عبدالرحيم التدلاوي - قراءة في مجموعة: (أتراك تشرقين غدا..؟) لفاطمة الزهراء المرابط.

"أتراك تشرقين غدا…؟" مجموعة قصصية صادرة عن الراصد الوطني للنشر والقراء سنة 2019 للكاتبة والقاصة والصحفية والفاعلة الجمعوية فاطمة الزهراء المرابط. تقع المجموعة في 115 صفحة من القطع المتوسطمشتملة على 15 قصة هي: المعطف الأسود، كأس واحدة، الرقصة الأخيرة، هلوسات منتصف النهار، لوحة المفاتيح، معايدة، ماسح الأحذية، شجرة العرعار، تماثيل، اغتراب، مخاض، الطاولة الأخرى، أصوات، موناليزا، من نافدة القطار.
وأنت تقرأ هذه المجموعة سيلفت انتباهك أمران، يتعلق الأول بعتبة العنوان، ذلك أن فاطمة تختار عناوينها معتمدة على الترقيم، إذ تشغل الاستفهام كما التعجب في أعمالها، فضلا عن نقط الحذف، ففي عمليها الأولين حضر الاستفهام، فيما حضر التعجب بشكل مضمر في العمل الثالث، والاستفهام هو سؤال يستوجب جوابا جديدا، هو فعل إنساني يعبر عن الرغبة في الفهم دون الارتكاز على الأجوبة المعلبة؛ إنه فعل ينتقد الماضي والحاضر ويتشوف لمستقبل أفضل تؤكد كلمة الغد، من جهة، وجملة : لن أكون إلا أنا من جهة ثانية. فيما التعجب يستقي قوماته الدلالية من الاستغراب الناجم عن فعل مثير يستوجب رد فعل مثير أو استجابة فورية تحمل من الاستهجان ما تحمل. الأمر الثاني، يرتبط بالعناوين الداخلية للمجموعة، فجميعها ترتبط بالإنسان، وتشير إلى فاعليته وما يقوم به، فلا يوجد عنوان يخرج من دائرة الفاعل الأساس. فالمعطف رداؤه والكاس شرابه. والطاولة مساعده والرقص منه والهلوسات صادرة عنه ولوحة المفاتيح عنصر يساعده في الكتابة. وقس على ذلك بقية العناوين. فالإنسان محورها، وهي حوله تدور.
وإذا كانت العتبة سؤال علي اعتباره فعلا يرج السائد ولا يركن للجاهز ويسعى إلى خلخلة المتعارف عليه وما استقر في الأذهان وساد في المجتمع فإننا نراه حاضرا في كل النصوص يعبرها كأنه خاصيتها؛ ثم إنه في القصة التي تحمل العنوان ذاته يتجلى السؤال فاعلا مناهضا لما استقر بين الناس في علاقتهم بالمرأة؛ فهم يريدونها خاضعة في ما هي تسعي لبناء مجتمع مختلف يؤمن بقدراتها ويعمل على احترامها.
لوحة الغلاف:
تصور لنا أنثى بجناحين تلبس الأحمر وهي تطير في السماء مما يوحي بتحررها من القيود التي تكبلها وتجعلها سجينة أفكار تقيد من حريتها وانطلاقها، كما تصور أخرى تسعى هي الأخرى إلى أن تطير.. إنها على أهبة القيام بذلك سعيا منها إلى مغادرة أرضية يهيمن عليها السواد والظلام بمعنييه المادي والمعنوي
ولعل اللون الأحمر يشي بكمية التضحيات التي ستبذلها من أجل تحقيق غاياتها، والدم الذي سيسل لنجاح هذه المهمة غير السهلة.
يتطرق العمل للعديد من القضايا الاجتناعية والفكرية والسياسية ويرسم معالم التشظي عبر تشظية الحكاية من خلال الترقيم. ثم إن أكثرية النصوص تسرد بضمير المتكلم المفرد او ضمير المخاطب؛ وكانه سرد ذاتي يقوم على الصدق في حين ان التقنيات المعتمدة تشير إلى أنه تخييلي وبالتالي يكسر الإيهام بالواقع.
عن بعض النصوص:
وليس غريبا ان يتطرق نص" المعطف الاسود" لعلاقة الذات بالحرف والواقع وللتفاعل الخلاق بينهما؛ مشيرا في الآن ذاته أن الحرف فعل سام يرتفع عن الواقع فيما هو يستمد قوته منه؛ يقرأه ليخلق منه نصا يحاور نفسه. ثم إن فعل الكتابة نفسه هو من وسائل تحرر المرأة بخاصة والرجل بعامة. على اعتبار أن الكتابة، كما قال المبدع أنيس الرافعي، اختيار نابع من قناعات وجودية وفلسفية وجمالية معينة، ذات ارتباط وطيد برؤية المبدع إلى العالم، وموقفه من المؤسسة، وتصوره للتاريخ، ورغبته في التعبير عن الجماعة البشرية التي ينتمي إليها.
ويسير نص"كأس واحدة في الطريق نفسه مع في اختلاف الأحداث وزاوية النظر حيث يأخذنا في جولة تجمع الواقعي بالخيالي؛ او الواقع المادي بواقع الكتابة في تجلياتها المختلفة.
أما الرقصة الأخيرة فتقرأ وضع المرأة ومسألة الطلاق والشعوذة باعتماده مشاهد مرقمة تعمل علي قراءة نفسية المرأة في رحلتها الشاقة هي المتعلمة لتجد نفسها بين يدي مشعوذ يشعرها بالغثيان لائمة نفسها على انحطاطها لكونها اختارت سبيلا لا عقلانيا.
أما في هلوسات منتصف النهار؛ فيتعملق السؤال بحثا عن أجوبة مقنعة غير الجاهزة في جو مفعم بالفساد وتستبد به الخيانة. ويكون الواقع الراكد عصا تجهز عليه.
اعتمدت القاصة على تشظية الحكاية، بجعلها لوحات مشهدية تقرأ من خلالها واقع المرأة بوجه خاص، واعتمدت الاسترجاع عبر التذكر لإظهار قبح الماضي وسعي الشخصيات إلى التحرر منه عبر كسر قيوده، مستشرفة مستقبلا يعبر عنها لا عن غيرها، يؤكد حضورها لا غيابها، وهذا الأمل في الغد يحمله العنوان كما يحمله المقتطف المثبت على الغلاف الخلفي. إنه، بهذا الشكل، يحيط بتعاسة الماضي والحاضر، يحاصرهما حتى لا يتسربا إلى المستقبل فيفسدان تطلعات الشخصيات الأنثوية إلى التحرر واكتساب شخصيتهن المستقلة. فالتذكر هو استرجاع لمحطات وأحداث ومواقف فرضت على السرد العودة إلى الماضي باسترجاع أحداثه، مع تشوف للمستقبل بنظرة أمل.
ومن بين التقنيات المعتمدة في المجموعة نجد تقنية المقارنة المعبرة عن وضع المرأة في المجتمع، تقوم بتصويرها عبر صورتين؛ المنقبة وصاحبة الميني جوب واللباس الضيق المبرز لتضاريس جسدها فتغري الرجال بأنوثتها الطافحة. وعبر لوحتين؛ لوحة الزوجة المهتمة بمظهرها ولوحة الزوجة التقليدية التي تهمله. ومن خلال هذه المقارنة نجد الساردة/القاصة تميل إلى نمط المرأة المتحررة، وتذم المرأة التقليدية التي تعيش في جلباب الرجل الشرقي المنغلق.
ترسم مجموعة "أتراك تشرقين غدا..؟ ما يعج بها المجتمع المغربي من مفارقات وتناقضات، محملة شخصياتها مسؤولية التعبير عما تعانيه وما تطمح إليه بلغة سردية بسيطة وذات عمق، تنفذ إلى أعماق المجتمع والشخصيات لرسم أدق تفاصيلهما، معتمدة تقنيات متعدد كالاسترجاع والاستباق، فضلا عن تشظية الحكاية، وتوظيف أسلوب المقارنة لتجلية تناقضات شخصيات المجتمع.



1.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى