د. أحمد الحطاب - إصلاح بعد إصلاح بدون فلاح!

لقد سئم الشعب المغربي من إصلاحات المنظومة التربوية. شأنها شأن بعض الحشرات التي تُعتَبر ضارةً في منطق الإنسان، والتي في نهاية المطاف، تتكيَّف مع المبيدات pesticides التي لم تعد تقضي عليها. وهذا هو ما حدث ويحدث للمنظومة التربوية التي لم تعد الإصلاحات المتكرِّرة والمتتالية تغيِّر فيها شيئا. وخصوصا إذا كانت الإصلاحات انتقائية بمعنى أنها لا تتصدى للمنظومة ككل متكامل وغير قابل للتجزيء.

وفي هذا الصدد، يا ما تم مثلا تغيير وتحيين المقرَّرات والبرامج الدراسية بدون جدوى بما يتبع ذلك من تغيير في الكتب المدرسية وما يُكلفه هذا التغيير من موارد مالية. غير أن دارَ لقمان بقيت على حالها.

إن دل هذا على شيء، إنما يدل على قِصَرِ نظر مَن يقومون بإصلاح المنظومة التربوية. المشكل ليس في تغيير مُكوِّنٍ من مُكوِّنات هذه المنظومة. المشكل في المنظومة التربوية يرُمَّتها منظورا، مضمونا، تدريسا، تكوينا، تسييرا، تدبيراً، جودةً وعلاقةً بالمجتمع وسيرورته.

يتعلق الأمر بإعادة النظر جذريا في النموذج النظري paradigme الذي ارتكزت عليه إلى حد الآن سياسة التعليم والتربية والتكوين. وبعبارة أخرى، إعادة النظر في الأسس النظرية لتستجيب لمُتطلبات البلاد إنسانيا، اجتماعيا، اقتصاديا، ثقافيا، علميا، تكنولوجياً، صناعيا، إنتاجيا،... وكذلك للتغييرات التي تحدث في العالم.

وفي هذا الصدد، يجب القطع نهائيا مع تراكم المعرفة من أجل المعرفة التي يجب تسخيرُها أولا وقبل كل شيء لتمكين المُتعلمين من الفكر النقدي esprit critique وحِس المبادرة prise d'initiative والتَّحرُّر émancipation والتفتُّح épanouissement الفكريين والاجتماعيين. كما يجب القطع نهائيا مع الببغائية psittacisme والعمل على تسخير المدرسة لإنتاج مواطنين حاملين لقيمات مضافة يستفيدون منها ويُفيدون بها بلدَهم.

المدرسة المغربية، إن لم تساهم في بناء الإنسان المغربي الحر فكريا واجتماعيا والمُنتج اقتصاديا، علميا وثقافيا، فهي عبء على المجتمع وعلى الدولة. فهي فقط غول يبتلع الأموالَ بدون جدوى. في بلد كالمغرب، المحدود الإمكانيات المادية، إنه بكل بساطة، إهدار للمال العام.

مدرستنا اليوم بعيدة كل البعد عن هذه التطلُّعات ونجحت فقط في إنتاج مواطنين غير قادرين على التكلُّف حتى بأنفسهم، مواطنين يعتمدون على الغير في كل شيء. و بعبارة أخرى، أميين من نوع جديد.

مشكل التعليم في بلادنا ليس، على الإطلاق، مشكل ميزانية أو موارد مالية. إنه مشكل حكامة، وبالأخص، مشكل جودة لها علاقة وطيدة بتكوين المدرسين. والجودة لا تمطرها السماء. إنها تُبنى، وخصوصا، من خلال تكوينٍ رفيعِ المستوى علميا وتربويا لمن تقع على عاتِقهم تكوينُ الأجيال المتعاقبة على المدرسة.

و في الختام و كما أقول دائما : "المجتمع صورة لمدرسته والمدرسة صورة لمجتمعها".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى