ليس من النادر أن نسمع في الوسط المدرسي، أثناء المحادثات المألوفة أو في الممارسة التعليمية عبارة expression "غَرَزَ المعرفة في ذهنٍ ما" inculquer le savoir dans la tête de quelqu'un أو "غرس" أو "جذَّرَ" المعرفةَ في فكرٍ ما. حسب المعاجم المعروفة، "غرزَ في الذهن" تعني أدخل، طَبَعَ في الذهن، نقش، أقحم في ذهن المتعلم (تلميذ). وهذا يفترِض أن الذي يريد أن يغرِزَ في الذهن، أي المدرس، له القدرة، بطريقة أو أخرى، على الولوج إلى دماغ المتعلِّم ليغرز فيه المعرفة.
تفترض عمليةُ "غَرَزَ في الذهن" أنه من الممكن أن نُجْبِرَ contraindre/forcer دماغَ المتعلِّم ليتشرَّب absorber بالمعارف. هذا، بالطبع، شيءٌ غير ممكن ومضادٌّ ل"رغبة التَّعلُّم" le plaisir d'apprendre، التي، بدونها، لا شيءَ ينفذ إلى دماغ المتعلِّم. وبالتالي، فإن إرغامَ ذهن المتعلِّم على التَّشرُّب بالمعارف، خارجَ رغبتِه في التَّعلُّم، هو، في الحقيقة، بمثابة إدخال المتعلِّم في وضع مُهِينٍ offensant، مُحْبطٍ décevant ومُنَفِّرٍ repoussant، بمعنى أن هذا المتعلم يُعْتَبر، من جهة، كمكان يمكن أن تُجَذَّرَ enraciner به المعرفة، ومن جهة أخرى، كآلة قادرة، بقدرة قادر، أن تقبضَ capturer، تنزعَ arracher أو تجدَ trouver المعرفة بدون أدنى استعمال للقدرات الفكرية. وهذا يعني أن المتعلِّمَ يتعلَّم تحت الضغط pression والإكراه contrainte، الشيءُ الذي يتنافى كليا وجوهريا مع ما تفرضه البيداغوجيا وعلم النفس التَّربوي psychopédagogie.
بالفعل واستنادا للمعطيات البيداغوجية والنفسية-البيداغوجية والإبيستيمولوجية، لا يمكن، على الإطلاق، أن نغرزَ أي شيء في ذهن أي كان. كل ما يمكن فعلُه هو مساعدة وتحضير شخص ما ليُكوِّن فكرة ما عن الشيء الذي يرغب في معرفته. وهنا، يكمن دورُ المدرس في مساعدة المتعلِّم على بناء المعرفة أو إعادة بنائها.
وعلى سبيل المثال، إن مفهوم البيئة مثلاً يبقى شيئا مُبهما بالنسبة للعديد من المتعلِّمين. وإذا تمكَّن متعلمون من إعطاء معنى لهذا المفهوم، فذلك يكون دائما انطلاقا من خلفية فكرية وثقافية أو من إطار مرجعي (الواقع المعاش) cadre de référence. والحال هذه أن هذا المرجع لا يكون متشابها بالنسبة لجميع المتعلمين. كل متعلِّم له فكرة عن مفهوم البيئة استنادا إلى إطار مرجعي يخصه. بالنسبة لمتعلِّمين ما، البيئة هي كل ما يحيط بهم. وبالنسبة لآخرين، هي التلوث وبالنسبة لآخرين، ليس هناك فرق بين البيئة وعلم البيئة، الخ.
إنها كلها تصورات تلقائية (تمثُّلات) représentations spontanées لمفهوم البيئة، مستمَدَّة من الواقع المعاش، لكنها تشكِّل، في نفس الوقت، عقباتٍ أو عراقيلَ تحُول دون امتلاك المعارف المدرسية المنظَّمة. ومن هذا المنطلق، دورُ المدرس هو إزالة هذه التمثُّلات التلقائية وتعويضها بتعريف للبيئة متعارفٌ علية، أي، بصفة عامة، تعويض المعارف التِّلقائية بمعارف منظَّمة (مدرسية). وهنا، تكمن براعةُ المدرس في المزج بين التَّعليم والتَّربية والتَّعلُّم.
وبعبارة أخرى، إن المتعلِّمين، بحكم تفاعلٍ اجتماعي-لغوي، لهم تصوراتُهم الخاصة لمفهوم البيئة أو لأي مفهوم آخر، وذلك قبل أن تطأ أقدامُهم عتبةَ المدرسة. فدور هذه الأخيرة ليس هو وضع معرفتها ورَكْمُها فوق suprposer تلك التي يمتلكونها مسبقا. بل بالعكس، عليها أن تُوجِدَ الظروفَ الملائمةَ التي تمكِّن المتعلمين من إيجاد حل للصراع conflit القائم بين هذين النوعين من المعارف، وبالتالي، استبدال تصوراتهم العفوية بالمعارف التي تُدَاوِلُها المدرسة، أي المعارف المنظَّمة.
من هذا المنطلق، لا يمكن غرزُ المعرفة في ذهن المتعلِّمين. بل بالعكس، إنهم يبنونها قطعة قطعة مستعملين قدراتهم الفكرية أو، بمنظور آخر، إنهم يستبطِنون المعارفَ باستعمالهم سياقات بناء المعرفة (Processus cognitifs). المتعلِّمون عبارة عن كائنات تفكِّر، تَسْتَدِلُّ، تحلِّلُ، تحكم، تتخيل، الخ. فعلى الممارسة التعليمية أن تتجند لتسهيل تحرُّرهم الفكري.
فالحديث عن "غرز في الذهن" هو بمثابة فرض معارف على المتعلمين من خلال تعليم قهري coercitif مرادف للتلقين المذهبي endoctrinement. في هذه الحالة، يُعْتَبَرُ المتعلِّم ليس ككائن يفكِّر ولكن كعجين تُنَمْذِجُهُ (تُشَكِّلُهُ) façonner الممارسة التربوية كما يحلو لها.
بكل أسف، إن هذه المقاربة البيداغوجية التي تتلخّص بكل بساطة في مجرد تبليغ جاف للمعرفة، لا تزال منتشرةً في مؤسساتنا التعليمية. فعوض أن تنشغلَ هذه الأخيرة بالارتقاء بنمو قدرة بناء المعرفة cognition عند المتعلمين، فإنها تولي أهمية مبالغا فيها إلى تراكم المعرفة عند هؤلاء المتعلمين (الرأس المملوءة عوض الرأس الجيدة التركيب tête bien pleine au lieu de tête bien faite).
إن منظورا للتعليم كهذا يندرج، من الناحية الديداكتيكية والبيداغوجية-النفسية، في التيار البيهافيوري courant behavioriste الذي يُغيِّبُ الملكات الفكرية للمتعلِّمَ ويعتبر دماغَه فارغا من أية معارف، أوبعبارة أخرى، يعتبر المتعلِّمَ صفحةً بيضاء يمكن شحنُها، بكل سهولة، بالمعارف المدرسية، في تجاهل تام لِما قد راكمه هذا المتعلِّمُ من معارف تلقائية بحكم تفاعلِه مع الوسط الطبيعي والبشري الذي ترعرع فيه، قبل التحاقه بالمدرسة.
فهذا النوع من التَّعليم الذي يدَّعي "غرزَ المعرفة في الذهن" يهمِّش المتعلِّمَ كإنسانٍ يفكِّر، يرغب في التَّعلُّم ويريد أن يفهمَ. كما يهمِّش قدرةَ المتعلِّم على الإبداع وأخذ المبادرة وعلى ممارسة الفكر النَّقدي. تعليمٌ يُنتِج فقط أشخاصا منمَّطين، إن لم نقل آلاتٍ لترديد psittacisme ما فُرِضَ عليهم من معارف!
تفترض عمليةُ "غَرَزَ في الذهن" أنه من الممكن أن نُجْبِرَ contraindre/forcer دماغَ المتعلِّم ليتشرَّب absorber بالمعارف. هذا، بالطبع، شيءٌ غير ممكن ومضادٌّ ل"رغبة التَّعلُّم" le plaisir d'apprendre، التي، بدونها، لا شيءَ ينفذ إلى دماغ المتعلِّم. وبالتالي، فإن إرغامَ ذهن المتعلِّم على التَّشرُّب بالمعارف، خارجَ رغبتِه في التَّعلُّم، هو، في الحقيقة، بمثابة إدخال المتعلِّم في وضع مُهِينٍ offensant، مُحْبطٍ décevant ومُنَفِّرٍ repoussant، بمعنى أن هذا المتعلم يُعْتَبر، من جهة، كمكان يمكن أن تُجَذَّرَ enraciner به المعرفة، ومن جهة أخرى، كآلة قادرة، بقدرة قادر، أن تقبضَ capturer، تنزعَ arracher أو تجدَ trouver المعرفة بدون أدنى استعمال للقدرات الفكرية. وهذا يعني أن المتعلِّمَ يتعلَّم تحت الضغط pression والإكراه contrainte، الشيءُ الذي يتنافى كليا وجوهريا مع ما تفرضه البيداغوجيا وعلم النفس التَّربوي psychopédagogie.
بالفعل واستنادا للمعطيات البيداغوجية والنفسية-البيداغوجية والإبيستيمولوجية، لا يمكن، على الإطلاق، أن نغرزَ أي شيء في ذهن أي كان. كل ما يمكن فعلُه هو مساعدة وتحضير شخص ما ليُكوِّن فكرة ما عن الشيء الذي يرغب في معرفته. وهنا، يكمن دورُ المدرس في مساعدة المتعلِّم على بناء المعرفة أو إعادة بنائها.
وعلى سبيل المثال، إن مفهوم البيئة مثلاً يبقى شيئا مُبهما بالنسبة للعديد من المتعلِّمين. وإذا تمكَّن متعلمون من إعطاء معنى لهذا المفهوم، فذلك يكون دائما انطلاقا من خلفية فكرية وثقافية أو من إطار مرجعي (الواقع المعاش) cadre de référence. والحال هذه أن هذا المرجع لا يكون متشابها بالنسبة لجميع المتعلمين. كل متعلِّم له فكرة عن مفهوم البيئة استنادا إلى إطار مرجعي يخصه. بالنسبة لمتعلِّمين ما، البيئة هي كل ما يحيط بهم. وبالنسبة لآخرين، هي التلوث وبالنسبة لآخرين، ليس هناك فرق بين البيئة وعلم البيئة، الخ.
إنها كلها تصورات تلقائية (تمثُّلات) représentations spontanées لمفهوم البيئة، مستمَدَّة من الواقع المعاش، لكنها تشكِّل، في نفس الوقت، عقباتٍ أو عراقيلَ تحُول دون امتلاك المعارف المدرسية المنظَّمة. ومن هذا المنطلق، دورُ المدرس هو إزالة هذه التمثُّلات التلقائية وتعويضها بتعريف للبيئة متعارفٌ علية، أي، بصفة عامة، تعويض المعارف التِّلقائية بمعارف منظَّمة (مدرسية). وهنا، تكمن براعةُ المدرس في المزج بين التَّعليم والتَّربية والتَّعلُّم.
وبعبارة أخرى، إن المتعلِّمين، بحكم تفاعلٍ اجتماعي-لغوي، لهم تصوراتُهم الخاصة لمفهوم البيئة أو لأي مفهوم آخر، وذلك قبل أن تطأ أقدامُهم عتبةَ المدرسة. فدور هذه الأخيرة ليس هو وضع معرفتها ورَكْمُها فوق suprposer تلك التي يمتلكونها مسبقا. بل بالعكس، عليها أن تُوجِدَ الظروفَ الملائمةَ التي تمكِّن المتعلمين من إيجاد حل للصراع conflit القائم بين هذين النوعين من المعارف، وبالتالي، استبدال تصوراتهم العفوية بالمعارف التي تُدَاوِلُها المدرسة، أي المعارف المنظَّمة.
من هذا المنطلق، لا يمكن غرزُ المعرفة في ذهن المتعلِّمين. بل بالعكس، إنهم يبنونها قطعة قطعة مستعملين قدراتهم الفكرية أو، بمنظور آخر، إنهم يستبطِنون المعارفَ باستعمالهم سياقات بناء المعرفة (Processus cognitifs). المتعلِّمون عبارة عن كائنات تفكِّر، تَسْتَدِلُّ، تحلِّلُ، تحكم، تتخيل، الخ. فعلى الممارسة التعليمية أن تتجند لتسهيل تحرُّرهم الفكري.
فالحديث عن "غرز في الذهن" هو بمثابة فرض معارف على المتعلمين من خلال تعليم قهري coercitif مرادف للتلقين المذهبي endoctrinement. في هذه الحالة، يُعْتَبَرُ المتعلِّم ليس ككائن يفكِّر ولكن كعجين تُنَمْذِجُهُ (تُشَكِّلُهُ) façonner الممارسة التربوية كما يحلو لها.
بكل أسف، إن هذه المقاربة البيداغوجية التي تتلخّص بكل بساطة في مجرد تبليغ جاف للمعرفة، لا تزال منتشرةً في مؤسساتنا التعليمية. فعوض أن تنشغلَ هذه الأخيرة بالارتقاء بنمو قدرة بناء المعرفة cognition عند المتعلمين، فإنها تولي أهمية مبالغا فيها إلى تراكم المعرفة عند هؤلاء المتعلمين (الرأس المملوءة عوض الرأس الجيدة التركيب tête bien pleine au lieu de tête bien faite).
إن منظورا للتعليم كهذا يندرج، من الناحية الديداكتيكية والبيداغوجية-النفسية، في التيار البيهافيوري courant behavioriste الذي يُغيِّبُ الملكات الفكرية للمتعلِّمَ ويعتبر دماغَه فارغا من أية معارف، أوبعبارة أخرى، يعتبر المتعلِّمَ صفحةً بيضاء يمكن شحنُها، بكل سهولة، بالمعارف المدرسية، في تجاهل تام لِما قد راكمه هذا المتعلِّمُ من معارف تلقائية بحكم تفاعلِه مع الوسط الطبيعي والبشري الذي ترعرع فيه، قبل التحاقه بالمدرسة.
فهذا النوع من التَّعليم الذي يدَّعي "غرزَ المعرفة في الذهن" يهمِّش المتعلِّمَ كإنسانٍ يفكِّر، يرغب في التَّعلُّم ويريد أن يفهمَ. كما يهمِّش قدرةَ المتعلِّم على الإبداع وأخذ المبادرة وعلى ممارسة الفكر النَّقدي. تعليمٌ يُنتِج فقط أشخاصا منمَّطين، إن لم نقل آلاتٍ لترديد psittacisme ما فُرِضَ عليهم من معارف!