و الله الخالـق البارئ المصور، له الاسماء الحسنى، يسبـح له ما في السموات والأرض، وهو العزيز الحكيم.
صدق الله العظيم
سورة الحشر مدنية آياتها 24
هو الله.. قصر الألوهيـة الواحـدة عليه تعالى ، وليس هناك أله غيره، وهو الخالق المخـرج للشيء من العدم، يصمم ويقدر ليخـرج إلى الوجود وهو البارئ الـذي ينفذ ويخرج من العـدم ، فالله تعالى له صفتان متصلتان الفارق بينهما طفيف يكـاد لا يظهر، وهو المصـور الذي يعطي الشكـل والصورة ، فهي صفـة مرتبطة بالصفتين السابقتيـن، ومعناهما إعطـاء الملامح المتميزة والسمـات التي تمنح لكل شيء شخصيته الخاصة.
وصفات الخلـق والبرء والتصوير صفـات مترابطة بينهما فرق خفي جدا، وهـذا الفرق يستجيش العقـل ويلهب القلب لمتابعـة العلميات الثلاث المترابطـة وهي الخلق والبرء والتصويـر .. فالسامـع يتصور الخلق من العـدم ثم البرء والإخـراج ، ثم التصوير وإعطـاء الشكل وهي صور شريطيـة تتراءى للمتخيـل متتابعـة في حركة زمانيـة متعاقبـة لا وقوف فيها ولله تعالـى الأسماء الحسنى ، هـذه الأسماء الحسنة بذاتها لا باستحسان المخلوقات لها إذ هـي بطبيعتها حسنة لا تتوقف في تقويـم حسنها على اعتبارات عقليـة أو وجدانيـة بشرية، وهـذه الأسماء الحسنى توحي بصفاتها على الإنسان كمال الخالق المهيمـن على المخلوقات ، فلله وحده الصفـات الكاملة والأسماء الدالـة وجميع الصفات الكاملة ثابتة له، فللـه الاسمـاء الحسنى لا تغلب فيه صفـات على أخرى، فلا صفـات القوة والقدرة أكثـر ظهورا من صفـات الرحمة والمحبـة، ولا العكس، فهو قادر عزيز ومنتقـم ورحمان ورحيم ، وهـو خالق بارئ ، وهـو مصور وجبـار وقوي... ليس علـة نظام، ولكنه خالق كل شيء ، حاضـر بوجوده في كل زمـان ومكان، عالم بالغيـب والشهـادة لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا فـي السماء، ليـس كما تصوره المسيحيـة جزء من الأقاليـم، ولا كما تصوره اليهوديـة إلاهـا لبني إسرائيل، ولا كما تصوره الارستطاليسيـة يعقـل ذاته فقط.
وهذه الأسماء الحسنى توحـي بصفاتها إلى الإنسان أن يصوغ أخلاقـه وفق أيحاءاتها وتوجيههـا لأن الله خلق آدم على صورته، ومن هنـا فإن هـذه الصفات يتوق إليها الإنسان ليقتبس من هديهـا ويسير في ظلال رحابتهـا، فهي صفات مطلقـة في الخالق نسبية في المخلوق.
وليس في تعدد صفات الله ما يناقض عقيـدة المسلم المؤمن، إذ أن عظمـة الله وتفرده بالكمال لها صفات تابعة لها لتحقق الذات الموجـودة ، فالله هو الأول والآخر والمحـرك الذي لا يتحرك ولا يدرك المنزه عن الشكل والهيولـي وما يجري عليها من قوانين التركيب والتحليل، فهـو الذي لا يدرك كنهه وهـو الملك القدوس السلام المهيمن العزيـز الجبار، السميع، العليـم، البصير ، الحكم، العدل، الخير، الصمـد، القادر، الظاهر، الباطن، الرازق، النافـع، الضار، المتكلم.
وأسماء الله الحسنـى تدل على أنها أفعال متجددة لا تقف عند الحركـة الأولى، ولا عن العلة الأولى والصفـات ليست متعددة بل هي اسماء لحقيقـة واحدة، ووحدانيـة الله في الكون هي تفرده بصفـات الكمال وهو على عرشـه حيث تطابق مركزيـة الله في الكون، مركزيته في الأرض، فهـو رب السموات والارض... وتسبح له السموات والأرض، ومـن فيهن ، فالتسبيـح المديد بالأسماء الحسنى به من الفيوضات الربانيـة ما تشبع في الوجـود كله وتبعث في كل موجـود... فذكر أسماء الله تعالى واكتسابا لأخلاقها المثلى يسبح الجميع للخالق تعالى.
وما إن ظهـر التيار الفلسفي حتى حـاول المسلمون أن يوفقوا بين ما ينبغـي لله في الدين ، وما يبنبغي لله في الفلسفة فتساءلـوا عن هـذه الصفات هل هي متعددة أو هي أسماء مختلفة لحقيقـة واحدة، وإذا كانت متعددة فهل تعددهـا تعدد تركيب وهو ممتنـع في حق الله تعالـى المنزه عن التركيب او هو تعـدد لا يستلزم التركيب وإذا كانت مفردة فهـل يعلم الله بقادريتـه وعلمه ثم هـل هذه الصفات جميعها عين الذات أو هـي زائد على الذات والله واحد لا زيادة عليه؟!
وقد كـان هذا الموضوع مثارا للجـدل وسببا في إثـارة موضوع (خلق القرآن) فقال جماعـة بأن اللفـظ حديث والمعنى قديـم وقالت جماعـة أخرى بأنه قديـم بلفظه ومعناه أما العلم والإرادة، فقـال بعض المتكلميـن أن العلم بالجزئيـات يقتضي التغيير في ذات الله وان الإرادة تقتضي الطلب والاختيار وهما ممتنعان في حقه تعالى.
وكان الخـلاف في هـذه الموضوعات منشأ تعدد الفرق والمختلفون كانوا من أصحـاب النقل أو من أصحاب العقل أو من أصحاب النقل والاحتجاج له بالعقـل... وكان العقلانيون، أي أصحاب العقل يرون أن الصفـات تدل على الكمال وطريق السلب أقرب من طريق الإيجاب في فهمهما.
التصويـر والإسـلام ما لا يصـور في الإسـلام
لنحدد الموضوع ونتناوله من الناحيـة الدينية، ومن الناحية الميتافيزيقيـة، ومن الناحيـة السيكولوجيـة والإسلام يقرر الحقيقـة الإلاهية التي هتي أن الله هو الحق الدائم والكمـال المطلق، أما الإطارات والاشكال والكميات فهي تراكـم مؤقت مستمر الحركـة والتغيير وخاضع لمشيئة الله.
أمـا الجانب الميتافيزيقـي ، فهناك أشكال وهيئات قائمـة بذاتها، تتمـازج جميعها وتتكاثـر حسب نماذج معروفة، وهـذه الأشكال والهيئات تؤلف مجموعـة متناسقة.
وعلى الصعيد السيكولوجـي، فالإنسان المسلم يرى في الكـون وحدة متناسقـة وحضورا إلاهيـا يملأ الكـون كله.
والتصوير في فـن من الفنون يتداخـل فيه الموضوع والإنسان والفكرة المعبـر عنها ولها صلة قويـة بالإنسان ورؤيته للكـون وثقافته.
إن الفن مرآة تعكـس أفكار الفنان، كما تعكس القيم التي يؤمن بها.. سواء أفكاره الذاتية وتأمـلاته وتصوراتـه ، أو أفكار مجتمعه الذي ينتمي إليـه، ولهذا فالفـن هو العلم الذي يعكس الاتجاهات العقائديـة والأخلاقية في تاريخ الإنسان، وفي تاريخ المجتمـع الإنساني، وبالفن نستطيـع أن نؤرخ الإنسـان وميزته الإنسانية وتطور رؤيتـه للمجتمع كل ذلك من خـلال الأعمال الفنيـة التي رصدهـا الموهوبون من الفنانين.
وإذا عدنـا إلى تاريخ الإنسانيـة على أساس الدراسة الفنيـة ، فالفن القديم يعبر عن العنصر الديني الوثنـي في حياة الإنسان البدائي ، حيث ارتبط وجوده بالوثـن، فصور ونحت تماثيل تعبر عن هـذه المرحلـة وما كان يعتقده ويؤمن به من أشياء يفسرهـا بعمله الفني وتعبيره عن رؤيتـه للكون بصفة عامـة وعندما نؤرخ للإنسان من خـلال العمل الفنـي، فإن المرحلـة الأولى للفنون القديمـة كانت تعبر عن العنصر الديني الوثنـي الذي هو في الواقـع تعبير عن الحكـم الاستبدادي الذي يتلقـى الحاكم سلطتـه من الاله المفوض له الحكم او من الوثـن الذي هـو صورة أحد أجداده، فالهيبة الدينيـة تفرض السلطـة السياسية التي بدورهـا تؤيـد الهيمنة الوثنيـة وتجعل العرش والصنـم إلاهـا مطلقا يتحكم في البشـر بواسطة الكهان الممثليـن الدينيين للسلطة، ولهذا فالكهـان هم ممثلوا السلطـة وليسوا رجال دين كما يظهر في تاريخ الديانات.
وعندما نحاول تأريخ الفن الوثني عند العرب فنحن نجـد أن المجتمع العربي كان مولعا بالتصوير والنحت، وكانت صناعة التماثيـل صناعة رائجـة لأن العرب كانوا يزينون المعابد والبيوت بالأصنام والأوثان، وكانت العبادة في المنـال والمعابد على السواء ، وظهرت حرفة الفنانـة حيث كان الفانون يمتهنون حرفة التصوير بصورة شائعة، ما كان النساجون والخياطـون يصورون الأناسي والحيوانات على الستائر والملابـس لتزويقها ، واستمروا على ذلك حتى جاء الإسلام ، فنهى عن ذلك كمـا في كتاب «تنوير الحوالك ـ ج2/24» وفي كتاب «تـاج العروس 4/422».
ومع الأسف ، فليست لنا صور ترجع إلى هـذا العهد لأنها كانت بالحبر أو بالصمغ الأسود على الادم والقرطاس والألواح، وهـي صور لا يمكن أن تعمر طويلا أما التماثيل، فقد كانوا ينحتونهـا من الأخشاب أو بواسطة قوالب تملأ بالجبص، كمـا صوروا الدمى على الألواح والأبواب للزينـة ودفع الشر، أو للتبرك ... وبقيت هـذه الصور محفوظة لقدرتها على مقاومـة السنين، وهي مصنوعـة باليد على الكؤوس والحصون، كما بقيت صور تمثل نماذج بشريـة عثر على الكثير منها في سد مأرب.
ويلاحظ أن الفنان العربي صعب عليه التعبير عن الحركات، ورسم الأشياء المتجاورة، والتمييـز بين القريب والبعيـد، والتفريـق بين المكانـة الاجتماعية فـلا فـرق بين السيـدة وخادمتها، والكاهن ومساعده.
وجاء الإسلام ليكـون آخر الأديان كما أراد الله، فقـد تطورت الإبراهميـة من ملة حنيفية تستجيب لطبيعـة البشر إلى الديانة الموسوية المنظمـة الأولى للمجتمع البشري، ثـم جاءت المسيحية، فكانت أو لدين أقـام العبادة على الضمير الإنساني، وبشر برحمـة السماء.
أمـا الإسلام فقد أتم الفكرة الإنسانيـة للمجتمع وصححها مما عرض عليهـا من أطوار الديانات التي سبقتـه، فأتم (الدين) للإنسانية.
فالفكـرة الإلهية في الإسلام تامـة لا يتغلب فيها الجانب المادي على الجانب الروحي ولا الفردانيـة على الجماعيـة، ولا تسمح بالشرك.. ووجود المشابهة في الخلق ، فالله واحـد، وهـو وحده المتصرف المتفرد، ليس له مثيـل ولا في الحس ولا في الضميـر، ولهذا فالإسلام يرفض الوثنيـة وصناعـة الصنم والوثن سواء على سبيل التمثيل أو الرمز أو التقريب.
فالآيـة القرآنية التي تقصـر التصوير على الله، تقصد التصور المطلق الحي للمخلوقات ، ولكن القرآن الكريم يعرض لذكر التماثيـل والهياكل التي صنعت لداوود بمعرفته ورغبته، وهو نبي لا يمكـن أن يصنع ما يخالف إرادة خالقه.
أمـا السنة النبوية فتحرم تجسيـد وتصوير الإنسان والحيوان وخاصة في المساجـد.
لقد وردت أحاديث كثيرة تحرم التصوير والنحت، ومع ذلك فقد ظهـر التصوير التنبيهي أي أن الفنان المسلم وجد مجالا آخـر لعمله يتناسب وينسجـم مع معتقده، ذلك أنه اعتمـد تقنية وأسلوبا يبتعـد بالعمل الفني عن النقـل الواقعـي للمرئيات، فابتعـد عن استعمال الظلال حتى لا يجسم وافتعل عناصـر وهمية ، وأحيانا مستحيلة واستعمل اللامعقول بالنسبة للألوان والأحجام... وهـذا يدل على صدق نيتـه وإخلاصه ونزوعـه إلى طاعـة خالقه لا يرقى إلى درجـة التشبيه بالخالـق ومحاكاة المخلوقات.
أخرج البخاري في كتاب «بدء الخلق» في حديث صحيح عن أبي طلحـة، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدخـل الملائكة بيتـا فيه كلب ولا صورة تماثيل...
وعن يسر بن سعيـد أن زيد ابن خالد الجهني حدثـه ومع يسر بن سعيد عبيد الله الخولاني الذي كـان في حجر ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثهما زيد بن خالد أن أبا طلحة حدثـه أن النبي (ص) قال: لا تدخـل الملائكة بيتا فيه صورة ، قال يسر: فمرض زيد بن خالد فعدنـاه فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاويـر ، فقلت لعبيد الله الخولانـي ألم تحدثنـا في التصاوير فقال: إنه قال، إلا رقم في ثوب ألا سمعته؟ قلت، لا، قال: بلى قد ذكـره.
وأخرج البخاري في كتـاب (اللباس في باب ما وطئ من التصاوير) قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفـر، وقد سترت بقرام، لي (ستر بين رقم ونـقش) على سهوة لي (صفة في جانب البيت) فلما رآه (ص) هتكـه (أي نزعه)، وقـال أشد الناس عذابا يوم القيامـة الذين يضاهـون بخلق الله، قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتيـن.
وأخرج البخاري في كتاب البيوع في باب التجـارة فيمـا يكره لبسه للرجال والنسـاء عن عائشة أنها اشترت ثُمْـرقة فيها تصاوير، فلما رآها صلى الله عليه وسلم، قام على الباب، فلم يدخـله ، فعرفت في وجهه الكراهيـة فقلت يا رسول الله أثوب إلى الله وإلى رسوله (ص) ماذا أذنبت فقال: (ص) ما بـال هذه الثمـرقة. قلت: اشتريتهـا لك لتقعد عليهـا وتتوسدهـا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن أصحاب هذه المصورين يوم القيامـة يعذبون فيقال لهـم: احيوا ما خلقتم؟ وقال: «إن البيت الذي فيه الصور لا تدخلـه الملائكة».
وأخـرج البخاري في كتاب (اللباس) باب عذاب الصور يوم القيامـة، أن رسول الله (ص) قال: إن الذيـن يصنعون هذه الصـور يعذبون يوم القيامـة، يقال لهم: «أحيوا ما خلقتم »، وفي البخاري في كتــاب ( اللباس) باب عذاب المصورين يوم القيامـة عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت النبي (ص) يقول: إن اشـد الناس عذابا عنـد الله يوم القيامـة المصورون».
وفي البخاري في كتاب البيوع في باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك.
عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كنت عند ابن عباس، إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإنـي أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس، لا أحدثك إلا بما سمعت رسول الله (ص) يقول: سمعته يقول: «من صور صـورة فإن الله معذبـه حتى ينفخ فيه الروح، وليس بنافخ فيهـا أبدا، فربـا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه، فقـال: ويحك إن أبيت إلا أن تصنـع، فعليك بهذا الشجـر، كل شيء ليس فيه روح.
وفي البخاري في باب اللباس باب نقص الصور عن أبي زرعـة قال دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينـة فرأى أعلاهـا مصورا يصور فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ومن اظلم ممن ذهب بخلق كخلقي فليخلقوا حيـة وليخلقوا ذرة ».
وعن أبي عباس، دخـل النبي(ص) البيت فوجـد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال: أما هم فقـد سمعوا أن الملائكـة لا تدخل بيتا فيه صورة، هـذا إبراهيم مصور فماله يستقسم؟.
وعن ابن عباس أنه عليه السلام لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتـى أمر بها فمحيت ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهمـا الازلام فقال: قاتلهـم الله! والله ما استقسمـا بالازلام قط.
ولما دخل الرسول (ص) مكة يوم الفتح وجـد تصاوير وأصنام فأمر بتحطيمهـا ، وإزالة معالمها، وأخذ يكسر كل ما فيها من أصنام، وكان بالكعبـة حمامة من عيدان فكسرها الرسول بيده وطرحها.
ووجـد على جدران الكعبة صورا للملائكـة وغيرها صورة إبراهيم وفي يده الأزلام يستقسم بها، وصـورة عيسى وأمه، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمحو ذلك كله فغسلت بالمـاء ومسحت بثوب بل بالمـاء حتى طمست إلا صورة عيسى بن مريم وأمه فقد أمت الرسول (ص) بإبقائها، كما تقـول بعض الروايات وبقيت إلى أيام عبد الله بن الزبير ، فلما تهدم البيت تهدمت الصورة معه.
وعن ابن عباس:
دخل النبي (ص) بيتا فوجـد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال: أما هـم فقد سمعوا أن الملائكـة لا تدخل بيتا فيه صورة؟ هـذا إبراهيم فما له يستقسم؟.
وعن ابن عباس أنه عليه السلام لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت، ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام فقال: قاتلهم الله ! والله ما استقسمـا بالأزلام قط.
لمـاذا حرم الإسلام التصوير؟ ما هـي الأسباب التي دفعته إل ذلك؟ ولمـاذا هذا الموقف الصارم لعلماء الإسلام القدامى منه؟.
نشر (ماسيون) في مجلة (سوريا) سنة 1934، بحثا بعنوان أساليب المنجزات الفنية لدى الشعوب الإسلامية، وفي رأيه أن القرآن لا ينص على التحريم وإنمـا يحرم الأنصاب والأزلام ، لأنها معبودات وثنيـة والرسول الكريم لم يدع الخوارق، وإنمـا هو بشر ومصطفى بخلاف البوذيـة والملويـة والمسيحية، فالتمثيـل والأوثان للآلهة والا يقونـات للرسول الذي يعتبر قنوما من الأقانيم الثلاث.
واختلف علماء فقـه الحديث في تفسير الحديث فأبو علي الفارسي، والفقيه أحمد الرازي صاحـب أحكام القرآن يريان أن التحريم في الحديث ينصب على الصور التي تجسـد الخالق، وبناء هـذا التأويل يجوز التصوير، وقد انتشر هـذا الشرح الحديث في البلاد المتأثـرة بالمذهب الحنفي كالعراق ولبنان وتركيـا، وكان هـذا منشأ ازدهار المنمنمات والتصوير في هذه البلاد.
أمـا الشافعية فتشددوا، ويقول النووي في مسند أحمد (ج 4) قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام، شديد التحريم وهو من الكبائـر، لأنه متوعـد الوعيد الشديد المذكـور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيـره، فصنعته حرام بكل حـال لأن فيه مضاهـاة لخلق الله، وسواء كـان ثوبا أو بساطا أو درهمـا أو فلسا أو إنـاء أو حائطا أو غيرها.
وأما تصوير الشجر ورجال الإبل وغير ذلك بما ليس فيه صورة حيوان فليس محذورا.
ويحـرم السوافي من علماء القرن الثالث عشـر اقتنـاء كل شكل مصور يلقي ظلالا ، ولهـذا شكل أو هيكـل يشكل صورة متحركـة حتى الدمى وقطع الحلوى ذات الأشكال الرامـزة إلى الكائنـات الحية والتصاوير الممثلة التي تصرف المؤمنين عن العبـادة.
كما أن الصور تحرم عنـد كل شعب غير متطـور دينيا حيث يخلط بين الصورة والكائـن الحي.
وتحريم الصور ليس مقصـور على الديـن الإسلامي، فإن اليهوديـة تحرم التصوير، فقد أوحي إلى أنبياء بني إسرائيل بتحريم تصويـر الالهـة، وقال لهم الله (حسب تعابيرهم) لا يكن لك آلهـة أخرى أمامي ولا تصنع لك تمثالا منحوتـا.
على أن في القرن العاشر الميلادي نجـد فتاوى لبعض الفقهاء تجيـز التصوير، وحجـة هؤلاء ما ورد في القرآن الكريم من ذكـر (التماثيل) التي صنعت لسليمـان بعلمه ومعرفته ورغبته، وهو نبـي من الأنبياء.
ويرى المعتزلة (وهم من المجتهديـن الذين يخضعون النصوص الشرعيـة للبحث المنطقي والأصولي) أن التصوير جائز لأن علـة التحريم هي عبـادة الأصنام والصور، فإذا زالت العلـة زال التحريـم، ولذلك فإن هؤلاء لم يـروا سببا للتحريم، وقد انتشر مذهبهم وشـاع في العراق أيام ازدهاره وظهر التصوير للحيوانات والنبات على الكؤوس والأواني في الشعارات والرايات ورسم الحيوانات على الثوب ، وبالأخص في الحروب الصليبية حين اتصلت الحضارة الإسلاميـة بالحضـارة المسيحية.
وكذلك أجـاز الولاة المسلمون في القرون الأولى للإسلام التصوير على العملة وما تزال بعض المسكوكـات عليها صور الولاة كموسى بن نصير وغيره وذلك استمرار لضمانة العملـة وقوتها بما تعارفت عليه الشعـوب من قبل، وشاع كذلك رسم الحيوانات ونحتهـا في قصور الأمويين والعباسييـن، وقصور الأمويين في الأندلس، فعرفـت (الزهراء) تماثيل بشرية كما عرفت قاعـة الأسـد بالحمراء صور مختلفة للحيوانـات ما تزال ماثلة إلى اليوم.
ويرى الإمـام محمد عبده أن الصورة المعبرة عن الوجـه البشري بمختلف انطباعاته النفسيـة والجسديـة، كانت محرمـة في أول الإسلام ، لان الصورة إنمـا كانت للعبادة وهي محرمة شرعا أو للتسليـة وهي كذلك غير مقبولـة والإسلام ليس تسليـة، وإنمـا هو جدية في الأقوال والأعمال والنوايا، وبمـا أن الإسلام جاء ليقضي نهائيا على الوثنيـة، فقد حرم كـل ما يذكر بها.. نعم إذا كان التصوير للتعليم أو لضبط شخصيـة الإنسان فليست محرمـة في شيء لأن المحرم هو الصـور المستهترة الداعيـة للعبث والانحراف.
أما الشيعـة فهي تجيز التصوير ومن ثم فإيران الشيعـة ومراكز الشيعة بصفة عامـة لا ترى في التصوير تحريمـا ويرجع ذلك لطبيعتها المأساويـة بعد قتل الإمـام علي وولده الحسين.
والمسيحية كذلك اعتمدت التصوير لطبيعـة المأساة في حياة المسيح وهي طبيعـة مصطنعـة زادها أنصار المسيح بعد رفعـه أن يجعلوا حياته مأساة بشرية وقـد شجع المسيحيون التصوير والنحت، إذ حسب فلسفتهـم أن الإله ظهر في الزمان متجسدا في يسـوع، فقد أصبحت من أجل ذلك الصور المجسـدة أساسية في العالم الروحـي لأنها تثبت إلى جانب الألوهيـة ناسوتيـة المسيح وتصوير الصلب، لخـلاص البشر، فهي إذن تـؤدي وعظا دينيـا يبـرز ازدواج الطبيعة لـذات السيـد المسيـح أي اللاهوتيـة والناسـوتية، وذلك في مقابلة الذيـن لا يقولون بالتصوير عن القائليـن بالطبيعة الواحدة.
ولم يفصـل مجمع نيقية، ومجمـع أفسس، ومجمع خلقدونيـة في الطبيعة الإلاهيـة، ولذلك كانت الكنسية منقسمـة على نفسها بين معاداة للتصوير أو تحطيم التصوير أو مؤيتدة للتصوير.
فالمعادون Iconoclaste ظهروا في القرن الثامن الميلادي في الإمبراطوريـة البيزنطيـة وهم من القائلين بالطبيعـة الواحدة للمسيح Monophysistes وتزعمهـا الراهب Savonarols في عصر النهضـة وهؤلاء متأثرون بالمذهب الإسلامي الذي لا يقـول بالتصوير.
أما المعادون المحطمون للصور والتماثيل أن اللا إقونة Anticonisme فهم غير أصحاب مذهب المعاداة المعروف Iconolasme ... وفي القرن السادس عشر ظهر سوسينوس Socinus نفى عن المسيح كل ألوهيـة ، وتفرع عن مذهبه مذهب الموحدين Unitarian وقد قـرر في مذهبه بشرية عيسى كما جاء في القرآن الكريم.
إن التصوير والنحت بدأ في المسيحية بمعجـزة المسيح الذي يصنع من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه ليصبح طائرا بإذن الله.
ولكن الصورة والتمثال المعجـزة، إنما هو لتأييـد دعوة المسيح، ولهذا فقد أصبح من تقاليد المسيحيين استذكـار معجزة الصورة والتمثال. والصورة والتمثال تعطيان فكرة عن الموضوع، ورما أعطت معرفة مزورة لأن الحواس معرضـة للخطأ ومعرضة للتحريف... ومن ذلك تمثال صلب المسيح الذي يقدم المسيح في صورة مغايرة للواقـع، وقضية الصلب هي التي دعمت الأفكار المأساوية المغلطة للتاريخ والمفسـدة للواقـع، فالمسيح عليه السلام لـم يصلب، وإنمـا تتحدث كتب التاريخ عن وضعيـة الصليب ثـم إنزاله منه، وذلك إهمـادا لليهود الذين كانوا يطالبون بصلبـه ، بل إن الإسلام (وهو الحق) لم يقـل بأي شكل من أشكال الصلب فالمسيح لم يمن مصلوبا بدليـل وجود كفنه في المغارة دون أن يكون المسيح موجودا فيها. وبدليل العشاء الأخير الذي وقـع بعيد الصلب، فقدسيتـه لهم أنه صلب وهو لم يصلب أو صلب شخـص آخر مكانه.
وتعتبر الصورة هي المفسـدة للحقيقة التاريخية والمروجة لصلب المسيح مع أنه لم يصلب، وجاء في لسان العرب، الصلب هو القتلـة المعروفة مشتق من الصلب، المشتق من فعل صلبه يصلبـه لأنه ودك وصديد يسيل، وقـد صلبه يصلبه صلبـا وصلبه ( تشديد التكثير) وفي التنزيل، وما قتلوه وما صلبوه، وفيـه ولاصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل.
والإسلام من أجل ذلك لا يقول بثقافـة الصورة لأنها مضللة وإنمـا يصور باللغة التي تعطي مفهوما واضحـا غير مضلل من الناحيـة النفسية وإن كان ناقصا من ناحية الإطار الشكلي للموضوع فقد صور النبي المسيح لأصحابه عليهم السلام بتشبيهه بعروة بن مسعود.
عن جـار رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليه السلام عرض علي الأنبياء، فإذا موسى عليه السلام رجـل ضرب من الرجال كأنه من رجال شنودة، فرأيت عيـسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت شبها به عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم أقرب من رأيت به شبها صاحبكم.
حسن السائح
دعوة الحق
العدد 232 صفر 1404/ نونبر 1983
صدق الله العظيم
سورة الحشر مدنية آياتها 24
هو الله.. قصر الألوهيـة الواحـدة عليه تعالى ، وليس هناك أله غيره، وهو الخالق المخـرج للشيء من العدم، يصمم ويقدر ليخـرج إلى الوجود وهو البارئ الـذي ينفذ ويخرج من العـدم ، فالله تعالى له صفتان متصلتان الفارق بينهما طفيف يكـاد لا يظهر، وهو المصـور الذي يعطي الشكـل والصورة ، فهي صفـة مرتبطة بالصفتين السابقتيـن، ومعناهما إعطـاء الملامح المتميزة والسمـات التي تمنح لكل شيء شخصيته الخاصة.
وصفات الخلـق والبرء والتصوير صفـات مترابطة بينهما فرق خفي جدا، وهـذا الفرق يستجيش العقـل ويلهب القلب لمتابعـة العلميات الثلاث المترابطـة وهي الخلق والبرء والتصويـر .. فالسامـع يتصور الخلق من العـدم ثم البرء والإخـراج ، ثم التصوير وإعطـاء الشكل وهي صور شريطيـة تتراءى للمتخيـل متتابعـة في حركة زمانيـة متعاقبـة لا وقوف فيها ولله تعالـى الأسماء الحسنى ، هـذه الأسماء الحسنة بذاتها لا باستحسان المخلوقات لها إذ هـي بطبيعتها حسنة لا تتوقف في تقويـم حسنها على اعتبارات عقليـة أو وجدانيـة بشرية، وهـذه الأسماء الحسنى توحي بصفاتها على الإنسان كمال الخالق المهيمـن على المخلوقات ، فلله وحده الصفـات الكاملة والأسماء الدالـة وجميع الصفات الكاملة ثابتة له، فللـه الاسمـاء الحسنى لا تغلب فيه صفـات على أخرى، فلا صفـات القوة والقدرة أكثـر ظهورا من صفـات الرحمة والمحبـة، ولا العكس، فهو قادر عزيز ومنتقـم ورحمان ورحيم ، وهـو خالق بارئ ، وهـو مصور وجبـار وقوي... ليس علـة نظام، ولكنه خالق كل شيء ، حاضـر بوجوده في كل زمـان ومكان، عالم بالغيـب والشهـادة لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا فـي السماء، ليـس كما تصوره المسيحيـة جزء من الأقاليـم، ولا كما تصوره اليهوديـة إلاهـا لبني إسرائيل، ولا كما تصوره الارستطاليسيـة يعقـل ذاته فقط.
وهذه الأسماء الحسنى توحـي بصفاتها إلى الإنسان أن يصوغ أخلاقـه وفق أيحاءاتها وتوجيههـا لأن الله خلق آدم على صورته، ومن هنـا فإن هـذه الصفات يتوق إليها الإنسان ليقتبس من هديهـا ويسير في ظلال رحابتهـا، فهي صفات مطلقـة في الخالق نسبية في المخلوق.
وليس في تعدد صفات الله ما يناقض عقيـدة المسلم المؤمن، إذ أن عظمـة الله وتفرده بالكمال لها صفات تابعة لها لتحقق الذات الموجـودة ، فالله هو الأول والآخر والمحـرك الذي لا يتحرك ولا يدرك المنزه عن الشكل والهيولـي وما يجري عليها من قوانين التركيب والتحليل، فهـو الذي لا يدرك كنهه وهـو الملك القدوس السلام المهيمن العزيـز الجبار، السميع، العليـم، البصير ، الحكم، العدل، الخير، الصمـد، القادر، الظاهر، الباطن، الرازق، النافـع، الضار، المتكلم.
وأسماء الله الحسنـى تدل على أنها أفعال متجددة لا تقف عند الحركـة الأولى، ولا عن العلة الأولى والصفـات ليست متعددة بل هي اسماء لحقيقـة واحدة، ووحدانيـة الله في الكون هي تفرده بصفـات الكمال وهو على عرشـه حيث تطابق مركزيـة الله في الكون، مركزيته في الأرض، فهـو رب السموات والارض... وتسبح له السموات والأرض، ومـن فيهن ، فالتسبيـح المديد بالأسماء الحسنى به من الفيوضات الربانيـة ما تشبع في الوجـود كله وتبعث في كل موجـود... فذكر أسماء الله تعالى واكتسابا لأخلاقها المثلى يسبح الجميع للخالق تعالى.
وما إن ظهـر التيار الفلسفي حتى حـاول المسلمون أن يوفقوا بين ما ينبغـي لله في الدين ، وما يبنبغي لله في الفلسفة فتساءلـوا عن هـذه الصفات هل هي متعددة أو هي أسماء مختلفة لحقيقـة واحدة، وإذا كانت متعددة فهل تعددهـا تعدد تركيب وهو ممتنـع في حق الله تعالـى المنزه عن التركيب او هو تعـدد لا يستلزم التركيب وإذا كانت مفردة فهـل يعلم الله بقادريتـه وعلمه ثم هـل هذه الصفات جميعها عين الذات أو هـي زائد على الذات والله واحد لا زيادة عليه؟!
وقد كـان هذا الموضوع مثارا للجـدل وسببا في إثـارة موضوع (خلق القرآن) فقال جماعـة بأن اللفـظ حديث والمعنى قديـم وقالت جماعـة أخرى بأنه قديـم بلفظه ومعناه أما العلم والإرادة، فقـال بعض المتكلميـن أن العلم بالجزئيـات يقتضي التغيير في ذات الله وان الإرادة تقتضي الطلب والاختيار وهما ممتنعان في حقه تعالى.
وكان الخـلاف في هـذه الموضوعات منشأ تعدد الفرق والمختلفون كانوا من أصحـاب النقل أو من أصحاب العقل أو من أصحاب النقل والاحتجاج له بالعقـل... وكان العقلانيون، أي أصحاب العقل يرون أن الصفـات تدل على الكمال وطريق السلب أقرب من طريق الإيجاب في فهمهما.
التصويـر والإسـلام ما لا يصـور في الإسـلام
لنحدد الموضوع ونتناوله من الناحيـة الدينية، ومن الناحية الميتافيزيقيـة، ومن الناحيـة السيكولوجيـة والإسلام يقرر الحقيقـة الإلاهية التي هتي أن الله هو الحق الدائم والكمـال المطلق، أما الإطارات والاشكال والكميات فهي تراكـم مؤقت مستمر الحركـة والتغيير وخاضع لمشيئة الله.
أمـا الجانب الميتافيزيقـي ، فهناك أشكال وهيئات قائمـة بذاتها، تتمـازج جميعها وتتكاثـر حسب نماذج معروفة، وهـذه الأشكال والهيئات تؤلف مجموعـة متناسقة.
وعلى الصعيد السيكولوجـي، فالإنسان المسلم يرى في الكـون وحدة متناسقـة وحضورا إلاهيـا يملأ الكـون كله.
والتصوير في فـن من الفنون يتداخـل فيه الموضوع والإنسان والفكرة المعبـر عنها ولها صلة قويـة بالإنسان ورؤيته للكـون وثقافته.
إن الفن مرآة تعكـس أفكار الفنان، كما تعكس القيم التي يؤمن بها.. سواء أفكاره الذاتية وتأمـلاته وتصوراتـه ، أو أفكار مجتمعه الذي ينتمي إليـه، ولهذا فالفـن هو العلم الذي يعكس الاتجاهات العقائديـة والأخلاقية في تاريخ الإنسان، وفي تاريخ المجتمـع الإنساني، وبالفن نستطيـع أن نؤرخ الإنسـان وميزته الإنسانية وتطور رؤيتـه للمجتمع كل ذلك من خـلال الأعمال الفنيـة التي رصدهـا الموهوبون من الفنانين.
وإذا عدنـا إلى تاريخ الإنسانيـة على أساس الدراسة الفنيـة ، فالفن القديم يعبر عن العنصر الديني الوثنـي في حياة الإنسان البدائي ، حيث ارتبط وجوده بالوثـن، فصور ونحت تماثيل تعبر عن هـذه المرحلـة وما كان يعتقده ويؤمن به من أشياء يفسرهـا بعمله الفني وتعبيره عن رؤيتـه للكون بصفة عامـة وعندما نؤرخ للإنسان من خـلال العمل الفنـي، فإن المرحلـة الأولى للفنون القديمـة كانت تعبر عن العنصر الديني الوثنـي الذي هو في الواقـع تعبير عن الحكـم الاستبدادي الذي يتلقـى الحاكم سلطتـه من الاله المفوض له الحكم او من الوثـن الذي هـو صورة أحد أجداده، فالهيبة الدينيـة تفرض السلطـة السياسية التي بدورهـا تؤيـد الهيمنة الوثنيـة وتجعل العرش والصنـم إلاهـا مطلقا يتحكم في البشـر بواسطة الكهان الممثليـن الدينيين للسلطة، ولهذا فالكهـان هم ممثلوا السلطـة وليسوا رجال دين كما يظهر في تاريخ الديانات.
وعندما نحاول تأريخ الفن الوثني عند العرب فنحن نجـد أن المجتمع العربي كان مولعا بالتصوير والنحت، وكانت صناعة التماثيـل صناعة رائجـة لأن العرب كانوا يزينون المعابد والبيوت بالأصنام والأوثان، وكانت العبادة في المنـال والمعابد على السواء ، وظهرت حرفة الفنانـة حيث كان الفانون يمتهنون حرفة التصوير بصورة شائعة، ما كان النساجون والخياطـون يصورون الأناسي والحيوانات على الستائر والملابـس لتزويقها ، واستمروا على ذلك حتى جاء الإسلام ، فنهى عن ذلك كمـا في كتاب «تنوير الحوالك ـ ج2/24» وفي كتاب «تـاج العروس 4/422».
ومع الأسف ، فليست لنا صور ترجع إلى هـذا العهد لأنها كانت بالحبر أو بالصمغ الأسود على الادم والقرطاس والألواح، وهـي صور لا يمكن أن تعمر طويلا أما التماثيل، فقد كانوا ينحتونهـا من الأخشاب أو بواسطة قوالب تملأ بالجبص، كمـا صوروا الدمى على الألواح والأبواب للزينـة ودفع الشر، أو للتبرك ... وبقيت هـذه الصور محفوظة لقدرتها على مقاومـة السنين، وهي مصنوعـة باليد على الكؤوس والحصون، كما بقيت صور تمثل نماذج بشريـة عثر على الكثير منها في سد مأرب.
ويلاحظ أن الفنان العربي صعب عليه التعبير عن الحركات، ورسم الأشياء المتجاورة، والتمييـز بين القريب والبعيـد، والتفريـق بين المكانـة الاجتماعية فـلا فـرق بين السيـدة وخادمتها، والكاهن ومساعده.
وجاء الإسلام ليكـون آخر الأديان كما أراد الله، فقـد تطورت الإبراهميـة من ملة حنيفية تستجيب لطبيعـة البشر إلى الديانة الموسوية المنظمـة الأولى للمجتمع البشري، ثـم جاءت المسيحية، فكانت أو لدين أقـام العبادة على الضمير الإنساني، وبشر برحمـة السماء.
أمـا الإسلام فقد أتم الفكرة الإنسانيـة للمجتمع وصححها مما عرض عليهـا من أطوار الديانات التي سبقتـه، فأتم (الدين) للإنسانية.
فالفكـرة الإلهية في الإسلام تامـة لا يتغلب فيها الجانب المادي على الجانب الروحي ولا الفردانيـة على الجماعيـة، ولا تسمح بالشرك.. ووجود المشابهة في الخلق ، فالله واحـد، وهـو وحده المتصرف المتفرد، ليس له مثيـل ولا في الحس ولا في الضميـر، ولهذا فالإسلام يرفض الوثنيـة وصناعـة الصنم والوثن سواء على سبيل التمثيل أو الرمز أو التقريب.
فالآيـة القرآنية التي تقصـر التصوير على الله، تقصد التصور المطلق الحي للمخلوقات ، ولكن القرآن الكريم يعرض لذكر التماثيـل والهياكل التي صنعت لداوود بمعرفته ورغبته، وهو نبي لا يمكـن أن يصنع ما يخالف إرادة خالقه.
أمـا السنة النبوية فتحرم تجسيـد وتصوير الإنسان والحيوان وخاصة في المساجـد.
لقد وردت أحاديث كثيرة تحرم التصوير والنحت، ومع ذلك فقد ظهـر التصوير التنبيهي أي أن الفنان المسلم وجد مجالا آخـر لعمله يتناسب وينسجـم مع معتقده، ذلك أنه اعتمـد تقنية وأسلوبا يبتعـد بالعمل الفني عن النقـل الواقعـي للمرئيات، فابتعـد عن استعمال الظلال حتى لا يجسم وافتعل عناصـر وهمية ، وأحيانا مستحيلة واستعمل اللامعقول بالنسبة للألوان والأحجام... وهـذا يدل على صدق نيتـه وإخلاصه ونزوعـه إلى طاعـة خالقه لا يرقى إلى درجـة التشبيه بالخالـق ومحاكاة المخلوقات.
أخرج البخاري في كتاب «بدء الخلق» في حديث صحيح عن أبي طلحـة، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدخـل الملائكة بيتـا فيه كلب ولا صورة تماثيل...
وعن يسر بن سعيـد أن زيد ابن خالد الجهني حدثـه ومع يسر بن سعيد عبيد الله الخولاني الذي كـان في حجر ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثهما زيد بن خالد أن أبا طلحة حدثـه أن النبي (ص) قال: لا تدخـل الملائكة بيتا فيه صورة ، قال يسر: فمرض زيد بن خالد فعدنـاه فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاويـر ، فقلت لعبيد الله الخولانـي ألم تحدثنـا في التصاوير فقال: إنه قال، إلا رقم في ثوب ألا سمعته؟ قلت، لا، قال: بلى قد ذكـره.
وأخرج البخاري في كتـاب (اللباس في باب ما وطئ من التصاوير) قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفـر، وقد سترت بقرام، لي (ستر بين رقم ونـقش) على سهوة لي (صفة في جانب البيت) فلما رآه (ص) هتكـه (أي نزعه)، وقـال أشد الناس عذابا يوم القيامـة الذين يضاهـون بخلق الله، قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتيـن.
وأخرج البخاري في كتاب البيوع في باب التجـارة فيمـا يكره لبسه للرجال والنسـاء عن عائشة أنها اشترت ثُمْـرقة فيها تصاوير، فلما رآها صلى الله عليه وسلم، قام على الباب، فلم يدخـله ، فعرفت في وجهه الكراهيـة فقلت يا رسول الله أثوب إلى الله وإلى رسوله (ص) ماذا أذنبت فقال: (ص) ما بـال هذه الثمـرقة. قلت: اشتريتهـا لك لتقعد عليهـا وتتوسدهـا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن أصحاب هذه المصورين يوم القيامـة يعذبون فيقال لهـم: احيوا ما خلقتم؟ وقال: «إن البيت الذي فيه الصور لا تدخلـه الملائكة».
وأخـرج البخاري في كتاب (اللباس) باب عذاب الصور يوم القيامـة، أن رسول الله (ص) قال: إن الذيـن يصنعون هذه الصـور يعذبون يوم القيامـة، يقال لهم: «أحيوا ما خلقتم »، وفي البخاري في كتــاب ( اللباس) باب عذاب المصورين يوم القيامـة عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت النبي (ص) يقول: إن اشـد الناس عذابا عنـد الله يوم القيامـة المصورون».
وفي البخاري في كتاب البيوع في باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك.
عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كنت عند ابن عباس، إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإنـي أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس، لا أحدثك إلا بما سمعت رسول الله (ص) يقول: سمعته يقول: «من صور صـورة فإن الله معذبـه حتى ينفخ فيه الروح، وليس بنافخ فيهـا أبدا، فربـا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه، فقـال: ويحك إن أبيت إلا أن تصنـع، فعليك بهذا الشجـر، كل شيء ليس فيه روح.
وفي البخاري في باب اللباس باب نقص الصور عن أبي زرعـة قال دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينـة فرأى أعلاهـا مصورا يصور فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ومن اظلم ممن ذهب بخلق كخلقي فليخلقوا حيـة وليخلقوا ذرة ».
وعن أبي عباس، دخـل النبي(ص) البيت فوجـد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال: أما هم فقـد سمعوا أن الملائكـة لا تدخل بيتا فيه صورة، هـذا إبراهيم مصور فماله يستقسم؟.
وعن ابن عباس أنه عليه السلام لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتـى أمر بها فمحيت ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهمـا الازلام فقال: قاتلهـم الله! والله ما استقسمـا بالازلام قط.
ولما دخل الرسول (ص) مكة يوم الفتح وجـد تصاوير وأصنام فأمر بتحطيمهـا ، وإزالة معالمها، وأخذ يكسر كل ما فيها من أصنام، وكان بالكعبـة حمامة من عيدان فكسرها الرسول بيده وطرحها.
ووجـد على جدران الكعبة صورا للملائكـة وغيرها صورة إبراهيم وفي يده الأزلام يستقسم بها، وصـورة عيسى وأمه، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمحو ذلك كله فغسلت بالمـاء ومسحت بثوب بل بالمـاء حتى طمست إلا صورة عيسى بن مريم وأمه فقد أمت الرسول (ص) بإبقائها، كما تقـول بعض الروايات وبقيت إلى أيام عبد الله بن الزبير ، فلما تهدم البيت تهدمت الصورة معه.
وعن ابن عباس:
دخل النبي (ص) بيتا فوجـد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال: أما هـم فقد سمعوا أن الملائكـة لا تدخل بيتا فيه صورة؟ هـذا إبراهيم فما له يستقسم؟.
وعن ابن عباس أنه عليه السلام لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت، ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام فقال: قاتلهم الله ! والله ما استقسمـا بالأزلام قط.
لمـاذا حرم الإسلام التصوير؟ ما هـي الأسباب التي دفعته إل ذلك؟ ولمـاذا هذا الموقف الصارم لعلماء الإسلام القدامى منه؟.
نشر (ماسيون) في مجلة (سوريا) سنة 1934، بحثا بعنوان أساليب المنجزات الفنية لدى الشعوب الإسلامية، وفي رأيه أن القرآن لا ينص على التحريم وإنمـا يحرم الأنصاب والأزلام ، لأنها معبودات وثنيـة والرسول الكريم لم يدع الخوارق، وإنمـا هو بشر ومصطفى بخلاف البوذيـة والملويـة والمسيحية، فالتمثيـل والأوثان للآلهة والا يقونـات للرسول الذي يعتبر قنوما من الأقانيم الثلاث.
واختلف علماء فقـه الحديث في تفسير الحديث فأبو علي الفارسي، والفقيه أحمد الرازي صاحـب أحكام القرآن يريان أن التحريم في الحديث ينصب على الصور التي تجسـد الخالق، وبناء هـذا التأويل يجوز التصوير، وقد انتشر هـذا الشرح الحديث في البلاد المتأثـرة بالمذهب الحنفي كالعراق ولبنان وتركيـا، وكان هـذا منشأ ازدهار المنمنمات والتصوير في هذه البلاد.
أمـا الشافعية فتشددوا، ويقول النووي في مسند أحمد (ج 4) قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام، شديد التحريم وهو من الكبائـر، لأنه متوعـد الوعيد الشديد المذكـور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيـره، فصنعته حرام بكل حـال لأن فيه مضاهـاة لخلق الله، وسواء كـان ثوبا أو بساطا أو درهمـا أو فلسا أو إنـاء أو حائطا أو غيرها.
وأما تصوير الشجر ورجال الإبل وغير ذلك بما ليس فيه صورة حيوان فليس محذورا.
ويحـرم السوافي من علماء القرن الثالث عشـر اقتنـاء كل شكل مصور يلقي ظلالا ، ولهـذا شكل أو هيكـل يشكل صورة متحركـة حتى الدمى وقطع الحلوى ذات الأشكال الرامـزة إلى الكائنـات الحية والتصاوير الممثلة التي تصرف المؤمنين عن العبـادة.
كما أن الصور تحرم عنـد كل شعب غير متطـور دينيا حيث يخلط بين الصورة والكائـن الحي.
وتحريم الصور ليس مقصـور على الديـن الإسلامي، فإن اليهوديـة تحرم التصوير، فقد أوحي إلى أنبياء بني إسرائيل بتحريم تصويـر الالهـة، وقال لهم الله (حسب تعابيرهم) لا يكن لك آلهـة أخرى أمامي ولا تصنع لك تمثالا منحوتـا.
على أن في القرن العاشر الميلادي نجـد فتاوى لبعض الفقهاء تجيـز التصوير، وحجـة هؤلاء ما ورد في القرآن الكريم من ذكـر (التماثيل) التي صنعت لسليمـان بعلمه ومعرفته ورغبته، وهو نبـي من الأنبياء.
ويرى المعتزلة (وهم من المجتهديـن الذين يخضعون النصوص الشرعيـة للبحث المنطقي والأصولي) أن التصوير جائز لأن علـة التحريم هي عبـادة الأصنام والصور، فإذا زالت العلـة زال التحريـم، ولذلك فإن هؤلاء لم يـروا سببا للتحريم، وقد انتشر مذهبهم وشـاع في العراق أيام ازدهاره وظهر التصوير للحيوانات والنبات على الكؤوس والأواني في الشعارات والرايات ورسم الحيوانات على الثوب ، وبالأخص في الحروب الصليبية حين اتصلت الحضارة الإسلاميـة بالحضـارة المسيحية.
وكذلك أجـاز الولاة المسلمون في القرون الأولى للإسلام التصوير على العملة وما تزال بعض المسكوكـات عليها صور الولاة كموسى بن نصير وغيره وذلك استمرار لضمانة العملـة وقوتها بما تعارفت عليه الشعـوب من قبل، وشاع كذلك رسم الحيوانات ونحتهـا في قصور الأمويين والعباسييـن، وقصور الأمويين في الأندلس، فعرفـت (الزهراء) تماثيل بشرية كما عرفت قاعـة الأسـد بالحمراء صور مختلفة للحيوانـات ما تزال ماثلة إلى اليوم.
ويرى الإمـام محمد عبده أن الصورة المعبرة عن الوجـه البشري بمختلف انطباعاته النفسيـة والجسديـة، كانت محرمـة في أول الإسلام ، لان الصورة إنمـا كانت للعبادة وهي محرمة شرعا أو للتسليـة وهي كذلك غير مقبولـة والإسلام ليس تسليـة، وإنمـا هو جدية في الأقوال والأعمال والنوايا، وبمـا أن الإسلام جاء ليقضي نهائيا على الوثنيـة، فقد حرم كـل ما يذكر بها.. نعم إذا كان التصوير للتعليم أو لضبط شخصيـة الإنسان فليست محرمـة في شيء لأن المحرم هو الصـور المستهترة الداعيـة للعبث والانحراف.
أما الشيعـة فهي تجيز التصوير ومن ثم فإيران الشيعـة ومراكز الشيعة بصفة عامـة لا ترى في التصوير تحريمـا ويرجع ذلك لطبيعتها المأساويـة بعد قتل الإمـام علي وولده الحسين.
والمسيحية كذلك اعتمدت التصوير لطبيعـة المأساة في حياة المسيح وهي طبيعـة مصطنعـة زادها أنصار المسيح بعد رفعـه أن يجعلوا حياته مأساة بشرية وقـد شجع المسيحيون التصوير والنحت، إذ حسب فلسفتهـم أن الإله ظهر في الزمان متجسدا في يسـوع، فقد أصبحت من أجل ذلك الصور المجسـدة أساسية في العالم الروحـي لأنها تثبت إلى جانب الألوهيـة ناسوتيـة المسيح وتصوير الصلب، لخـلاص البشر، فهي إذن تـؤدي وعظا دينيـا يبـرز ازدواج الطبيعة لـذات السيـد المسيـح أي اللاهوتيـة والناسـوتية، وذلك في مقابلة الذيـن لا يقولون بالتصوير عن القائليـن بالطبيعة الواحدة.
ولم يفصـل مجمع نيقية، ومجمـع أفسس، ومجمع خلقدونيـة في الطبيعة الإلاهيـة، ولذلك كانت الكنسية منقسمـة على نفسها بين معاداة للتصوير أو تحطيم التصوير أو مؤيتدة للتصوير.
فالمعادون Iconoclaste ظهروا في القرن الثامن الميلادي في الإمبراطوريـة البيزنطيـة وهم من القائلين بالطبيعـة الواحدة للمسيح Monophysistes وتزعمهـا الراهب Savonarols في عصر النهضـة وهؤلاء متأثرون بالمذهب الإسلامي الذي لا يقـول بالتصوير.
أما المعادون المحطمون للصور والتماثيل أن اللا إقونة Anticonisme فهم غير أصحاب مذهب المعاداة المعروف Iconolasme ... وفي القرن السادس عشر ظهر سوسينوس Socinus نفى عن المسيح كل ألوهيـة ، وتفرع عن مذهبه مذهب الموحدين Unitarian وقد قـرر في مذهبه بشرية عيسى كما جاء في القرآن الكريم.
إن التصوير والنحت بدأ في المسيحية بمعجـزة المسيح الذي يصنع من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه ليصبح طائرا بإذن الله.
ولكن الصورة والتمثال المعجـزة، إنما هو لتأييـد دعوة المسيح، ولهذا فقد أصبح من تقاليد المسيحيين استذكـار معجزة الصورة والتمثال. والصورة والتمثال تعطيان فكرة عن الموضوع، ورما أعطت معرفة مزورة لأن الحواس معرضـة للخطأ ومعرضة للتحريف... ومن ذلك تمثال صلب المسيح الذي يقدم المسيح في صورة مغايرة للواقـع، وقضية الصلب هي التي دعمت الأفكار المأساوية المغلطة للتاريخ والمفسـدة للواقـع، فالمسيح عليه السلام لـم يصلب، وإنمـا تتحدث كتب التاريخ عن وضعيـة الصليب ثـم إنزاله منه، وذلك إهمـادا لليهود الذين كانوا يطالبون بصلبـه ، بل إن الإسلام (وهو الحق) لم يقـل بأي شكل من أشكال الصلب فالمسيح لم يمن مصلوبا بدليـل وجود كفنه في المغارة دون أن يكون المسيح موجودا فيها. وبدليل العشاء الأخير الذي وقـع بعيد الصلب، فقدسيتـه لهم أنه صلب وهو لم يصلب أو صلب شخـص آخر مكانه.
وتعتبر الصورة هي المفسـدة للحقيقة التاريخية والمروجة لصلب المسيح مع أنه لم يصلب، وجاء في لسان العرب، الصلب هو القتلـة المعروفة مشتق من الصلب، المشتق من فعل صلبه يصلبـه لأنه ودك وصديد يسيل، وقـد صلبه يصلبه صلبـا وصلبه ( تشديد التكثير) وفي التنزيل، وما قتلوه وما صلبوه، وفيـه ولاصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل.
والإسلام من أجل ذلك لا يقول بثقافـة الصورة لأنها مضللة وإنمـا يصور باللغة التي تعطي مفهوما واضحـا غير مضلل من الناحيـة النفسية وإن كان ناقصا من ناحية الإطار الشكلي للموضوع فقد صور النبي المسيح لأصحابه عليهم السلام بتشبيهه بعروة بن مسعود.
عن جـار رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليه السلام عرض علي الأنبياء، فإذا موسى عليه السلام رجـل ضرب من الرجال كأنه من رجال شنودة، فرأيت عيـسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت شبها به عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم أقرب من رأيت به شبها صاحبكم.
حسن السائح
دعوة الحق
العدد 232 صفر 1404/ نونبر 1983