منذ عشرة أعوام وأنا أتابع الحالة النقدية المصرية والعربية، التى تقف الآن على الحافة من نهر النقد الأدبي العالمي الممتد.
ومع احترامي لكثير من النقاد الأكاديميين غير المبدعين، من المتسلفين، والمتفيقهين، الذين يقفون عند الوزن والقافية، واجادة الشاعر في الوصف، وغير ذلك من أدوات بلاغة تلاشت، باعتبار النقد علما، وليس مبحثا ينحصر في نطاق النظريات،والأيديولوجيات التي قولبت الحقيقة، ونمطت الفكر، وعلبت المشروع النقدي داخل منعطفات الأصالة، وغدا التراث النقدي العربي يبحث عن نظرية نقدية جديدة تستوعب الأنساق الحداثية، والمابعد حداثوية، لتعيد تثوير المنجز النقدي المصري والعربي من جديد.
لم يمت النقد الأدبي بموت مندور، والمعداوي، وتليمة، وعصفور، ومن بعدهم صلاح فضل وغيرهم من قامات حفرت واستشرفت، ونظرت وحللت، واختلفنا واتفقنا معهم. ولكننا وجدنا جيلا من المبدعين يتصدر المشهد النقدي بجدارة، وآخرين لا يعرفون عن النقد سوى معرفة جدتي "بحلة المحشي"، ومع ذلك تفتح لهم أبواب المجلات، والجوائز الرسمية ،وغير ذلك، وقد صاروا كغثاء سيل أودى بأقلام جادة، وبنقاد لم يجدوا مكانتهم في عالم الأنصاف والأرباع، المتسيدين المشهد النقدي الآن.
النقد علم وابداع، وليس هندسة ونظريات باتوا يصدعون أذهاننا بها، منذ عشرات السنين، فغامت الرؤى، واضمحل المشهد الإبداعي النقدي إلا من قليلين، ثابروا ووقفوا فى وجه الموضات النقدية، ودكاكين الصالونات، ومحافل المؤتمرات، وجوائز الدولة، وغير ذلك، وغدا النقاد والأدباء الكبار- غير المعروفين إعلاميا- يتوارون خلف جدران الخيبات، والإخفاقات المتكررة.
لقد بدأ الصراع بين نقاد الأمس، وجيل من الهاموش، تصدروا واجهات التلفاز ، والميديا، وغدا الأكثر مبيعا هو الأكثر شهرة، وإن كان بعيدا عن معايير الفن، وجماليات الجوهر..
غاب اليقين في عالم ضباب تصدرت فيه الآلة الإعلامية المشهد،عبر الشركات العابرة للقارات الموجهة لمحو التراث والهوية العربية، والفكر النقدي العربي. وغدا صراع مابعد الحداثة هو المعول الذي يقوض جدران التراث، ويخلخل الثوابت واليقين، وتعدى الأمر إلى الهوية، والولاء والإنتماء، وغدت الثوابت الوطنية مهددة بفكرة الهيمنة، وخطط الإمبريالية، وصراع الحضارات، والثقافات، وغدا تراثنا والتمسك بموروثاتنا ردة، وغدت الحداثة هي الموضة التي تسيدت، فليس بمستغرب أن نقرأ عن مصطلحات: النقد البكيني، والنقد الماكدونالدزى، والنقد المازاشوستي، وغدا التغريب ليس رديفا للأصالة، بل مناوءا لها، وانتحى النقاد العرب جانبا أمام هدير وقراع طبول التخريب باسم التجريب، والتنوير، ضد كل ما هو تراثي وعروبي واسلامي قديم، وأصيل .
لم يعد هناك نقاد في مصر إلا القليل، للأسف، ولعلنا بكل جرأة نقول بأنهم لا يجاوزون المائة ناقد، على حد رأي ناقد مجتهد مثلي، يحاول أن يقاوم، ويطبطب ولا يهدم، ويوجه ولا يقذع، وينتظر لعل شمس النقد المصرية تطلع على العرب والعالم من جديد.
ألا عودة من جديد ؟! ألا صرخة في أقبية الجبال، وشرفات العرب النقدية، والتي أحسبها تحاول الخروج من أزمة التقليد والتغريب، وتصارع لعدم الوقوع في فخ ما بعد الحداثة، والكونية والكوكبية، وعالم ماك، وصراعات القوة، مقابل "نومنا في العسل"، وبات النقاد يتسولون من أجل بضع جنيهات، أو من أجل فتاة في مقتبل عمرها الأدبي ، أو أديبة تتشهى الشهرة في منزل ناقد، فاقد الضمير، يدعي أنه عالم جليل كبير، سيبعث فيها الإبداع من جديد .
أقول : إنها صرخة قبل أن نجد أنفسنا فى ذيل الأمم، وأعلم أن كثيرين سيثورون، وقلة سيتفهمون، وثلة سوف يحاولون إعادة النظر لإحداث ثورة تصحيح نقدية، ووقفة جادة من أجل النهوض بمستقبل النقد الأدبي في مصر.
ليست هذه نظرة متعالية، لكنها الحقيقة التي تحدث، أو هي الجريمة في حق الوطن، والثقافة والإبداع!!. وأقول لنقاد الإعلام، والأكاديميين المحسوبين على النقاد، وهاموش المدعين : كفى... سامحكم الله، ابتعدوا، أو اغربوا عن شمس الثقافة المصرية المنيرة، وأقول للجادين الوطنيين: أعيدوا النظر إلى تراثكم، وحضارتكم، وخذوا من الجديد بقدر ما يخدم علم النقد الأدبي، ويتسق مع شرقنا العربي، وقيمنا وثقافتنا العربية.
لابد أن نقاوم الهاموش الثقافي الذي تجذر في ثقافتنا المصرية الاصيلة، ولنترك علم النقد الأدبي، والنقد الثقافي والفكري لأهله من النقاد المبدعين الجادين المخلصين، الذين قدموا ويقدموا الفن عبر أنساق تجاوز التطور والتحديث، ولا تجور على المقدس والموروث، وتستشرف فنا وابداعا يتسق مع أنماط مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ويتماشى مع العالمية، ويتقاطع مع كل ما هو جديد ومتوازن،وحداثوي كذلك.
ويبقى النقد علما يتابع ويطور، وينتقي ويحلل، ويعيد تثوير المنتج العربي والإسلامي في شكل تجديدي، وجوهر يجاوز الحتميات،والأيديولوجيات، ويحفظ هيبة النقاد العرب داخل حديقة النقد العالمية المعاصرة.
اللهم قد بلغت، ولا عزاء لمن يدعون النقد عبر الفضائيات، وعبر التيك آوى، ودكاكين النقد المعلبة، ولازلت أقول: إن علاقة كثير من النقاد في مصر بالنقد، كمعرفة أمي "بحلة المحشي فقط"،- ولن أجامل أحدا فى علم قائم، وأظن بأننا نقدر أن نلحق بحضارتنا قبل أن تتفلت هويتها، وتتخلخل مقدساتنا، بل قبل أن تندثر دول ، وتمحى حضارات،أمام لعبة الأمم، والعولمة، وصراع الهيمنة والأقطاب الجديدة في العالم.
* ملحوظة: المقالة الثانية عن النقاد العرب.
حاتم عبدالهادي السيد
ناقد يجلس في صحراء سيناء، يحلم بنظرية عربية جامعة للنقد العربي المعاصر.
٠١٠٠٥٧٦٢٧٠٢ مصر
ومع احترامي لكثير من النقاد الأكاديميين غير المبدعين، من المتسلفين، والمتفيقهين، الذين يقفون عند الوزن والقافية، واجادة الشاعر في الوصف، وغير ذلك من أدوات بلاغة تلاشت، باعتبار النقد علما، وليس مبحثا ينحصر في نطاق النظريات،والأيديولوجيات التي قولبت الحقيقة، ونمطت الفكر، وعلبت المشروع النقدي داخل منعطفات الأصالة، وغدا التراث النقدي العربي يبحث عن نظرية نقدية جديدة تستوعب الأنساق الحداثية، والمابعد حداثوية، لتعيد تثوير المنجز النقدي المصري والعربي من جديد.
لم يمت النقد الأدبي بموت مندور، والمعداوي، وتليمة، وعصفور، ومن بعدهم صلاح فضل وغيرهم من قامات حفرت واستشرفت، ونظرت وحللت، واختلفنا واتفقنا معهم. ولكننا وجدنا جيلا من المبدعين يتصدر المشهد النقدي بجدارة، وآخرين لا يعرفون عن النقد سوى معرفة جدتي "بحلة المحشي"، ومع ذلك تفتح لهم أبواب المجلات، والجوائز الرسمية ،وغير ذلك، وقد صاروا كغثاء سيل أودى بأقلام جادة، وبنقاد لم يجدوا مكانتهم في عالم الأنصاف والأرباع، المتسيدين المشهد النقدي الآن.
النقد علم وابداع، وليس هندسة ونظريات باتوا يصدعون أذهاننا بها، منذ عشرات السنين، فغامت الرؤى، واضمحل المشهد الإبداعي النقدي إلا من قليلين، ثابروا ووقفوا فى وجه الموضات النقدية، ودكاكين الصالونات، ومحافل المؤتمرات، وجوائز الدولة، وغير ذلك، وغدا النقاد والأدباء الكبار- غير المعروفين إعلاميا- يتوارون خلف جدران الخيبات، والإخفاقات المتكررة.
لقد بدأ الصراع بين نقاد الأمس، وجيل من الهاموش، تصدروا واجهات التلفاز ، والميديا، وغدا الأكثر مبيعا هو الأكثر شهرة، وإن كان بعيدا عن معايير الفن، وجماليات الجوهر..
غاب اليقين في عالم ضباب تصدرت فيه الآلة الإعلامية المشهد،عبر الشركات العابرة للقارات الموجهة لمحو التراث والهوية العربية، والفكر النقدي العربي. وغدا صراع مابعد الحداثة هو المعول الذي يقوض جدران التراث، ويخلخل الثوابت واليقين، وتعدى الأمر إلى الهوية، والولاء والإنتماء، وغدت الثوابت الوطنية مهددة بفكرة الهيمنة، وخطط الإمبريالية، وصراع الحضارات، والثقافات، وغدا تراثنا والتمسك بموروثاتنا ردة، وغدت الحداثة هي الموضة التي تسيدت، فليس بمستغرب أن نقرأ عن مصطلحات: النقد البكيني، والنقد الماكدونالدزى، والنقد المازاشوستي، وغدا التغريب ليس رديفا للأصالة، بل مناوءا لها، وانتحى النقاد العرب جانبا أمام هدير وقراع طبول التخريب باسم التجريب، والتنوير، ضد كل ما هو تراثي وعروبي واسلامي قديم، وأصيل .
لم يعد هناك نقاد في مصر إلا القليل، للأسف، ولعلنا بكل جرأة نقول بأنهم لا يجاوزون المائة ناقد، على حد رأي ناقد مجتهد مثلي، يحاول أن يقاوم، ويطبطب ولا يهدم، ويوجه ولا يقذع، وينتظر لعل شمس النقد المصرية تطلع على العرب والعالم من جديد.
ألا عودة من جديد ؟! ألا صرخة في أقبية الجبال، وشرفات العرب النقدية، والتي أحسبها تحاول الخروج من أزمة التقليد والتغريب، وتصارع لعدم الوقوع في فخ ما بعد الحداثة، والكونية والكوكبية، وعالم ماك، وصراعات القوة، مقابل "نومنا في العسل"، وبات النقاد يتسولون من أجل بضع جنيهات، أو من أجل فتاة في مقتبل عمرها الأدبي ، أو أديبة تتشهى الشهرة في منزل ناقد، فاقد الضمير، يدعي أنه عالم جليل كبير، سيبعث فيها الإبداع من جديد .
أقول : إنها صرخة قبل أن نجد أنفسنا فى ذيل الأمم، وأعلم أن كثيرين سيثورون، وقلة سيتفهمون، وثلة سوف يحاولون إعادة النظر لإحداث ثورة تصحيح نقدية، ووقفة جادة من أجل النهوض بمستقبل النقد الأدبي في مصر.
ليست هذه نظرة متعالية، لكنها الحقيقة التي تحدث، أو هي الجريمة في حق الوطن، والثقافة والإبداع!!. وأقول لنقاد الإعلام، والأكاديميين المحسوبين على النقاد، وهاموش المدعين : كفى... سامحكم الله، ابتعدوا، أو اغربوا عن شمس الثقافة المصرية المنيرة، وأقول للجادين الوطنيين: أعيدوا النظر إلى تراثكم، وحضارتكم، وخذوا من الجديد بقدر ما يخدم علم النقد الأدبي، ويتسق مع شرقنا العربي، وقيمنا وثقافتنا العربية.
لابد أن نقاوم الهاموش الثقافي الذي تجذر في ثقافتنا المصرية الاصيلة، ولنترك علم النقد الأدبي، والنقد الثقافي والفكري لأهله من النقاد المبدعين الجادين المخلصين، الذين قدموا ويقدموا الفن عبر أنساق تجاوز التطور والتحديث، ولا تجور على المقدس والموروث، وتستشرف فنا وابداعا يتسق مع أنماط مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ويتماشى مع العالمية، ويتقاطع مع كل ما هو جديد ومتوازن،وحداثوي كذلك.
ويبقى النقد علما يتابع ويطور، وينتقي ويحلل، ويعيد تثوير المنتج العربي والإسلامي في شكل تجديدي، وجوهر يجاوز الحتميات،والأيديولوجيات، ويحفظ هيبة النقاد العرب داخل حديقة النقد العالمية المعاصرة.
اللهم قد بلغت، ولا عزاء لمن يدعون النقد عبر الفضائيات، وعبر التيك آوى، ودكاكين النقد المعلبة، ولازلت أقول: إن علاقة كثير من النقاد في مصر بالنقد، كمعرفة أمي "بحلة المحشي فقط"،- ولن أجامل أحدا فى علم قائم، وأظن بأننا نقدر أن نلحق بحضارتنا قبل أن تتفلت هويتها، وتتخلخل مقدساتنا، بل قبل أن تندثر دول ، وتمحى حضارات،أمام لعبة الأمم، والعولمة، وصراع الهيمنة والأقطاب الجديدة في العالم.
* ملحوظة: المقالة الثانية عن النقاد العرب.
حاتم عبدالهادي السيد
ناقد يجلس في صحراء سيناء، يحلم بنظرية عربية جامعة للنقد العربي المعاصر.
٠١٠٠٥٧٦٢٧٠٢ مصر