من المؤسف أن يكرر بعض الدارسين، من غير روية، ولا تفكير، الزعم بأن القصة القصيرة في طريقها للزوال، وأن الرواية هي الفن الأدبي النثري المرشح للحلول مكانها في الأدب.
ونحن في هذه الكلمة لا نود الرد على هذه المزاعم التي لا تخلو من تسرع، ولا ننكر ما يعرف بانقراض الفنون الأدبية، وظهور فنون أخرى بدلا منها أكثر ملاءمة لروح العصر. ولا يفوتنا أن نذكر بأن الملحمة مثلا - وهي فن أدبي قديم - قد توارت ليظهر بدلا منها فنّ الرواية، وأن فنا مثل المسرحية التقليدية الشعرية قد توارت هي الأخرى لتظهر عوضًا عنها المسرحية النثرية، وعلى هذا النمط انقرضت المقامة ليظهر عوضًا عنها فن الحكاية، والقصة القصيرة في الأدب العربي الحديث. ولكن ما نبتغي الإشارة له، والتنبيه عليه، هو أنّ فن القصة القصيرة يعَدّ، بصورة من الصُّوَر، فنًا جديدًا حديثا ووليدًا. ولسنا نعرف حتى يومنا هذا تراثا في هذا الفنّ يتجاوز القرن التاسع عشر في حين أن الرواية معروفة، وراسخة الجذور جدًا، منذ القرن الثامن عشر، فكبار الروائيين الكلاسيكيين من أمثال ديفو وفيلدنج ظهروا في ذلك القرن، في حين أن جهابذة القصة القصيرة الذين يشار إليهم بالبنان من مثل جي دي موباسان(1850- 1893) ، وأدجار آلان بو(1809- 1849)، وأنطون تشيخوف (1960- 1904)، وكاترين مانسفيلد(1888- 1923)، وسومرست موم (1874- 1965)، وغيرهم... هم من أعيان القرن التاسع عشر، وامتد العمر ببعضهم إلى القرن العشرين، ومعنى هذا أن القصة القصيرة من حيث هي نوع سردي: فنّ أدبي حديث النشأة، وليس بقديم قدم القصيدة، أو الرواية، أو المسرحية، مثلما يظنُّ بعض الباحثين.
وقد لوحظ عزوفُ النقد الأكاديمي عن الاعتراف بالقصة القصيرة حتى بدايات القرن العشرين. هذا على الرغم من أن بعض كتابها برعوا في نقد القصة، والتنظير لها، ومن هؤلاء أدجار آلان بو Poe. وقد عدّ بعض مؤرخي الأدب هذا القاص الأمريكي مؤسّسًا، أو مبتدعًا لنظرية القصة القصيرة، مثلما عد بعض الأوروبيين موباسان Maupassant أبا للقصّة الغربيّة. وفي الكتاب الذي صدر حديثا بعُنوان ' القصة القصيرة - حقيقة الإبداع ' لتشارلز ماي أستاذ اللغة والنقد الأدبي في جامعة لونغ بيتش في ولاية كاليفورنيا، الذي ترجمه للعربية ترجمة جيدة ناصر العجيلان، الأستاذ المساعد في جامعة الملك سعود، وصدر عن النادي الأدبي بحائل، ودار الانتشار العربي في بيروت2011، ما يؤكد أنَّ الاهتمام بهذا الفن لم يبدأ بصورة جادة إلا في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل العشرين، على الرغم من أنه شهد سلسلة من التغييرات أدت إلى ظهور أشكال نمطية متعَدّدة منه، ولكنَّ ما كُتبَ عنْ هاتيك الأنماط لم يتعدَّ الوصفَ البسيط.
وقد أسْهمتْ مُلاحظات بو Poe عن الشكل الفنّي في ظهور بعض أساسيات النقد القصصي المُستقل عن نقد الرواية، الذي كان قد قطع شوطًا كبيرًا. فقد التفت النقاد لحديث (بو) عن الوَحْدة، والتفرُّد، والتأثير، وهي عناصرُ تؤدّي في رأيه لضرب من التأثير لا تحدثهُ الأعْمال الكبرى. ومن هنا تكوَّن لدى النقاد انطباعٌ عن التقارب بين القصة القصيرة والقصيدة من هذا الوجه، فكلتاهما يستطيع القارئ أنْ يحيط بمجمل ما فيهما إحاطة تامة في لحظة قصيرةٍ منَ الزَمن. وقد التفت نقاد الرواية لحديث بو Poeعن أثر الشخصية المفردة في القصة القصيرة، وشرعوا يأخذون بمبدأ القاعدة التي تقوم على وحدة الحدث، والحبكة، والشخصية، والأثر في القصة القصيرة. وذلك شيءٌ مغايرٌ تمامًا لما اعتاده النقد الروائي. وممَّن اهتمَّ بنقد القصة القصيرة ماثيوز الذي عُني بنظرياتها عند بوPoe مُؤكدًا في هذا المقام ما تميّزتْ به قصص بو Poe من اهتمام بنفسيّة الشخصية، ومن إسناد السرد للراوي المشارك باستخدام ضمير المُتكلم، والعناية المُفرطة بنهايات القصص.
ومن نقاد القصة القصيرة باري بنْ الذي صدر له كتاب عن الشكل في القصة القصيرة، وتلاهُ كتابٌ ' تقدُّمُ القصة القصيرة ' لويليم أوبراين، وآخر بعنوان ' رقصُ الآلات ' سماهُ مؤلفه بهذا نظرًا لاعتقاده بشيوع نمط آلي في كتابة القصة القصيرة. وقد أتى على كتاب القصة، وعلى نقادها، حينٌ من الدهر اعتقدوا فيه، مُحقّين، أنَّ القصَّة القصيرة منْ أكثر الفنون الأدبية تقلبًا، ممّا حال دون الاتفاق على ' مجموعة من السمات التي تميز القصة من غيرها، فهْي تعتمد على الحوادث، والحوادثُ موجودةٌ في جل فنون السّرْد، والسرد اللفظي وهذا أيضًا قائم في الفنون الأخرى، والبناء الذي تنعَكِسُ فيه عشوائيّة الواقع. ' بمعنى أنّ النقد لم يتوصل لوضع معايير منضبطة، ومقاييس ثابتة، لفنّ القصة. ولعلَّ أول من حاول أن يضعَ سلّما متدرّجاً من المعايير التي يتصف بها هذا الفن هو H.S.Kanby في كتابه ' القصة القصيرة في اللغة الإنجليزية ' فأبْرزُ ما يميزها في رأيه، هو: الخلاصة، أو الذرْوَة، التي تنتهي بها القصَّة، وأنّ القصة التي تتضمَّن حدَثا، وموقفًا، وشخصيّة، ترتكز في الأساس على تلك النهاية، والأثر الذي ينبثقُ منها، أو يترتب عليها. وتنبّهَ بيلس بيري في دراسةٍ لهُ لشيءٍ آخر يميز القصة اللقصيرة، وهو النبْرة، فالقصص الحديث يهتم بالنبرة بهَدف إحْداثِ تأثير مُعيَّن. ولاحظ نقادٌ آخرون مزايا أخرى، منها على سبيل المثال: استخدام الأساليب الشعرية، كالاتكاء على الأسْطورَة، والتوسُّع في استخدام المَجاز، والصّوَر، والاقتراب أكثر فأكثرَ منْ لغةِ القصيدَة.
ويشير المؤلفُ تشارلز ماي إلى اهتمام ' النقد الجديد ' الأمريكي بالقصة القصيرة، اهتمامًا فاق اهتمامَهُ بالروايَة، أما الشكليّون الروس، فقد احتلتْ القصة القصيرة حجَر الزاوية في نظريتهم لتحليل السرْد، ولا سيما لدى إيخنباوم الذي فرَّق بين الرواية والقصة القصيرة تفريقًا يُذكّرُنا بما سَبَق أنْ ذكرهُ كانبي في ' القصة القصيرة في اللغة الإنجليزية '. فالرواية تحتوي- في رأيه - نقاط تنفيس عدَّة، أما القصّة القصيرة، فإنَّ ثقلها يَتراكمُ باتجاهِ النهايَة، أوْ الخاتمة، وهذا هو الذي يمْنحُها جاذبيّة شعبيَّة، ينكرها النقاد للأسَف، فهم يروْنَ فيها نهاياتٍ مُخادعة، أو نمطيّة، مثلما هي عنْدَ أو هنْري (1862- 1910).ولا تخلو قواعد كتابة القصة القصيرة التي يراعيها النقاد بصفَةٍ عامّة من: التناسق الدرامي المُحْكَم، الذي يتطلَّبُ التكثيفَ في سرد الحدث، وتقديم الشخصية، والنغمة الشعرية في المَلفوظ السرْديّ، والتركيز على النسَق الجماليّ، والالتزام بتقنيتيْ الاختصار، والحذف.
ومنْ يُطلْ التأمّل في فصول هذا الكتاب، سواءٌ منها ما يتعلق بنشأة هذا الفن نشأةً التبس فيها بالحكايات الشعبية، والخرافية، وقصص الحيوان، والأساطير، أو فيما يتصل بتغيُّر هذا المَنحى لفنٍّ آخرَ أقربَ ما يكون إلى القصة الطويلة، ثمّ جنوحُه في أواخر القرن الثامن عشر للتركيز بدلا من الامتداد الأفقي، وظهور قصة القرن التاسع عشر ذات الطبيعة الواقعية القريبة من مُحاكاة الحياة اليومية، وتألق بعض الكتاب- كالذين ذكرنا أسماءَهم - وما جدَّ منْ عناية فائقةٍ، واهتمام ملحوظ بالقيم البنائية، والشكلية، للقصة، يستنتجْ من ذلك كُلّهِ أنَّ ما قيلَ، أوْ يُقالُ، عن أنَّ هذا الفنّ في طريقه للانقراض مَحْضُ أوهام يفنّدُها الواقع، وأنَّ العكْسَ هو الصحيح؛ فهي فنّ يواصلُ الصعودَ، بدليل أنَّ مقاييسَهُ النقديّة لم تبلغ حدًا منَ الثبوت، أو الجمود، أو التحجّر، الذي بلغته مقاييس الإبْداع في فنون أخْرى.
ونحن في هذه الكلمة لا نود الرد على هذه المزاعم التي لا تخلو من تسرع، ولا ننكر ما يعرف بانقراض الفنون الأدبية، وظهور فنون أخرى بدلا منها أكثر ملاءمة لروح العصر. ولا يفوتنا أن نذكر بأن الملحمة مثلا - وهي فن أدبي قديم - قد توارت ليظهر بدلا منها فنّ الرواية، وأن فنا مثل المسرحية التقليدية الشعرية قد توارت هي الأخرى لتظهر عوضًا عنها المسرحية النثرية، وعلى هذا النمط انقرضت المقامة ليظهر عوضًا عنها فن الحكاية، والقصة القصيرة في الأدب العربي الحديث. ولكن ما نبتغي الإشارة له، والتنبيه عليه، هو أنّ فن القصة القصيرة يعَدّ، بصورة من الصُّوَر، فنًا جديدًا حديثا ووليدًا. ولسنا نعرف حتى يومنا هذا تراثا في هذا الفنّ يتجاوز القرن التاسع عشر في حين أن الرواية معروفة، وراسخة الجذور جدًا، منذ القرن الثامن عشر، فكبار الروائيين الكلاسيكيين من أمثال ديفو وفيلدنج ظهروا في ذلك القرن، في حين أن جهابذة القصة القصيرة الذين يشار إليهم بالبنان من مثل جي دي موباسان(1850- 1893) ، وأدجار آلان بو(1809- 1849)، وأنطون تشيخوف (1960- 1904)، وكاترين مانسفيلد(1888- 1923)، وسومرست موم (1874- 1965)، وغيرهم... هم من أعيان القرن التاسع عشر، وامتد العمر ببعضهم إلى القرن العشرين، ومعنى هذا أن القصة القصيرة من حيث هي نوع سردي: فنّ أدبي حديث النشأة، وليس بقديم قدم القصيدة، أو الرواية، أو المسرحية، مثلما يظنُّ بعض الباحثين.
وقد لوحظ عزوفُ النقد الأكاديمي عن الاعتراف بالقصة القصيرة حتى بدايات القرن العشرين. هذا على الرغم من أن بعض كتابها برعوا في نقد القصة، والتنظير لها، ومن هؤلاء أدجار آلان بو Poe. وقد عدّ بعض مؤرخي الأدب هذا القاص الأمريكي مؤسّسًا، أو مبتدعًا لنظرية القصة القصيرة، مثلما عد بعض الأوروبيين موباسان Maupassant أبا للقصّة الغربيّة. وفي الكتاب الذي صدر حديثا بعُنوان ' القصة القصيرة - حقيقة الإبداع ' لتشارلز ماي أستاذ اللغة والنقد الأدبي في جامعة لونغ بيتش في ولاية كاليفورنيا، الذي ترجمه للعربية ترجمة جيدة ناصر العجيلان، الأستاذ المساعد في جامعة الملك سعود، وصدر عن النادي الأدبي بحائل، ودار الانتشار العربي في بيروت2011، ما يؤكد أنَّ الاهتمام بهذا الفن لم يبدأ بصورة جادة إلا في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل العشرين، على الرغم من أنه شهد سلسلة من التغييرات أدت إلى ظهور أشكال نمطية متعَدّدة منه، ولكنَّ ما كُتبَ عنْ هاتيك الأنماط لم يتعدَّ الوصفَ البسيط.
وقد أسْهمتْ مُلاحظات بو Poe عن الشكل الفنّي في ظهور بعض أساسيات النقد القصصي المُستقل عن نقد الرواية، الذي كان قد قطع شوطًا كبيرًا. فقد التفت النقاد لحديث (بو) عن الوَحْدة، والتفرُّد، والتأثير، وهي عناصرُ تؤدّي في رأيه لضرب من التأثير لا تحدثهُ الأعْمال الكبرى. ومن هنا تكوَّن لدى النقاد انطباعٌ عن التقارب بين القصة القصيرة والقصيدة من هذا الوجه، فكلتاهما يستطيع القارئ أنْ يحيط بمجمل ما فيهما إحاطة تامة في لحظة قصيرةٍ منَ الزَمن. وقد التفت نقاد الرواية لحديث بو Poeعن أثر الشخصية المفردة في القصة القصيرة، وشرعوا يأخذون بمبدأ القاعدة التي تقوم على وحدة الحدث، والحبكة، والشخصية، والأثر في القصة القصيرة. وذلك شيءٌ مغايرٌ تمامًا لما اعتاده النقد الروائي. وممَّن اهتمَّ بنقد القصة القصيرة ماثيوز الذي عُني بنظرياتها عند بوPoe مُؤكدًا في هذا المقام ما تميّزتْ به قصص بو Poe من اهتمام بنفسيّة الشخصية، ومن إسناد السرد للراوي المشارك باستخدام ضمير المُتكلم، والعناية المُفرطة بنهايات القصص.
ومن نقاد القصة القصيرة باري بنْ الذي صدر له كتاب عن الشكل في القصة القصيرة، وتلاهُ كتابٌ ' تقدُّمُ القصة القصيرة ' لويليم أوبراين، وآخر بعنوان ' رقصُ الآلات ' سماهُ مؤلفه بهذا نظرًا لاعتقاده بشيوع نمط آلي في كتابة القصة القصيرة. وقد أتى على كتاب القصة، وعلى نقادها، حينٌ من الدهر اعتقدوا فيه، مُحقّين، أنَّ القصَّة القصيرة منْ أكثر الفنون الأدبية تقلبًا، ممّا حال دون الاتفاق على ' مجموعة من السمات التي تميز القصة من غيرها، فهْي تعتمد على الحوادث، والحوادثُ موجودةٌ في جل فنون السّرْد، والسرد اللفظي وهذا أيضًا قائم في الفنون الأخرى، والبناء الذي تنعَكِسُ فيه عشوائيّة الواقع. ' بمعنى أنّ النقد لم يتوصل لوضع معايير منضبطة، ومقاييس ثابتة، لفنّ القصة. ولعلَّ أول من حاول أن يضعَ سلّما متدرّجاً من المعايير التي يتصف بها هذا الفن هو H.S.Kanby في كتابه ' القصة القصيرة في اللغة الإنجليزية ' فأبْرزُ ما يميزها في رأيه، هو: الخلاصة، أو الذرْوَة، التي تنتهي بها القصَّة، وأنّ القصة التي تتضمَّن حدَثا، وموقفًا، وشخصيّة، ترتكز في الأساس على تلك النهاية، والأثر الذي ينبثقُ منها، أو يترتب عليها. وتنبّهَ بيلس بيري في دراسةٍ لهُ لشيءٍ آخر يميز القصة اللقصيرة، وهو النبْرة، فالقصص الحديث يهتم بالنبرة بهَدف إحْداثِ تأثير مُعيَّن. ولاحظ نقادٌ آخرون مزايا أخرى، منها على سبيل المثال: استخدام الأساليب الشعرية، كالاتكاء على الأسْطورَة، والتوسُّع في استخدام المَجاز، والصّوَر، والاقتراب أكثر فأكثرَ منْ لغةِ القصيدَة.
ويشير المؤلفُ تشارلز ماي إلى اهتمام ' النقد الجديد ' الأمريكي بالقصة القصيرة، اهتمامًا فاق اهتمامَهُ بالروايَة، أما الشكليّون الروس، فقد احتلتْ القصة القصيرة حجَر الزاوية في نظريتهم لتحليل السرْد، ولا سيما لدى إيخنباوم الذي فرَّق بين الرواية والقصة القصيرة تفريقًا يُذكّرُنا بما سَبَق أنْ ذكرهُ كانبي في ' القصة القصيرة في اللغة الإنجليزية '. فالرواية تحتوي- في رأيه - نقاط تنفيس عدَّة، أما القصّة القصيرة، فإنَّ ثقلها يَتراكمُ باتجاهِ النهايَة، أوْ الخاتمة، وهذا هو الذي يمْنحُها جاذبيّة شعبيَّة، ينكرها النقاد للأسَف، فهم يروْنَ فيها نهاياتٍ مُخادعة، أو نمطيّة، مثلما هي عنْدَ أو هنْري (1862- 1910).ولا تخلو قواعد كتابة القصة القصيرة التي يراعيها النقاد بصفَةٍ عامّة من: التناسق الدرامي المُحْكَم، الذي يتطلَّبُ التكثيفَ في سرد الحدث، وتقديم الشخصية، والنغمة الشعرية في المَلفوظ السرْديّ، والتركيز على النسَق الجماليّ، والالتزام بتقنيتيْ الاختصار، والحذف.
ومنْ يُطلْ التأمّل في فصول هذا الكتاب، سواءٌ منها ما يتعلق بنشأة هذا الفن نشأةً التبس فيها بالحكايات الشعبية، والخرافية، وقصص الحيوان، والأساطير، أو فيما يتصل بتغيُّر هذا المَنحى لفنٍّ آخرَ أقربَ ما يكون إلى القصة الطويلة، ثمّ جنوحُه في أواخر القرن الثامن عشر للتركيز بدلا من الامتداد الأفقي، وظهور قصة القرن التاسع عشر ذات الطبيعة الواقعية القريبة من مُحاكاة الحياة اليومية، وتألق بعض الكتاب- كالذين ذكرنا أسماءَهم - وما جدَّ منْ عناية فائقةٍ، واهتمام ملحوظ بالقيم البنائية، والشكلية، للقصة، يستنتجْ من ذلك كُلّهِ أنَّ ما قيلَ، أوْ يُقالُ، عن أنَّ هذا الفنّ في طريقه للانقراض مَحْضُ أوهام يفنّدُها الواقع، وأنَّ العكْسَ هو الصحيح؛ فهي فنّ يواصلُ الصعودَ، بدليل أنَّ مقاييسَهُ النقديّة لم تبلغ حدًا منَ الثبوت، أو الجمود، أو التحجّر، الذي بلغته مقاييس الإبْداع في فنون أخْرى.