعمار بعض دورها المدمرة وتسليمها لأصحابها، وبناء المدارس وغيرها من المرافق الضرورية، وذلك ببذل كل مالها والسهر بنفسها على تتبع هذه المنجزات . أليست حفيدة َ "فاطمة الفهرية" التي وهبت كل أموالها التي ورثتها عن والدها وزوجها في أكبر إنجاز عمراني وعِلمي هو جامع القرويين، التي صارت أولَ جامعة في العالم، سعياً لنيل رضا الله ورغبةً في أن يحتَسب لها صدقةً جارية. في أحيان كثيرة ينتاب المرء اليأس والإحساس بالعبث واللاَّجدوى في عالم يقوم على قانون الغاب، يفتقر إلى القيم الإنسانية النبيلة ، لكن يأتي من يعيد إليك الإيمان باستمرار وجودها في الحياة رغم كل دواعي الإحباط. ومن شاهد مؤخراً برنامج " قهيوة ، ولا، أتاي" الذي يعده الإذاعي المعروف " عتيق بنشكَير "، مع خناثة بنونة، سيدرك ذلك بالملموس من خلال حماس تلك السيدة الفاضلة ذات المحتد الكريم ، ومن خلال نضالها العملي ، وبذلها الغالي والنفيس من أجل تحقيق غاياتها الإنسانية النبيلة.
يبقى أن نقول في الأخير ، إن على الجيل الجديد أن يتعرف على إبداعات الأجيال السابقة من الأديبات والأدباء (نساء ورجالا) ، وأنَّ على الأساتذة في الجامعات المغربية في وحدات اللغة العربية وآدابها، أن يوجهوا اهتمام الطلبة إلى دراسة هذه الأعمال الأدبية في مختلف الأجناس، سواء على مستوى الإجازة أو غيرها : ما ستر – دكتوراه ، فهي أعمال جديرة بالاهتمام والدراسة والتحليل .
الهوامش :
1 ـ درجة الوعي في الكتابة / دراسات نقدية ، طبع ونشر دار النشر المغربية ، الدار البيضاء ، 1980 ، ص : 225
وما بعدها .
2 ـ نفسه ، ص : 281 .
3 ـ مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية / من التأسيس إلى التجنيس ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ـ الدارالبيضاء ، 1987 .
4 ـ الكتابة الروائية في المغرب / البنية والدلالة ، شركة النشر والتوزيع ـ المدارس ، الدار البيضاء ، 2006 ، ص: 123 وما بعدها.
5 ـ الكتابة الروائية في المغرب / البنية والدلالة ، شركة النشر والتوزيع ـ المدارس ، الدار البيضاء ، 2006 ، ص: 123 .
6 ـ مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية ، مرجع سابق الذكر، ص: 253.
7 ـ ليسقط الصمت، ط 1، دار الكتب، الدار البيضاء، 1967.