د. أحمد الحطاب - الديداكتيك، تنظيم وتدريس مضامين تخصُّصية

الديداكتيك didactique فرع من فروع علوم التربية. وبمعنى آخر، يمكن أن نعرِّفَها كعلم تدريس التخصصات (المواد) science de l'enseignement des disciplines. لا يجب الخلط بينها وبين البيداغوجيا pédagogie وعلم النفس التربوي psychopédagogie.
الأولى، أي البيداغوجيا، عبارة عن مجموعة من الأدوات والمعينات والوسائل يعتمد عليها المدرس لضمان تبليغٍ وبناءٍ جيدين للمعارف. الثاني، أي علمُ النفس التَّربوي، هو نتيجة لتكاملٍ بين البيداغوجيا وعلم نفس الطفل والمراهق psychologie de l'enfant et de l'adolescent. يُعدُّ علمُ نفس الطفل والمراهق عنصرا حاسما يمكِّن من تكييف العملية البيداغوجية أو التعليمية-التعلمية مع المعطيات والمميزات النفسية للطفل والمراهق بصفتهما متعلمين.

ورغم أن البيداغوجيا وعلم النفس التربوي مكونات لا يمكن الاستغناء عنهما في مقاربات الديداكتيك، فإن هذه الأخيرة تهتم بالتعليم كمضمون له وظيفة اجتماعية، ثقافية وتربوية. هدفُها الرئيسي هو تعبئة المعارف والمفاهيم الضرورية لفهم هذه الوظيفة وإدراك نجاعتها.

يقوم المتخصِّصُ في الديداكتيك بتوغلات داخل المعرفة (مضامين التعليم) ليعرف وضعََها، ملاءمَتَها وأسسَها النظرية. إنه يهتم بطبيعة المعارف (المضمون الصالح للتعليم) حيث أن هذه الطبيعة لها تأثير واضح على العلاقة مدرس/متعلمون، أي على إعداد الطرائق البيداغوجية les méthodes pédagogiques.

وتبسيطا لما سبق، يمكن القول بأن البيداغوجيا هي الأداة التي يلجأ لها المدرس ليبلِّغَ المعارف ويُربي. وليعلِّمَ ويُربي بنجاعة وبشكل مُتمِر، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار النموَّ والتطورَ النفسيين (علم النفس التربوي) للمتعلم (طفل، مراهق). وبما أن التثقيف والتربية يتمان من خلال المعرفة المدرَّسَة، فعلى المدرس أن يتوفَّر كذلك على معطيات عن طبيعة هذه المعرفة.

وللإشارة، إن المعرفةَ التي لها ارتباطٌ بالزمان والمكان، أي تم توضيحُها اجتماعيا وتاريخيا وفلسفيا، تكون سهلة الإدراك compréhension والاستبطان appropriation، خلافا لمعرفةٍ مفصولةٍ عن واقعها ومثالية idéale. الديداكتيك هي التي تبين طبيعةَ المعرفة المدرَّسة وذلك بالاستعانة بمعطيات données الإبيمستولوجيا épistémologie، وفلسفة المعارف والتَّربية philosophie des connaissances et de l'éducation، وتاريخ المعرفة والعلوم histoire des connaissances et des sciences، بصفة عامة. كما تستعين كذلك بمعطيات علم اجتماع العلوم sociologie des sciences. وهذه الطبيعة تختلف من تخصص إلى آخر حيث أصبح لكل تخصص ديداكتيك خاص به، أي ديداكتيك تتلاءم والطبيعة السالفة الذكر. وهكذا، حينما نتحدث عن ديداكتيك العلوم، فالأمر يتعلق، مثلا، بديداكتيك الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات، أو العلوم الطبيعية أو علوم الحياة...

في نهاية المطاف، توضيح طبيعة المعرفة هو، في الحقيقة، توضيحٌ لعلاقة المدرس والمتعلمين بهذه المعرفة. بدون هذه العلاقة، تظل العملية التعليمية-التعلمية مجردَ عملية آلية acte mécanique، أي عملية محصورٌ هدفُها في نقل طقوسي rituel للمعارف في أفق مدرسي محض dans un contexte exclusivement scolaire.

إنه وضعٌ يتنافى مع غايات التعليم التي، في نهاية المطاف، تسعى إلى تثقيف وتربية المتعلِّمين. في حالة وجود هذا التَّنافي، تصبح المعارف أشياء بدون هوية، لا طعم لها، لا رائحة لها ولا لون. إنها تُفرض على المتعلمين تحت تأثير بيداغوجيا ظاهريا مقبولة pédagogie apparemment acceptable وأساسا دكتاتورية pédagogie fondamentalement dictatoriale.

ولهذا، فعندما نتحدث عن طبيعة المعارف، من الضروري أن يطرحَ المدرس على نفسه بعض الأسئلة، منها على الخصوص :

-لماذا سينقل مجموعة معيَّنة من المعارف للمتعلِّمين؟
-هل هذه المعارف معقدة بالنسبة لهؤلاء المتعلِّمين؟
-ماذا ينتظر من تغييرات في السلوك وفي التفكير بعد تبليغه لهم هذه المعارف؟
-ماذا سينهج من تدخُّلات بيداغوجية ونفسية تربوية لإحداث هذه التغييرات عند المتعلَّمين بعد تلقِّيهم هذه المعارف؟...

وهذا يعني بوضوح أن مهارةَ المدرس تكمن في قدرته على مزجٍ مدروسٍ بين البيداغوجيا وعلم النفس التَّربي والديداكتيك علما أنه من الضروري بمكان أن يُميِّزَ هذا المدرس بين البيداغوجيا وعلم النفس التربوي وذالديداكتيك.
و لتبسيط الأمور :

الديداكتيك تهتم بمضامين (المعارف وطبيعتُها فكريا واجتماعيا) التعليم وتبليغها للمتعلمين.

علم النفس التربوي يهتم بقدرات المتعلمين على المعرفة والإدراك cognition حسب أعمارهم.
البيداغوجيا تهتم بكل ما يجري داخل القسم من علاقات، من جهة، بين المتعلمين أنفسهم، ومن جهة أخرى، بين المدرس والمتعلمين علما أن الهدف الأساسي لهذه العلاقات هو تهييء هؤلاء المتعلمين نفسيا، فكريا وسلوكيا للاستفادة من عملية التعليم والتعلًّم خصوصا على المستوى التَّربوي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى