بين العاشق وحبيبتة بندقية
البطل رياض حالة خاصة، إنه يجمع بين الرجولة المبدئية التي تقف بثبات على قاعدة الدفاع عن الهوية والأصالة والحقوق المسلوبة، وبين الرجولة التي تعني الفحولة المفرطة والتعلق بالأنوثة ومواطنها الغائرة في عقل الذكر المتقد، فالجمع بين النضال والانتماء إلى الأرض والعشق للاكتمال الجسدي اللاذع معادلة ذات توازن لا ينتج بسهولة، رغم ذاك فأنها - أي المعادلة - دفعة مجزية تجعله واقفاً بصلابة أمام الانهيارات والانكسارات النفسية التي يقربها الواقع من البال ويعشعشها في الذاكرة.
"المتروكة" علاقة إنسانية بحتة تغور في البحث عن حضارة مسالمة يقف الجميع فيها على خط واحد، أما الانطلاق فتهبه الذاكرة الجمعية للفرد والتكّون الأخلاقي والبناء الوظيفي العائلي والمناطقي والجيلي.
العلاقة في المتروكة بين فلسطيني ثائر وإسرائيلية، تعي خطورة الكيان الذي تنتمي إليه بالجنسية، هذه العلاقة عبارة عن تصّور معقد ثقيل المزاج تحتضنه الصفحات الأولى من الرواية.
لعل هذا التصور الذي لا يقبله الجميع من منظور الخوف أو التوجس والذي وقع فيه البطل نفسه رياض في علاقته مع ميا أول الأمر جاء بسبب التعدد البيئي والمكاني الذي وجد فيه وعاش كاتب الرواية خضر عواركة بين لبنان والخليج وكندا وأوروبا إضافة إلي خريطته الواسعة التي يمتلكها في العلاقة الصورية مع من يقف في أقصي اليمين مروراً إلى من يتخذ أقصى الشمال موقفاً له، رغم عدم ميل الكاتب أو انتمائه لأي جهة أو محل تحتويه هذه الخريطة، جعل كاتب الرواية وأهّله للحديث عن علاقة بور أو علاقة مشكوك في إنتاجيتها.
البحث عن أجوبة
في متن الرواية الأول يظهر بوضوح توجس البطل رياض من أمنيته الجسدية والنفسية ورفيقته وزوجته فيما بعد ميا، ويعود السبب في التوجس كما ذكرنا من قبل أن ميا عبارة عن إسرائيلية، تعادي الكيان الذي تنتمي إليه ذا الطابع الصهيوني العنصري المجرم، فرياض هنا لم يستطع إخفاء أسئلته التي يثيرها القلق بين الحين والآخر، فدهاء أعدائه يفضي إليه هذا الخوف والبحث عن أجوبة شافية لتكوين علاقة الحرام في الرقعة الحرام ضمن قضية أولها وآخرها حلال جائز، كما يراها البعض.
وحين أرادت ميا أن تنهي ما تراه في عيني رفيقها في النضال والفراش على حد سواء، وصاحب اشتعالها الذي لا ينطفئ قالت: "كنت اعتز كثيراً وافتخر بأني من نسل إبراهيم المختارين، ولكني أعدت قراءة العدد التوراتي (وسجد إبراهيم لأهل الأرض الحثيّين - أي الفلسطينيين- حين أتي إلى كنعان مهاجراً من أور الكلدانية)، جدنا سجد شكراً لأهل الأرض، أما نحن فقتلناهم وطردناهم منها".
ومنها توالت الأحداث والتجارب التي جعلت من رياض في يقين لا يقبل الشك في أن ميا اليهودية التي كانت يوما تدافع بقوة عن كيانها العنصري، تقف اليوم بقوة اكبر في التشهير بهذا الكيان وفضح أساليبه الإجرامية في التعامل مع الجميع صديقا أو عدوا، بعد أن كشفت من داخله الصورة الحقيقية، والإطار الذي يبنيه لنفسه على أجساد الناس ومصائرهم وذكرياتهم وإيمانهم.
البطولة جناحان
في الفصل الثاني عشر من "المتروكة" تنتقل الأحداث نحو نهاية القصة الزمنية والمكانية لرياض وميا، الزوجين اللذين أنجبا طفلة واحدة ستكون فيما بعد هي وأحد ورثة رياض عائلياً وفكرياً، حالة من الحراك الروائي الجديد ضمن التصور العام نفسه للمتروكة، فمقتل أو استشهاد رياض وميا، أنهى عشقهما الكوني المتذلل، والمسرح الجديد هو مونتريال بكندا، بعد أن كانت الخشبة السابقة باريس، والقدس.
ستة عشر عاما من فقد رياض وميا تبدأ رواية جديدة تتداخل مع ما روي عنهما في الفصول الأحد عشر الماضية.
البطولة هنا جناحان والطائر هو الحقيقة التي يحاول البطل عمار أن يجدها في كارول، والاثنان عبارة عن ورثة المفاجأة والتوحد الغريب، في مونتريال وفي سرد خضر عواركة لمجريات الأحداث، وولعه بالحوارات ذات الطابع الاستنهاضي المبني على العقل والتفكر لا على الهمجية أو عدم اليقينية أو العلمية، نجد كأن سيناريستاً حكيماً يعلم من أين تبدأ العدسة في الالتقاط وأين تنتهي لإنتاج آخر مشهد من فيلم سينمائي درامي روائي سمين، لتأتي النهاية على صفحات الورق، والتي لا يمكن أن تجيء على الواقع المحسوس المعاش، كالحياة.
تبقى نهاية رواية "المتروكة" مفتوحة لا تقبل الانغلاق عند نقطة معلومة، لتمضي نحو ما لا يعرف في التكاثر والالتقاء والهجر والموت والفرح ونقيضه الحزن.
فالإرث الذي تسلمته كارول (ابنة رياض دغلس) وميا ديغال حوّلها إلى خبيرة في التنقيب عن مقعد يريح تفكيرها المرهق من انقسامها نصفين: نصف مسلم عربي، ونصف آخر غريب (يهودي منشق عن الصهيونية). وبوجود عمار يتهيأ العمل المساعد لإتزان المعادلة الجديدة التي تأسست على حضور رياض وميا، ولتكون صرخة "المتروكة" إشارة إلى واجب الدفاع عن فلسطين والقدس صاحبة الحضور الأكبر في فكر الأبطال الجدد والقدامي.
وحدها الصفحات الـ 256، تحمل جلّ التفاصيل في أن لا ترك لحبيبة مهما ابتعدت أو حل على أسوارها الموت.
"المتروكة" رواية عرف كاتبها الصحافي والإعلامي اللبناني خضر عواركة كيف يوصلها للمتلقي. اشتبك خلال ذلك مع الكثير من المفاهيم الثابتة والمغلفة حينا بستار الحرام، وحينا آخر بستار المنع والخوف، رغم ذاك فإن ما أراده عواركة قد قدمه، وما نريده نحن واجب علينا تقديمه.
رواية "المتروكة" فصول سردية حوارية شعرية تراءت لي مبنية على أساس متين تحلل وتستنتج وتهدم وتبني من خلال التواجد الفعال لأبطالها المختلفين.
* ميدل ايست أونلاين
البطل رياض حالة خاصة، إنه يجمع بين الرجولة المبدئية التي تقف بثبات على قاعدة الدفاع عن الهوية والأصالة والحقوق المسلوبة، وبين الرجولة التي تعني الفحولة المفرطة والتعلق بالأنوثة ومواطنها الغائرة في عقل الذكر المتقد، فالجمع بين النضال والانتماء إلى الأرض والعشق للاكتمال الجسدي اللاذع معادلة ذات توازن لا ينتج بسهولة، رغم ذاك فأنها - أي المعادلة - دفعة مجزية تجعله واقفاً بصلابة أمام الانهيارات والانكسارات النفسية التي يقربها الواقع من البال ويعشعشها في الذاكرة.
"المتروكة" علاقة إنسانية بحتة تغور في البحث عن حضارة مسالمة يقف الجميع فيها على خط واحد، أما الانطلاق فتهبه الذاكرة الجمعية للفرد والتكّون الأخلاقي والبناء الوظيفي العائلي والمناطقي والجيلي.
العلاقة في المتروكة بين فلسطيني ثائر وإسرائيلية، تعي خطورة الكيان الذي تنتمي إليه بالجنسية، هذه العلاقة عبارة عن تصّور معقد ثقيل المزاج تحتضنه الصفحات الأولى من الرواية.
لعل هذا التصور الذي لا يقبله الجميع من منظور الخوف أو التوجس والذي وقع فيه البطل نفسه رياض في علاقته مع ميا أول الأمر جاء بسبب التعدد البيئي والمكاني الذي وجد فيه وعاش كاتب الرواية خضر عواركة بين لبنان والخليج وكندا وأوروبا إضافة إلي خريطته الواسعة التي يمتلكها في العلاقة الصورية مع من يقف في أقصي اليمين مروراً إلى من يتخذ أقصى الشمال موقفاً له، رغم عدم ميل الكاتب أو انتمائه لأي جهة أو محل تحتويه هذه الخريطة، جعل كاتب الرواية وأهّله للحديث عن علاقة بور أو علاقة مشكوك في إنتاجيتها.
البحث عن أجوبة
في متن الرواية الأول يظهر بوضوح توجس البطل رياض من أمنيته الجسدية والنفسية ورفيقته وزوجته فيما بعد ميا، ويعود السبب في التوجس كما ذكرنا من قبل أن ميا عبارة عن إسرائيلية، تعادي الكيان الذي تنتمي إليه ذا الطابع الصهيوني العنصري المجرم، فرياض هنا لم يستطع إخفاء أسئلته التي يثيرها القلق بين الحين والآخر، فدهاء أعدائه يفضي إليه هذا الخوف والبحث عن أجوبة شافية لتكوين علاقة الحرام في الرقعة الحرام ضمن قضية أولها وآخرها حلال جائز، كما يراها البعض.
وحين أرادت ميا أن تنهي ما تراه في عيني رفيقها في النضال والفراش على حد سواء، وصاحب اشتعالها الذي لا ينطفئ قالت: "كنت اعتز كثيراً وافتخر بأني من نسل إبراهيم المختارين، ولكني أعدت قراءة العدد التوراتي (وسجد إبراهيم لأهل الأرض الحثيّين - أي الفلسطينيين- حين أتي إلى كنعان مهاجراً من أور الكلدانية)، جدنا سجد شكراً لأهل الأرض، أما نحن فقتلناهم وطردناهم منها".
ومنها توالت الأحداث والتجارب التي جعلت من رياض في يقين لا يقبل الشك في أن ميا اليهودية التي كانت يوما تدافع بقوة عن كيانها العنصري، تقف اليوم بقوة اكبر في التشهير بهذا الكيان وفضح أساليبه الإجرامية في التعامل مع الجميع صديقا أو عدوا، بعد أن كشفت من داخله الصورة الحقيقية، والإطار الذي يبنيه لنفسه على أجساد الناس ومصائرهم وذكرياتهم وإيمانهم.
البطولة جناحان
في الفصل الثاني عشر من "المتروكة" تنتقل الأحداث نحو نهاية القصة الزمنية والمكانية لرياض وميا، الزوجين اللذين أنجبا طفلة واحدة ستكون فيما بعد هي وأحد ورثة رياض عائلياً وفكرياً، حالة من الحراك الروائي الجديد ضمن التصور العام نفسه للمتروكة، فمقتل أو استشهاد رياض وميا، أنهى عشقهما الكوني المتذلل، والمسرح الجديد هو مونتريال بكندا، بعد أن كانت الخشبة السابقة باريس، والقدس.
ستة عشر عاما من فقد رياض وميا تبدأ رواية جديدة تتداخل مع ما روي عنهما في الفصول الأحد عشر الماضية.
البطولة هنا جناحان والطائر هو الحقيقة التي يحاول البطل عمار أن يجدها في كارول، والاثنان عبارة عن ورثة المفاجأة والتوحد الغريب، في مونتريال وفي سرد خضر عواركة لمجريات الأحداث، وولعه بالحوارات ذات الطابع الاستنهاضي المبني على العقل والتفكر لا على الهمجية أو عدم اليقينية أو العلمية، نجد كأن سيناريستاً حكيماً يعلم من أين تبدأ العدسة في الالتقاط وأين تنتهي لإنتاج آخر مشهد من فيلم سينمائي درامي روائي سمين، لتأتي النهاية على صفحات الورق، والتي لا يمكن أن تجيء على الواقع المحسوس المعاش، كالحياة.
تبقى نهاية رواية "المتروكة" مفتوحة لا تقبل الانغلاق عند نقطة معلومة، لتمضي نحو ما لا يعرف في التكاثر والالتقاء والهجر والموت والفرح ونقيضه الحزن.
فالإرث الذي تسلمته كارول (ابنة رياض دغلس) وميا ديغال حوّلها إلى خبيرة في التنقيب عن مقعد يريح تفكيرها المرهق من انقسامها نصفين: نصف مسلم عربي، ونصف آخر غريب (يهودي منشق عن الصهيونية). وبوجود عمار يتهيأ العمل المساعد لإتزان المعادلة الجديدة التي تأسست على حضور رياض وميا، ولتكون صرخة "المتروكة" إشارة إلى واجب الدفاع عن فلسطين والقدس صاحبة الحضور الأكبر في فكر الأبطال الجدد والقدامي.
وحدها الصفحات الـ 256، تحمل جلّ التفاصيل في أن لا ترك لحبيبة مهما ابتعدت أو حل على أسوارها الموت.
"المتروكة" رواية عرف كاتبها الصحافي والإعلامي اللبناني خضر عواركة كيف يوصلها للمتلقي. اشتبك خلال ذلك مع الكثير من المفاهيم الثابتة والمغلفة حينا بستار الحرام، وحينا آخر بستار المنع والخوف، رغم ذاك فإن ما أراده عواركة قد قدمه، وما نريده نحن واجب علينا تقديمه.
رواية "المتروكة" فصول سردية حوارية شعرية تراءت لي مبنية على أساس متين تحلل وتستنتج وتهدم وتبني من خلال التواجد الفعال لأبطالها المختلفين.
* ميدل ايست أونلاين