والحدث في القصة لا يجب أن يكون بهذه القسوة دائمًا، بل أن الكتاب المجددين صاروا الآن أكثر ميلاً للهدوء والتأثير والإقناع، فالكاتب قادر على نقل الفكرة والتأثر بها، دون اللجوء الى سفك الدماء، فاللغة قادرة على فعل المعجزات إذا استطاع الكاتب أن يحسن التصرف بها، وكذلك ثقافة العمل الادبي، مع الموهبة.
ومن هنا، نجد أن تطورًا ملموسًا قد طرأ على فهم الحدث في القصة القصيرة، مما يعيق مهمة الدارس في وضع تعريف محدد للقصة. فبعد أن كانت القصة تعتمد على المفارقات والفواجع والعنف والدماء صار الكاتب يميل الى خدمة فكرته بأسهل الطرق وأبسطها وأكثرها هدوءًا.
والكاتب بطبعه إنتقائي، يختار من واقعه مايراه ملائمًا لخدمة إغراضه الفنية، ولذلك، فأنه يأخذ من الواقع أجزاء متفرقة، ويربط بعضها ببعض، بحيث يخلص الى حياة جديدة، تبدو أمامنا ذات إستقلالية تامة عن الواقع نفسه، وأعنى بالاستقلالية هنا، أن العمل الإبداعي يصبح ذا شخصية جديدة متميزة. واخلص من هذا الى ان القصة القصيرة ليس لها تعريف محدد، يمكن أن نعتمده بشكل ثابت. ولكن هل يجوز أن نقول لا يوجد تعريف للقصة ثم نسكت؟ في الحقيقة، أنه لابد من محاولة من أجل تلمس الملامح العامة للقصة، كي نتمكن من وضع تصور عام لها، كبديل للتعريف الجامع المانع عن الواقع، إلا أنها في النهاية تصب في هذا الواقع. ولمزيد من التوضيح أقول، أن ما يحدث في حياتنا اليومية لا يصلح -على علاته- لكتابة قصة قصيرة.
فالمشاجرة التي تحدث بين إمرأة وجارتها، تؤدي على ذهابهما الى المخفر، ويجري التحقيق فيها، لا تصلح لقصة قصيرة، والا فأن تحقيق الشرطة أو تقريرها المكتوب يصبح عملاً أدبيًا منتزعًا من صميم الواقع. ولهذا فأن حادثة كهذه قد تفيد الكاتب الواقعي، لكنها ليست هي كل الواقع المطلوب تصويره ورصده، ومن هنا جاءت المقولة المعروفة عند آرنست فيشر وجورج لوكاتش وأمثالهما من نقاد الواقعية في العالم. أن الواقعية لا تعني تسجيل الواقع كما هو، وإنما تعني أن يختار الكاتب وينتقي ما يجده مناسبًا لخدمة هذا الواقع وتجميله وإعطائه رونقًا جديدًا، يلعب دورًا فاعلاً في خدمة الأهداف النهائية للقصة.
والحدث، لا يهم إختياره، لأن الكاتب لا يريد أن يكتب حكايات للتسلية، وإنما هو يختار الحدث الذي يخدم موضوعه، والوجهة التي يريد أن يسير فيها.
وعلى الرغم من أن اختيار الحدث بطريقة الربط بين متفرقات، إلا أن حصيلة هذا الربط يجب أن تكون قابلة للتصديق من قبل المتلقي. وقد اصبحت لغة القصة جزءًا مهمًا في مجال بنائها، لأنها تساير التطور الأدبي، فتتطور معه، هذا إذا إتفقنا على أن اللغة كائن حي يتطور مع الاحداث، ومع مرور الزمن، ومع ما يستجد من تغيرات إجتماعية وخلافها، فكيف يستطيع الكاتب الواقعي أن يكتب قصة واقعية، ويجعل الحوار الداخلي أو السرد أو الحوار بين الشخوص يجري بلغة أجدادنا الجاهليين؟ فالقصة الواقعية تكتب بأسهل لغة واكثرها بساطة، خاصة أننا نعيش الآن في عصر الصحافة ولغة الإعلام المرئي والمحكي، لا عصر الكتب القديمة ولغة المؤلفين القدماء.
وكي لا يساء فهم هذا الرأي أقول: أن كتابة القصة بلغة سهلة وبسيطة، لا يعني أن نكتب بلغة الشارع العامية، إذ بالإمكان أن نفصح هذه العامية، كما أن بالامكان أن نبسط الفصحى المقعرة، بحيث تلتقيان في لغة عربية فصيحة مبسطة.
وعمومًا، فأن كتابة القصة القصيرة ليست فنًا سهلاً، ومع ذلك، فهي لاتمتنع أمام الموهبة والثقافة والتمكن من اللغة. كما أن الحديث عن القصة يحتاج لكلام أكثر، وتفاصيل أوفى، وما اوردته هنا، مجرد محاولة للإقتراب من فهمي للكتابة القصصية، وهي -أي المحاولة- لم تتجاوز حدود الالف باء للقصة القصيرة، ومن أراد أن يواصل التعرف على هذا العالم الإبداعي، فأن عليه أن يطلع على أكبر قدر ممكن من المجموعات القصصية، ومن الدراسات التي تبحث في هذا الفن الإدبي.
ولست أنكر أن النقد ضروري للمبدع، لكن الأكثر ضرورة من هذا، هو امتلاك المبدع نفسه ناصية الإبداع وناصية الخلق الأدبي، وقد أدركت هذا، وراهنت عليه منذ أن كتبت قصصي الأولى الى الوقت الحاضر، فأنا أفضل أن تستقر القصة في داخلي كاملة، كما لو كنت قد كتبتها واعدت قراءتها وحفظتها بكل تفاصيلها. وكي أصل بالقصة الى هذه المرحلة، فإن الأمر يتطلب وقتًا طويلاً من التقليب الى أن يتم التخمر أو النضج على نار هادئة.
وفي ظني أن أوقات الليل، هي أفضل الاوقات لتقليب القصص والتفكير بها، بعيدًا عن ضجيج النهار وضوضائه ومشاكل الحياة ومشاغلها، وافضل أوقات الليل هي التي تبدأ بعد منتصفه. وقد اعتدت على التعايش مع شخصياتي والتفكير بقصصي في الليل، وربما كان أدق وصف لهذه المعاشرة الحميمة، بأنها كانت ليالي أُنس، يغلب عليها التحاور مع الندماء أو الجلساء من الشخصيات القصصية والأجواء التي تسعى فيها.
الرأي
ومن هنا، نجد أن تطورًا ملموسًا قد طرأ على فهم الحدث في القصة القصيرة، مما يعيق مهمة الدارس في وضع تعريف محدد للقصة. فبعد أن كانت القصة تعتمد على المفارقات والفواجع والعنف والدماء صار الكاتب يميل الى خدمة فكرته بأسهل الطرق وأبسطها وأكثرها هدوءًا.
والكاتب بطبعه إنتقائي، يختار من واقعه مايراه ملائمًا لخدمة إغراضه الفنية، ولذلك، فأنه يأخذ من الواقع أجزاء متفرقة، ويربط بعضها ببعض، بحيث يخلص الى حياة جديدة، تبدو أمامنا ذات إستقلالية تامة عن الواقع نفسه، وأعنى بالاستقلالية هنا، أن العمل الإبداعي يصبح ذا شخصية جديدة متميزة. واخلص من هذا الى ان القصة القصيرة ليس لها تعريف محدد، يمكن أن نعتمده بشكل ثابت. ولكن هل يجوز أن نقول لا يوجد تعريف للقصة ثم نسكت؟ في الحقيقة، أنه لابد من محاولة من أجل تلمس الملامح العامة للقصة، كي نتمكن من وضع تصور عام لها، كبديل للتعريف الجامع المانع عن الواقع، إلا أنها في النهاية تصب في هذا الواقع. ولمزيد من التوضيح أقول، أن ما يحدث في حياتنا اليومية لا يصلح -على علاته- لكتابة قصة قصيرة.
فالمشاجرة التي تحدث بين إمرأة وجارتها، تؤدي على ذهابهما الى المخفر، ويجري التحقيق فيها، لا تصلح لقصة قصيرة، والا فأن تحقيق الشرطة أو تقريرها المكتوب يصبح عملاً أدبيًا منتزعًا من صميم الواقع. ولهذا فأن حادثة كهذه قد تفيد الكاتب الواقعي، لكنها ليست هي كل الواقع المطلوب تصويره ورصده، ومن هنا جاءت المقولة المعروفة عند آرنست فيشر وجورج لوكاتش وأمثالهما من نقاد الواقعية في العالم. أن الواقعية لا تعني تسجيل الواقع كما هو، وإنما تعني أن يختار الكاتب وينتقي ما يجده مناسبًا لخدمة هذا الواقع وتجميله وإعطائه رونقًا جديدًا، يلعب دورًا فاعلاً في خدمة الأهداف النهائية للقصة.
والحدث، لا يهم إختياره، لأن الكاتب لا يريد أن يكتب حكايات للتسلية، وإنما هو يختار الحدث الذي يخدم موضوعه، والوجهة التي يريد أن يسير فيها.
وعلى الرغم من أن اختيار الحدث بطريقة الربط بين متفرقات، إلا أن حصيلة هذا الربط يجب أن تكون قابلة للتصديق من قبل المتلقي. وقد اصبحت لغة القصة جزءًا مهمًا في مجال بنائها، لأنها تساير التطور الأدبي، فتتطور معه، هذا إذا إتفقنا على أن اللغة كائن حي يتطور مع الاحداث، ومع مرور الزمن، ومع ما يستجد من تغيرات إجتماعية وخلافها، فكيف يستطيع الكاتب الواقعي أن يكتب قصة واقعية، ويجعل الحوار الداخلي أو السرد أو الحوار بين الشخوص يجري بلغة أجدادنا الجاهليين؟ فالقصة الواقعية تكتب بأسهل لغة واكثرها بساطة، خاصة أننا نعيش الآن في عصر الصحافة ولغة الإعلام المرئي والمحكي، لا عصر الكتب القديمة ولغة المؤلفين القدماء.
وكي لا يساء فهم هذا الرأي أقول: أن كتابة القصة بلغة سهلة وبسيطة، لا يعني أن نكتب بلغة الشارع العامية، إذ بالإمكان أن نفصح هذه العامية، كما أن بالامكان أن نبسط الفصحى المقعرة، بحيث تلتقيان في لغة عربية فصيحة مبسطة.
وعمومًا، فأن كتابة القصة القصيرة ليست فنًا سهلاً، ومع ذلك، فهي لاتمتنع أمام الموهبة والثقافة والتمكن من اللغة. كما أن الحديث عن القصة يحتاج لكلام أكثر، وتفاصيل أوفى، وما اوردته هنا، مجرد محاولة للإقتراب من فهمي للكتابة القصصية، وهي -أي المحاولة- لم تتجاوز حدود الالف باء للقصة القصيرة، ومن أراد أن يواصل التعرف على هذا العالم الإبداعي، فأن عليه أن يطلع على أكبر قدر ممكن من المجموعات القصصية، ومن الدراسات التي تبحث في هذا الفن الإدبي.
ولست أنكر أن النقد ضروري للمبدع، لكن الأكثر ضرورة من هذا، هو امتلاك المبدع نفسه ناصية الإبداع وناصية الخلق الأدبي، وقد أدركت هذا، وراهنت عليه منذ أن كتبت قصصي الأولى الى الوقت الحاضر، فأنا أفضل أن تستقر القصة في داخلي كاملة، كما لو كنت قد كتبتها واعدت قراءتها وحفظتها بكل تفاصيلها. وكي أصل بالقصة الى هذه المرحلة، فإن الأمر يتطلب وقتًا طويلاً من التقليب الى أن يتم التخمر أو النضج على نار هادئة.
وفي ظني أن أوقات الليل، هي أفضل الاوقات لتقليب القصص والتفكير بها، بعيدًا عن ضجيج النهار وضوضائه ومشاكل الحياة ومشاغلها، وافضل أوقات الليل هي التي تبدأ بعد منتصفه. وقد اعتدت على التعايش مع شخصياتي والتفكير بقصصي في الليل، وربما كان أدق وصف لهذه المعاشرة الحميمة، بأنها كانت ليالي أُنس، يغلب عليها التحاور مع الندماء أو الجلساء من الشخصيات القصصية والأجواء التي تسعى فيها.
الرأي