المحامي علي ابوحبله - ليس هناك أخطر من القتل إلا أيديولوجيا القتل

في التاريخ البشري أحداث ووقائع لا تحصى عن القتل والتعذيب والتمثيل بالجثة، وكتب التاريخ وما بين سطورها تضم حروب بشريه فيها من الماسي هي للخيال أقرب من الواقع ،وأمام ثورة الاتصالات وعلم التكنولوجيا باتت مشاهد ما يرتكب من جرائم تثير في النفس البشرية إحساسا بالفجيعة، جرائم القتل التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني سواء أكانت عائدة لإمبراطورية توسعية، أو نظام مستبد أو حزب فاشي يبعث كل الأخلاق الغريزية النافية للآخر، وتعلن انهزام القيم الإنسانية التي تعلي من شأن الإنسان، فتتوحد أيديولوجيا القتل مع الأخلاق الغريزية ويصبح قتل الآخر السمة الأرأس لمثل هذه الوحدة، فتنهار قيم التسامح، ينهار الإحساس بحزن الآخرين على ذويهم المقتولين ولا تعود أشلاء الأطفال والشيوخ والنساء تثير أي إحساس بالحزن أو الذنب فأيديولوجيا الحرب تدفع هؤلاء للقتل، هذه الأيديولوجيات التي غابت عن قاموسها مفاهيم الترمل والتيتم والفقد والحزن، بل وتدفع الغوغاء الذين تمكنت منهم أخلاق الغريزة لعقد حلقات الرقص زهوا بالقتل رغم أن الموت قد طال الجميع فأيديولوجيا القتل هي في النهاية التضحية بالآخر

ويتساءل الفيلسوف ترى كم مر على البشرية من حروب ومجازر وقتل للإنسان، ولماذا لم تبرأ البشرية من هذه الظاهرة، من هذه الطقوس من القتل؟ يتساءل: كم كتب الحكماء والأنبياء والأدباء في تعظيم قيمة الإنسان، ودعوا إلى نبذ قتل الإنسان ألمانيا التي أنتجت " كانط القائل " لو أن سعادة البشرية كلها كانت وقفا على قتل طفل بريء واحد لكان هذا الفعل لا أخلاقيا، هل نكتفي مع فرويد قائلين: إنها غريزة القتل المتأصلة في النفس البشرية، أم أن المصالح والطمع والهيمنة وسلب الآخرين حقوقهم والتحكم بالآخرين هي التي تفسر لنا الحرب على الآخر، ومجموعة العوامل هي التي تفسر لنا استمرار أيديولوجيا القتل، بما تحمله من نزعة توسع واحتلال وإرهاب في استغلال الآخر، هي الأصل في شرور الحرب وأيديولوجيا القتل في سبيل الاحتفاظ بالسلطة والخوف عليها يدفع الحاكم للإعلاء من شأن القتل؟ ضمن مسعى الاحتلال إلى نفي الآخر – وحسبنا القول: ليس هناك أخطر من القتل إلا أيديولوجيا القتل، الأيديولوجية التي تشرعنه قوات الاحتلال وتتغزل به.وتمارسه من خلال تسليح المستوطنين ليمارسوا إرهابهم تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي يدرك خطر وإرهاب المستوطنين على الأمن والسلم المجتمعي وهذا يتطلب ضرورة التحرك للجم غريزة القتل لإلغاء الآخر الذي تحمله حكومة نتني اهو اليمينية المتطرفة وتحرض عليه وتشرعن القتل لإلغاء الآخر

أيدلوجيا القتل التي يمارسها الصهيوني بدعم أمريكي وغطاء غربي تمر عين المتحضر عليها وبالكاد تنتج شجبا كلاميا. التقنية – ثمرة العلم الإنساني – أبدعت وتبدع آلات القتل التي تزهق أرواحا لم ترتكب ذنبا لتعاقب عليه القاتل إنسان والمقتول إنسان.

في عام 1914 كتبت جريدة التايمز اللندنية في مقالها الافتتاحي قائلة: ليست هناك أمة متحضرة، على وجه الكرة الأرضية، ترضى بأن تقصف المدن المفتوحة بالقنابل من الجو ولم تمض عقود قليلة من الزمن حتى كانت العواصم التاريخية الكبرى لأوروبا – باريس ولندن وبرلين وموسكو تترنح تحت قصف القنابل، ولم تمض بضع عقود من الزمان حتى قضت قنابل ذرية، تسقط من الطائرات، على الحياة في مدينتين من مدن اليابان. ترى هل قتل الآخر وتعذيبه خصلة متأصلة في الإنسان إلى الحد الذي لا يمكن استئصالها، هل هي صفة غريزية ثابتة فيه؟. إن (ساد) الذي اشتقت من اسمه اللذة في تعذيب الآخر، قد بين في قصصه جانبا من المتعة التي يشعر بها المعذب أو القاتل. وقد أشار فرويد إلى وجود غريزة للتدمير عند بني البشر إلى جانب غريزة الحب. وقيل قديما أن الظلم من شيم النفوس. وفي كل الأحوال فإن ظواهر القتل والتعذيب والقسوة والاستبداد والاحتقار والسخرية والإذلال والحرب فضلا عن الانتقام والثأر والجرائم الفردية، ظواهر ما زالت حاضرة، بل ويزداد حضورها في كل المجتمع دون استثناء وتجهد العلوم الاجتماعية لفهم هذه الظواهر من علم الاجتماع إلى علم النفس إلى الأنثروبولوجيا…إلخ.

ما نحن يصدده وما تعاني منه البشرية والتي تتطلب تحليل موضوعي ؟؟؟ هي أيديولوجيا القتل، أي التبرير الأيديولوجي لفعل القتل – قتل الآخر. فأيديولوجيا القتل هي تلك التي تشرعن فعل القتل، هي التي تقدم لهذا الإفناء للآخر المبررات التي تصل حد وصفه بالفعل البطولي. وبالتالي يجب أن نميز بين القتل جريمة فردية وبين القتل الذي تقف وراءه أيديولوجيا تدعو إليه وتبرره. فقتل اللص صاحب البيت بدواعي السرقة فعل يلقي الاستنكار العام إذ أن دوافع القتل واضحة لا لبس فيها. لهذا هناك نوعان من القتل: الأول جريمة في العرف، والآخر فعل حسن، الأول ليس وراءه أيديولوجيا والآخر الأيديولوجية تدعو إليه.

والحق أن القتل الذي تشرعنه الأيديولوجية هو الأخطر، والأكثر مدعاة للاشمئزاز في التاريخ، ولو دققنا في مصدر أيديولوجيا القتل لوجدنا أنها ليست مجرد تبشير مفكر ما لهذه الأيديولوجية إنما المساهمون الحقيقيون في صناعتها هم الجماعات الإنسانية والمؤسسات: القبيلة، الشعب، الأمة، الحزب، التنظيم السري، سلطة الدولة. ويظل السؤال مطروحا: هل كان لأيديولوجيات القتل أن تغدو عامل تأثير على البشر لو لم يكن الإنسان ينطوي، بالأصل، على نزعة عدوانية تجاه الآخر؟.

نحن أمام أيديولوجيتين معا: واحدة تضفي على الحرب دلالات أخلاقية وعقلانية وحقانية – وهي الأيديولوجية العلنية: والأخرى هي الملوثة بكل الأهداف الدنيوية. الأولى موجهة إلى الجمهور، إلى البشر العاديين الذين يجب بث الحماسة فيهم، والسيطرة عليهم بقيم ينظرون إليها على أنها ما تستحق أن يموت الإنسان من أجلها: الله، الأمة، العرق، الحرية، الخطر الخارجي..أما الثانية فهي التي يعرفها حق المعرفة من خطط للحرب ودبر لها، إنه يبقيها في السر لأنها لا تفعل فعلها في نفس المحارب. في 26/ كانون الثاني/ 1095 ألقى بابا أوروبا الثاني خطابا أمام الجموع المحتشدة دعا فيه إلى حمل السلاح ضد قبيلة الأتراك الفارسية التي ذبحت وأسرت كثيرا من المسيحيين، وإلى تحرير " قبر السيد المسيح " بحسب زعمه في القدس ولتحرير الأخوة العائشين هناك (أنا أقول هذا للحاضرين وأتكلف بإبلاغ الغائبين – هكذا أمر يسوع المسيح) ولم ينس البابا أن يقول للجموع أن الرب سيغفر جميع خطاياهم إن هم قاتلوا الكفار المسلمين، وسيثيبهم في الجنة الأبدية في السماء… كان الفرسان والإقطاعيون الفرنجة يعرفون ما وراء هذا الخطاب وراحوا يقاتلون من أجل بلاد العسر والثروة، فيما الجنود كانوا ينفذون إرادة المسيح.

علما أن المسيح رمز المحبة والتسامح والأخلاق، المسيح الذي جاء ليخلص البشر من خطاياهم عبر فدائهم، المسيح يتحول إلى مبرر للقتل.

تستعر إذاً أيديولوجيا القتل من المقدس عناصر لتزييف وعي البشر ودفعهم لإفناء الآخر من أجل ما هو دنيوي. في حالة كهذه يتحول المقدس الديني – بفعل تأثيره الأخاذ على المؤمنين إلى خطاب تحريضي: تحرير قبر المسيح، تحرير القدس، تحرير الأخوة، والانتقام من الكفار. ويتحول الصليب من رمز للفداء المسيحي من أجل البشر، إلى دافع لقتل البشر.

إن القوة سواء أكانت عائدة لإمبراطورية توسعية، أو نظام مستبد أو حزب فاشي يبعث كل الأخلاق الغريزية النافية للآخر، وتعلن انهزام القيم الإنسانية التي تعلي من شأن الإنسان، فتتوحد أيديولوجيا القتل مع الأخلاق الغريزية ويصبح قتل الآخر السمة الأرأس لمثل هذه الوحدة، فتنهار قيم التسامح، ينهار الإحساس بحزن الآخرين على ذويهم المقتولين ولا تعود أشلاء الأطفال تثير أي إحساس بالحزن أو الذنب فأيديولوجيا الحرب تدفع الأبناء للقتل، هذه الأيديولوجيا التي غابت عن قاموسها مفاهيم الترمل والتيتم والفقد والحزن، بل وتدفع الغوغاء الذين تمكنت منهم أخلاق الغريزة لعقد حلقات الرقص زهوا بالقتل رغم أن الموت قد طال الجميع فأيديولوجيا القتل هي في النهاية التضحية بالآخر – صاحب قرار القتل يدفع البشر للموت في أتون الحرب، ويطل على البشر متلذذا بالدماء التي سالت من أبناء جلدته أو من الأغراب ما يجري في غزة أكبر مثال للذة القتل ضمن مفهوم أيدلوجية القتل والتحريض على القتل واستعمال الخطاب الديني للتحريض كما يفعل غلاة المتطرفين

المذابح التي تركب في غزه والضفة الغربية تدلل على حجم المأساة التي لا فوقها مأساة، لكن المأساة الأكبر أن يقتل الابن في حضن أبيه أو أن يقتل الاطفال في حضن أمهم أو أن يتم توثيق الأسرى ويقتلون بدم بارد أو أن يقتل وهو على سرير المرض كما حصل في مستشفى ابن سيناء في جنين ، والقصة الدينية حول إبراهيم وابنه شاهد على قداسة الابن، ولنا في قصة إبراهيم وابنه إسماعيل المثل الأكبر في حفظ النفس البشرية عند الله ، كثيرة هي الدلالات الرمزية لهذه القصة الدينية فالإله أراد أن يختبر إبراهيم بأصعب اختبار ممكن ألا هو ذبح الابن أجل إنه أصعب اختبار على الإطلاق أن يذبح أب ابنه فالإله يدرك ولا شك علاقة التوحد المطلقة بين الأب والابن أو الأم والابن، الابن بدوره يدرك هذه الحقيقة ويدرك أن أباه لا محال متردد في تنفيذ أمر الإله، كما أنه يعرف ما الذي سيحصل لأمه فيما لو عرفت أنها فقدته، أي أن إسماعيل على وعي بأن حب إبراهيم له أقوى من أمر الإله له، ولهذا ساعده على تحمل الأمر الإلهي وما إن نجح إبراهيم بالاختبار حتى تدخل الإله، وعدل عن أمره، لأن الإله يعرف ما قيمة الابن، فقرر أن يفديه بكبش من السماء، أي بحيوان هو بالأصل موضوع ذبح، ترى أي أمر يدفع مؤد لجو الحرب لدفع الأبناء إلى القتل: ليقتلوا ويقتلوا من ذا الذي أعطى الحق لهؤلاء أن يضحوا بما لا يملكون من الأبناء ثم يرفعون نخب النصر جالسين على جماجم الأبرياء كيف يقتلون الابن في حضن أبيه أو أمه ثم يبتسمون.

حقا ليس هناك أخطر من القتل سوى أيدلوجيا القتل التي يشرعنه غلاة المتطرفين والمتعصبين المنقادين لأوهام القوة من غلاة المتطرفين اليهود لتمرير عدوانيتهم وهدفهم الإلغاء للأخر وجل تفكيرهم إبادة الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته وحقوقه وسلب أرضه ولا نملك إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل : ليس هناك أخطر من القتل إلا أيديولوجيا القتل، الأيديولوجيا التي تشرعنه وتتغزل به غلاة المتطرفين ويتقدمهم غلاة المتطرفين اليهود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى