ليس هناك وصفة جاهزة للتمييز بين المدرس الجيد والمدرس غير الجيد. ولو وُجِدت هذه الوصفةُ، لكانت وبالاً على المنظومة التربوية، وبالأخص، على المتعلِّمين. لأنه في هذه الحالة، ستُنتج المنظومة أشخاصا منمَّطين ومتشابهين فكريا. وهذا شيء غير مرغوب فيه وله خطورة على المجتمع ومخالف للطبيعة البشرية التي لا وجودَ لها إلا بالاختلاف والتَّغَيُّر.
ولهذا، نرى الباحثين التربويين يتنافسون في صياغة نظريات التَّعلُّم théories d’apprentissage. كل نظرية لها مزاياها ولها عيوبُها. فهناك النظريات التي تُعطي للمدرس حصَّة الأسد في العملية التعليمية التَّعلُّمية، وبالتالي، تكون مُتمحوِرةً حول تبليغ المعرفة أولا وقبل كل شيء. وهناك النظريات التي تُعطي للمتعلُّم حصةَ الأسد لتجعلَ منه محورَ وصُلبَ العملية التَّعليمية التَّعلُّمية، وبالتالي، ما يهمها هو تنميةُ شخصيةِ هذا المتعلِّم وصَقل قدراته الفكرية والتعلُّمية capacités intellectuelles et cognitives.
في هذه الحالة، تصبح ملقاةً على عاتق المدرس مسئولية اختيار النظريات التي تلائم، أولا، سِنَّ المُتعلِّمين وقدراتهم الفكرية واللغوية، وثانيا، الظروفَ التي يعمل فيها. واختيارُ النظريات المُلائمة يقتضي من المدرس أن يعرفَ متعلِّميه معرفة اجتماعية، تربوية ونفسية. ولماذا أقول النظريات وليس النظرية؟ لأن المُدرِّسَ، حين قيامه بالعملية التَّعليمية التَّعلُّمية، غالبا ما يكون مضطرا للمزج بين عدة نظريات للتَّعلُّم. وهذا شيء ليس بالهيِّن ولن يقدرَ عليه إلا المدرِّس الرفيعُ مستوى تكوينِه وعلى بيِّنة مما يجري في الساحة التربوية من أبحاث وإنجازات وتجارب…
ولهذا، فجودة أداء المُدرِّس ليست مقترنةً حصريا بإتقانه لمادة تدريسه فحسب، ولكن بقدرته على استعمال نظريات التَّعلُّم والمزج بينها في المكان والزمان المناسبين. والمزج بين نظريات التعلُّم يعني الانتقال من هذه النظرية إلى أخرى وهكذا. وهذا الانتقال بين النظريات يتغيَّر من درس إلى آخر ومن مادة إلى أخرى ومن ظرف إلى آخر. وهذا هو ما لا يسمح لجودة أداء المُدرِّس أن تكونَ وصفةً جاهزةً للاستعمال.
ولماذا نقول : "نظرية التَّعلُّمِ" وليس "نظرية التَّعليم"؟
أولا، لأن المدرسةَ خُلِقت من أجل المُتعلِّم وليس العكس. ثانيا، لماذا يذهب المُتعلِّم إلى المدرسة؟ ليتعلَّمَ. ولكي يتعلَّمْ، من الضروري أن يفهم. ولكي يفهم، لا بد أن يستعملَ قدراته الفكرية. ثالثا، سُمِّيَ التَّعلُّمُ تعلُّماً (التَّعلُّم = تعليم ذاتي، أي أن المتعلِّمَ يعلِّم نفسَه بنفسِه، لكن بمساعدة المدرس) لأنه ينطلق دائما من المُتعلِّم. وهنا، يظهر دورُ المُدرِّس الذي يجب أن يتمحورَ حول مساعدة المُتعلِّم على استعمال قدراته الفكرية ليفهمَ. رابعا، كي يساعدَ المدرِّسُ المُتعلِّمَ على الفهم، لا بدَّ أن يلجأَ إلى وسائل تربوية، بيداغوجية وديداكتيكية تمكِّنه من تحقيق هذا الهدف. وهنا، تظهر الأهمية الأساسية لنظريات التَّعلُّم. وتظهر كذلك أهمِّية التَّمييز بين نظريات التَّعلُّم.
وفي نهاية المطاف، يجب أن تستجيبَ المدرسةُ لتَعَطُّش المُتعلِّم إلى الفهم، أي إلى مساعدتِه على تنمية قُدراته التَّعلُّمية capacités d'apprentissage. وقُدراتُه التَّعلُّمية لا يمكن أن تنموَ بدون تعويده على الفكر النقدي esprit critique والتحليل analyse والتركيب synthèse والاستقراء induction والاستنتاج déduction والمقارنة comparaison والتنظير théorisation وبناء المفاهيم conceptualisation والتنظيم organisation والملاحظة observation والتَّعوُّد على حل المشكلات résolution des problèmes وأخذ المبادرة prise d'initiative واتخاذ القرارات prise de décisions وتخزين المعلومة mémorisation وإتقان لغة التَّواصل maîtrise de la langue de communication والتركيز concentration…
هناك العديد من نظريات التَّعلُّم تساعد على تنمية هذه القدرات الفكرية. لكن نجاعتَها داخل الأقسام لها علاقة وطيدة بالتَّكوين الرفيع المستوى للمُدرِّسين! وأهمُّ شيءٍ في هذا التَّكوين، هو قدرةُ المدرسين، أثناءَ تدخُّلاتهم التَّعليمية التَّعلُّمية داخلَ الأقسام، على المزج بين التَّعليم والتربية. والمقصود هنا بالتَّربية ليس فقط المعنى المرتبط بالآداب والأخلاق. المقصود هو التَّأثيرُ على شخصية المتعلِّمين لتنتقلَ من حسنٍ إلى أحسن. وبعبارة أخرى، التَّعليم يجب أن بستهدفَ، في آنٍ واحد، إغناءَ معارف المتعلِّمين وبناءَ شخصيتهم.
انطلاقا من هذه الاعتبارات، من المفيد التذكير بأن المدرس، فضلا عن دوره في نقل المعرفة والتثقيف، هو، أولا وقبل كل شيء، مربي. فالمعرفة التي يبلِّغها للمتعلم يجب أن تُعتبرَ كوسيلة لضمان تربية (كما تمَّ توضيحُها أعلاه) هذا الأخير. وكما يُلاحَظ في غالب الأحيان، فإن وظيفةَ التربيةِ تلاشت في بعض المنظومات التَّعليمية حيث يسود خلطٌ مفاهيمي بين "التربية" و"التعليم".
تحت ضغط الممارسات المتكررة pratiques répétitives والاعتياد habituation ونظرا لعدم الملاءمة بين التكوين الأولي والمستمر formation initiale et continue أو لضعف التتبع أو التقييم...، أصبح التعليمُ، بمعناه التلقيني (تبليغ المعرفة transmission des connaissances)، يطغى على التربية، بل قد يُلغيها كليا. وليس من المبالغ فيه أن نقول إن هذا الوضعَ أصبح محلَّ مَوْضَعَةٍ objectivation (من مَوْضَعَ : أعطى لشيءٍ واقعا حقيقيا أو ألبسه وضعَ الحقيقة rendre objectif) ضمنية من طرف، أولا، هيئة التدريس وثانيا، من طرف الوسط المدرسي.
فلا غرابةَ إذن أن تكون منزلةُ statut المدرس صورة تامة للوضع المذكور، المُمَوضَع objectivé. وهذه الصورة ناتجة عن تمثُّلٍ représentation لتعليمٍ سببُ وجوده الرئيسي هو تبليغُ المعرفةِ. في هذه الحالة، يُعتبر المدرسُ كمالك للمعرفة. بل أكثر من هذا، تُعتبر معارفُه المُبلَّغة للمتعلِّمين حقيقة لا جدال فيها أو لا يمكن التشكيك فيها من طرف المتعلم علما أن التاريخ يُبيِّن لنا أن تطورات المعرفة هي نتيجةٌ لإعادات نظرٍ متكررة في نظريات ومبادئ سبق الاعترافُ بها كونيا.
وهذا يعني أن التعليم، كعمل activité أو ممارسة pratique، عوض أن يكون منطلقُه المتعلم، يتم احتكارُه من طرف المدرس حيث أن هذا الأخير، معتقدا هو نفسُه، أحيانا، أن معرفتَه صورة للحقيقة، يركِّز اهتمامَه على كيفية "نقل متقن" للمعرفة une transmission correcte du savoir من مكان إلى آخر، أي منه إلى المتعلم. كل الجهد المبذول من طرف المدرس يتم استغلالُه لتحويل كيفية "النقل المتقن" إلى طرائق وخطوات وأساليب وتقنيات... وباختصار، سيُحدِث ظروفَ وحيثياتِ تبليغٍ جيد لمعارفَ جاهزة ولكن على حساب الوضع النَّفسي/التَّربوي للمتعلم statut psychopédagogique de l'apprenant.
إن هذه الكيفية، رغم أن بعض المدرسين يحاولون إخفاءها ببذل جهد على مستوى القول parole (التواصل communication) والإيضاح illustration، تعطي للفعل التعليمي طابعا توجيهيا directif يمكن أن يقود إلى الجزمية dogmatisme (الدوغمائية) التي تكبح بروز القدرات الفكرية للمتعلمين، أي تنمية فكرهم النقدي وتكوين شخصيتهم. بكل بساطة، سيصبح هؤلاء المتعلمون مجرد متلقين ومستهلكين غير نشيطين للمعرفة récepteurs et consommateurs inactifs du savoir.
وحتى تعودَ للتربية المكانةُ اللائقةُ بها في الفعل التعليمي acte d'enseignement، يجب القيامُ بتغيير جذري للوضع الإبستيمولوجي للمدرس ليتخلَّص تدريجيا من التصورات التي كوَّنها عن نفسه، عن بيداغوجيته، عن المعرفة وعن المتعلم. و هذا التغيير، يجب أن يحدث، أولا، على المستوى الفكري وثانيا، على مستوى علاقة المدرس بالمعرفة وكذلك على مستوى العلاقة مدرس/متعلمون. لا يمكن أن يكون مالكا للحقيقة لأن المعرفة التي ينقل احتمالية وديداكتيكيا، نسبية. فعليه إذن أن يغيِّرَ دورَه ليتحول إلى مسهل لبناء أو إعادة بناء المعرفة واستبطانها (تملُّكها) من طرف المتعلمين. في هذه الحالة، يجب على المدرس، عندما يكون منهمِكا في تبليغ المعرفة، أن يفتحَ حوارا حولها تكون للمتعلمين مساهمةٌ مكثفةٌ فيه. و لن يتأتَّى هذا إلا إذا استطاعَ المدرِّسُ أن يجعلَ من العملية التَّعليميم-التَّعلُّمية مزحاً بين التَّعليم والتَّربية.
ما أختم به هذه المقالة، هو أن نشاطَ المدرس داخلَ القسم، لا يمكن، على الإطلاق، أن يُختزَلَ في وصفة جاهزة قابلة للتَّطبيق في كل زمانٍ ومكانٍ. المدرس المقتدر هو ذلك الشخص المتوفِّر على تكوينٍ رفيع المستوى يجعله قادرا على تكييف نشاطِه داخلَ القسم حسب ما تقتضيه مهمَّتُه الأساسية، أي التَّعليم، ومن خلال هذا التَّعليم، التَّربية. وبعبارة أخرى، أن يكونَ قادرا، أثناءَ نشاطِه داخلَ القسم، أن يمزجَ بين التَّعليم والتَّربية.
ولهذا، نرى الباحثين التربويين يتنافسون في صياغة نظريات التَّعلُّم théories d’apprentissage. كل نظرية لها مزاياها ولها عيوبُها. فهناك النظريات التي تُعطي للمدرس حصَّة الأسد في العملية التعليمية التَّعلُّمية، وبالتالي، تكون مُتمحوِرةً حول تبليغ المعرفة أولا وقبل كل شيء. وهناك النظريات التي تُعطي للمتعلُّم حصةَ الأسد لتجعلَ منه محورَ وصُلبَ العملية التَّعليمية التَّعلُّمية، وبالتالي، ما يهمها هو تنميةُ شخصيةِ هذا المتعلِّم وصَقل قدراته الفكرية والتعلُّمية capacités intellectuelles et cognitives.
في هذه الحالة، تصبح ملقاةً على عاتق المدرس مسئولية اختيار النظريات التي تلائم، أولا، سِنَّ المُتعلِّمين وقدراتهم الفكرية واللغوية، وثانيا، الظروفَ التي يعمل فيها. واختيارُ النظريات المُلائمة يقتضي من المدرس أن يعرفَ متعلِّميه معرفة اجتماعية، تربوية ونفسية. ولماذا أقول النظريات وليس النظرية؟ لأن المُدرِّسَ، حين قيامه بالعملية التَّعليمية التَّعلُّمية، غالبا ما يكون مضطرا للمزج بين عدة نظريات للتَّعلُّم. وهذا شيء ليس بالهيِّن ولن يقدرَ عليه إلا المدرِّس الرفيعُ مستوى تكوينِه وعلى بيِّنة مما يجري في الساحة التربوية من أبحاث وإنجازات وتجارب…
ولهذا، فجودة أداء المُدرِّس ليست مقترنةً حصريا بإتقانه لمادة تدريسه فحسب، ولكن بقدرته على استعمال نظريات التَّعلُّم والمزج بينها في المكان والزمان المناسبين. والمزج بين نظريات التعلُّم يعني الانتقال من هذه النظرية إلى أخرى وهكذا. وهذا الانتقال بين النظريات يتغيَّر من درس إلى آخر ومن مادة إلى أخرى ومن ظرف إلى آخر. وهذا هو ما لا يسمح لجودة أداء المُدرِّس أن تكونَ وصفةً جاهزةً للاستعمال.
ولماذا نقول : "نظرية التَّعلُّمِ" وليس "نظرية التَّعليم"؟
أولا، لأن المدرسةَ خُلِقت من أجل المُتعلِّم وليس العكس. ثانيا، لماذا يذهب المُتعلِّم إلى المدرسة؟ ليتعلَّمَ. ولكي يتعلَّمْ، من الضروري أن يفهم. ولكي يفهم، لا بد أن يستعملَ قدراته الفكرية. ثالثا، سُمِّيَ التَّعلُّمُ تعلُّماً (التَّعلُّم = تعليم ذاتي، أي أن المتعلِّمَ يعلِّم نفسَه بنفسِه، لكن بمساعدة المدرس) لأنه ينطلق دائما من المُتعلِّم. وهنا، يظهر دورُ المُدرِّس الذي يجب أن يتمحورَ حول مساعدة المُتعلِّم على استعمال قدراته الفكرية ليفهمَ. رابعا، كي يساعدَ المدرِّسُ المُتعلِّمَ على الفهم، لا بدَّ أن يلجأَ إلى وسائل تربوية، بيداغوجية وديداكتيكية تمكِّنه من تحقيق هذا الهدف. وهنا، تظهر الأهمية الأساسية لنظريات التَّعلُّم. وتظهر كذلك أهمِّية التَّمييز بين نظريات التَّعلُّم.
وفي نهاية المطاف، يجب أن تستجيبَ المدرسةُ لتَعَطُّش المُتعلِّم إلى الفهم، أي إلى مساعدتِه على تنمية قُدراته التَّعلُّمية capacités d'apprentissage. وقُدراتُه التَّعلُّمية لا يمكن أن تنموَ بدون تعويده على الفكر النقدي esprit critique والتحليل analyse والتركيب synthèse والاستقراء induction والاستنتاج déduction والمقارنة comparaison والتنظير théorisation وبناء المفاهيم conceptualisation والتنظيم organisation والملاحظة observation والتَّعوُّد على حل المشكلات résolution des problèmes وأخذ المبادرة prise d'initiative واتخاذ القرارات prise de décisions وتخزين المعلومة mémorisation وإتقان لغة التَّواصل maîtrise de la langue de communication والتركيز concentration…
هناك العديد من نظريات التَّعلُّم تساعد على تنمية هذه القدرات الفكرية. لكن نجاعتَها داخل الأقسام لها علاقة وطيدة بالتَّكوين الرفيع المستوى للمُدرِّسين! وأهمُّ شيءٍ في هذا التَّكوين، هو قدرةُ المدرسين، أثناءَ تدخُّلاتهم التَّعليمية التَّعلُّمية داخلَ الأقسام، على المزج بين التَّعليم والتربية. والمقصود هنا بالتَّربية ليس فقط المعنى المرتبط بالآداب والأخلاق. المقصود هو التَّأثيرُ على شخصية المتعلِّمين لتنتقلَ من حسنٍ إلى أحسن. وبعبارة أخرى، التَّعليم يجب أن بستهدفَ، في آنٍ واحد، إغناءَ معارف المتعلِّمين وبناءَ شخصيتهم.
انطلاقا من هذه الاعتبارات، من المفيد التذكير بأن المدرس، فضلا عن دوره في نقل المعرفة والتثقيف، هو، أولا وقبل كل شيء، مربي. فالمعرفة التي يبلِّغها للمتعلم يجب أن تُعتبرَ كوسيلة لضمان تربية (كما تمَّ توضيحُها أعلاه) هذا الأخير. وكما يُلاحَظ في غالب الأحيان، فإن وظيفةَ التربيةِ تلاشت في بعض المنظومات التَّعليمية حيث يسود خلطٌ مفاهيمي بين "التربية" و"التعليم".
تحت ضغط الممارسات المتكررة pratiques répétitives والاعتياد habituation ونظرا لعدم الملاءمة بين التكوين الأولي والمستمر formation initiale et continue أو لضعف التتبع أو التقييم...، أصبح التعليمُ، بمعناه التلقيني (تبليغ المعرفة transmission des connaissances)، يطغى على التربية، بل قد يُلغيها كليا. وليس من المبالغ فيه أن نقول إن هذا الوضعَ أصبح محلَّ مَوْضَعَةٍ objectivation (من مَوْضَعَ : أعطى لشيءٍ واقعا حقيقيا أو ألبسه وضعَ الحقيقة rendre objectif) ضمنية من طرف، أولا، هيئة التدريس وثانيا، من طرف الوسط المدرسي.
فلا غرابةَ إذن أن تكون منزلةُ statut المدرس صورة تامة للوضع المذكور، المُمَوضَع objectivé. وهذه الصورة ناتجة عن تمثُّلٍ représentation لتعليمٍ سببُ وجوده الرئيسي هو تبليغُ المعرفةِ. في هذه الحالة، يُعتبر المدرسُ كمالك للمعرفة. بل أكثر من هذا، تُعتبر معارفُه المُبلَّغة للمتعلِّمين حقيقة لا جدال فيها أو لا يمكن التشكيك فيها من طرف المتعلم علما أن التاريخ يُبيِّن لنا أن تطورات المعرفة هي نتيجةٌ لإعادات نظرٍ متكررة في نظريات ومبادئ سبق الاعترافُ بها كونيا.
وهذا يعني أن التعليم، كعمل activité أو ممارسة pratique، عوض أن يكون منطلقُه المتعلم، يتم احتكارُه من طرف المدرس حيث أن هذا الأخير، معتقدا هو نفسُه، أحيانا، أن معرفتَه صورة للحقيقة، يركِّز اهتمامَه على كيفية "نقل متقن" للمعرفة une transmission correcte du savoir من مكان إلى آخر، أي منه إلى المتعلم. كل الجهد المبذول من طرف المدرس يتم استغلالُه لتحويل كيفية "النقل المتقن" إلى طرائق وخطوات وأساليب وتقنيات... وباختصار، سيُحدِث ظروفَ وحيثياتِ تبليغٍ جيد لمعارفَ جاهزة ولكن على حساب الوضع النَّفسي/التَّربوي للمتعلم statut psychopédagogique de l'apprenant.
إن هذه الكيفية، رغم أن بعض المدرسين يحاولون إخفاءها ببذل جهد على مستوى القول parole (التواصل communication) والإيضاح illustration، تعطي للفعل التعليمي طابعا توجيهيا directif يمكن أن يقود إلى الجزمية dogmatisme (الدوغمائية) التي تكبح بروز القدرات الفكرية للمتعلمين، أي تنمية فكرهم النقدي وتكوين شخصيتهم. بكل بساطة، سيصبح هؤلاء المتعلمون مجرد متلقين ومستهلكين غير نشيطين للمعرفة récepteurs et consommateurs inactifs du savoir.
وحتى تعودَ للتربية المكانةُ اللائقةُ بها في الفعل التعليمي acte d'enseignement، يجب القيامُ بتغيير جذري للوضع الإبستيمولوجي للمدرس ليتخلَّص تدريجيا من التصورات التي كوَّنها عن نفسه، عن بيداغوجيته، عن المعرفة وعن المتعلم. و هذا التغيير، يجب أن يحدث، أولا، على المستوى الفكري وثانيا، على مستوى علاقة المدرس بالمعرفة وكذلك على مستوى العلاقة مدرس/متعلمون. لا يمكن أن يكون مالكا للحقيقة لأن المعرفة التي ينقل احتمالية وديداكتيكيا، نسبية. فعليه إذن أن يغيِّرَ دورَه ليتحول إلى مسهل لبناء أو إعادة بناء المعرفة واستبطانها (تملُّكها) من طرف المتعلمين. في هذه الحالة، يجب على المدرس، عندما يكون منهمِكا في تبليغ المعرفة، أن يفتحَ حوارا حولها تكون للمتعلمين مساهمةٌ مكثفةٌ فيه. و لن يتأتَّى هذا إلا إذا استطاعَ المدرِّسُ أن يجعلَ من العملية التَّعليميم-التَّعلُّمية مزحاً بين التَّعليم والتَّربية.
ما أختم به هذه المقالة، هو أن نشاطَ المدرس داخلَ القسم، لا يمكن، على الإطلاق، أن يُختزَلَ في وصفة جاهزة قابلة للتَّطبيق في كل زمانٍ ومكانٍ. المدرس المقتدر هو ذلك الشخص المتوفِّر على تكوينٍ رفيع المستوى يجعله قادرا على تكييف نشاطِه داخلَ القسم حسب ما تقتضيه مهمَّتُه الأساسية، أي التَّعليم، ومن خلال هذا التَّعليم، التَّربية. وبعبارة أخرى، أن يكونَ قادرا، أثناءَ نشاطِه داخلَ القسم، أن يمزجَ بين التَّعليم والتَّربية.