تكافؤ الفرص حق تَكفلُه الدساتير الوطنية. وهو نوع من المساواة تسعى هذه الدساتير، من خلالِه، إلى جعل الأشخاص يتوفَّرون على نفس الحظوظ وعلى نفس الفرص فيما يخصُّ تطوُّرَهم الاجتماعي والاقتصادي، بغضِّ النظر عن انتمائهم الاجتماعي أو الإثنين ethnique، وعن جنسهم، وعن الوضع المادي لأُسرهم أو عن مكان ازديادهم أو عن اعتقاداتهم الدينية…
وبعبارة أخرى، تكافؤ الفرص هو أن لا يكونَ، على الإطلاق، مصيرُ الأشخاصِ مرتبطا حصريا بالحظ أو حتى سوء الحظ. إنه الحق في النجاح، من خلال التَّعبير عن القدرات capacités والمواهب talents، وكذلك، من خلال التَّغلُّب على ما يعترض مصيرَ هؤلاء الأشخاص من صعوبات وضُعف. تكافؤ الفرص هو أن لايبقى أي شخصٍ، كيفما كان، حبيسَ عِرقه أو وسطِه أو وضعِه الاجتماعي والمادي. تكافؤ الفرص هو أن يواجهَ الأشخاص مصيرَهم (مستقبلَهم)، مطلقين من ظروف متساوية بينهم…
على المستوى المدرسي، تكافؤ الفرص هو توفير ظروف النجاح، على قدم المساواة، لجميع المتعلِّمين بغض النظر عن ظروفهم الاجتماعية، الاقتصادية، العِرقية، الدينية…
بعد هذه التَّوضيحات الضرورية، سأتناول بالتَّفصيل الوضعَ الذي يوجد عليه، حاليا، مبدأ تكافؤ الفرص في الوسط المدرسي.
إذا طرحنا على أي ربِّ أسرة (أبٌ، أمٌّ أو وليُّ أمر) سؤالَ "لماذا ترسل ابنك أو ابنتك إلى المدرسة" (المقصود: المدرسة العمومية)، سيجيب تلقائيا : "ليتعلم وينجح". ويعد هذا الجوابُ، بالتأكيد، جوابا مشروعا لأن المدرسة، كمؤسسة أنشِئت من طرف، من أجل وداخل المجتمع، مهمتُها الأساسية، ضمانُ نجاح الأجيال الصاعدة بدون تمييز لتهيئة اندماجها في المجتمع وفي سوق الشغل. وهذا هو ما يُطلِعنا عليه مبدأ "تكافؤ الفرص"، الذي يُعتبر من بين القِيم التي ترتكز عليها كل منظومة التربوية.
من منطلق مثالي idéal، المدرسة هي مدرسة النجاح بالنسبة لأولياء التلاميذ. وهذا يعني أن الرُّسوبَ لا مكانَ له في هذه المدرسة، على الأقل في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، أي المرحلة الإجبارية. وإذا كان أولياءُ التلاميذ يعتقدون أن مرورَ بناتِهم وأبنائهم من المدرسة مرادف للنجاح، فذلك باسم تكافؤ الفرص.
بل إن مبدأَ تكافؤ الفرص حقٌّ دستوري مكفول لجميع المواطنين. وما دام هذا المبدأ مكفولا لجميع المواطنين، فتطبيقُه في الوسط المدرسي يجرُّنا إلى طرحِ الأسئلة التالية :
-كيف يُرى مبدأُ تكافؤ الفرص في المدرسة من الناحية النظرية؟
-كيف تضمن المدرسةُ تكافؤَ الفرص؟
-كيف يُترجَم تكافؤ الفرص على مستوى الممارسة التعليمية التربوية، أي على مستوى المدرس؟
-هل هناك فرقٌ بين تكافؤ الفرص نظريا و واقعيا؟
-مَن هم ضحايا إخفاق المدرسة في ضمان تكافؤ الفرص؟
-ما هي الخسارات والأضرار المترتِّبة عن عدم احترام تكافؤ الفرص؟
-ما هي العراقيل التي تُعِيق ترسيخَ مبدأ تكافؤ الفرص في الوسط المدرسي؟
الجواب على السؤال الأول : كيف يُرى مبدأُ تكافؤ الفرص في المدرسة من الناحية النظرية؟
من الناحية النظرية، مبدأ تكافؤ الفرص حق من حقوق الإنسان. وكونُه حق من حقوق الإنسان، فإنه، بالنسبة للمواطنين، يساوي النجاحَ للجميع بغض النظر عن الأصول الاجتماعية للمتعلمين وظروفهم الاقتصادية. أما بالنسبة للمدرسة، فإن مبدأَ تكافؤ الفرص، بحكم الدستور، أمر إجباري.
الجواب على السؤال الثاني : كيف تضمن المدرسةُ تكافؤَ الفرص؟
تضمن المدرسةُ تكافؤ الفرص، أولا، بإقرار مجانية التعليم، ثانيا، بإعطاء نفس البرامج التعليمية للمتعلمين من نفس الفئة العمرية. ثالثا، بإخضاع المتعلمين لامتحانات وطنية موحدة. رابعا، بالتصدي لصعوبات التعلُّم التي يمكن أن توجد عند المتعلمين.
الجواب على السؤال الثالث : كيف يُترجم تكافؤ الفرص على مستوى الممارسة التعليمية التربوية، أي على مستوى المدرس؟
أولا، بحكم تواصله المستمر مع المتعلمين، المدرس ناقل للقيم، ومن ضمن هذه القيم، مبدأ تكافؤ الفرص يجب أن يحتلَّ الصدارةَ. ثانيا، من هذا المنطلق، وبصفته مواطن ومربِّي، يجب أن يكونَ من بين المُدافعين بقوة عن هذا المبدأ. ثالثا، عليه أن يبذل الجهدَ الضروري ليضَعَ المتعلمين على قدم المساواة من خلال تعليمه. رابعا وحتى يتمكَّنَ من وضعِ المتعلمين على قدم المساواة من خلال تعليمه، يجب عليه أن يعرفَ ويتعرَّفَ على المتعلمين شخصيا ليساعد من يعاني منهم ومنهن من صعوبات في التعلم. خامسا، لتجنب المساس بمبدأ تكافؤ الفرص، عليه أن يتفادى كل تمييز بين المتعلِّمينن، كل تخويف (ترويع)، تبخيس، نبذ...
الجواب على السؤال الرابع : هل هناك فرقٌ بين تكافؤ الفرص نظريا وعلى أرض الواقع؟
أولا، على مستوى التصريح بالنوايا (الغايات) déclaration d'intentions، المتعلقة بالمنظومات التربوية، أي على الورق، يحظى تكافؤ الفرص بمكانة جد مهمة. ثانيا، أما على أرض الواقع، وبالأخص، في الوسط المدرسي، يجد تكافؤُ الفرص صعوباتٍ وعراقيلَ ليُترجمَ إلى شيء ملموس.
الجواب على السؤال الخامس : مَن هم ضحايا إخفاق المدرسة في ضمان تكافؤ الفرص؟
في المرتبة الأولى، يأتي المتعلمون. من خلال هؤلاء المتعلّمين، تأتي الأُسرُ. ومن خلال الأسر. يأتي المجتمع. ومن خلال هذا الأخير، ياتي البلد برمته. الكل يكون سببا في ضياع رأسمال بشري له قيمات مضافة تفقدها التنمية بجميع تجلِّياتها.
الجواب على السؤال السادس: ما هي الخسارات والأضرار المترتِّبة عن عدم احترام تكافؤ الفرص؟
عدمُ احترام تكافؤ الفرص، أولا، يكون سببا في هدرٍ مهولٍ في الرأسمال البشري، ناتجٌ جزئيا عن الرسوب المدرسي. ثانيا، على المستوى الاقتصادي، عدمُ الاحترام هذا يكون سببا في هدرُ جزء من المال العام. ثالثا، على المستوى الاجتماعي، عدمُ الاحترام يكون سببا في استفحال البطالة accroissement du chômage وانحراف الأحداث délinquance des adolescents. رابعا، عدمُ الاحترام يؤدِّي إلى المس بقيمة المنظومة التربوية. خامسا، يأتي التشكيك في سُمعة المدرسة العمومية. سادسا وأخيرا، إهمال مبدأ تكافؤ الفرص يقود إلى استفحال الفوارق الاجتماعية.
الجواب على السؤال السابع : ،ما هي العراقيل التي تعوق ترسيخَ مبدأ تكافؤ الفرص في الوسط المدرسي؟
أولا، السببُ الرئيسي في عدمِ ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص، هو الرسوب المدرسي échec scolaire. ثانيا، تأتي الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمتعلمين. ثالثا، يأتي ضُعفُ أو عدمُ احترام أدبيات déontologie وأخلاقيات éthique المهنة. رابعا، يأتي عدمُ التَّصدي، من طرف المدرسين، لما يوجد من تفاوتات différences بين المتعلِّمين من حيث قدرة التّعلُّم capacité d'apprentissage. خامسا وفي الختام، اختلالات في حكامة واشتغال المنظومة التربوية.
فيما يلي، سأتطرَّق بالتَّفصيل للعرقلتين الأولى والثانية المشار إليهما أعلاه، أي "الرسوب المدرسي" و "الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمتعلمين" واللتان تحُولان، بالأساس، دون تطبيقِ مبدأ تكافؤ الفرص على أرض واقعِ الوسط المدرسي.
أول عرقلةٍ هي الرسوب المدرسي échec scolaire. فيما يخصُّ هذأ الرسوب المدرسي، إنه مشكلٌ يحتِّم، ، في حد ذاته، على كل عاقل أن يطرحَ على نفسه التَّساؤل التالي: "هل، فعلا، الامتحانات وكل أنواع المراقبة التي يخضع لها المتعلِّمُ لاختبار مساره الدراسي، تُعطينا فكرةً صحيحةً exacte، دقيقة précise وموضوعية objective عن هذا المسار، وبالأخص، عن مستوى هذا المتعلِّم، الفكري والتعليمي التعلُّمي؟"
جوابا على التساءل، أقول وبدون تردُّدٍ، إن الامتحانات ومختلف أنواع المراقبة لا تُعطينا، على الأطلاق، صورةً حقيقيةً، دقيقة وموضوعية عن مستوى المتعلِّمين الفكري والتعليمي التعلُّمي. لماذا؟ لأن التنقيطَ الرقمي الذي يُسنَد للامتحانات ولمختلف أنواع المراقبة يختلط بذاتية subjectivité المدرسين، أو بعبارة أخرى، التنقيط يتأثَّر بذاتية هؤلاء المدرسين، وبالتالي، لا يمكن أن يكون إلا نسبيا. وكل ما هو نسبي لا يعبِّر عن الحقيقة كما هي. إنه تفسيرٌ قد يحتمل الخطأ كما قد يحتمل الصواب. وفضلا عن كل هذا، لا توجد حقيقةٌ مُطلقةٌ يمكن الرجوعُ إليها للتَّصدي لاحتمال الخطأ واحتمال الصواب.
وبما أن ضحايا التَّنقيط الذي تشوبُه النسبيةُ، هم المتعلِّمون، فإن بعض المنظومات التَّربوية تخلَّت عن التنقيط الرقمي، على الأقل، في مرحلة التعليم الأساسي (الإجباري) enseignement fondamental obligatoire. بل تخلَّت عن مفهومي الامتحانات والرسوب المدرسي، ولجأت إلى خَفضِ عددِ المتعلمين في القسم الواحد ليُصبحَ للمدرسين الوقتُ الكافي للتَّصدي للتفاوتات التَّعلُّمية التي يعاني منها البعضُ من هؤلاء المتعلّمين.
ثاني عرقلةٍ هي الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمتعلمين. وهذا مشكلٌ آخر يُحتِّم، هو الآخر، على كل عاقلٍ أن يطرحَ على نفسه التساءل التالي : "هل الطفل، عندما يلتحق بالمدرسة لأول مرة أو أثناء مساره الدراسي، يلتحق بهذه المدرسة ويترعرع فيها تاركاً وراءه ظروفَه الاجتماعية والاقتصادية؟ بل هل باستطاعته أن يتخلَّصَ من هذه الظروف سواءً عند التحاقه بالمدرسة لأول مرة أو أثناء مساره الدراسي؟"
جوابا على هذا التساءل، المنطق والعقل والعِلم (وخصوصا علم الاجتماع sociologie وكثير من الأبحاث في علوم التَّربية، وبالأخص، في الديداكتيك) يقولون : لا يمكن للمتعلِّم، سواءً عند التحاقه بالمدرسة لأول مرة أو أثناء مساره الدراسي، أن يتخلَّصَ من الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأنها جزء لا يتجزَّأ من تنشئته الاجتماعية. إنها ترافقه أينما حلَّ وارتحل ولها تأثيرٌ على مساره الدراسي. وهذا التَّأثيرُ قد يحُدُّ من قدرة المتعلمين على التَّعلُّم أو قد يُضعِفها. وبالتالي، تحدث تفاوتاتٌ في قدرة التَّعلُّم بين متعلِّمي نفس القسم الدراسي. وإذا لم يتصدَّ المدرسون لهذه التفاوتات، فمبدأ "تكافؤ الفرص" هو الذي يُضرِب عرضَ الحائط!
وفي غالب الأحيان، لا يُعيرُ المدرسون أي اهتمام للتفاوتات التَّعلُّمية لأسباب مختلفة، أذكرُ منها على الخصوص، اكتظاظ الأقسام وحتمية إتمام المقرَّرأت المدرسية قبل نهاية السنة الدراسية أو قبل حلول مواعد الامتحانات.
فيما يخصُّ اكتظاظَ الأقسام، إنه مُعضلةٌ لا تزال منظومتُنا التَّربوية تعاني منها. واكتظاظ الأقسام يتنافى مع تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص على أرض واقع الوسط المدرسي. فكيف للمدرسين أن يتصدَّوا للتفاوتات التَّعلُّمية في أقسامٍ يتجاوز عددُ المتعلِّمين فيها، أحيانا، 40 متعلِّما بينما العددُ، المتعارف عليه دوليا وتربويا، يجب أن يتراوحَ بين15 و 24 متعلِّما؟ فكيف للمدرسين أن يتصدَّوا للتفاوتات التَّعلُّمية وهم مهووسون بحتمية إتمام المقرَّرات الدراسية قبل نهاية السنة أو قبل حلول مواعد الامتحانات؟
وفي الختام، ما أؤكِّد عليه هو أننا بعيدون كل البعد عن المدرسة المثالية التي يتصورها أولياء التلاميذ والتي تكون مدة حياتها قصيرة جدا إذ تنتهي مباشرة بعد تسجيل المتعلمين لأول مرة لبدء مسارهم الدراسي. بمجرد ما تطأ قدمُهم أرض القسم، تبدأ المدرسة الواقعية، ذات الذوق المرير، مدرسة عدم تكافؤ الفرص.
وبعبارة أخرى، تكافؤ الفرص هو أن لا يكونَ، على الإطلاق، مصيرُ الأشخاصِ مرتبطا حصريا بالحظ أو حتى سوء الحظ. إنه الحق في النجاح، من خلال التَّعبير عن القدرات capacités والمواهب talents، وكذلك، من خلال التَّغلُّب على ما يعترض مصيرَ هؤلاء الأشخاص من صعوبات وضُعف. تكافؤ الفرص هو أن لايبقى أي شخصٍ، كيفما كان، حبيسَ عِرقه أو وسطِه أو وضعِه الاجتماعي والمادي. تكافؤ الفرص هو أن يواجهَ الأشخاص مصيرَهم (مستقبلَهم)، مطلقين من ظروف متساوية بينهم…
على المستوى المدرسي، تكافؤ الفرص هو توفير ظروف النجاح، على قدم المساواة، لجميع المتعلِّمين بغض النظر عن ظروفهم الاجتماعية، الاقتصادية، العِرقية، الدينية…
بعد هذه التَّوضيحات الضرورية، سأتناول بالتَّفصيل الوضعَ الذي يوجد عليه، حاليا، مبدأ تكافؤ الفرص في الوسط المدرسي.
إذا طرحنا على أي ربِّ أسرة (أبٌ، أمٌّ أو وليُّ أمر) سؤالَ "لماذا ترسل ابنك أو ابنتك إلى المدرسة" (المقصود: المدرسة العمومية)، سيجيب تلقائيا : "ليتعلم وينجح". ويعد هذا الجوابُ، بالتأكيد، جوابا مشروعا لأن المدرسة، كمؤسسة أنشِئت من طرف، من أجل وداخل المجتمع، مهمتُها الأساسية، ضمانُ نجاح الأجيال الصاعدة بدون تمييز لتهيئة اندماجها في المجتمع وفي سوق الشغل. وهذا هو ما يُطلِعنا عليه مبدأ "تكافؤ الفرص"، الذي يُعتبر من بين القِيم التي ترتكز عليها كل منظومة التربوية.
من منطلق مثالي idéal، المدرسة هي مدرسة النجاح بالنسبة لأولياء التلاميذ. وهذا يعني أن الرُّسوبَ لا مكانَ له في هذه المدرسة، على الأقل في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، أي المرحلة الإجبارية. وإذا كان أولياءُ التلاميذ يعتقدون أن مرورَ بناتِهم وأبنائهم من المدرسة مرادف للنجاح، فذلك باسم تكافؤ الفرص.
بل إن مبدأَ تكافؤ الفرص حقٌّ دستوري مكفول لجميع المواطنين. وما دام هذا المبدأ مكفولا لجميع المواطنين، فتطبيقُه في الوسط المدرسي يجرُّنا إلى طرحِ الأسئلة التالية :
-كيف يُرى مبدأُ تكافؤ الفرص في المدرسة من الناحية النظرية؟
-كيف تضمن المدرسةُ تكافؤَ الفرص؟
-كيف يُترجَم تكافؤ الفرص على مستوى الممارسة التعليمية التربوية، أي على مستوى المدرس؟
-هل هناك فرقٌ بين تكافؤ الفرص نظريا و واقعيا؟
-مَن هم ضحايا إخفاق المدرسة في ضمان تكافؤ الفرص؟
-ما هي الخسارات والأضرار المترتِّبة عن عدم احترام تكافؤ الفرص؟
-ما هي العراقيل التي تُعِيق ترسيخَ مبدأ تكافؤ الفرص في الوسط المدرسي؟
الجواب على السؤال الأول : كيف يُرى مبدأُ تكافؤ الفرص في المدرسة من الناحية النظرية؟
من الناحية النظرية، مبدأ تكافؤ الفرص حق من حقوق الإنسان. وكونُه حق من حقوق الإنسان، فإنه، بالنسبة للمواطنين، يساوي النجاحَ للجميع بغض النظر عن الأصول الاجتماعية للمتعلمين وظروفهم الاقتصادية. أما بالنسبة للمدرسة، فإن مبدأَ تكافؤ الفرص، بحكم الدستور، أمر إجباري.
الجواب على السؤال الثاني : كيف تضمن المدرسةُ تكافؤَ الفرص؟
تضمن المدرسةُ تكافؤ الفرص، أولا، بإقرار مجانية التعليم، ثانيا، بإعطاء نفس البرامج التعليمية للمتعلمين من نفس الفئة العمرية. ثالثا، بإخضاع المتعلمين لامتحانات وطنية موحدة. رابعا، بالتصدي لصعوبات التعلُّم التي يمكن أن توجد عند المتعلمين.
الجواب على السؤال الثالث : كيف يُترجم تكافؤ الفرص على مستوى الممارسة التعليمية التربوية، أي على مستوى المدرس؟
أولا، بحكم تواصله المستمر مع المتعلمين، المدرس ناقل للقيم، ومن ضمن هذه القيم، مبدأ تكافؤ الفرص يجب أن يحتلَّ الصدارةَ. ثانيا، من هذا المنطلق، وبصفته مواطن ومربِّي، يجب أن يكونَ من بين المُدافعين بقوة عن هذا المبدأ. ثالثا، عليه أن يبذل الجهدَ الضروري ليضَعَ المتعلمين على قدم المساواة من خلال تعليمه. رابعا وحتى يتمكَّنَ من وضعِ المتعلمين على قدم المساواة من خلال تعليمه، يجب عليه أن يعرفَ ويتعرَّفَ على المتعلمين شخصيا ليساعد من يعاني منهم ومنهن من صعوبات في التعلم. خامسا، لتجنب المساس بمبدأ تكافؤ الفرص، عليه أن يتفادى كل تمييز بين المتعلِّمينن، كل تخويف (ترويع)، تبخيس، نبذ...
الجواب على السؤال الرابع : هل هناك فرقٌ بين تكافؤ الفرص نظريا وعلى أرض الواقع؟
أولا، على مستوى التصريح بالنوايا (الغايات) déclaration d'intentions، المتعلقة بالمنظومات التربوية، أي على الورق، يحظى تكافؤ الفرص بمكانة جد مهمة. ثانيا، أما على أرض الواقع، وبالأخص، في الوسط المدرسي، يجد تكافؤُ الفرص صعوباتٍ وعراقيلَ ليُترجمَ إلى شيء ملموس.
الجواب على السؤال الخامس : مَن هم ضحايا إخفاق المدرسة في ضمان تكافؤ الفرص؟
في المرتبة الأولى، يأتي المتعلمون. من خلال هؤلاء المتعلّمين، تأتي الأُسرُ. ومن خلال الأسر. يأتي المجتمع. ومن خلال هذا الأخير، ياتي البلد برمته. الكل يكون سببا في ضياع رأسمال بشري له قيمات مضافة تفقدها التنمية بجميع تجلِّياتها.
الجواب على السؤال السادس: ما هي الخسارات والأضرار المترتِّبة عن عدم احترام تكافؤ الفرص؟
عدمُ احترام تكافؤ الفرص، أولا، يكون سببا في هدرٍ مهولٍ في الرأسمال البشري، ناتجٌ جزئيا عن الرسوب المدرسي. ثانيا، على المستوى الاقتصادي، عدمُ الاحترام هذا يكون سببا في هدرُ جزء من المال العام. ثالثا، على المستوى الاجتماعي، عدمُ الاحترام يكون سببا في استفحال البطالة accroissement du chômage وانحراف الأحداث délinquance des adolescents. رابعا، عدمُ الاحترام يؤدِّي إلى المس بقيمة المنظومة التربوية. خامسا، يأتي التشكيك في سُمعة المدرسة العمومية. سادسا وأخيرا، إهمال مبدأ تكافؤ الفرص يقود إلى استفحال الفوارق الاجتماعية.
الجواب على السؤال السابع : ،ما هي العراقيل التي تعوق ترسيخَ مبدأ تكافؤ الفرص في الوسط المدرسي؟
أولا، السببُ الرئيسي في عدمِ ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص، هو الرسوب المدرسي échec scolaire. ثانيا، تأتي الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمتعلمين. ثالثا، يأتي ضُعفُ أو عدمُ احترام أدبيات déontologie وأخلاقيات éthique المهنة. رابعا، يأتي عدمُ التَّصدي، من طرف المدرسين، لما يوجد من تفاوتات différences بين المتعلِّمين من حيث قدرة التّعلُّم capacité d'apprentissage. خامسا وفي الختام، اختلالات في حكامة واشتغال المنظومة التربوية.
فيما يلي، سأتطرَّق بالتَّفصيل للعرقلتين الأولى والثانية المشار إليهما أعلاه، أي "الرسوب المدرسي" و "الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمتعلمين" واللتان تحُولان، بالأساس، دون تطبيقِ مبدأ تكافؤ الفرص على أرض واقعِ الوسط المدرسي.
أول عرقلةٍ هي الرسوب المدرسي échec scolaire. فيما يخصُّ هذأ الرسوب المدرسي، إنه مشكلٌ يحتِّم، ، في حد ذاته، على كل عاقل أن يطرحَ على نفسه التَّساؤل التالي: "هل، فعلا، الامتحانات وكل أنواع المراقبة التي يخضع لها المتعلِّمُ لاختبار مساره الدراسي، تُعطينا فكرةً صحيحةً exacte، دقيقة précise وموضوعية objective عن هذا المسار، وبالأخص، عن مستوى هذا المتعلِّم، الفكري والتعليمي التعلُّمي؟"
جوابا على التساءل، أقول وبدون تردُّدٍ، إن الامتحانات ومختلف أنواع المراقبة لا تُعطينا، على الأطلاق، صورةً حقيقيةً، دقيقة وموضوعية عن مستوى المتعلِّمين الفكري والتعليمي التعلُّمي. لماذا؟ لأن التنقيطَ الرقمي الذي يُسنَد للامتحانات ولمختلف أنواع المراقبة يختلط بذاتية subjectivité المدرسين، أو بعبارة أخرى، التنقيط يتأثَّر بذاتية هؤلاء المدرسين، وبالتالي، لا يمكن أن يكون إلا نسبيا. وكل ما هو نسبي لا يعبِّر عن الحقيقة كما هي. إنه تفسيرٌ قد يحتمل الخطأ كما قد يحتمل الصواب. وفضلا عن كل هذا، لا توجد حقيقةٌ مُطلقةٌ يمكن الرجوعُ إليها للتَّصدي لاحتمال الخطأ واحتمال الصواب.
وبما أن ضحايا التَّنقيط الذي تشوبُه النسبيةُ، هم المتعلِّمون، فإن بعض المنظومات التَّربوية تخلَّت عن التنقيط الرقمي، على الأقل، في مرحلة التعليم الأساسي (الإجباري) enseignement fondamental obligatoire. بل تخلَّت عن مفهومي الامتحانات والرسوب المدرسي، ولجأت إلى خَفضِ عددِ المتعلمين في القسم الواحد ليُصبحَ للمدرسين الوقتُ الكافي للتَّصدي للتفاوتات التَّعلُّمية التي يعاني منها البعضُ من هؤلاء المتعلّمين.
ثاني عرقلةٍ هي الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمتعلمين. وهذا مشكلٌ آخر يُحتِّم، هو الآخر، على كل عاقلٍ أن يطرحَ على نفسه التساءل التالي : "هل الطفل، عندما يلتحق بالمدرسة لأول مرة أو أثناء مساره الدراسي، يلتحق بهذه المدرسة ويترعرع فيها تاركاً وراءه ظروفَه الاجتماعية والاقتصادية؟ بل هل باستطاعته أن يتخلَّصَ من هذه الظروف سواءً عند التحاقه بالمدرسة لأول مرة أو أثناء مساره الدراسي؟"
جوابا على هذا التساءل، المنطق والعقل والعِلم (وخصوصا علم الاجتماع sociologie وكثير من الأبحاث في علوم التَّربية، وبالأخص، في الديداكتيك) يقولون : لا يمكن للمتعلِّم، سواءً عند التحاقه بالمدرسة لأول مرة أو أثناء مساره الدراسي، أن يتخلَّصَ من الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأنها جزء لا يتجزَّأ من تنشئته الاجتماعية. إنها ترافقه أينما حلَّ وارتحل ولها تأثيرٌ على مساره الدراسي. وهذا التَّأثيرُ قد يحُدُّ من قدرة المتعلمين على التَّعلُّم أو قد يُضعِفها. وبالتالي، تحدث تفاوتاتٌ في قدرة التَّعلُّم بين متعلِّمي نفس القسم الدراسي. وإذا لم يتصدَّ المدرسون لهذه التفاوتات، فمبدأ "تكافؤ الفرص" هو الذي يُضرِب عرضَ الحائط!
وفي غالب الأحيان، لا يُعيرُ المدرسون أي اهتمام للتفاوتات التَّعلُّمية لأسباب مختلفة، أذكرُ منها على الخصوص، اكتظاظ الأقسام وحتمية إتمام المقرَّرأت المدرسية قبل نهاية السنة الدراسية أو قبل حلول مواعد الامتحانات.
فيما يخصُّ اكتظاظَ الأقسام، إنه مُعضلةٌ لا تزال منظومتُنا التَّربوية تعاني منها. واكتظاظ الأقسام يتنافى مع تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص على أرض واقع الوسط المدرسي. فكيف للمدرسين أن يتصدَّوا للتفاوتات التَّعلُّمية في أقسامٍ يتجاوز عددُ المتعلِّمين فيها، أحيانا، 40 متعلِّما بينما العددُ، المتعارف عليه دوليا وتربويا، يجب أن يتراوحَ بين15 و 24 متعلِّما؟ فكيف للمدرسين أن يتصدَّوا للتفاوتات التَّعلُّمية وهم مهووسون بحتمية إتمام المقرَّرات الدراسية قبل نهاية السنة أو قبل حلول مواعد الامتحانات؟
وفي الختام، ما أؤكِّد عليه هو أننا بعيدون كل البعد عن المدرسة المثالية التي يتصورها أولياء التلاميذ والتي تكون مدة حياتها قصيرة جدا إذ تنتهي مباشرة بعد تسجيل المتعلمين لأول مرة لبدء مسارهم الدراسي. بمجرد ما تطأ قدمُهم أرض القسم، تبدأ المدرسة الواقعية، ذات الذوق المرير، مدرسة عدم تكافؤ الفرص.