الشهر الخامس
124 - الحرب في شهرها الخامس ، فهل ستكون الولادة سباعية أم مكتملة الشهور ؟
تدخل حرب ٧ أكتوبر اليوم شهرها الخامس فهل ستجهض عما قريب أم أنها ستضع أوزارها وتفك أزرارها في الشهر السابع ، إذ ازدادت أوضاع المدنيين في غزة سوءا وبلغت قلوبهم الحناجر وظنوا بالعالم " ابن الكلب " الظنونا ، أم أنها ستتم شهرها التاسع ؟ والمأساة إذا تعسرت الولادة وحدث ما حدث في قصة أكرم هنية " مؤتمر فعاليات القرية يصدر نداءا هاما " ، إذ رفضت الأجنة الخروج من بطن الأمهات إلا إن عاد الآباء المهاجرون ؟
هل سيرفض المقاومون الخروج من الأنفاق إلا إن فرضوا شروطهم ؟
هل سينجح الثلاثي الإسرائيلي المرح الذين تعلو الهزيمة وجوههم في القضاء على خماس واجتثاث جذورها وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وما بعد بعد سيناء ، فتنتهي الحرب في غزة ، لتبدأ في الضفة الغربية ، وتغدو الدولة الإسرائيلية دولة يهودية ، فيرتاح أبو يائير وبن غفير وسموتريتش ويبارك الرب في السماوات شعبه المختار المحتار العائد بعد ألفي سنة ليبني الهيكل ويعيش أبناء التوراة في " أرض السمن والعسل " ويذبحون بقرتهم المقدسة ؟
الحرب اليوم تدخل في شهرها الخامس ، في يومها المائة وأربعة وعشرين ، والبرد القارس يفتك بالعظم والدم .
بعد نكبة العام ١٩٤٨ كتب الشاعر العراقي بدر شاكر السياب قصيدة عنوانها " قافلة الضياع " أتى فيها على اللجوء الفلسطيني الأول الكبير ومما ورد فيها :
" هذا لكل اللاجئين
وكل هذا لليهود "
وبعد ستة وسبعين عاما يصر اليهود الإسرائيليون على :
" لن نعيد شبرا واحدا للاجئين "
والعبارة من الشعر العبري وقد وردت على لسان الضابط ( سيمون ) في قصيدة محمود درويش " الكتابة على ضوء بندقية " ( ١٩٧١ ) فلا بد من الحفاظ على خارطة الأجداد ، ويصرون على :
كل هذا لليهود ولا شيء لكم أيها الفلسطينيون إلا أن تعيشوا خدما في أرض إسرائيل .
" هسوا واخرسوا وكلوا خرا بالمنيح أيها الفلسطينيون !!"
هذا هو لسان سموتريتش في وثيقته ، وإلا فالقتل والطرد .
منذ ٧٦ عاما لا يلمع في أرض فلسطين إلا ضوء بندقية ، وغالبا ما يعود سيمون وأمثاله جثثا في أكفان وتزداد كشوف القتلى والجرحى لدى الإسرائيليين ويكبر الوجع الفلسطيني ويشتد .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٧ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٢٤ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة
***
125 -أ- اليوم ( ١٢٥ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة : " اصطادوهم أمس قرب ماء البئر "
أمس ارتقى ثلاثة عشر فلسطينيا في قطاع غزة وهم قرب عين الماء ليعبئوا أوعيتهم . هكذا قصفتهم الطائرات . لم يقاوموا ليقتلوا . لم يفعلوا شيئا سوى أنهم أرادوا أن يواصلوا حياتهم رغم الدمار العظيم.
أمس وأنا أصغي إلى الخبر تذكرت ما حدث في العام ١٩٧٦ في تل الزعتر . كان النبع مصيدة الفلسطينيين الباقين الصامدين أيضا ، فهل تعلم الإسرائيليون من الكتائبيين أم هم من كانوا هناك ؟ وهم ليسوا بحاجة لأن يتعلموا من أحد ، فهم يعلمون الآخرين ، لأنهم الشعب الأرقى صاحب الدم اليهودي النقي .
وتذكرت أيضا ما قرأته عن اصطياد الطريدة قرب النبع في الزمن القديم . تذكرت أنكيدو وجلجامش و " جدارية " محمود درويش والنبع والانتظار عنده .
لم تحضر " الجدارية " في هذه المقتلة ، كما حضرت أشعاره الأخرى التي عبر فيها عن هم فلسطيني . عدت إلى الجدارية لأقرأ بعضها وأقرأ ما ورد فيها عن الموت ، فواسيت نفسي بهذه الأسطر :
" باطل باطل الأباطيل .. باطل
كل شيء على البسيطة زائل
....
...
ألهذا إذا
كلما ازداد علمي
تعاظم همي ؟
فما أورشليم وما العرش ؟
لا شيء يبقى على حاله
للولادة وقت
وللموت وقت
وللصمت وقت
وللنطق وقت
وللحرب وقت
وللوقت وقت
ولا شيء يبقى على حاله ..
كل نهر سيشربه البحر
والبحر ليس بملآن
لا شيء يبقى على حاله
كل حي يسير إلى الموت
والموت ليس بملآن ،
لا شيء يبقى ... "
إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام .
" باطل باطل الأباطيل .. باطل
كل شيء على البسيطة زائل .. "
حتى دولة إسرائيل أيضا !!
وواسيت نفسي !!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٨ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 125 -ب- يوميات المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة :
- أين تكمن أهميتها ؟
- ما أهمية كتابتها ؟
قال لي المرحوم الدكتور يحيى جبر إن العرب قالت إن " الكتابة قيد " وإن جاءتك الفكرة أو الصورة فلا تفوت كتابتها ؛ لأنها قد تطير وقد لا تمسك بها .
قد ترينا أشرطة الفيديو التي نراها وكذلك الصور فظاعة ما يجري ، ولكن هل تظهر مواقفنا وردود أفعالنا ومشاعرنا إزاءها ؟ هل تستحضر الأشرطة والصور وهي تعرض أمامنا ، هل تستحضر أشرطة وصورا شبيهة تقول لنا عن حجم الجرائم المرتكبة بحقنا على مدى ٧٦ عاما ؟
الكتابة قيد ولطالما اقتبسنا قول محمود درويش :
" من يكتب حكايته
يرث أرض الكلام
ويملك المعنى تماما "
نكتب لنرث أرض الحكاية .
لقد عادوا بعد ثلاثة آلاف سنة معتمدين على حكاية أقرب إلى الأساطير ويغلب عليها الفكر القبيلي ، عادوا ليرثوا أرض الكلام .
في كتابته " أربع ساعات في شاتيلا " قال ( جان جينيه ) إن الصورة قد لا تبين عن رائحة الجثث المتحللة ، وهذا ما يميز الكتابة لمن شاهد الصورة .
لطالما استشهدت برأي ( جينيه ) ؛ لأنه رأي مقنع .
في المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة توقفت أمام الكتابة عنها من الداخل والكتابة عنها من الخارج .
٨ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 125 -ج- الجسد في نابلس والذهن في القطاع :
إن انتهت المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة هذه وعقولنا سليمة ، فألف حمد لله وألف شكر أيضا ، وصرت أشك في أننا سنخرج منها أسوياء عقليا ، وكان الله في عون أهل غزة ، وأرجح أن أكثرهم سيصابون بالذهول على أقل تقدير ، وأما من فقد عائلته بعضها أو أكثرها أو كلها فقد يصاب بلوثة عقلية ، ومثله من فقد بيته ومتجره ورأسماله أيضا .
لي صديق هاجر والده البالغ عمره ٩١ عاما للمرة الرابعة في حياته ، كانت أولاها في العام ١٩٤٨ . هل سيحتمل الآن ما احتمل قبل ٧٦ عاما ؟
لقد أفسدت الحرب الود بيننا ، كما أفسد الموت الحياة ، فقل تراسلنا وتبادل الآراء بيننا ، وإن كنت أحيانا أتابع صفحته هو المقيم في القاهرة منذ نهاية أيلول ٢٠٢٣ للعلاج . إنه الآن يتحسر ويعيش على أمل أن تنتهي الحرب ويجتمع بأبيه واخوته وأبنائه وأحفاده ، بخاصة حفيدته سارة التي مات والدها قبل أعوام قليلة وتزوجت أمها . غالبا ما يحن صديقي إلى أيام ما قبل الحرب ، وهو دائما يمدح السلطة الفلسطينية ، ويمدح أيضا الرئيس " أبو مازن " ، وأمس أشاد بها لأنها وفرت للموظفين جزءا من الراتب . ماذا سيفعل موظفو غزة دون رواتب السلطة ؟؟ هذا هو سؤاله الدائم .
جسدي في نابلس وعقلي في غزة .
كنت اليوم ، في منتصف النهار ، أسير في وسط مدينة نابلس . الشوارع عامرة والأسواق مزدهرة والخضار والفواكه من كل صنف ومن كل درجة ، والأسعار تتفاوت بين سوق المدينة الشرقي ووسطها ، وفي وسطها يباع الاجاص بسعرين حسب النوعية . الفقير يشتري والغني يستري ومتوسط الدخل يشتري . إنه يوم عطلة الإسراء والمعراج ويوم نزول راتب الحكومة أكثره لموظفيها .
السماء صافية والشمس ساطعة والحرارة مقبولة في النهار رغم قر الليل .
أسير في شوارع نابلس وأقارن بين ما أرى وأشاهد وأسمع في الشوارع بما أرى وأشاهد وأسمع في أشرطة الفيديو التي تصور حياة أهلنا هناك ، فأشعر بأن الحياة قاسية وصعبة . كيف احتمل الناس هناك الحصار المفروض عليهم من ٢٠٠٧ إلى ٢٠٢٣ ؟
كان إميل حبيبي يقول :
" لا تلوموا الضحية ! " .
وأما محمود درويش فكتب :
" بوركت الحياة فوق الأرض لا تحت الطغاة " فماذا قالت أم سعد في رواية غسان كنفاني التي حملت اسمها ؟ ماذا قالت عن حياتها في مخيمات اللجوء في بيروت في الشتاء ؟
هل من ضرورة لأن اقتبس من رواية سامية عيسى " حليب التين " ؟ هل من ضرورة للكتابة عن الحياة هناك في المراحيض العامة ؟
صار المرحاض عقدة الفلسطيني ، ولعل ما يستحق الكتابة هو الفلسطيني والحمام / المرحاض في روايتي سامية عيسى " حليب التين " و " حلسة في كوبنهاجن " .
أجلكم الله !!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٨ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء ( ١٢٥ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
126-أ- ضاعت بيوت الكتاب وضاعت أيضا مكتباتهم :
في النكبة الأولى ظلت بيوت فلسطين قائمة وما زالت ، ومنها بيوت الأدباء والكتاب ، وأما مكتباتهم فقد نهبتها الدولة العبرية الناشئة وأثرت بكتبها مكتبة الجامعة العبرية التي صار دارسو الأدب الفلسطيني قبل العام ١٩٤٨ يعتمدون عليها .
عندما رغب قسم من الأدباء بعد حزيران ١٩٦٧ زيارة بيوتهم منع بعضهم من دخولها وسمح لقلة رؤيتها فقط .
تقص سعاد العامري في لقاء معها حكاية أبيها الذي حصل ، بعد ١٩٦٧ ، على تصريح لزيارة فلسطين ، وتوجه إلى بيته في يافا فرن جرس الباب وطلب من اليهودية المقيمة فيه أن تسمح له برؤيته واسترداد صورة أمه ، فقالت له :
- معك خمس دقائق لتغادر المنطقة وإلا فسوف اتصل بالشرطة .
لم يدخل محمد أديب العامري إلى بيته ولم يره ثانية ولم يسترد حتى صورة أمه ، فلم يكن محظوظا مثل بطلي رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " سعيد . س وفارس اللبدة .
قبل أسبوع تقريبا قرأنا عن تدمير بيت القاص والروائي يسري الغول وتبعثر كتبه في الطرقات ، ودونت ما قاله لي المسرحي علي أبو ياسين عن استخدام الكتب المبعثرة للنار كي يطبخوا عليها ، كما كتبت عن شقة الروائي عاطف ابوسيف في الصفطاوي وكتبه فيها .
كان الناقد طلعت قديح يزور بيته قرب خانيونس يتفقده . أول أمس كتب أنه دمر وأدرج له علي صفحته شريط فيديو يري مقدار الخراب فيه متحسرا على " شقى العمر " ومن قبل كتب تحت صورة " بيتي . حسبنا الله ونعم الوكيل " ، ومنذ ٣١ / ١ / ٢٠٢٤ صار لاجئا في المنتزه الإقليمي في خانيونس ، وقبل خمسة أيام أدرج صورة الخيمة التي يقيم فيها . في هذا الصباح شاهدت في الصور طلعت يقف مرتديا البالطو لشدة البرد كتب عبارة واحدة واصفا فيها ما هو فيه ويفكر في المستقبل المجهول .
هذه المرة سوف أكتب :
يحيا القرن ٢١ الذي تناسخ فيه نيرون وهولاكو ودراكولا وهتلر وموسوليني .
بعض الأمريكيين قالوا في هذه الحرب إن الفلسطينيين هم من سيحررون أمريكا والعالم من سطوة أحفاد المذكورين الخمسة ، فبلادهم أيضا محتلة بيد الاخطبوط .
صباح الخير يا غزة
صباح الخير يا طلعت والعوض بالله الكريم .
خربشات عادل الاسطة
الجمعة ٩ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٢٦ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
> 126 -ب- علف الأرانب والدجاج المطحون خبزا في غزة :
الكاتبة هيا فريج من غزة كتبت على صفحتها قبل تسع ساعات أن الطحين نفد لديها وأنها بدأت تقطع الخبز لأنها غير مستعدة لأكل علف الأرانب والدجاج مطحونا .
والصديق رياض عوض Riyad Awad المقيم في القاهرة للعلاج ، إذ سافر قبل أسبوعين تقريبا من بدء المقتلة ، غالبا ما يتذكر والده المسن الذي ينزح في حياته النزوح الرابع ، وكان الأول في العام ١٩٤٨ ، وغالبا ما يتذكر حفيدته سارة وأبناءه وأم العيال وهم الآن في رفح . لقد اشتهى لهم أن يأكلوا دجاجا ، وحين عقبت : المهم أن يكون مذبوحا على الطريقة الإسلامية وبسعره الطبيعي ، رد : حتى ولو على الطريقة اليهودية . كوشير كوشير ، ومثلنا يقول - أو ديننا - :
- كل من طعام اليهودي ونام عند المسيحي .
وكان الرسول أرسل المسلمين الأوائل إلى النجاشي طلبا للأمان ، أما المرأة اليهودية فقد أرادت قتله بالسم . لعلني لست مخطئا .
فيما قرأته في صفحة Haya Freij ، حيث تابعتها ، عرفت أن عائلتها في غزة عائلة نعمة ، إذ لها أرض وبيت و .. وقد دمر ما دمر وخرب ما خرب وأنها ليلة السابع من أكتوبر نزلت عند رغبة مي إحدى أفراد أسرتها وتناولت طعام العشاء في مطعم ، وقد أدرجت قبل ساعات قليلة صورة لغزة العامرة المزدهرة في تلك الليلة ، قبل أن يسويها الحلفاء بالأرض كما سووا دريسدن واوجسبورغ وناغازاكي وهيروشيما في الحرب العالمية الثانية .
لو جاء سائل قبل الحرب إلى بيت هيا يطلب خبزا ، بحجة أنه جائع لقدمت له - إن لم تجد في بيتها الخبز - البسكويت ، وربما كررت مقولة ابنة ملك فرنسا " طعموهم بسكوت " .
خلص الطحين من البيت والفلسطينيون يرفضون أن يكونوا أرانب ودجاجا ، يأكلون العلف .
هل قصد الإسرائيليون من وراء منع الطحين الوصول إلى أهل شمال قطاع غزة إجبارهم على أكل العلف ليقولوا لهم إنكم حيوانات بشرية وهذا هو الدليل ؟
اليوم شاهدت شريط فيديو يعلن فيه شاعر عربي كتب كلمات الأغاني من قبل أنه ، مع نهاية الشهر الرابع للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة وبداية الشهر الخامس ، يعلن براءته من حاكم بلاده ، تضامنا مع أهل غزة ورفضا للخذلان العربي .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٢٦ ) للمقالة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
127 -أ- أهل غزة : " زهقانين حالنا " :
في قراءة بعض ما يكتبه أبناء غزة في وسائل التواصل الاجتماعي تجد العجب وتقرأ غير ما قرأته في اليوم الأول للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة هذه .
في الأيام الأولى كان هناك تمجيد لما حدث وشعور بالزهو والانتصار ، وقد تلاشى هذا كله أمام الإقامة في الخيام بعد تسوية البيوت بالأرض .
عن صفحة مجدي عاشور Majdi Ashour قرأت ما كتبه " أحمد سعيد " :
بالله لا حدا ينصحنا ولا ينظر علينا ولا يتغنى فينا . زهقانين حالنا " وعقب مجدي " صوت الناس في غزة " .
لم نقدم لأهل غزة الحماية ولم نوصل لهم الطعام وقسم منهم ينام في الشوارع فلم يحصل على خيام ، وكثيرون فقدوا وأكثر منهم نهشت لحمهم القطط والكلاب الضالة .
وفي الصفحة نفسها قرأت ما كتبه اكرم الصوراني عن كلمة " خراء " كيف تكتب . خرا . خرى . خراء أم بالملعقة ، وصدر مجدي الاقتباس ب " فكاهة سوداء " .
عندنا عبارة يكررها بعض الناس عندما تسأله عن حياته وطعامه ووضعه هي " ماكل خرى بالمعلقة / الملعقة " و " زي الخرى " و " الحياة ماكلة خرى " و " باكل خرى بالمعلقة " و " الحياة كلها خرى في خرى " و " بتنقط خرى " بدل " بتنقط عسل " .
عندما قرأت ما كتبه أكرم تذكرت السطر الأخير في رواية الكاتبة العراقية بتول الحصري " كم بدت السماء قريبة " تصف فيها أحوال العراقيين :
" زي اللي بوكل الخرا بالدبوس . لا الخرا يخلص ولا الدبوس يشيل " ( كتبت تحت عنوان " الخليل والعشائرية : من موضوعات الرواية الفلسطينية " وتتاولت رواية مشهور البطران " السماء قريبة جدا ).
ولم تخل رواية إنعام كجه جي " الحفيدة الأمريكية من هذا الدال ؛ دال الخرى .
حتى أنا التبس علي شكل الحرف الأخير في الكلمة . أهو خرى أم خرا أم خرة أم خراء .
أهل غزة صاروا يصرون على ألا ينصحهم المتخمون بالطعام والشاعرون بالدفء في بيوتهم : " بالله عليكم لا تنصحونا " وما زالوا مؤدبين ، فلم يكتبوا :
- كلوا خرا واخرسوا يا عجزة !
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
السبت ١٠ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٢٧ ) .
***
> 127 -ب- مساء ( ١٢٧ ) : خبران لافتان
ثمة خبران لفتا انتباهي مساء أمس وظهيرة هذا النهار ؛ الأول يتعلق بتجار الحشيش في المملكة المغربية ، والثاني باستشهاد حازم اسماعيل هنية ابن المكتب السياسي لحركة " أبو العبد " .
إن صح أن تجار الحشيش رفضوا بيع الحشيش للتجار الإسرائيليين بسبب مقتلة غزة وحرب إبادتها ومهلكتها ، فإنهم أكثر شهامة ونخوة من كثير من الدول العربية والإسلامية ، بخاصة التي تقيم علاقة مع الدولة الإسرائيلية .
كيف لليهود أن ينبسطوا ويسطلوا وأهل غزة يرتقون ، بل وحتى حشاشوها لا ينبسطون ؟ وربما خطر ببال تجار الحشيشة في المغرب أن انبساط الجنود الإسرائيليين قد يدفعهم إلى التفنن في التدمير والقتل !
لله في خلقه شؤون ومظفر النواب رأى في قصيدته " في الحانة القديمة " البغي أفضل ممن يبيعون اليابس والأخضر ويدافعون عن كل قضايا الكون ويهربون من وجه قضيتهم . البغي لم يفن منها سوى الجسد الفاني وهي لم تؤذ غيرها .
هل يجوز أن أكتب عن الخبر الثاني في الحيز نفسه ؟ هل ينقص هذا من قيمة الشهيد ؟
للضرورة أحكام ، فكلا الخبرين بثا في الأربعة والعشرين ساعة الأخيرة .
ارتقاء حازم ابن اسماعيل هنية .
منذ بدء المقتلة وهناك من يتهم القيادات الفلسطينية من حماس وغيرها بأنها تعيش في الفنادق ، فيم الناس يعانون الأمرين . كم إصبع أشارت إلى ما سبق ولمحت وأدانت و ... و ... .
عندما سمعت خليل الحية يتحدث عن الشهداء في عائلته لم أعد أستسغ سماع هذه الاتهامات ، وعزز ما قاله الحية ارتقاء صالح العاروري في بيروت بصواريخ إسرائيلية ، واليوم قرأت نعي حازم .
وعلينا التريث والتأكد و ...
تحية لحشاشي المغرب
وألف رحمة على حازم وله الجنة مثوى ولذويه ، ولذوي ٢٨ ألف فلسطيني ارتقوا منذ ٧ أكتوبر ، الرحمة والمغفرة والعتق من النار .
اللهم آمين .
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٢ / ٢٠٢٤
***
128 -أ- اليوم ( ١٢٨ ) : الذي لا يقدر على الحمار ينط على ... ما يقدر أن ينط عليه:
أمس كتبت تحت عنوان " خبران لافتان " ؛ أولهما نخوة بائعي الحشيش في المملكة المغربية ، إذ رفضوا أن يبيعوها للإسرائيليين تضامنا مع أهل غزة ، فكان لهم بذلك موقف مشرف ، وثانيهما عن خبر تأكد عدم صحته وهو استشهاد حازم اسماعيل هنية بصفته ابن أحد أعضاء المكتب السياسي لحركة " خماس " . حذفت الكتابة كلها لعدم صحة الخبر الثاني ، ولم أكتب مساء أمس .
عندما صحوت من النوم في الساعة الثانية عشرة من صباح هذا اليوم قرأت تعقيب صديق على ما أرسله إلي بخصوص موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من المفاوضات بين خماس والدولة الإسرائيلية . إنه يطلب من الأولى الموافقة على صفقة تبادل الأسرى خلال أسبوعين . لم يضغط على الثانية فهو كما قال مثلنا الشعبي " اللي ما بقدر على الحمار بنط على ... " وحاشا أن تكون ... .
أول ما تذكرته هو سطر الشاعر العراقي مظفر :
" قولوا يا عرب الردة مرثية " ، فالأنظمة العربية أكثرها أنظمة عرب ردة وأكثر .
منذ صباح أمس ألحت علي ، ثانية في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة ، قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل " كلمات سبارتاكوس الأخيرة " ، فعدت إليها أقرأ فيها ، متمنيا ، بل وطالبا من الله ، ألا نعيش الانكسار ، علما بأن العالم أكثره عالم " أبكم أصم أعمى " لم يكتو بعذاب الفلسطينيين بعامة وأهل غزة بخاصة ، ورحم الله الشاعر اللبناني خليل حاوي .
لقد تآمر شيوخ روما كلهم ضد سبارتاكوس بعد أن كان النصر قاب قوسين وأدنى ، وعلق الثوار على المشانق وأخرج أهل روما من الفقراء والعبيد منها ، متحسرين وهم يرون ما يرون على أعواد المشانق .
" ... إني تركت زوجتي بلا وداع
وإن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراع
فعلموه الانحناء !
علموه الانحناء !
الله .. لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال : لا !
والودعاء الطيبون ...
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى
لأنهم .. لا يشنقون !
فعلموه الانحناء !
وليس ثم من مفر
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت .. قيصر جديد " .
خلف كل شارون يولي نتنياهو وبن غفير وسموتريتش جديد .
هل سنبدأ نتحدث عن عقلانية إميل حبيبي ومحمود عباس " أبو مازن " ؟ وهل الأفضل أن ننحني لنرث الأرض في نهاية المدى حتى لو انحنينا وعلمنا أبناءنا الانحناء ؟
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
فجر ١١ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 128 -ب- الصراع على الأرض :
ببساطة فإن الحكاية كلها حول ما يجري في غزة تلخصها المقولة الصهيونية " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " وعليه لا بد من أن يعمل الصهيونيون على تحقيق مقولة " أرض أكثر وعرب أقل " ، وهذا عنوان كتاب للباحث العربي نور الدين مصالحة من فلسطين ١٩٤٨ . Nur Masalha
منذ ١٨٧٨ والصهيونية تسعى لتحقيق ذلك من خلال التضييق علينا - أي الرحيل بالتي هي أحسن - وبالنار - أي بالعنف وهذا هو تيار جابوتنسكي معلم ( بنيامين نتنياهو ) ونموذجه الذي يحذو حذوه وقد أقر بذلك في أول هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
ماذا قالت الرواية الأدبية الفلسطينية في الموضوع . لعل مقالي الأحد القادم ١٨ / ٢ / ٢٠٢٤ يتابع مقالين سابقين في الموضوع كتبا ، ونشرا الأسبوع الماضي ٤ / ٢ / ٢٠٢٤ والذي قبله " التشبث بالوطن في الأدب الفلسطيني " .
١١ / ٢ / ٢٠٢٤ .
اليوم ( ١٢٨ )
عادل الاسطة
***
> 128 -ج- مساء اليوم ( ١٢٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : ( هل سأطبخ في الغور الفاصولياء الناشفة لأطعم اللاجئين الجوعى؟ )
اليوم ظهرا ذهبت إلى البنك العربي لأجدد البيانات الخاصة بي ، فقد وصلتني يوم الأربعاء الماضي من الصراف الآلي مع رصيدي معلومة تطلب مني أن أجدد بياناتي عبر " العربي موبايل " أو بالذهاب إلى أحد فروع البنك .
ولأنني لا أملك برنامج العربي موبايل ، فقد ذهبت إلى الفرع الرئيسي في نابلس وزرت المسؤولة عن حسابات ال Elite هناك ، والسؤال يجر السؤال والكلام يجر الكلام ، ولما سألتني عن مهنتي أعلمتها إنني متقاعد من الجامعة منذ خمس سنوات ، وعن سؤالها كيف أنفق وقتي أجبتها بأنني كاتب ، والكاتب لا يتقاعد ، ورحم الله الكاتب الفلسطيني فاروق وادي الذي طلب ، وهو في المشفى ، في الدقائق الأخيرة ، ورقة وقلما ليكتب ، ومات .
ولأن الحديث ذو شجون ، بخاصة في هذه الحرب الدائرة حاليا ، فقد تطرقنا إلى خدمات البنوك ، إن كان الزبون في خارج الضفة الغربية . إن سافرت مثلا وساءت الأحوال .
وأنا أسأل عن إمكانية سحب بعض المال في الخارج ذكرت لها ما ألم بمواطن غزاوي تاجر نزح من غزة إلى رفح وصار لاجئا .
كان المواطن ميسور الحال ومعه بطاقة صراف آلي ( فيزا ) ولكن ..
الفيزا صارت في المقتلة عديمة الجدوى ، وصار المواطن بلا عمل ، ولا يعرف مآل محله التجاري. . وفي شريط الفيديو رفع بطاقة الفيزا ورماها في الهواء وضحك مع زميله وهو أمام طنجرة الفاصولياء يطبخها ليوزعها على الجوعى .
- ما هو مآلنا ؟
سألتني الموظفة ، فأجبت :
- لا أعرف ، وهذا يعتمد على نتيجة الحرب .
وأنا أكتب صرت أضحك :
- هل سيطلب منا الإسرائيليون لاحقا التوجه إلى الغور حتى ينتهوا من تصفية قيادات خماس وكوادرها في جنين والمخيمات ؟ وهل سأطبخ الفاصولياء في الغور ؟
شر البلية !!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٢ / ٢٠٢٤
***
129 -أ- ( ١٢٩ ) صباحا :
لا جديد عن أنباء المعارك ، فلا بلاغات ولا تحليلات والأخبار كلها تتحدث عن رفح والمرحلة الرابعة في القتال ، لا صوت لحماس ولا لناطقها الرسمي " أبو عبييدة " ، ولا شريط أيضا ل " أبو حممزة " الناطق باسم سرايا القدس .
في الطرف الإسرائيلي تكثر التحليلات والآراء والاجتهادات ؛ يمين كثير ويسار قليل ومتقاعدون قدامى يستحضرون تجاربهم ويقدمون نصائحهم واقتراحاتهم .
يمين لا يعجبه تفكيك " خماس " فلكي تنتهي الحرب لا بد من احتلال وتهجير واستيطان وقتل الأطفال قبل الكبار ، فالأطفال هم أعداء الغد والتوراة تقول هذا .
يسار لم يبق منه إلا ظل اليسار . يدين الحرب والصوت خافت أمام آلة الحرب وغلو اليمين وتطرفه وعتاة المستوطنين ، وصوت " أبو يائير " يعلو ويعلو ويعلو ، ولا بد من إكمال الحرب لنحقق النصر ولا نقر بالخسارة ، فالحرب إن توقفت تعني أننا خسرناها .
ومتقاعدون مثلي ينظرون على شاشات الفضائيات الإسرائيلية التي تحولت إلى أمكنة يقضي فيها ضباط قدامي وقت فراغهم يستحضرون ذكرياتهم وخبراتهم ، كما استحضر في كتاباتي الماضي والنصوص القديمة .
والأطفال في غزة جاعوا أكثر وأكثر ، وكبار السن الذين لم يقتلوا ماتوا من قلة الدواء وشدة البرد والانتظار في طوابير أمام المراحيض ، وأما النساء فمن تنجو منهن تعجن وتطبخ وتوقد الحطب وإن كانت طبيبة في مشفى فقد تفتدي بجسدها مريضا أراد قناص أن يصوب نحوه رصاصه .
وفي صفحات بعض كبار السن من المثقفين هناك في غزة ، مثل رزق المزعنن Rezek Muzaanin تقرأ منشورا من كلمة واحدة :
" المجهول " .
وأما في صفحة الصحفي باسم النادي Basem Alnadi فأقرأ عن حدث جسيم لم تتضح معالمه ؛ حدث من جبهة خانيونس يجعلك تكتب :
" كلما قالوا انتهيت فاجأتهم أنني ابتدأت " .
ماذا يسبح في الغيب الأزلي ؟
أطلوا .
قتلتنا الردة يا مولاي !
قتلتنا الردة أن الواحد منا يحمل في الداخل ضده "
ورحم الله الشاعر مظفر النواب ، فقد صارت أسطره في وصفنا هي الحقيقة :
" تتحرك دكة غسل الموتى ، أما أنتم فلا تهتز لكم قصبة "
وأما نحن !!
اغفروا لنا يا أطفال غزة ويا شيوخ غزة ويا نساء غزة . اغفروا لنا عجزنا !
و
" كلما قالوا : انتهى !
فاجأهم بأنه ابتدأ "
بم وصف محمود درويش الفدائي في " مديح الظل العالي " ؟
في قصيدة مظفر النواب " تل الزعتر " يقول :
" لا أبكي أبهى من قاتل .
أبكي من يبحث عن دولته في القمة " .
هل هو مصيب أم هو مخطيء ؟؟!!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 129 -ب- مساء ( ١٢٩ ) : "مذكرات دجاجة ، مذكرات خروف ، يوميات حمار وطني ... ومذكرات ديك"
لا أعرف أين أصنف ما كتبته تحت عنوان " أنا والجامعة " ( ٢٠١٩ / ٢٠٢٠ ) . أأصنفه تحت مذكرات دجاجة أم مذكرات خروف أم مذكرات حمار وطني أم ... مذكرات ديك ؟
هل أنا دجاجة أم خروف أم حمار وطني أم ... ديك ؟
في الأدب الفلسطيني قرأنا رواية لإسحق موسى الحسيني عنوانها " مذكرات دجاجة " ( ١٩٤٣ ) وقرأنا في ٩٠ القرن ٢٠ رواية لعبد الرحمن عباد عنوانها " مذكرات خروف " ( ١٩٩٠ ) وكتب خالد الحسن " يوميات حمار وطني " ولا ننسى حمار الشيخ جميل السلحوت وما كتبه ونشره في جريدة " الطليعة " المقدسية " أنا وحماري " ( ٢٠١٣ ) ، ورد عبد الحميد ياسين في ٥٠ و ٦٠ القرن ٢٠ على إسحق موسى الحسيني بمقالين عنوانهما " مذكرات ديك " .
يحيى السسنوار رفض أن يكون مثل دجاجة الحسيني أو خروف عباد أو حمار الحسن الوطني . لقد اختار أن يكون ديكا وها نحن نتابع ما يجري .
أبو مازن اختار أن يتبنى سياسة دجاجة الحسيني مع فارق هو أن نبقى هنا ولا نرحل وسار على خطا إميل حبيبي الذي نظر إلى نفسه على أنه " مانعة الصواعق " حين لم يغامر بعد ١٩٤٨ بتبني خيار المقاومة المسلحة أو تأييده ، وحين اختار ولاء ابن بطله سعيد المتشائل هذا الخيار رضخ للسلطة محاولا إقناع ابنه بعدم جدواه .
منذ ١٩٤٨ ونحن نتجادل فيما بيننا :
- أنكون دجاجا وخرفانا وحميرا وطنية أم ديكة ؟
وأهل غزة كما أشاهد أشرطة الفيديو منقسمون في موقفهم . منهم من يغبط الدجاج ومنهم من يؤيد الديكة ، ولعلني أفصل في مقالاتي في جريدة الأيام الفلسطينية هذا .
في ١٩٥٨ كتب المحامي توفيق معمر " مذكرات لاجيء : حيفا في المعركة " ، أتى فيها على ضياع حيفا في العام ١٩٤٨ . ما أشبه الليلة بالبارحة ، مع فارق !
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
130-أ- ( ١٣٠ ) صباحا . يا فرحة ما تمت : " مليون دولار ثمن كل أسير من الأسيرين وتعويض ثمن المنزل"
إن صحت الرواية فإن إسرائيل التي تبحث عن انتصار حققته بمليوني دولار وبضعة آلاف .
تقول الرواية إن الأسيرين كانا لدى عائلة أبو سرور وإن مفاوضات جرت في لندن اتفق فيها على تزويد الإسرائيليين بمعلومات عن مكان وجودهما .
إسرائيل تبحث عن انتصار بالطرق كلها .
عندما استعنت بذاكرتي عن ٧ أكتوبر واسترجعت بعض الصور والنكت تذكرت مواطنا أسر امرأة إسرائيلية اقتادها على الدراجة الهوائية ، وتذكرت نكتة السلفة التي عايرت ابنها بابن سلفتها الذي أحضر فتاة إسرائيلية وطلبت منه أن يحضر اثنتين ، أما إحدى الطالبات النابلسيات ممن علمتهن فأرادت خادمة إسرائيلية بدل السيرلينكية . ندى العمر .
هنيئا لأبو يائير ومجلس حربه كله على انتصاراتهم الفريدة في التاريخ ، منذ بداية الحرب حتى يومها هذا.
أمس قمت بعملية حسابية لمدة تحرير الأسرى .
حررت إسرائيل أسيرين بعد ١٢٩ يوما ، فإذا قسمنا الأسرى الباقين على ٢ احتاجت إسرائيل إلى ٦٧ عملية ، كل عملية تحتاج ١٢٩ . ضربت الرقمين وقسمتهما على أيام فاسابيع فأشهر فسنوات ووجدت أنها تحتاج إلى عشر سنوات ونصف .
هل سنحتاح إلى عشر سنوات حرب أخرى ؟
قبل أسابيع ألقت الطائرات الإسرائيلية على أهالي قطاع غزة منشورات تعرض فيها عليهم جوائز بقيمة مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تسهم في إلقاء القبض على يحيى السنوار وأخيه محمد ورافع سلامة ومحمد ضيف ، فلم تنجح حتى الآن .
هل حقا لجأت إسرائيل إلى السحرة كما قرأت في صفحة الدكتور عواد أبو زينة ، لإنجاز ذلك ؟
الدكتور عواد اتكأ على شريط أرسله إلي وشاهدته وأدرجته على صفحتي .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٢ / ٢٠٢٤
يوميات المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
> 130 -ب- هل تتعبك كتابة يوميات المقتلة والمهلكة يا عادل الأسطة ؟
سألتني مذيعة التلفزيون العربي إن كانت كتابة اليوميات عن المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة تتعبني .
قبل ثلاث سنوات كتبت عن الكورونا تحت عنوان " الست كورونا " ٣٠٠ يومية ، صدر منها ١٠٠ في كتاب " الست كورونا " عن دار خطوط وظلال في الأردن . صاحبة الدار هي د.هناء علي البواب .
كانت اليوميات تستقبل استقبالا حسنا ، وأستطيع القول إن القراء أنفسهم أسهموا في إنجازها ، إذ كلما كتبت إحداها علق القراء عليها وأبدوا رأيهم وزودوني بمعلومات وأشرطة فيديو ، وجدت طريقها إلى الكتابة قبل أن أعتمد صيغتها النهائية ، وربما أنشأت على ملاحظاتهم كتابة جديدة .
كانت الكتابة ابنة لحظتها ولو سئلت الآن عن بعض ما فيها لما أجبت إجابة صحيحة . ويمكن القول إنها إنجاز فردي وجمعي لي فيها ما أوردته من كتب قرأتها واستحضرت بعض ما فيها ، ولي فيها الصياغة والأسلوب أيضا ، وللآخرين فيها ما مدوني به من أشرطة فيديو أو ما صححوا فيه بعض أخطائي .
يمكن قول الشيء نفسه عن يوميات المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة هذه ، مع فارق هو أنها لم تكن لتكون عليه لولا قراءاتي لنصوص من الأدب الفلسطيني كتبها أدباء فلسطينيون في أحداث مشابهة . إن هذه اليوميات هي يومياتي ويومياتهم ، وما كان لها أن تكون حافلة بالبعد المعرفي ، لولا ذاكرتي التي أثقلت على مدى خمسة عقود وأكثر بالنصوص ، ولولا جلدي وصبري ومكتبتي التي أتكيء عليها كلما أردت أن أنقل نصا ، إذ لا بد من أن يكون نقله صحيحا .
قبل أن تسألني المذيعة السؤال بيوم تواصل معي القائم على الحلقة خالد بن أحمد الخلفاوي، وكنت أظنه هو من سيحاورني ، وسألني السؤال نفسه ، فأعلمته أنني أتابع الأخبار وأشاهد الأشرطة واستحضر كتبي وأظل مشغولا بما سأكتب النهار كله وبعض الليل ، فأحيانا أوي إلى الفراش وتأتيني الفكرة فأنهض وأحيانا أصحو من النوم لأدون ملاحظة يجب إدراجها فيما كتبت أو تصحيح معلومة ما أوردتها . إن أتتني فكرة دونتها وخربشت ملاحظات على ورقة ملاحظات ، وأنتظر لحظة صفاء الذهن لأكتب .
الكتابة مرهقة ومرهق أكثر منها متابعة الأخبار والشعور بالعجز أنني غير قادر على فعل شيء يوقف القتل ويطعم الجوعى ويشفي الجرحى ويسقي العطشى ويمنع تجسس القريبين مني علي من فتح وحماس والفصائل و ... والحكاية قديمة . ماذا أكلت ؟ ماذا شربت ؟ ماذا تفعل بالنقود التي سحبتها من البنك ؟ هل تركتها في المنزل ؟ هل تتقاضى مكافآت على ما تكتب؟ ( يعني هل تتاجر بجراحات أهل غزة ؟) . بعض الإخوة مرض وطز في رابطة الدم واليهود المتدينين الذين يصرون على إقامة دولة لليهود فقط .
هل ألفت الحرب في غزة بين قلوب المتخاصمين ؟
الكتابة في الموضوع ليست مناسبة . إنها مزعجة .
بقي أن أذكر أن قسما من اليوميات صدر في القاهرة قبل عشرة أيام ، عن دار نشر ميريت ، بالاشتراك مع الروائي والكاتب زياد عبد الفتاح ، وهو صاحب الفكرة ، تحت عنوان " غزة تحت الإبادة الجماعية : الكتابة من قلب الحدث " .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء ( ١٣٠ ) .
***
131 -أ- ( ١٣١ ) صباحا : " وما علمناه السحر وما ينبغي له "
هل لجأت " خماس " في ٧ أكتوبر / تشرين الأول هي والجهاد إلى السحر فسحرت أجهزة التنصت والمراقبة والقائمين عليها حتى تهدم الأسوار وتجتاز الجدار ؟
أبو إبراهيم السسنوار يصلي ويصوم ويقرأ القرآن ومثله أبو خالد ضيييف وأظن أنهما يأخذان بقوله تعالى ( وما علمناه السحر وما ينبغي له ) ، وأظن أنه قرأ قصيدة " أبو تمام " الشاعر العباسي ؛ القصيدة التي قالها في فتح عمورية ، وتوقف أمامها وأمام البيت :
" أين الرواية ؟ بل أين النجوم وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذب ؟ "
وأنا أسير في شوارع نابلس أرى كاهنا سامريا فتراودني أحيانا فكرة أن أسأله عما يراه ويتوقعه وعما تقوله قواه الغيبية ، فالطائفة السامرية في نابلس تمارس طقوس قراءة الغيب وتعيش منها أو هذا ما يعرف ، ثم أبتسم وأقول : دع الرجل يسير متأملا ، فهو غالبا ما يمشي في المدينة وحيدا .
عندما كتبت عما ورد في صفحة الصديق الدكتور عواد ابوزينة عن ساحرة إسرائيلية تلجأ إلى السحر للقضاء على يحيى السسنوار لتنجز ما عجز عنه الجيش الإسرائيلي وهو القضاء على السسنوار أرسل إلي الصديق شريط فيديو للساحرة تمارس السحر ، فعممته وأدرجته على صفحتي .
هل ستنجح الساحرة فيما عجزت عنه أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وطائرات التجسس البريطانية والأمريكية ؟
وأنا أشاهد شريط فيديو الساحرة تذكرت أشرطة مشابهة عممت في فترة وباء الكورونا ، وبعضها ساخر ، كان المشعوذون يبخرون هذا الرئيس أو ذاك المسؤول و .. .
عندما جاءتني صورة منشور نسب إلى الإعلام العسكري لحركة خماس تطلب الدعاء وتعميم المنشور فما سيجري خلال ال ٧٢ ساعة القادمة مرعب ، لم أنفذ ما ورد فيه وتساءلت إن كان المنشور صدر أصلا عن الإعلام العسكري في الحركة .
أمس نعت لاجئة فلسطينية غزاوية بأنها أم سعد القرن ٢١ . كانت تتحدث عما فعله الإسرائيليون هناك ، حيث لم يرحموا أحدا ولم تنج من إجرامهم حتى قبور الموتى . كانت المرأة تقول إن ما قامت به خماس والمقاومة مبعثه ما أجبرهم على القيام به وهم الإسرائيليون .
في شريط فيديو آخر كان الطفل الغزاوي يجيب من يسأله عن عمله سائق عربة يجرها حمار :
- الحمير نفعتنا في الحرب أكثر مما نفعنا الحكام العرب .
ماذا يطبح حاكم مصر في القاهرة ؟
في ١٩٧٦ تساءل مظفر النواب في قصيدته " تل الزعتر " :
" - ماذا يطبخ تجار الشام على نار جهنم ؟ "
والطبخ بدأ في لندن منذ ثلاثينيات القرن ٢٠ وما زالت الكتب البيض تصدر وما زالت المأساة تكبر .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 131 -ب-" جيش له دولة " :
إن أصغيت إلى الأخبار في هذا النهار فسوف تكرر ما وصفت به إسرائيل . إسرائيل ليست دولة لها جيش ، بل هي جيش له دولة .
الحدود الجنوبية - قطاع غزة - مشتعلة منذ ٧ أكتوبر ، والحدود الشمالية مشتبكة منذ ذلك الوقت أيضا ، وأما الضفة الغربية فمنذ انتفاضة الأقصى في ٢٨ / ٩ / ٢٠٠٠ لم تعرف الهدوء .
كم عدد مقابر أفراد الجيش الإسرائيلي ؟
كم عدد المشافي العسكرية في إسرائيل ؟
كم عدد السجون الأمنية ؟
كم عدد أفراد الجيش نسبة إلى أعداد المدنيين ؟
كيف يمكن أن يعيش المرء في أجواء لا أمن فيها ولا استقرار ولا طمأنينة ؟
آخر الأخبار تقول إن الدولة العبرية تعد مشافي لاستقبال أكثر من ٢٠ ألف جريح في العام ٢٠٢٤ ، بعد أن كان عددهم في العام الماضي بضعة آلاف - من ثلاثة إلى تسعة .
وآخر التصريحات التي سمعتها نقلا عن سماحة الشيخ حسن نصرالله هو أن الحرب على الحدود الشمالية إذا اتسع نطاقها فسوف يصل عدد اللاجئين الإسرائيليين من غلاف الشمال إلى مليونين . يعني سيلم باثنين مليون إسرائيلي ما ألم بمثلهما في قطاع غزة ، مع فارق طبعا في ظروف الحياة .
إلى أين نحن ذاهبون ؟
لا أحد يعرف بالضبط ، وصار الواحد منا يعاني من فصام حقا ؛ مع الحرب وضدها ، و" اللي بنزل من السما بتتلقاه الأرض " وما ألم بأهل الأرض - أهل غزة لم يتلق بعد بالترحيب ، فقد استقبل بالويل والثبور والهلاك .
في رواية الكاتب الإسرائيلي ( عاموس كينان ) " الطريق إلى عين حارود " التي ترجمت إلى العربية في ١٩٨٧ تقريبا كلام يدور على لسان شخصية روائية إسرائيلية مفاده أن الخطر المحيق بإسرائيل سيأتي من الشمال ، واليوم اشتعلت الجبهة الشمالية .
هل ستتحقق النبوءة وتقع حرب القيامة في سهل مجدو ؟
بعض التساؤلات مكررة وقد أثيرت في بداية المقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
مساء الخير يا غزة
مساء الخير أيها الجنوب اللبناني
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٣١ )
***
132 -أ- فجر اليوم ( ١٣٢ ) : ابتسامة " أبو يائير "
لم أر " أبو يائير " منذ بداية الحرب إلا عابسا مكشرا ، ويظهر ، جانب وجهه الأيسر حول عينه اليسرى ، انتفاخ ما ، كمن أصيب بلفحة هواء ، أو لعله من قلة النوم أو من أدوية مهديء يتناولها .
أمس رأيت الابتسامة تملأ فوديه ، فقد ابتسم للرغيف السخن الذي لم يحصل عليه إلا بعد مائة وواحد وثلاثين يوما ، إذ حررت قواته اثنين من ١٣٦ أسيرا . أهو الانتصار الذي يبحث عنه ؟
أمس اشتعلت الحرب في الجبهة الشمالية ، إذ قصفت صواريخ حزب الله مواقع عسكرية إسرائيلية ودكتها دكا ، فقتلت جنديين ؛ ذكرا وأنثى ، وأصابت ثمانية . وماذا بعد ؟
في تعقيب الصديق محمد لافي على كتابتي :
" بعد ١٢٩ يوما حررت إسرائيل أسيرين وبقي ١٣٤ أسيرا ... وبعملية حسابية تحتاج إسرائيل إلى عشر سنوات ونصف لتحرر بقية الأسرى "
أورد حكاية عن محام سافر وترك ابنه المتدرب محله .
بينما كان الابن يقلب في القضايا التفت إلى ملف قديم لقضية نزاع بين جارين حول شجرة تفاح . عندما جاءه الطرفان المتنازعان عرض عليهما قطع الشجرة بعد قطف ثمارها ، يأخذ طرف الثمار والطرف الثاني حطبها ، وهكذا حلت القضية ، ولما عاد الأب وأعلمه الابن بما فعل ، وبخه الأب ، فقد قطع عنه مصدر رزق.
الصديق Mohammed Lafi
كتب أن بروفيسورا إسرائيليا اسمه ( مناحيم كلاين ) رأى في بداية الحرب أن الحل يكمن في التعاون والتبادل ؛ تعاون إسرائيل مع حماس وتبادل الأسرى ، ومنذ شهرين لم يعد يرى المحلل على الفضائيات ، فقد كان مثل ابن المحامي . سيقطع رزق " أبو يائير " . ( أرسل لي الصديق محمد بعد نشر الصيغة الأولى لهذه الكتابة مقالا بالإنجليزية لمناحيم كلاين نشره في ٢٦ / ١٠ / ٢٠٢٣ يقول فيه إن الحكومة الإسرائيلية لم تتعلم شيئا من أخطائها )
قبل أن أكتب أردت أن أقتبس من محمود درويش قوله :
" أهنيء الجلاد منتصرا على عين كحيلة "
وقوله :
" نحن أدرى بالشياطين التي تجعل من طفل نبيا "
وأردت استحضار رد إميل حبيبي في " المتشائل " على السطر الأخير :
" ولم يدر شاعر البروة أن الشياطين قد تجعل من طفل آخر نسيا منسيا " .
ذهب ضحية تحرير الأسيرين ، على الأقل ، ١٠٠ مواطن فلسطيني ، قضوا وكانوا موزعين بين طفل وامرأة وشاب ومسن و ... وقد جعلت الطائرات منهم نسيا منسيا . وكله من أجل ابتسامته ولم تكن صفراء ولا مفتعلة على الإطلاق ، فماذا يعني له مائة من نسل العماليق . لقد رقص الجنود الإسرائيليون ودبكوا وغنوا لإفناء أعدائهم القدامى : العماليق .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٢ / ٢٠٢٤
ما زالت المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة مستمرة .
***
> 132 -ب- أنا و ( بنيامين نتنياهو ) و (.أدولف هتلر ) :
في أحد أيام المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة شاهدت شريط فيديو يتكلم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) مبررا ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة .
كان الرئيس يتحدث وبيده نسخة من الترجمة العربية لكتاب الزعيم الألماني النازي ( أدولف هتلر ) " كفاحي Mein Kampf " عثر عليها جنود جيشه في غزة ، وها هو يظهرها لكي يربط بين النازية وحركة خماس وليقول للعالم :
- إليكم الدليل !
منذ العام ١٩٩٠ وأنا في ورطة مع الألمان والإسرائيليين والدول المجاورة والفصائل الفلسطينية وأهلي أيضا ؛ يسارها ويمينها ، وطنيها وتيارها الديني ، وأعتقد أنه لم يمر يوم لم أستبح فيه ولم تستبح فيه شقتي أيضا ، وكل يوم أنا مصنف على فصيل أو تيار ، وقد كتبت هذا في نصي القصصي " ليل الضفة الطويل " ( ١٩٩٣ ) .
ترى إن اقتحم الإسرائيليون شقتي وفتشوا في كتبي ووجدوا نسخة كتاب ( هتلر ) في مكتبتي ، ترى هل سيعتقلونني بحجة أنني نازي ، ولم أخل من اتهام كهذا ؟
في مكتبتي أيضا كتاب ( نتنياهو ) " مكان بين الأمم : إسرائيل والعالم " وفي قراءة أخرى " مكان تحت الشمس " ، فهل يا ترى ستتهمني خماس لو دخلت في غيابي شقتي ووجدته ، هل ستتهمني بأنني مستشار ل " أبو يائير " ؟
ومرة اتهمني أخي القريب من خماس بأنني جاسوس . ربما شاهد نسخة كتاب نتنياهو في مكتبتي .
وماذا تقول حركة فتح ؟
حتى لا أعتقل من الإسرائيليين قررت أن أضع نسخة " كفاحي " إلى جانب نسخة " مكان بين الأمم " ولا بأس من كتاب لصلاح خلف " فلسطيني بلا هوية " - يعني نسخة كتاب نتنياهو إلى جانب نسخة كتاب هتلر ، إلى جانب نسخة كتاب ( إريك رولو ) عن صلاح خلف - للأسف فهي بلا غلاف لأن من استعارها مني في زمن فتح الثوري خاف أن يعثر عليها الإسرائيليون في بيته - وبقي ... بقي أن أضع إلى جانبها كلها نسخة من روابة يحيى السسنوار ، كما اقترحت نوال الستيتي " الشوك والقرنفل " ، ليكتمل الطابق . سامحنا يا دكتور محمد اشتية فأنت لست من الديكة لأضع نسخة من مجموعتك القصصية " إكليل من شوك " إلى جانبها !!
يبدو أنني سأتوسع في الكتابة وأخص زاويتي في جريدة الأيام الفلسطينية بمقال ساخر !!
كبر دماغك يا أبو يائير ورد على ( مناحيم كلاين ) الذي كتبت عنه في هذا الصباح .
عندنا مثل يقول " احترنا يا قرعة من وين نبوسك " ، ويبدو أن علي أن أنزع طاقية الرأس حتى تبين قرعتي .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٣٢ )
***
133 -أ- صباح يوم ( ١٣٣ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة :
بضائع إسرائيلية تغزو أسواقنا وأهل شمال غزة من علف الأرانب والحمير إلى علف العصافير
صباح هذا اليوم قرأت في صفحة الدكتور رياض عوض Riyad Awad أن أهل شمال قطاع غزة صاروا يطحنون علف العصافير ويعجنونه ويصنعون خبزهم منه ليأكلوه بعد أن نفد علف الأرانب والدجاج . وكنت كتبت عن سفربرلك فلسطيني في القرن الحادي والعشرين ، ومنذ بدأ الحوع أضفت إلى اليوميات دال " المهلكة " ، وبعدها شاهدت شريط فيديو لإسرائيلي اسمه ( موشيه فيغلين ) يضع " الكيباه " على رأسه يقول فيه إن تفكيك حماس ليس مطلبا كافيا ، فلا بد من ثلاثة أشياء هي :
- احتلال ( كيبوش )
- تهجير ( جيروش )
- إقامة مستوطنات ( فجشفوت ) .
وقد أدرجت الشريط على صفحتي وعرفت أن موشيه عضو كنيست إسرائيلي سابق عن حزب الليكود .
وأما التجويع لدرجة الموت فهو تحقيق لما نادى به الأدب الصهيوني " العربي الجيد هو العربي الميت " وهذا ما رآه غسان كنفاني في كتابه " في الأدب الصهيوني " ( ١٩٦٦ ) .
أمس كنت أسير في شوارع نابلس فرأيت العنب يباع في الأسواق ، وهو عنب يزرع في دفيئات في صحراء النقب . لم أشتر منه ، ففي العام الماضي رأيته يباع في شباط ولم أشتر ، لا لأنني من أنصار المقاطعة وإنما لأن منظر العنب لم يرق لي .
أنا أشتري من البضائع الإسرائيلية قهوة عليت ، وأحيانا قليلة لبن ( الشمينت ) ، فقط ، ومنذ بداية الحرب ما عدت أشتريها ، إذ استبدلتها بقهوة زحيمان . وللموضوع حكاية .
أمس عصرا ذهبت أتمشى فلاحظت ثلاجات البوظة ممتلئة بها ، ومع أنها ترفع السكر في الدم إلا أنني لا أقاومها . أردت شراء علبة كبيرة . سألت البائع عن سعرها فأجاب :
- ٢٥ شيكلا .
سألته :
- هل ارتفعت الأسعار ؟
فأوضح لي بأن هذه بوظة شتراوس . يعني بوظة إسرائيلية .
لم أشتر ، وقلت للبائع إنني منذ بداية الحرب لم أشتر البضاعة الإسرائيلية ، لا لأنني لا أشتريها ولكن تضامنا مع أهل غزة .
ابتسم البائع ورد علي :
- الأمر متروك لك ، ولكن الكهرباء التي في بيوتنا وشوارعنا كلها من إسرائيل ، فهل قاطعناها ؟
هل أفحمني البائع ؟
وللأمانة فقد اشتريت مرة مرتين بضاعة لم أكن أعلم أنها إسرائيلية .
إسرائيل الآن تمنع العمال الفلسطينيين من العمل في حدود دولتها وتمنع بضاعتها من دخول غزة أيضا وتتحكم بأموال المقاصة ، فلا تدفع السلطة الفلسطينية الرواتب لموظفيها وقسم منهم من غزة ، والبضائع الإسرائيلية تغزو أسواق الضفة الغربية ، وحالتنا يا ليلى حالة بالويل .
حالة تعبانة يا أمي !!
والكتابة تطول وأبو يائير مش مصلي على سيدنا إبراهيم وآل سيدنا إبراهيم . المسلمون في صلاتهم يصلون عليه وعلى كافة الأنبياء ، وكلما دعاني ابن أخي إلى الصلاة " صل قبل أن تولي " رددت على مسامعه قوله تعالى يخاطب رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه ( إنك لا تهدي من أحببت ، ولكن الله يهدي من يشاء ) . اعتبرني يا عمي مثل " أبو طالب " .
يصلون ويدخلون البيوت في غياب أهلها ويفتشون عن ... ويفشون الأسرار و ... خليها على الله .
صباح الخير يا غزة
خربشات
فجر ١٦ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 133 -ب- " فلسطين أم الغريب " على غرار " يافا أم الغريب " :
للتو قرأت في صفحة الصحفي باسم النادي Basem Alnadi الخبر الآتي :
واشنطن بوست على ذمة مصادر : خطة الإخلاء الإسرائيلية لرفح تتضمن إقامة 15 مخيما على شاطيء البحر ، يضم كل مخيم 25 ألف خيمة .
من لجوء إلى لجوء ومن مخيم إلى مخيم ، والمخيمات كانت غالبا هي ولادة المقاتلين . لا أقلل من مشاركة المدن والريف ، ففي المنافي العربية ليس ثمة مدن وقرى ، والتجمعات الفلسطينية التي تعرضت للمذابح والمجازر كانت مخيمات : الوحدات والبقعة وشنلر ومخيم الحسين وشاتيلا وصبرا وتل الزعتر وجسر الباشا واليرموك وما نسيت ، والآن في الضفة الغربية وقطاع غزة مخيمات جنين وبلاطة والفوار والجلزون وعسكر القديم وعسكر الجديد والفارعة و ... إلخ .. إلخ .
الحل الوحيد يكمن في عودة هؤلاء إلى مدنهم وقراهم وتصبح فلسطين أم الجميع - أي أم الغريب ، على غرار يافا قبل العام ١٩٤٨ حيث نعتت ب " أم الغريب " عربا ويهودا و ... .
أول ما وفد المهاجرون اليهود من أوروبا نزلوا في ميناء يافا فاستقبلتهم وعاشوا في بيوتها ، ولطالما كتبت عن صديق أبي اليهودي . أذكر أن معارف أبي اليهود جاؤوا ، بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ، إلى نابلس وسألوا عن أصحابهم القدامى ، وكان منهم أبي ، لكي يعملوا معهم سواقين في شركة ( إيجد ) وعملوا.
كبر رأسك يا ( أبو يائير ) فهناك سبعة ملايين يهودي يقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية ويعيشون مع بقية خلق الله .
ما زلت أطمح في تحولات أبو يائير على غرار تحول ( ايرنا ) التي كانت يمينية متطرفة شاركت في حرب ١٩٤٨ وكانت سائقة الملقب ب ( غاندي ) ، ثم تحولت إلى اليسار وتزوحت من صليبا خميس وأسست مسرح الحرية في جنين .
هل سيؤسس أبو يائير مسرحا للأطفال في قطاع غزة ويعيش معهم يرعاهم ؟
أهل نابلس يقولون " يا محنن القلوب "!
وهناك من سيقول لي : أمل إبليس في الجنة .
عندما اشتركت ، في نابلس ، في ندوة ، مع الكاتب الإسرائيلي ( إيلان بابيه ) أخبرني أنه أيضا كان يمينيا ثم درس مع البروفيسور الفلسطيني الخالدي في جامعة بريطانية وتحول إلى اليسار .
أطرف ما في كتابات الجاحظ أنها كانت تخلط الجد بالهزل .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٣٣ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
134 -أ- صباح ( ١٣٤ ) للمقتلة والمهلكة : " بدنا ناكل ... غزة في مواجهة العالم "
شريط فيديو ومنشور لفتا انتباهي أمس أكثر من غيرهما من الأشرطة والمنشورات التي تعمم .
في الشربط تتحدث الطفلة الغزاوية سالي لمن يسألها . تحكي بجرأة ، والأطفال حولها يضحكون ، ربما لجرأتها أو طريقة كلامها ، حتى الرجل الذي يصور الشريط استثير أيضا فضحك .
سالي لا تجد ما تأكله . لقد مرت أيام عليها لم تأكل . هامت في الخلاء تبحث عن شيء تأكله ، فوجدت الحميض ، وامتنعت عن تناول الخبز لأنه مصنوع من علف الدواب .
- الخبز مر .. مر
و
- صرنا ننهق .. صرنا نصحو ننهق .
مرت أيام على سالي لا تأكل شيئا ، لأن الطعام عز ، وهي منذ أيام لا تعيش إلا على شرب الماء .
في المساء مارس رجل في رفح المشي . في ليل بهيم الظلمة هربا من حياته . بيده قطعة حلوى اشتراها بما يعادل دولار ونصف وأكثر الناس لا تملك شيكلا واحدا .
وأما المنشور ...
عندما تحدث أبو عبييدة ، بعد غياب أربعة أسابيع وأكثر ، لم يعدد أرقاما ، كما هي عادته . لقد ترك الأمر ليعرفه المتابعون من البيانات التي تصدرها قوات القسسسام . الأرقام التي طالعناها أمس طالعناها في منشور عممه المهتمون تظهر فيه أعداد قوات المرتزقة في الجيش الغازي وأسماء الدول التي ينتمون إليها . غزة لا تحارب دولة . إنها تحارب مرتزقة بالإضافة إلى الجيش الإسرائيلي .
هل عرفتم لماذا تعلن الدولة الإسرائيلية عن قتيل قتيلين ثلاثة وتعلن خماسس عن عشرة وعشرين ؟
سالي جاعت ،
وقبل سالي جاع أطفال المخيمات الفلسطينية في المنافي ، وقبل أن يأكل أهل غزة أعلاف الدواب ولحم القطط والكلاب والحمير أكل لحم الدواب أهالي مخيمات لبنان أيضا .
إنها التغريبة الفلسطينية منذ ١٩٤٨ ، لا منذ ٧ أكتوبر .
أمس سألني المحامي المصري ماهر الفقى عن المكاسب التي حققها طوفااان الأقصى مقابل الخسارات ، فأجبت :
وأما الخسارات فهي كثيرة ولقد بدأت منذ عام النكبة الأولى . ( أنظر تعليقات اليوم ( ١٣٣ ) )
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٢ / ٢٠٢٤
***
>134 -ب- سالي والخبز المر في غزة :
غير مرة شاهدت شريط الفيديو الذي يترك معده الطفلة الغزاوية سالي تعبر عن معاناتها مع الجوع .
سالي ما عادت تأكل الخبز لأن طعمه مر ولأنه مصنوع من علف الدواب ولأنها صارت تنهق . تصحو صباحا وتنهق ، ومرت فترة كنت أشتري فيها الخبز المصنوع من الشعير لأنه صحي ولا يرفع نسبة السكر في الدم وغالبا ما سخرت من نفسي قائلا :
- لقد جعل مني مرض السكر حمارا .
غير أن الخبز الذي كنت أشتريه لم يكن مصنوعا من علف الدواب . كان مصنوعا من الشعير نفسه ؛ الشعير الذي تصنع منه البيرة التي ينصح بشربها لدر البول .
وسالي طفلة ولا تعرف شيئا عن داء السكر وقاها الله منه ، وهي تريد من الطعام وما يتناسب وعمرها .
أعادتني عبارتها " طعم الخبز مر " إلى قصة المرحوم الشهيد ماجد أبو شرار " الخبز المر " التي يسرد فيها فائق قصة اللاجيء الفلسطيني " أبو خميس " ابن يافا التي استشهد في الدفاع عنها ابنه سعيد في العام ١٩٤٨ .
صار أبو خميس في المنفى عاملا بلا كرامة وأصيب بالسل وهو يعمل في مصنع الفوسفات في الرصيفة في الأردن ، ومات لأنه لم يتعالج ، فهو لا يملك التكاليف ، وهو يعيل أسرة تتكون من خمس بنات وزوجة ، فمن سينفق عليهن إن ألزمه الطبيب بالذهاب إلى مشفى يمكث فيه .
النكبة الحالية تستحضر النكبة الأولى ، وحتى قبل ٧ أكتوبر هددنا بها بعض المتظاهرين الإسرائيليين . لقد أصغيت إلى شريط فيديو يتحدث فيه مسن يهودي بفرح :" نكبة ثانية في الطريق " . كان هذا قبل عامين ثلاثة ، واليمين الإسرائيلي لا ينتظر ٧ أكتوبر . إنه منذ ١٩٩٣ وهو يضاعف الاستيطان تمهيدا للتهجير .
خبزنا مر منذ ١٩٤٨ حتى يومنا ٢٠٢٤ ، وقد كتب أبو شرار قصته في العام ١٩٥٩ . وقد ذكرني الصديق Zeid Rifai بقصة سميرة عزام " خبز الفداء " ، فالفلسطينية التي تتطوع لخدمة الفدائيين في معاركهم تذهب لتحضر لهم الخبز وترتقي وهي عائدة إلى المكان الذي حوصروا فيه فيختلط دمها بالخبز . وكنت أشرت إلى قصة غسان كنفاني " القميص المسروق " وشوال الطحين الذي يمشي .
الصديقة Afaf Ackall علقت بسطري محمود درويش :
" القمح مر في حقول الآخرين
وهذا الخبز مالح " .
في غزة المستباحة من الغزاة صار خبزنا مرا وأما قمحنا الذي لم نزرعه بعد فقد أفسدت حقوله الدبابات الإسرائيلية !!!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٣٤ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
( ملاحظة : أدرجت المربية نوال الستيتي في التعليقات شريطين حول سالي . الأول الذي كتبت عنه والثاني وقد حصلت سالي على طعام )
***
135 -أ- فجر ( ١٣٥ ) : باطل الأباطيل .. كل شيء زائل ... الفنان فتحي غبن : بدي أتنفس .. لا أطالب بشيء .. مخنوق بدي أتنفس يا عالم
الليلة نمت على ما قرأته في لافتة " حنظلة .. حنظلة " وصحوت على مقطع شريط يصور حالة الفنان التشكيلي الغزاوي فتحي غبن .
اختار " حنظلة .. حنظلة " خلفية حمراء لكتابته على لسان شاب غزاوي يروي ساخرا أنه نجا من الأحزمة النارية والفصف المدفعي والقناصة وتسوية البيت بالأرض و .. و .. و .. وهو الآن سيهلك جوعا .
ما قاله ذكرني بمقولة القائد الإسلامي خالد بن الوليد الذي خاض المعارك ثم مات على فراشه فأحزنه هذا.
وفجرا صحوت على مقطع شريط فيديو أدرجه الكاتب شفيق التلولي على صفحته يظهر فيه الفنان التشكيلي فتحي غبن موجوعا يكاد من صعوبة التنفس أن يموت اختناقا .
كانت ابنة فتحي تحكي عما ألم بأبيها ومنزله ولوحاته الفنية وكيف انعكس هذا كله على صحته ، ولما طلبت من جهات ما أن تهتم به وبلوحاته قاطعها قائلا :
- بديش اشي . بس بدي أتنفس . مخنوق بدي أتنفس يا عالم .
وكان بيده جهاز ما يساعده ، بصعوبة ، على التنفس .
لم يفكر فتحي غبن في لحظة تشرده ومرضه بشيء ، فكل شيء باطل .. باطل الأباطيل باطل ، وعندما أراد محمود درويش أن يخلد نفسه صنع له جدارية من الكلمات .
هل رسم فتحي غبن لنفسه جدارية أم أنه رأى في لوحاته جداريات له ؟
وماذا تجدي في حالته التي بدا عليها الجداريات كلها ؟
" بديش اشي . بدي أتنفس . بس بدي أتنفس " .
في إحدى مقطوعات محمود درويش " حالة حصار " ( ٢٠٠٢ ) وظف مسرحية ( شكسبير ) " تاجر البندقية " وتساءل على لسان " شايلوك " :
- أليس لليهودي قلب ؟
ليس للحمام في وزارة الدفاع قلب .
يبدو أنني بعد أن شاهدت شريط الفيديو سأسكت ، مثل شهرزاد ، عن الكلام المباح ، فقد صاح الديك وأدركني الصباح .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٢ / ٢٠٢٤
فجر اليوم ( ١٣٥ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
> 135 -ب- " أنا صامد صامد على بكسة حامض " :
في صفحة الصديق رياض عواد Riyad Awad قرأت قبل ثلاثة أربعة أيام أن حوالي ١٠٠ ألف فلسطيني أغلبهم من النخب قد غادروا قطاع غزة دافعين رشى حتى يسمح لهم باجتياز الحدود والخلاص من جحيم الحياة تحت القصف .
كنت أتابع يوميات الروائي عاطف ابوسيف أولا بأول وأسهم في إعادة نشرها . اليوم قرأت أنها صدرت في كتاب عن الدار الأهلية في عمان / الأردن ، ولا أعرف إن كان الروائي أضاف إلى ما نشره في صحيفة العربي الجديد أية كتابة ، بخاصة ما يخص خروجه . ولقد قلت من قبل إن كتابته لن تكتمل ما لم يضف فصلا عن الخروج .
وللعلم فإن الروائي هو وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية ، وكان قبل ٧ أكتوبر يقيم في رام الله وغالبا ما كان يزور أهله في مخيم جباليا ، وعندما اندلعت الحرب كان مع ابنه ياسر عرفات في غزة ، فيما بقية أسرته - أي زوجته وبقية أبنائه - يقيمون في رام الله .
لقد شطرت الحرب عائلات كثيرة . تماما كما حدث في عام النكبة الأولى ١٩٤٨ ، ثم التقت ، ولا أقول اجتمع شملها ، إثر هزيمة حزيران ١٩٦٧ التي ولدت كتابة أدبية جديدة تخص موضوع اللقاء . من سداسية الأيام الستة والمتشائل لإميل حبيبي حتى عائد إلى حيفا لغسان كنفاني ، وقد خيض في هذه الأعمال الكثير الكثير .
شخصيا لا أعرف ماذا سيكون موقفي لو كنت هناك وكيف سأتصرف . هل سأبقى وارتقي مثل كثيرين من الكتاب والصحفيين والإعلاميين أم سأغادر .
عند الامتحان يكرم المرء أو يهان . يقولون و " اللي بوكل العصي مش زي اللي بعدها " .
أنتظر الحصول على نسخة من يوميات الروائي لأرى ، وأظن أنني وغيري مثل Majdi Ashour و Asmaa Alghoul وغيرهما خضنا في هذا ، وقد أتى عليه الدكتور رياض عواد مرارا .
الفقراء يبقون كما كتب أمل دنقل . إنهم لا يملكون ثمن رغيفهم ، فمن أين لهم خمسة آلاف دولار وقد تصل إلى تسعة عن كل فرد ؟ " للغنى رب غفور " قال الشاعر الجاهلي الصعلوك عروة بن الورد .
أتمنى أن لا أكون كالعادة أخطأت في كتابة الاسم عواد أم عوض والصواب عواد . في الحرب صار الواحد منا ملطوشا مخبولا لا يركز و " الله يجيب العواقب سليمة " .
العنوان " أنا صامد صامد على بوكسة حامض " من رواية سحر خليفة " الصبار " ومقالي الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية ٢٥ / ٢ / ٢٠٢٤ عن رواياتها ورواية عزمي بشارة ورواية يحيى السسنوار .
متى تضع الحرب أوزارها ؟
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٢ / ٢٠٢٤
( ١٣٥ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
136 -أ- أشرطة الفيديو ودمار غزة :
أسئلة عديدة تثيرها أشرطة الفيديو التي أشاهدها عن الدمار الذي لحق بغزة هي :
- ما جدوى الكتابة ؟
- ماذا يرى الله في كل ما يجري باسمه ؛ من شعبه المختار إلى شعبنا المنكوب ؟
- هل ستشتعل الأوضاع في الأرض المحتلة في العام ١٩٤٨ في رمضان بعد أن وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي على اقتراح ( بن غفير ) وزيره بخصوص منع فلسطينيي الأرض المحتلة من الصلاة في الأقصى في شهر رمضان ؟
وذكرني شريط فيديو حديث عن شق طريق وسط غزة وتعبيده يفصل بين شمال غزة وجنوبها ويقسم القطاع إلى قسمين أطلق عليه شارع ٤٧٩ ، والحديث عن شق طرق أخرى وتعبيدها ، ذكرني هذا كله بما فعله ( إريك شارون ) في مخيمات غزة ، في بداية سبعينيات القرن العشرين ، للقضاء على حركة المقاومة في حينه .
هل سنظل ، نحن الباقين ، نفعل ما يفعله العاطلون عن العمل : نربي الأمل ، كما كتب محمود درويش في " حالة حصار " ؟
هل سيشعر العدو ، ذات يوم ، أمام صمودنا وبقائنا ، بالضجر ؟
الآن خطر ببالي أن نماذج الشعر الجاهلي التي يريد محمود درويش تعليمها لعدوه هي معلقة زهير بن أبي سلمى ، أما يحيى السسنوار فربما أراد ، حين اتخذ قرار الحرب ، أن يعلمهم معلقة عنترة بن شداد :
لا تسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل .
ما زال هرم بن سنان القطري والحارث بن عوف المصري الأمريكي يقومان بجهود سلمية .
حيرة وذهول .
بماذا يشعر الآن سكان الخيام الجوعى المرضى ؟ بماذا يشعرون في هذا البرد القارس وهم ينامون على الرمل ؟
" والرمل شكل واحتمال
أرى عصرا من الرمل يغطينا
"
ويلقينا خارج الأيام .
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ٢ / ٢٠٢٤
فجر يوم ( ١٣٦ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
> 136 -ب- مساء ( ١٣٦ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " لا يصل الحبيب إلى الحبيب إلا شهيدا أو شريد"
بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ كتب الروائي السوري أديب نحوي روايته " عرس فلسطيني " وقد أوردت ملخصا لها في " الفلسطيني في الرواية العربية " ، معتمدا على ما كتبه شمعون بلاص في كتابه " الأدب العربي في ظل الحرب بين ١٩٤٨ و ١٩٧٣ " .
يقام العرس الذي جهز له واستعد ، وينتظر والد العريس ، ليلة العرس، ابنه من مهمته الفدائية ، في داخل الأرض المحتلة ، ويأتي خبر استشهاد العريس ، فلا يخبر الأب الحضور ويصر على أن يتم الاحتفال كما لو أن ابنه لم يستشهد .
في ١٩٧٣ كتب محمود درويش قصيدته " طوبى لشيء غامض " راثيا شهداء فردان الثلاثة ، في بيروت في ١٩٧٣ ، كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار ، ومنها :
" هذا هو العرس الذي لا ينتهي
في ساحة لا تنتهي في ليلة
لا تنتهي
هذا هو العرس الفلسطيني
لا يصل الحبيب إلى الحبيب
إلا
شهيدا أو شريد "
وقد صدرت بها في العام ١٩٧٩ قصة قصيرة عنوانها " العريس " كتبتها عن جاري في المخيم فؤاد سمحة الذي اعتقل وهو مصمود على اللوج الفقير .
كان شبان المخيم يرشقون الحافلات الإسرائيلية بالحجارة ، فهجم الجيش على المخيم ومكان العرس واعتقل الموجودين بمن فيهم العريس .
في رفح قبل أيام تزوج العروسان مريم وعبدالله في حفل متواضع وأقاما في خيمة ، فقد طالت الحرب . تم تأجيل العرس من تشرين الأول / أكتوبر ولما لم يبد لنهايتها أفق توكلا على الله وقررا أن يفرحا ويدخلا الفرح في قلوب اللاجئين .
اليوم قرأت خبر استشهادهما بعد مرور ثلاثة أيام من زواجهما .
كم مرة كررت في مقالاتي وخربشاتي " هذا هو العرس الفلسطيني " .
نحن مثل جبر ، من بطن أمه للقبر ، وقبل أن تتزوج ابنتي اشتريت بدلة لأرتديها في حفل زفافها الذي لم تدعني إليه ، وما زالت البدلة كما اشتريتها . اليوم صباحا فكرت أن أسافر فيها إلى سلطنة عمان ولكني تذكرت قصة قصيرة كتبتها في العام ١٩٧٩ عنوانها " وجهة نظر المتلمس في مصرع طرفة بن العبد " .
السفر غير محمود ولكن من كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها .
رحم الله العروسين .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ٢ / ٢٠٢٤
***
..
124 - الحرب في شهرها الخامس ، فهل ستكون الولادة سباعية أم مكتملة الشهور ؟
تدخل حرب ٧ أكتوبر اليوم شهرها الخامس فهل ستجهض عما قريب أم أنها ستضع أوزارها وتفك أزرارها في الشهر السابع ، إذ ازدادت أوضاع المدنيين في غزة سوءا وبلغت قلوبهم الحناجر وظنوا بالعالم " ابن الكلب " الظنونا ، أم أنها ستتم شهرها التاسع ؟ والمأساة إذا تعسرت الولادة وحدث ما حدث في قصة أكرم هنية " مؤتمر فعاليات القرية يصدر نداءا هاما " ، إذ رفضت الأجنة الخروج من بطن الأمهات إلا إن عاد الآباء المهاجرون ؟
هل سيرفض المقاومون الخروج من الأنفاق إلا إن فرضوا شروطهم ؟
هل سينجح الثلاثي الإسرائيلي المرح الذين تعلو الهزيمة وجوههم في القضاء على خماس واجتثاث جذورها وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وما بعد بعد سيناء ، فتنتهي الحرب في غزة ، لتبدأ في الضفة الغربية ، وتغدو الدولة الإسرائيلية دولة يهودية ، فيرتاح أبو يائير وبن غفير وسموتريتش ويبارك الرب في السماوات شعبه المختار المحتار العائد بعد ألفي سنة ليبني الهيكل ويعيش أبناء التوراة في " أرض السمن والعسل " ويذبحون بقرتهم المقدسة ؟
الحرب اليوم تدخل في شهرها الخامس ، في يومها المائة وأربعة وعشرين ، والبرد القارس يفتك بالعظم والدم .
بعد نكبة العام ١٩٤٨ كتب الشاعر العراقي بدر شاكر السياب قصيدة عنوانها " قافلة الضياع " أتى فيها على اللجوء الفلسطيني الأول الكبير ومما ورد فيها :
" هذا لكل اللاجئين
وكل هذا لليهود "
وبعد ستة وسبعين عاما يصر اليهود الإسرائيليون على :
" لن نعيد شبرا واحدا للاجئين "
والعبارة من الشعر العبري وقد وردت على لسان الضابط ( سيمون ) في قصيدة محمود درويش " الكتابة على ضوء بندقية " ( ١٩٧١ ) فلا بد من الحفاظ على خارطة الأجداد ، ويصرون على :
كل هذا لليهود ولا شيء لكم أيها الفلسطينيون إلا أن تعيشوا خدما في أرض إسرائيل .
" هسوا واخرسوا وكلوا خرا بالمنيح أيها الفلسطينيون !!"
هذا هو لسان سموتريتش في وثيقته ، وإلا فالقتل والطرد .
منذ ٧٦ عاما لا يلمع في أرض فلسطين إلا ضوء بندقية ، وغالبا ما يعود سيمون وأمثاله جثثا في أكفان وتزداد كشوف القتلى والجرحى لدى الإسرائيليين ويكبر الوجع الفلسطيني ويشتد .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٧ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٢٤ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة
***
125 -أ- اليوم ( ١٢٥ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة : " اصطادوهم أمس قرب ماء البئر "
أمس ارتقى ثلاثة عشر فلسطينيا في قطاع غزة وهم قرب عين الماء ليعبئوا أوعيتهم . هكذا قصفتهم الطائرات . لم يقاوموا ليقتلوا . لم يفعلوا شيئا سوى أنهم أرادوا أن يواصلوا حياتهم رغم الدمار العظيم.
أمس وأنا أصغي إلى الخبر تذكرت ما حدث في العام ١٩٧٦ في تل الزعتر . كان النبع مصيدة الفلسطينيين الباقين الصامدين أيضا ، فهل تعلم الإسرائيليون من الكتائبيين أم هم من كانوا هناك ؟ وهم ليسوا بحاجة لأن يتعلموا من أحد ، فهم يعلمون الآخرين ، لأنهم الشعب الأرقى صاحب الدم اليهودي النقي .
وتذكرت أيضا ما قرأته عن اصطياد الطريدة قرب النبع في الزمن القديم . تذكرت أنكيدو وجلجامش و " جدارية " محمود درويش والنبع والانتظار عنده .
لم تحضر " الجدارية " في هذه المقتلة ، كما حضرت أشعاره الأخرى التي عبر فيها عن هم فلسطيني . عدت إلى الجدارية لأقرأ بعضها وأقرأ ما ورد فيها عن الموت ، فواسيت نفسي بهذه الأسطر :
" باطل باطل الأباطيل .. باطل
كل شيء على البسيطة زائل
....
...
ألهذا إذا
كلما ازداد علمي
تعاظم همي ؟
فما أورشليم وما العرش ؟
لا شيء يبقى على حاله
للولادة وقت
وللموت وقت
وللصمت وقت
وللنطق وقت
وللحرب وقت
وللوقت وقت
ولا شيء يبقى على حاله ..
كل نهر سيشربه البحر
والبحر ليس بملآن
لا شيء يبقى على حاله
كل حي يسير إلى الموت
والموت ليس بملآن ،
لا شيء يبقى ... "
إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام .
" باطل باطل الأباطيل .. باطل
كل شيء على البسيطة زائل .. "
حتى دولة إسرائيل أيضا !!
وواسيت نفسي !!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٨ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 125 -ب- يوميات المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة :
- أين تكمن أهميتها ؟
- ما أهمية كتابتها ؟
قال لي المرحوم الدكتور يحيى جبر إن العرب قالت إن " الكتابة قيد " وإن جاءتك الفكرة أو الصورة فلا تفوت كتابتها ؛ لأنها قد تطير وقد لا تمسك بها .
قد ترينا أشرطة الفيديو التي نراها وكذلك الصور فظاعة ما يجري ، ولكن هل تظهر مواقفنا وردود أفعالنا ومشاعرنا إزاءها ؟ هل تستحضر الأشرطة والصور وهي تعرض أمامنا ، هل تستحضر أشرطة وصورا شبيهة تقول لنا عن حجم الجرائم المرتكبة بحقنا على مدى ٧٦ عاما ؟
الكتابة قيد ولطالما اقتبسنا قول محمود درويش :
" من يكتب حكايته
يرث أرض الكلام
ويملك المعنى تماما "
نكتب لنرث أرض الحكاية .
لقد عادوا بعد ثلاثة آلاف سنة معتمدين على حكاية أقرب إلى الأساطير ويغلب عليها الفكر القبيلي ، عادوا ليرثوا أرض الكلام .
في كتابته " أربع ساعات في شاتيلا " قال ( جان جينيه ) إن الصورة قد لا تبين عن رائحة الجثث المتحللة ، وهذا ما يميز الكتابة لمن شاهد الصورة .
لطالما استشهدت برأي ( جينيه ) ؛ لأنه رأي مقنع .
في المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة توقفت أمام الكتابة عنها من الداخل والكتابة عنها من الخارج .
٨ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 125 -ج- الجسد في نابلس والذهن في القطاع :
إن انتهت المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة هذه وعقولنا سليمة ، فألف حمد لله وألف شكر أيضا ، وصرت أشك في أننا سنخرج منها أسوياء عقليا ، وكان الله في عون أهل غزة ، وأرجح أن أكثرهم سيصابون بالذهول على أقل تقدير ، وأما من فقد عائلته بعضها أو أكثرها أو كلها فقد يصاب بلوثة عقلية ، ومثله من فقد بيته ومتجره ورأسماله أيضا .
لي صديق هاجر والده البالغ عمره ٩١ عاما للمرة الرابعة في حياته ، كانت أولاها في العام ١٩٤٨ . هل سيحتمل الآن ما احتمل قبل ٧٦ عاما ؟
لقد أفسدت الحرب الود بيننا ، كما أفسد الموت الحياة ، فقل تراسلنا وتبادل الآراء بيننا ، وإن كنت أحيانا أتابع صفحته هو المقيم في القاهرة منذ نهاية أيلول ٢٠٢٣ للعلاج . إنه الآن يتحسر ويعيش على أمل أن تنتهي الحرب ويجتمع بأبيه واخوته وأبنائه وأحفاده ، بخاصة حفيدته سارة التي مات والدها قبل أعوام قليلة وتزوجت أمها . غالبا ما يحن صديقي إلى أيام ما قبل الحرب ، وهو دائما يمدح السلطة الفلسطينية ، ويمدح أيضا الرئيس " أبو مازن " ، وأمس أشاد بها لأنها وفرت للموظفين جزءا من الراتب . ماذا سيفعل موظفو غزة دون رواتب السلطة ؟؟ هذا هو سؤاله الدائم .
جسدي في نابلس وعقلي في غزة .
كنت اليوم ، في منتصف النهار ، أسير في وسط مدينة نابلس . الشوارع عامرة والأسواق مزدهرة والخضار والفواكه من كل صنف ومن كل درجة ، والأسعار تتفاوت بين سوق المدينة الشرقي ووسطها ، وفي وسطها يباع الاجاص بسعرين حسب النوعية . الفقير يشتري والغني يستري ومتوسط الدخل يشتري . إنه يوم عطلة الإسراء والمعراج ويوم نزول راتب الحكومة أكثره لموظفيها .
السماء صافية والشمس ساطعة والحرارة مقبولة في النهار رغم قر الليل .
أسير في شوارع نابلس وأقارن بين ما أرى وأشاهد وأسمع في الشوارع بما أرى وأشاهد وأسمع في أشرطة الفيديو التي تصور حياة أهلنا هناك ، فأشعر بأن الحياة قاسية وصعبة . كيف احتمل الناس هناك الحصار المفروض عليهم من ٢٠٠٧ إلى ٢٠٢٣ ؟
كان إميل حبيبي يقول :
" لا تلوموا الضحية ! " .
وأما محمود درويش فكتب :
" بوركت الحياة فوق الأرض لا تحت الطغاة " فماذا قالت أم سعد في رواية غسان كنفاني التي حملت اسمها ؟ ماذا قالت عن حياتها في مخيمات اللجوء في بيروت في الشتاء ؟
هل من ضرورة لأن اقتبس من رواية سامية عيسى " حليب التين " ؟ هل من ضرورة للكتابة عن الحياة هناك في المراحيض العامة ؟
صار المرحاض عقدة الفلسطيني ، ولعل ما يستحق الكتابة هو الفلسطيني والحمام / المرحاض في روايتي سامية عيسى " حليب التين " و " حلسة في كوبنهاجن " .
أجلكم الله !!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٨ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء ( ١٢٥ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
126-أ- ضاعت بيوت الكتاب وضاعت أيضا مكتباتهم :
في النكبة الأولى ظلت بيوت فلسطين قائمة وما زالت ، ومنها بيوت الأدباء والكتاب ، وأما مكتباتهم فقد نهبتها الدولة العبرية الناشئة وأثرت بكتبها مكتبة الجامعة العبرية التي صار دارسو الأدب الفلسطيني قبل العام ١٩٤٨ يعتمدون عليها .
عندما رغب قسم من الأدباء بعد حزيران ١٩٦٧ زيارة بيوتهم منع بعضهم من دخولها وسمح لقلة رؤيتها فقط .
تقص سعاد العامري في لقاء معها حكاية أبيها الذي حصل ، بعد ١٩٦٧ ، على تصريح لزيارة فلسطين ، وتوجه إلى بيته في يافا فرن جرس الباب وطلب من اليهودية المقيمة فيه أن تسمح له برؤيته واسترداد صورة أمه ، فقالت له :
- معك خمس دقائق لتغادر المنطقة وإلا فسوف اتصل بالشرطة .
لم يدخل محمد أديب العامري إلى بيته ولم يره ثانية ولم يسترد حتى صورة أمه ، فلم يكن محظوظا مثل بطلي رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " سعيد . س وفارس اللبدة .
قبل أسبوع تقريبا قرأنا عن تدمير بيت القاص والروائي يسري الغول وتبعثر كتبه في الطرقات ، ودونت ما قاله لي المسرحي علي أبو ياسين عن استخدام الكتب المبعثرة للنار كي يطبخوا عليها ، كما كتبت عن شقة الروائي عاطف ابوسيف في الصفطاوي وكتبه فيها .
كان الناقد طلعت قديح يزور بيته قرب خانيونس يتفقده . أول أمس كتب أنه دمر وأدرج له علي صفحته شريط فيديو يري مقدار الخراب فيه متحسرا على " شقى العمر " ومن قبل كتب تحت صورة " بيتي . حسبنا الله ونعم الوكيل " ، ومنذ ٣١ / ١ / ٢٠٢٤ صار لاجئا في المنتزه الإقليمي في خانيونس ، وقبل خمسة أيام أدرج صورة الخيمة التي يقيم فيها . في هذا الصباح شاهدت في الصور طلعت يقف مرتديا البالطو لشدة البرد كتب عبارة واحدة واصفا فيها ما هو فيه ويفكر في المستقبل المجهول .
هذه المرة سوف أكتب :
يحيا القرن ٢١ الذي تناسخ فيه نيرون وهولاكو ودراكولا وهتلر وموسوليني .
بعض الأمريكيين قالوا في هذه الحرب إن الفلسطينيين هم من سيحررون أمريكا والعالم من سطوة أحفاد المذكورين الخمسة ، فبلادهم أيضا محتلة بيد الاخطبوط .
صباح الخير يا غزة
صباح الخير يا طلعت والعوض بالله الكريم .
خربشات عادل الاسطة
الجمعة ٩ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٢٦ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
> 126 -ب- علف الأرانب والدجاج المطحون خبزا في غزة :
الكاتبة هيا فريج من غزة كتبت على صفحتها قبل تسع ساعات أن الطحين نفد لديها وأنها بدأت تقطع الخبز لأنها غير مستعدة لأكل علف الأرانب والدجاج مطحونا .
والصديق رياض عوض Riyad Awad المقيم في القاهرة للعلاج ، إذ سافر قبل أسبوعين تقريبا من بدء المقتلة ، غالبا ما يتذكر والده المسن الذي ينزح في حياته النزوح الرابع ، وكان الأول في العام ١٩٤٨ ، وغالبا ما يتذكر حفيدته سارة وأبناءه وأم العيال وهم الآن في رفح . لقد اشتهى لهم أن يأكلوا دجاجا ، وحين عقبت : المهم أن يكون مذبوحا على الطريقة الإسلامية وبسعره الطبيعي ، رد : حتى ولو على الطريقة اليهودية . كوشير كوشير ، ومثلنا يقول - أو ديننا - :
- كل من طعام اليهودي ونام عند المسيحي .
وكان الرسول أرسل المسلمين الأوائل إلى النجاشي طلبا للأمان ، أما المرأة اليهودية فقد أرادت قتله بالسم . لعلني لست مخطئا .
فيما قرأته في صفحة Haya Freij ، حيث تابعتها ، عرفت أن عائلتها في غزة عائلة نعمة ، إذ لها أرض وبيت و .. وقد دمر ما دمر وخرب ما خرب وأنها ليلة السابع من أكتوبر نزلت عند رغبة مي إحدى أفراد أسرتها وتناولت طعام العشاء في مطعم ، وقد أدرجت قبل ساعات قليلة صورة لغزة العامرة المزدهرة في تلك الليلة ، قبل أن يسويها الحلفاء بالأرض كما سووا دريسدن واوجسبورغ وناغازاكي وهيروشيما في الحرب العالمية الثانية .
لو جاء سائل قبل الحرب إلى بيت هيا يطلب خبزا ، بحجة أنه جائع لقدمت له - إن لم تجد في بيتها الخبز - البسكويت ، وربما كررت مقولة ابنة ملك فرنسا " طعموهم بسكوت " .
خلص الطحين من البيت والفلسطينيون يرفضون أن يكونوا أرانب ودجاجا ، يأكلون العلف .
هل قصد الإسرائيليون من وراء منع الطحين الوصول إلى أهل شمال قطاع غزة إجبارهم على أكل العلف ليقولوا لهم إنكم حيوانات بشرية وهذا هو الدليل ؟
اليوم شاهدت شريط فيديو يعلن فيه شاعر عربي كتب كلمات الأغاني من قبل أنه ، مع نهاية الشهر الرابع للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة وبداية الشهر الخامس ، يعلن براءته من حاكم بلاده ، تضامنا مع أهل غزة ورفضا للخذلان العربي .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٢٦ ) للمقالة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
127 -أ- أهل غزة : " زهقانين حالنا " :
في قراءة بعض ما يكتبه أبناء غزة في وسائل التواصل الاجتماعي تجد العجب وتقرأ غير ما قرأته في اليوم الأول للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة هذه .
في الأيام الأولى كان هناك تمجيد لما حدث وشعور بالزهو والانتصار ، وقد تلاشى هذا كله أمام الإقامة في الخيام بعد تسوية البيوت بالأرض .
عن صفحة مجدي عاشور Majdi Ashour قرأت ما كتبه " أحمد سعيد " :
بالله لا حدا ينصحنا ولا ينظر علينا ولا يتغنى فينا . زهقانين حالنا " وعقب مجدي " صوت الناس في غزة " .
لم نقدم لأهل غزة الحماية ولم نوصل لهم الطعام وقسم منهم ينام في الشوارع فلم يحصل على خيام ، وكثيرون فقدوا وأكثر منهم نهشت لحمهم القطط والكلاب الضالة .
وفي الصفحة نفسها قرأت ما كتبه اكرم الصوراني عن كلمة " خراء " كيف تكتب . خرا . خرى . خراء أم بالملعقة ، وصدر مجدي الاقتباس ب " فكاهة سوداء " .
عندنا عبارة يكررها بعض الناس عندما تسأله عن حياته وطعامه ووضعه هي " ماكل خرى بالمعلقة / الملعقة " و " زي الخرى " و " الحياة ماكلة خرى " و " باكل خرى بالمعلقة " و " الحياة كلها خرى في خرى " و " بتنقط خرى " بدل " بتنقط عسل " .
عندما قرأت ما كتبه أكرم تذكرت السطر الأخير في رواية الكاتبة العراقية بتول الحصري " كم بدت السماء قريبة " تصف فيها أحوال العراقيين :
" زي اللي بوكل الخرا بالدبوس . لا الخرا يخلص ولا الدبوس يشيل " ( كتبت تحت عنوان " الخليل والعشائرية : من موضوعات الرواية الفلسطينية " وتتاولت رواية مشهور البطران " السماء قريبة جدا ).
ولم تخل رواية إنعام كجه جي " الحفيدة الأمريكية من هذا الدال ؛ دال الخرى .
حتى أنا التبس علي شكل الحرف الأخير في الكلمة . أهو خرى أم خرا أم خرة أم خراء .
أهل غزة صاروا يصرون على ألا ينصحهم المتخمون بالطعام والشاعرون بالدفء في بيوتهم : " بالله عليكم لا تنصحونا " وما زالوا مؤدبين ، فلم يكتبوا :
- كلوا خرا واخرسوا يا عجزة !
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
السبت ١٠ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٢٧ ) .
***
> 127 -ب- مساء ( ١٢٧ ) : خبران لافتان
ثمة خبران لفتا انتباهي مساء أمس وظهيرة هذا النهار ؛ الأول يتعلق بتجار الحشيش في المملكة المغربية ، والثاني باستشهاد حازم اسماعيل هنية ابن المكتب السياسي لحركة " أبو العبد " .
إن صح أن تجار الحشيش رفضوا بيع الحشيش للتجار الإسرائيليين بسبب مقتلة غزة وحرب إبادتها ومهلكتها ، فإنهم أكثر شهامة ونخوة من كثير من الدول العربية والإسلامية ، بخاصة التي تقيم علاقة مع الدولة الإسرائيلية .
كيف لليهود أن ينبسطوا ويسطلوا وأهل غزة يرتقون ، بل وحتى حشاشوها لا ينبسطون ؟ وربما خطر ببال تجار الحشيشة في المغرب أن انبساط الجنود الإسرائيليين قد يدفعهم إلى التفنن في التدمير والقتل !
لله في خلقه شؤون ومظفر النواب رأى في قصيدته " في الحانة القديمة " البغي أفضل ممن يبيعون اليابس والأخضر ويدافعون عن كل قضايا الكون ويهربون من وجه قضيتهم . البغي لم يفن منها سوى الجسد الفاني وهي لم تؤذ غيرها .
هل يجوز أن أكتب عن الخبر الثاني في الحيز نفسه ؟ هل ينقص هذا من قيمة الشهيد ؟
للضرورة أحكام ، فكلا الخبرين بثا في الأربعة والعشرين ساعة الأخيرة .
ارتقاء حازم ابن اسماعيل هنية .
منذ بدء المقتلة وهناك من يتهم القيادات الفلسطينية من حماس وغيرها بأنها تعيش في الفنادق ، فيم الناس يعانون الأمرين . كم إصبع أشارت إلى ما سبق ولمحت وأدانت و ... و ... .
عندما سمعت خليل الحية يتحدث عن الشهداء في عائلته لم أعد أستسغ سماع هذه الاتهامات ، وعزز ما قاله الحية ارتقاء صالح العاروري في بيروت بصواريخ إسرائيلية ، واليوم قرأت نعي حازم .
وعلينا التريث والتأكد و ...
تحية لحشاشي المغرب
وألف رحمة على حازم وله الجنة مثوى ولذويه ، ولذوي ٢٨ ألف فلسطيني ارتقوا منذ ٧ أكتوبر ، الرحمة والمغفرة والعتق من النار .
اللهم آمين .
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٢ / ٢٠٢٤
***
128 -أ- اليوم ( ١٢٨ ) : الذي لا يقدر على الحمار ينط على ... ما يقدر أن ينط عليه:
أمس كتبت تحت عنوان " خبران لافتان " ؛ أولهما نخوة بائعي الحشيش في المملكة المغربية ، إذ رفضوا أن يبيعوها للإسرائيليين تضامنا مع أهل غزة ، فكان لهم بذلك موقف مشرف ، وثانيهما عن خبر تأكد عدم صحته وهو استشهاد حازم اسماعيل هنية بصفته ابن أحد أعضاء المكتب السياسي لحركة " خماس " . حذفت الكتابة كلها لعدم صحة الخبر الثاني ، ولم أكتب مساء أمس .
عندما صحوت من النوم في الساعة الثانية عشرة من صباح هذا اليوم قرأت تعقيب صديق على ما أرسله إلي بخصوص موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من المفاوضات بين خماس والدولة الإسرائيلية . إنه يطلب من الأولى الموافقة على صفقة تبادل الأسرى خلال أسبوعين . لم يضغط على الثانية فهو كما قال مثلنا الشعبي " اللي ما بقدر على الحمار بنط على ... " وحاشا أن تكون ... .
أول ما تذكرته هو سطر الشاعر العراقي مظفر :
" قولوا يا عرب الردة مرثية " ، فالأنظمة العربية أكثرها أنظمة عرب ردة وأكثر .
منذ صباح أمس ألحت علي ، ثانية في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة ، قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل " كلمات سبارتاكوس الأخيرة " ، فعدت إليها أقرأ فيها ، متمنيا ، بل وطالبا من الله ، ألا نعيش الانكسار ، علما بأن العالم أكثره عالم " أبكم أصم أعمى " لم يكتو بعذاب الفلسطينيين بعامة وأهل غزة بخاصة ، ورحم الله الشاعر اللبناني خليل حاوي .
لقد تآمر شيوخ روما كلهم ضد سبارتاكوس بعد أن كان النصر قاب قوسين وأدنى ، وعلق الثوار على المشانق وأخرج أهل روما من الفقراء والعبيد منها ، متحسرين وهم يرون ما يرون على أعواد المشانق .
" ... إني تركت زوجتي بلا وداع
وإن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراع
فعلموه الانحناء !
علموه الانحناء !
الله .. لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال : لا !
والودعاء الطيبون ...
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى
لأنهم .. لا يشنقون !
فعلموه الانحناء !
وليس ثم من مفر
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت .. قيصر جديد " .
خلف كل شارون يولي نتنياهو وبن غفير وسموتريتش جديد .
هل سنبدأ نتحدث عن عقلانية إميل حبيبي ومحمود عباس " أبو مازن " ؟ وهل الأفضل أن ننحني لنرث الأرض في نهاية المدى حتى لو انحنينا وعلمنا أبناءنا الانحناء ؟
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
فجر ١١ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 128 -ب- الصراع على الأرض :
ببساطة فإن الحكاية كلها حول ما يجري في غزة تلخصها المقولة الصهيونية " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " وعليه لا بد من أن يعمل الصهيونيون على تحقيق مقولة " أرض أكثر وعرب أقل " ، وهذا عنوان كتاب للباحث العربي نور الدين مصالحة من فلسطين ١٩٤٨ . Nur Masalha
منذ ١٨٧٨ والصهيونية تسعى لتحقيق ذلك من خلال التضييق علينا - أي الرحيل بالتي هي أحسن - وبالنار - أي بالعنف وهذا هو تيار جابوتنسكي معلم ( بنيامين نتنياهو ) ونموذجه الذي يحذو حذوه وقد أقر بذلك في أول هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
ماذا قالت الرواية الأدبية الفلسطينية في الموضوع . لعل مقالي الأحد القادم ١٨ / ٢ / ٢٠٢٤ يتابع مقالين سابقين في الموضوع كتبا ، ونشرا الأسبوع الماضي ٤ / ٢ / ٢٠٢٤ والذي قبله " التشبث بالوطن في الأدب الفلسطيني " .
١١ / ٢ / ٢٠٢٤ .
اليوم ( ١٢٨ )
عادل الاسطة
***
> 128 -ج- مساء اليوم ( ١٢٨ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : ( هل سأطبخ في الغور الفاصولياء الناشفة لأطعم اللاجئين الجوعى؟ )
اليوم ظهرا ذهبت إلى البنك العربي لأجدد البيانات الخاصة بي ، فقد وصلتني يوم الأربعاء الماضي من الصراف الآلي مع رصيدي معلومة تطلب مني أن أجدد بياناتي عبر " العربي موبايل " أو بالذهاب إلى أحد فروع البنك .
ولأنني لا أملك برنامج العربي موبايل ، فقد ذهبت إلى الفرع الرئيسي في نابلس وزرت المسؤولة عن حسابات ال Elite هناك ، والسؤال يجر السؤال والكلام يجر الكلام ، ولما سألتني عن مهنتي أعلمتها إنني متقاعد من الجامعة منذ خمس سنوات ، وعن سؤالها كيف أنفق وقتي أجبتها بأنني كاتب ، والكاتب لا يتقاعد ، ورحم الله الكاتب الفلسطيني فاروق وادي الذي طلب ، وهو في المشفى ، في الدقائق الأخيرة ، ورقة وقلما ليكتب ، ومات .
ولأن الحديث ذو شجون ، بخاصة في هذه الحرب الدائرة حاليا ، فقد تطرقنا إلى خدمات البنوك ، إن كان الزبون في خارج الضفة الغربية . إن سافرت مثلا وساءت الأحوال .
وأنا أسأل عن إمكانية سحب بعض المال في الخارج ذكرت لها ما ألم بمواطن غزاوي تاجر نزح من غزة إلى رفح وصار لاجئا .
كان المواطن ميسور الحال ومعه بطاقة صراف آلي ( فيزا ) ولكن ..
الفيزا صارت في المقتلة عديمة الجدوى ، وصار المواطن بلا عمل ، ولا يعرف مآل محله التجاري. . وفي شريط الفيديو رفع بطاقة الفيزا ورماها في الهواء وضحك مع زميله وهو أمام طنجرة الفاصولياء يطبخها ليوزعها على الجوعى .
- ما هو مآلنا ؟
سألتني الموظفة ، فأجبت :
- لا أعرف ، وهذا يعتمد على نتيجة الحرب .
وأنا أكتب صرت أضحك :
- هل سيطلب منا الإسرائيليون لاحقا التوجه إلى الغور حتى ينتهوا من تصفية قيادات خماس وكوادرها في جنين والمخيمات ؟ وهل سأطبخ الفاصولياء في الغور ؟
شر البلية !!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٢ / ٢٠٢٤
***
129 -أ- ( ١٢٩ ) صباحا :
لا جديد عن أنباء المعارك ، فلا بلاغات ولا تحليلات والأخبار كلها تتحدث عن رفح والمرحلة الرابعة في القتال ، لا صوت لحماس ولا لناطقها الرسمي " أبو عبييدة " ، ولا شريط أيضا ل " أبو حممزة " الناطق باسم سرايا القدس .
في الطرف الإسرائيلي تكثر التحليلات والآراء والاجتهادات ؛ يمين كثير ويسار قليل ومتقاعدون قدامى يستحضرون تجاربهم ويقدمون نصائحهم واقتراحاتهم .
يمين لا يعجبه تفكيك " خماس " فلكي تنتهي الحرب لا بد من احتلال وتهجير واستيطان وقتل الأطفال قبل الكبار ، فالأطفال هم أعداء الغد والتوراة تقول هذا .
يسار لم يبق منه إلا ظل اليسار . يدين الحرب والصوت خافت أمام آلة الحرب وغلو اليمين وتطرفه وعتاة المستوطنين ، وصوت " أبو يائير " يعلو ويعلو ويعلو ، ولا بد من إكمال الحرب لنحقق النصر ولا نقر بالخسارة ، فالحرب إن توقفت تعني أننا خسرناها .
ومتقاعدون مثلي ينظرون على شاشات الفضائيات الإسرائيلية التي تحولت إلى أمكنة يقضي فيها ضباط قدامي وقت فراغهم يستحضرون ذكرياتهم وخبراتهم ، كما استحضر في كتاباتي الماضي والنصوص القديمة .
والأطفال في غزة جاعوا أكثر وأكثر ، وكبار السن الذين لم يقتلوا ماتوا من قلة الدواء وشدة البرد والانتظار في طوابير أمام المراحيض ، وأما النساء فمن تنجو منهن تعجن وتطبخ وتوقد الحطب وإن كانت طبيبة في مشفى فقد تفتدي بجسدها مريضا أراد قناص أن يصوب نحوه رصاصه .
وفي صفحات بعض كبار السن من المثقفين هناك في غزة ، مثل رزق المزعنن Rezek Muzaanin تقرأ منشورا من كلمة واحدة :
" المجهول " .
وأما في صفحة الصحفي باسم النادي Basem Alnadi فأقرأ عن حدث جسيم لم تتضح معالمه ؛ حدث من جبهة خانيونس يجعلك تكتب :
" كلما قالوا انتهيت فاجأتهم أنني ابتدأت " .
ماذا يسبح في الغيب الأزلي ؟
أطلوا .
قتلتنا الردة يا مولاي !
قتلتنا الردة أن الواحد منا يحمل في الداخل ضده "
ورحم الله الشاعر مظفر النواب ، فقد صارت أسطره في وصفنا هي الحقيقة :
" تتحرك دكة غسل الموتى ، أما أنتم فلا تهتز لكم قصبة "
وأما نحن !!
اغفروا لنا يا أطفال غزة ويا شيوخ غزة ويا نساء غزة . اغفروا لنا عجزنا !
و
" كلما قالوا : انتهى !
فاجأهم بأنه ابتدأ "
بم وصف محمود درويش الفدائي في " مديح الظل العالي " ؟
في قصيدة مظفر النواب " تل الزعتر " يقول :
" لا أبكي أبهى من قاتل .
أبكي من يبحث عن دولته في القمة " .
هل هو مصيب أم هو مخطيء ؟؟!!
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
> 129 -ب- مساء ( ١٢٩ ) : "مذكرات دجاجة ، مذكرات خروف ، يوميات حمار وطني ... ومذكرات ديك"
لا أعرف أين أصنف ما كتبته تحت عنوان " أنا والجامعة " ( ٢٠١٩ / ٢٠٢٠ ) . أأصنفه تحت مذكرات دجاجة أم مذكرات خروف أم مذكرات حمار وطني أم ... مذكرات ديك ؟
هل أنا دجاجة أم خروف أم حمار وطني أم ... ديك ؟
في الأدب الفلسطيني قرأنا رواية لإسحق موسى الحسيني عنوانها " مذكرات دجاجة " ( ١٩٤٣ ) وقرأنا في ٩٠ القرن ٢٠ رواية لعبد الرحمن عباد عنوانها " مذكرات خروف " ( ١٩٩٠ ) وكتب خالد الحسن " يوميات حمار وطني " ولا ننسى حمار الشيخ جميل السلحوت وما كتبه ونشره في جريدة " الطليعة " المقدسية " أنا وحماري " ( ٢٠١٣ ) ، ورد عبد الحميد ياسين في ٥٠ و ٦٠ القرن ٢٠ على إسحق موسى الحسيني بمقالين عنوانهما " مذكرات ديك " .
يحيى السسنوار رفض أن يكون مثل دجاجة الحسيني أو خروف عباد أو حمار الحسن الوطني . لقد اختار أن يكون ديكا وها نحن نتابع ما يجري .
أبو مازن اختار أن يتبنى سياسة دجاجة الحسيني مع فارق هو أن نبقى هنا ولا نرحل وسار على خطا إميل حبيبي الذي نظر إلى نفسه على أنه " مانعة الصواعق " حين لم يغامر بعد ١٩٤٨ بتبني خيار المقاومة المسلحة أو تأييده ، وحين اختار ولاء ابن بطله سعيد المتشائل هذا الخيار رضخ للسلطة محاولا إقناع ابنه بعدم جدواه .
منذ ١٩٤٨ ونحن نتجادل فيما بيننا :
- أنكون دجاجا وخرفانا وحميرا وطنية أم ديكة ؟
وأهل غزة كما أشاهد أشرطة الفيديو منقسمون في موقفهم . منهم من يغبط الدجاج ومنهم من يؤيد الديكة ، ولعلني أفصل في مقالاتي في جريدة الأيام الفلسطينية هذا .
في ١٩٥٨ كتب المحامي توفيق معمر " مذكرات لاجيء : حيفا في المعركة " ، أتى فيها على ضياع حيفا في العام ١٩٤٨ . ما أشبه الليلة بالبارحة ، مع فارق !
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٢ / ٢٠٢٤ .
***
130-أ- ( ١٣٠ ) صباحا . يا فرحة ما تمت : " مليون دولار ثمن كل أسير من الأسيرين وتعويض ثمن المنزل"
إن صحت الرواية فإن إسرائيل التي تبحث عن انتصار حققته بمليوني دولار وبضعة آلاف .
تقول الرواية إن الأسيرين كانا لدى عائلة أبو سرور وإن مفاوضات جرت في لندن اتفق فيها على تزويد الإسرائيليين بمعلومات عن مكان وجودهما .
إسرائيل تبحث عن انتصار بالطرق كلها .
عندما استعنت بذاكرتي عن ٧ أكتوبر واسترجعت بعض الصور والنكت تذكرت مواطنا أسر امرأة إسرائيلية اقتادها على الدراجة الهوائية ، وتذكرت نكتة السلفة التي عايرت ابنها بابن سلفتها الذي أحضر فتاة إسرائيلية وطلبت منه أن يحضر اثنتين ، أما إحدى الطالبات النابلسيات ممن علمتهن فأرادت خادمة إسرائيلية بدل السيرلينكية . ندى العمر .
هنيئا لأبو يائير ومجلس حربه كله على انتصاراتهم الفريدة في التاريخ ، منذ بداية الحرب حتى يومها هذا.
أمس قمت بعملية حسابية لمدة تحرير الأسرى .
حررت إسرائيل أسيرين بعد ١٢٩ يوما ، فإذا قسمنا الأسرى الباقين على ٢ احتاجت إسرائيل إلى ٦٧ عملية ، كل عملية تحتاج ١٢٩ . ضربت الرقمين وقسمتهما على أيام فاسابيع فأشهر فسنوات ووجدت أنها تحتاج إلى عشر سنوات ونصف .
هل سنحتاح إلى عشر سنوات حرب أخرى ؟
قبل أسابيع ألقت الطائرات الإسرائيلية على أهالي قطاع غزة منشورات تعرض فيها عليهم جوائز بقيمة مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تسهم في إلقاء القبض على يحيى السنوار وأخيه محمد ورافع سلامة ومحمد ضيف ، فلم تنجح حتى الآن .
هل حقا لجأت إسرائيل إلى السحرة كما قرأت في صفحة الدكتور عواد أبو زينة ، لإنجاز ذلك ؟
الدكتور عواد اتكأ على شريط أرسله إلي وشاهدته وأدرجته على صفحتي .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٢ / ٢٠٢٤
يوميات المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
> 130 -ب- هل تتعبك كتابة يوميات المقتلة والمهلكة يا عادل الأسطة ؟
سألتني مذيعة التلفزيون العربي إن كانت كتابة اليوميات عن المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة تتعبني .
قبل ثلاث سنوات كتبت عن الكورونا تحت عنوان " الست كورونا " ٣٠٠ يومية ، صدر منها ١٠٠ في كتاب " الست كورونا " عن دار خطوط وظلال في الأردن . صاحبة الدار هي د.هناء علي البواب .
كانت اليوميات تستقبل استقبالا حسنا ، وأستطيع القول إن القراء أنفسهم أسهموا في إنجازها ، إذ كلما كتبت إحداها علق القراء عليها وأبدوا رأيهم وزودوني بمعلومات وأشرطة فيديو ، وجدت طريقها إلى الكتابة قبل أن أعتمد صيغتها النهائية ، وربما أنشأت على ملاحظاتهم كتابة جديدة .
كانت الكتابة ابنة لحظتها ولو سئلت الآن عن بعض ما فيها لما أجبت إجابة صحيحة . ويمكن القول إنها إنجاز فردي وجمعي لي فيها ما أوردته من كتب قرأتها واستحضرت بعض ما فيها ، ولي فيها الصياغة والأسلوب أيضا ، وللآخرين فيها ما مدوني به من أشرطة فيديو أو ما صححوا فيه بعض أخطائي .
يمكن قول الشيء نفسه عن يوميات المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة هذه ، مع فارق هو أنها لم تكن لتكون عليه لولا قراءاتي لنصوص من الأدب الفلسطيني كتبها أدباء فلسطينيون في أحداث مشابهة . إن هذه اليوميات هي يومياتي ويومياتهم ، وما كان لها أن تكون حافلة بالبعد المعرفي ، لولا ذاكرتي التي أثقلت على مدى خمسة عقود وأكثر بالنصوص ، ولولا جلدي وصبري ومكتبتي التي أتكيء عليها كلما أردت أن أنقل نصا ، إذ لا بد من أن يكون نقله صحيحا .
قبل أن تسألني المذيعة السؤال بيوم تواصل معي القائم على الحلقة خالد بن أحمد الخلفاوي، وكنت أظنه هو من سيحاورني ، وسألني السؤال نفسه ، فأعلمته أنني أتابع الأخبار وأشاهد الأشرطة واستحضر كتبي وأظل مشغولا بما سأكتب النهار كله وبعض الليل ، فأحيانا أوي إلى الفراش وتأتيني الفكرة فأنهض وأحيانا أصحو من النوم لأدون ملاحظة يجب إدراجها فيما كتبت أو تصحيح معلومة ما أوردتها . إن أتتني فكرة دونتها وخربشت ملاحظات على ورقة ملاحظات ، وأنتظر لحظة صفاء الذهن لأكتب .
الكتابة مرهقة ومرهق أكثر منها متابعة الأخبار والشعور بالعجز أنني غير قادر على فعل شيء يوقف القتل ويطعم الجوعى ويشفي الجرحى ويسقي العطشى ويمنع تجسس القريبين مني علي من فتح وحماس والفصائل و ... والحكاية قديمة . ماذا أكلت ؟ ماذا شربت ؟ ماذا تفعل بالنقود التي سحبتها من البنك ؟ هل تركتها في المنزل ؟ هل تتقاضى مكافآت على ما تكتب؟ ( يعني هل تتاجر بجراحات أهل غزة ؟) . بعض الإخوة مرض وطز في رابطة الدم واليهود المتدينين الذين يصرون على إقامة دولة لليهود فقط .
هل ألفت الحرب في غزة بين قلوب المتخاصمين ؟
الكتابة في الموضوع ليست مناسبة . إنها مزعجة .
بقي أن أذكر أن قسما من اليوميات صدر في القاهرة قبل عشرة أيام ، عن دار نشر ميريت ، بالاشتراك مع الروائي والكاتب زياد عبد الفتاح ، وهو صاحب الفكرة ، تحت عنوان " غزة تحت الإبادة الجماعية : الكتابة من قلب الحدث " .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء ( ١٣٠ ) .
***
131 -أ- ( ١٣١ ) صباحا : " وما علمناه السحر وما ينبغي له "
هل لجأت " خماس " في ٧ أكتوبر / تشرين الأول هي والجهاد إلى السحر فسحرت أجهزة التنصت والمراقبة والقائمين عليها حتى تهدم الأسوار وتجتاز الجدار ؟
أبو إبراهيم السسنوار يصلي ويصوم ويقرأ القرآن ومثله أبو خالد ضيييف وأظن أنهما يأخذان بقوله تعالى ( وما علمناه السحر وما ينبغي له ) ، وأظن أنه قرأ قصيدة " أبو تمام " الشاعر العباسي ؛ القصيدة التي قالها في فتح عمورية ، وتوقف أمامها وأمام البيت :
" أين الرواية ؟ بل أين النجوم وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذب ؟ "
وأنا أسير في شوارع نابلس أرى كاهنا سامريا فتراودني أحيانا فكرة أن أسأله عما يراه ويتوقعه وعما تقوله قواه الغيبية ، فالطائفة السامرية في نابلس تمارس طقوس قراءة الغيب وتعيش منها أو هذا ما يعرف ، ثم أبتسم وأقول : دع الرجل يسير متأملا ، فهو غالبا ما يمشي في المدينة وحيدا .
عندما كتبت عما ورد في صفحة الصديق الدكتور عواد ابوزينة عن ساحرة إسرائيلية تلجأ إلى السحر للقضاء على يحيى السسنوار لتنجز ما عجز عنه الجيش الإسرائيلي وهو القضاء على السسنوار أرسل إلي الصديق شريط فيديو للساحرة تمارس السحر ، فعممته وأدرجته على صفحتي .
هل ستنجح الساحرة فيما عجزت عنه أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وطائرات التجسس البريطانية والأمريكية ؟
وأنا أشاهد شريط فيديو الساحرة تذكرت أشرطة مشابهة عممت في فترة وباء الكورونا ، وبعضها ساخر ، كان المشعوذون يبخرون هذا الرئيس أو ذاك المسؤول و .. .
عندما جاءتني صورة منشور نسب إلى الإعلام العسكري لحركة خماس تطلب الدعاء وتعميم المنشور فما سيجري خلال ال ٧٢ ساعة القادمة مرعب ، لم أنفذ ما ورد فيه وتساءلت إن كان المنشور صدر أصلا عن الإعلام العسكري في الحركة .
أمس نعت لاجئة فلسطينية غزاوية بأنها أم سعد القرن ٢١ . كانت تتحدث عما فعله الإسرائيليون هناك ، حيث لم يرحموا أحدا ولم تنج من إجرامهم حتى قبور الموتى . كانت المرأة تقول إن ما قامت به خماس والمقاومة مبعثه ما أجبرهم على القيام به وهم الإسرائيليون .
في شريط فيديو آخر كان الطفل الغزاوي يجيب من يسأله عن عمله سائق عربة يجرها حمار :
- الحمير نفعتنا في الحرب أكثر مما نفعنا الحكام العرب .
ماذا يطبح حاكم مصر في القاهرة ؟
في ١٩٧٦ تساءل مظفر النواب في قصيدته " تل الزعتر " :
" - ماذا يطبخ تجار الشام على نار جهنم ؟ "
والطبخ بدأ في لندن منذ ثلاثينيات القرن ٢٠ وما زالت الكتب البيض تصدر وما زالت المأساة تكبر .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 131 -ب-" جيش له دولة " :
إن أصغيت إلى الأخبار في هذا النهار فسوف تكرر ما وصفت به إسرائيل . إسرائيل ليست دولة لها جيش ، بل هي جيش له دولة .
الحدود الجنوبية - قطاع غزة - مشتعلة منذ ٧ أكتوبر ، والحدود الشمالية مشتبكة منذ ذلك الوقت أيضا ، وأما الضفة الغربية فمنذ انتفاضة الأقصى في ٢٨ / ٩ / ٢٠٠٠ لم تعرف الهدوء .
كم عدد مقابر أفراد الجيش الإسرائيلي ؟
كم عدد المشافي العسكرية في إسرائيل ؟
كم عدد السجون الأمنية ؟
كم عدد أفراد الجيش نسبة إلى أعداد المدنيين ؟
كيف يمكن أن يعيش المرء في أجواء لا أمن فيها ولا استقرار ولا طمأنينة ؟
آخر الأخبار تقول إن الدولة العبرية تعد مشافي لاستقبال أكثر من ٢٠ ألف جريح في العام ٢٠٢٤ ، بعد أن كان عددهم في العام الماضي بضعة آلاف - من ثلاثة إلى تسعة .
وآخر التصريحات التي سمعتها نقلا عن سماحة الشيخ حسن نصرالله هو أن الحرب على الحدود الشمالية إذا اتسع نطاقها فسوف يصل عدد اللاجئين الإسرائيليين من غلاف الشمال إلى مليونين . يعني سيلم باثنين مليون إسرائيلي ما ألم بمثلهما في قطاع غزة ، مع فارق طبعا في ظروف الحياة .
إلى أين نحن ذاهبون ؟
لا أحد يعرف بالضبط ، وصار الواحد منا يعاني من فصام حقا ؛ مع الحرب وضدها ، و" اللي بنزل من السما بتتلقاه الأرض " وما ألم بأهل الأرض - أهل غزة لم يتلق بعد بالترحيب ، فقد استقبل بالويل والثبور والهلاك .
في رواية الكاتب الإسرائيلي ( عاموس كينان ) " الطريق إلى عين حارود " التي ترجمت إلى العربية في ١٩٨٧ تقريبا كلام يدور على لسان شخصية روائية إسرائيلية مفاده أن الخطر المحيق بإسرائيل سيأتي من الشمال ، واليوم اشتعلت الجبهة الشمالية .
هل ستتحقق النبوءة وتقع حرب القيامة في سهل مجدو ؟
بعض التساؤلات مكررة وقد أثيرت في بداية المقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
مساء الخير يا غزة
مساء الخير أيها الجنوب اللبناني
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٣١ )
***
132 -أ- فجر اليوم ( ١٣٢ ) : ابتسامة " أبو يائير "
لم أر " أبو يائير " منذ بداية الحرب إلا عابسا مكشرا ، ويظهر ، جانب وجهه الأيسر حول عينه اليسرى ، انتفاخ ما ، كمن أصيب بلفحة هواء ، أو لعله من قلة النوم أو من أدوية مهديء يتناولها .
أمس رأيت الابتسامة تملأ فوديه ، فقد ابتسم للرغيف السخن الذي لم يحصل عليه إلا بعد مائة وواحد وثلاثين يوما ، إذ حررت قواته اثنين من ١٣٦ أسيرا . أهو الانتصار الذي يبحث عنه ؟
أمس اشتعلت الحرب في الجبهة الشمالية ، إذ قصفت صواريخ حزب الله مواقع عسكرية إسرائيلية ودكتها دكا ، فقتلت جنديين ؛ ذكرا وأنثى ، وأصابت ثمانية . وماذا بعد ؟
في تعقيب الصديق محمد لافي على كتابتي :
" بعد ١٢٩ يوما حررت إسرائيل أسيرين وبقي ١٣٤ أسيرا ... وبعملية حسابية تحتاج إسرائيل إلى عشر سنوات ونصف لتحرر بقية الأسرى "
أورد حكاية عن محام سافر وترك ابنه المتدرب محله .
بينما كان الابن يقلب في القضايا التفت إلى ملف قديم لقضية نزاع بين جارين حول شجرة تفاح . عندما جاءه الطرفان المتنازعان عرض عليهما قطع الشجرة بعد قطف ثمارها ، يأخذ طرف الثمار والطرف الثاني حطبها ، وهكذا حلت القضية ، ولما عاد الأب وأعلمه الابن بما فعل ، وبخه الأب ، فقد قطع عنه مصدر رزق.
الصديق Mohammed Lafi
كتب أن بروفيسورا إسرائيليا اسمه ( مناحيم كلاين ) رأى في بداية الحرب أن الحل يكمن في التعاون والتبادل ؛ تعاون إسرائيل مع حماس وتبادل الأسرى ، ومنذ شهرين لم يعد يرى المحلل على الفضائيات ، فقد كان مثل ابن المحامي . سيقطع رزق " أبو يائير " . ( أرسل لي الصديق محمد بعد نشر الصيغة الأولى لهذه الكتابة مقالا بالإنجليزية لمناحيم كلاين نشره في ٢٦ / ١٠ / ٢٠٢٣ يقول فيه إن الحكومة الإسرائيلية لم تتعلم شيئا من أخطائها )
قبل أن أكتب أردت أن أقتبس من محمود درويش قوله :
" أهنيء الجلاد منتصرا على عين كحيلة "
وقوله :
" نحن أدرى بالشياطين التي تجعل من طفل نبيا "
وأردت استحضار رد إميل حبيبي في " المتشائل " على السطر الأخير :
" ولم يدر شاعر البروة أن الشياطين قد تجعل من طفل آخر نسيا منسيا " .
ذهب ضحية تحرير الأسيرين ، على الأقل ، ١٠٠ مواطن فلسطيني ، قضوا وكانوا موزعين بين طفل وامرأة وشاب ومسن و ... وقد جعلت الطائرات منهم نسيا منسيا . وكله من أجل ابتسامته ولم تكن صفراء ولا مفتعلة على الإطلاق ، فماذا يعني له مائة من نسل العماليق . لقد رقص الجنود الإسرائيليون ودبكوا وغنوا لإفناء أعدائهم القدامى : العماليق .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٢ / ٢٠٢٤
ما زالت المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة مستمرة .
***
> 132 -ب- أنا و ( بنيامين نتنياهو ) و (.أدولف هتلر ) :
في أحد أيام المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة شاهدت شريط فيديو يتكلم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) مبررا ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة .
كان الرئيس يتحدث وبيده نسخة من الترجمة العربية لكتاب الزعيم الألماني النازي ( أدولف هتلر ) " كفاحي Mein Kampf " عثر عليها جنود جيشه في غزة ، وها هو يظهرها لكي يربط بين النازية وحركة خماس وليقول للعالم :
- إليكم الدليل !
منذ العام ١٩٩٠ وأنا في ورطة مع الألمان والإسرائيليين والدول المجاورة والفصائل الفلسطينية وأهلي أيضا ؛ يسارها ويمينها ، وطنيها وتيارها الديني ، وأعتقد أنه لم يمر يوم لم أستبح فيه ولم تستبح فيه شقتي أيضا ، وكل يوم أنا مصنف على فصيل أو تيار ، وقد كتبت هذا في نصي القصصي " ليل الضفة الطويل " ( ١٩٩٣ ) .
ترى إن اقتحم الإسرائيليون شقتي وفتشوا في كتبي ووجدوا نسخة كتاب ( هتلر ) في مكتبتي ، ترى هل سيعتقلونني بحجة أنني نازي ، ولم أخل من اتهام كهذا ؟
في مكتبتي أيضا كتاب ( نتنياهو ) " مكان بين الأمم : إسرائيل والعالم " وفي قراءة أخرى " مكان تحت الشمس " ، فهل يا ترى ستتهمني خماس لو دخلت في غيابي شقتي ووجدته ، هل ستتهمني بأنني مستشار ل " أبو يائير " ؟
ومرة اتهمني أخي القريب من خماس بأنني جاسوس . ربما شاهد نسخة كتاب نتنياهو في مكتبتي .
وماذا تقول حركة فتح ؟
حتى لا أعتقل من الإسرائيليين قررت أن أضع نسخة " كفاحي " إلى جانب نسخة " مكان بين الأمم " ولا بأس من كتاب لصلاح خلف " فلسطيني بلا هوية " - يعني نسخة كتاب نتنياهو إلى جانب نسخة كتاب هتلر ، إلى جانب نسخة كتاب ( إريك رولو ) عن صلاح خلف - للأسف فهي بلا غلاف لأن من استعارها مني في زمن فتح الثوري خاف أن يعثر عليها الإسرائيليون في بيته - وبقي ... بقي أن أضع إلى جانبها كلها نسخة من روابة يحيى السسنوار ، كما اقترحت نوال الستيتي " الشوك والقرنفل " ، ليكتمل الطابق . سامحنا يا دكتور محمد اشتية فأنت لست من الديكة لأضع نسخة من مجموعتك القصصية " إكليل من شوك " إلى جانبها !!
يبدو أنني سأتوسع في الكتابة وأخص زاويتي في جريدة الأيام الفلسطينية بمقال ساخر !!
كبر دماغك يا أبو يائير ورد على ( مناحيم كلاين ) الذي كتبت عنه في هذا الصباح .
عندنا مثل يقول " احترنا يا قرعة من وين نبوسك " ، ويبدو أن علي أن أنزع طاقية الرأس حتى تبين قرعتي .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٢ / ٢٠٢٤
مساء اليوم ( ١٣٢ )
***
133 -أ- صباح يوم ( ١٣٣ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة :
بضائع إسرائيلية تغزو أسواقنا وأهل شمال غزة من علف الأرانب والحمير إلى علف العصافير
صباح هذا اليوم قرأت في صفحة الدكتور رياض عوض Riyad Awad أن أهل شمال قطاع غزة صاروا يطحنون علف العصافير ويعجنونه ويصنعون خبزهم منه ليأكلوه بعد أن نفد علف الأرانب والدجاج . وكنت كتبت عن سفربرلك فلسطيني في القرن الحادي والعشرين ، ومنذ بدأ الحوع أضفت إلى اليوميات دال " المهلكة " ، وبعدها شاهدت شريط فيديو لإسرائيلي اسمه ( موشيه فيغلين ) يضع " الكيباه " على رأسه يقول فيه إن تفكيك حماس ليس مطلبا كافيا ، فلا بد من ثلاثة أشياء هي :
- احتلال ( كيبوش )
- تهجير ( جيروش )
- إقامة مستوطنات ( فجشفوت ) .
وقد أدرجت الشريط على صفحتي وعرفت أن موشيه عضو كنيست إسرائيلي سابق عن حزب الليكود .
وأما التجويع لدرجة الموت فهو تحقيق لما نادى به الأدب الصهيوني " العربي الجيد هو العربي الميت " وهذا ما رآه غسان كنفاني في كتابه " في الأدب الصهيوني " ( ١٩٦٦ ) .
أمس كنت أسير في شوارع نابلس فرأيت العنب يباع في الأسواق ، وهو عنب يزرع في دفيئات في صحراء النقب . لم أشتر منه ، ففي العام الماضي رأيته يباع في شباط ولم أشتر ، لا لأنني من أنصار المقاطعة وإنما لأن منظر العنب لم يرق لي .
أنا أشتري من البضائع الإسرائيلية قهوة عليت ، وأحيانا قليلة لبن ( الشمينت ) ، فقط ، ومنذ بداية الحرب ما عدت أشتريها ، إذ استبدلتها بقهوة زحيمان . وللموضوع حكاية .
أمس عصرا ذهبت أتمشى فلاحظت ثلاجات البوظة ممتلئة بها ، ومع أنها ترفع السكر في الدم إلا أنني لا أقاومها . أردت شراء علبة كبيرة . سألت البائع عن سعرها فأجاب :
- ٢٥ شيكلا .
سألته :
- هل ارتفعت الأسعار ؟
فأوضح لي بأن هذه بوظة شتراوس . يعني بوظة إسرائيلية .
لم أشتر ، وقلت للبائع إنني منذ بداية الحرب لم أشتر البضاعة الإسرائيلية ، لا لأنني لا أشتريها ولكن تضامنا مع أهل غزة .
ابتسم البائع ورد علي :
- الأمر متروك لك ، ولكن الكهرباء التي في بيوتنا وشوارعنا كلها من إسرائيل ، فهل قاطعناها ؟
هل أفحمني البائع ؟
وللأمانة فقد اشتريت مرة مرتين بضاعة لم أكن أعلم أنها إسرائيلية .
إسرائيل الآن تمنع العمال الفلسطينيين من العمل في حدود دولتها وتمنع بضاعتها من دخول غزة أيضا وتتحكم بأموال المقاصة ، فلا تدفع السلطة الفلسطينية الرواتب لموظفيها وقسم منهم من غزة ، والبضائع الإسرائيلية تغزو أسواق الضفة الغربية ، وحالتنا يا ليلى حالة بالويل .
حالة تعبانة يا أمي !!
والكتابة تطول وأبو يائير مش مصلي على سيدنا إبراهيم وآل سيدنا إبراهيم . المسلمون في صلاتهم يصلون عليه وعلى كافة الأنبياء ، وكلما دعاني ابن أخي إلى الصلاة " صل قبل أن تولي " رددت على مسامعه قوله تعالى يخاطب رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه ( إنك لا تهدي من أحببت ، ولكن الله يهدي من يشاء ) . اعتبرني يا عمي مثل " أبو طالب " .
يصلون ويدخلون البيوت في غياب أهلها ويفتشون عن ... ويفشون الأسرار و ... خليها على الله .
صباح الخير يا غزة
خربشات
فجر ١٦ / ٢ / ٢٠٢٤
***
> 133 -ب- " فلسطين أم الغريب " على غرار " يافا أم الغريب " :
للتو قرأت في صفحة الصحفي باسم النادي Basem Alnadi الخبر الآتي :
واشنطن بوست على ذمة مصادر : خطة الإخلاء الإسرائيلية لرفح تتضمن إقامة 15 مخيما على شاطيء البحر ، يضم كل مخيم 25 ألف خيمة .
من لجوء إلى لجوء ومن مخيم إلى مخيم ، والمخيمات كانت غالبا هي ولادة المقاتلين . لا أقلل من مشاركة المدن والريف ، ففي المنافي العربية ليس ثمة مدن وقرى ، والتجمعات الفلسطينية التي تعرضت للمذابح والمجازر كانت مخيمات : الوحدات والبقعة وشنلر ومخيم الحسين وشاتيلا وصبرا وتل الزعتر وجسر الباشا واليرموك وما نسيت ، والآن في الضفة الغربية وقطاع غزة مخيمات جنين وبلاطة والفوار والجلزون وعسكر القديم وعسكر الجديد والفارعة و ... إلخ .. إلخ .
الحل الوحيد يكمن في عودة هؤلاء إلى مدنهم وقراهم وتصبح فلسطين أم الجميع - أي أم الغريب ، على غرار يافا قبل العام ١٩٤٨ حيث نعتت ب " أم الغريب " عربا ويهودا و ... .
أول ما وفد المهاجرون اليهود من أوروبا نزلوا في ميناء يافا فاستقبلتهم وعاشوا في بيوتها ، ولطالما كتبت عن صديق أبي اليهودي . أذكر أن معارف أبي اليهود جاؤوا ، بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ، إلى نابلس وسألوا عن أصحابهم القدامى ، وكان منهم أبي ، لكي يعملوا معهم سواقين في شركة ( إيجد ) وعملوا.
كبر رأسك يا ( أبو يائير ) فهناك سبعة ملايين يهودي يقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية ويعيشون مع بقية خلق الله .
ما زلت أطمح في تحولات أبو يائير على غرار تحول ( ايرنا ) التي كانت يمينية متطرفة شاركت في حرب ١٩٤٨ وكانت سائقة الملقب ب ( غاندي ) ، ثم تحولت إلى اليسار وتزوحت من صليبا خميس وأسست مسرح الحرية في جنين .
هل سيؤسس أبو يائير مسرحا للأطفال في قطاع غزة ويعيش معهم يرعاهم ؟
أهل نابلس يقولون " يا محنن القلوب "!
وهناك من سيقول لي : أمل إبليس في الجنة .
عندما اشتركت ، في نابلس ، في ندوة ، مع الكاتب الإسرائيلي ( إيلان بابيه ) أخبرني أنه أيضا كان يمينيا ثم درس مع البروفيسور الفلسطيني الخالدي في جامعة بريطانية وتحول إلى اليسار .
أطرف ما في كتابات الجاحظ أنها كانت تخلط الجد بالهزل .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٣٣ ) للمقتلة وحرب الإبادة والمهلكة .
***
134 -أ- صباح ( ١٣٤ ) للمقتلة والمهلكة : " بدنا ناكل ... غزة في مواجهة العالم "
شريط فيديو ومنشور لفتا انتباهي أمس أكثر من غيرهما من الأشرطة والمنشورات التي تعمم .
في الشربط تتحدث الطفلة الغزاوية سالي لمن يسألها . تحكي بجرأة ، والأطفال حولها يضحكون ، ربما لجرأتها أو طريقة كلامها ، حتى الرجل الذي يصور الشريط استثير أيضا فضحك .
سالي لا تجد ما تأكله . لقد مرت أيام عليها لم تأكل . هامت في الخلاء تبحث عن شيء تأكله ، فوجدت الحميض ، وامتنعت عن تناول الخبز لأنه مصنوع من علف الدواب .
- الخبز مر .. مر
و
- صرنا ننهق .. صرنا نصحو ننهق .
مرت أيام على سالي لا تأكل شيئا ، لأن الطعام عز ، وهي منذ أيام لا تعيش إلا على شرب الماء .
في المساء مارس رجل في رفح المشي . في ليل بهيم الظلمة هربا من حياته . بيده قطعة حلوى اشتراها بما يعادل دولار ونصف وأكثر الناس لا تملك شيكلا واحدا .
وأما المنشور ...
عندما تحدث أبو عبييدة ، بعد غياب أربعة أسابيع وأكثر ، لم يعدد أرقاما ، كما هي عادته . لقد ترك الأمر ليعرفه المتابعون من البيانات التي تصدرها قوات القسسسام . الأرقام التي طالعناها أمس طالعناها في منشور عممه المهتمون تظهر فيه أعداد قوات المرتزقة في الجيش الغازي وأسماء الدول التي ينتمون إليها . غزة لا تحارب دولة . إنها تحارب مرتزقة بالإضافة إلى الجيش الإسرائيلي .
هل عرفتم لماذا تعلن الدولة الإسرائيلية عن قتيل قتيلين ثلاثة وتعلن خماسس عن عشرة وعشرين ؟
سالي جاعت ،
وقبل سالي جاع أطفال المخيمات الفلسطينية في المنافي ، وقبل أن يأكل أهل غزة أعلاف الدواب ولحم القطط والكلاب والحمير أكل لحم الدواب أهالي مخيمات لبنان أيضا .
إنها التغريبة الفلسطينية منذ ١٩٤٨ ، لا منذ ٧ أكتوبر .
أمس سألني المحامي المصري ماهر الفقى عن المكاسب التي حققها طوفااان الأقصى مقابل الخسارات ، فأجبت :
وأما الخسارات فهي كثيرة ولقد بدأت منذ عام النكبة الأولى . ( أنظر تعليقات اليوم ( ١٣٣ ) )
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٢ / ٢٠٢٤
***
>134 -ب- سالي والخبز المر في غزة :
غير مرة شاهدت شريط الفيديو الذي يترك معده الطفلة الغزاوية سالي تعبر عن معاناتها مع الجوع .
سالي ما عادت تأكل الخبز لأن طعمه مر ولأنه مصنوع من علف الدواب ولأنها صارت تنهق . تصحو صباحا وتنهق ، ومرت فترة كنت أشتري فيها الخبز المصنوع من الشعير لأنه صحي ولا يرفع نسبة السكر في الدم وغالبا ما سخرت من نفسي قائلا :
- لقد جعل مني مرض السكر حمارا .
غير أن الخبز الذي كنت أشتريه لم يكن مصنوعا من علف الدواب . كان مصنوعا من الشعير نفسه ؛ الشعير الذي تصنع منه البيرة التي ينصح بشربها لدر البول .
وسالي طفلة ولا تعرف شيئا عن داء السكر وقاها الله منه ، وهي تريد من الطعام وما يتناسب وعمرها .
أعادتني عبارتها " طعم الخبز مر " إلى قصة المرحوم الشهيد ماجد أبو شرار " الخبز المر " التي يسرد فيها فائق قصة اللاجيء الفلسطيني " أبو خميس " ابن يافا التي استشهد في الدفاع عنها ابنه سعيد في العام ١٩٤٨ .
صار أبو خميس في المنفى عاملا بلا كرامة وأصيب بالسل وهو يعمل في مصنع الفوسفات في الرصيفة في الأردن ، ومات لأنه لم يتعالج ، فهو لا يملك التكاليف ، وهو يعيل أسرة تتكون من خمس بنات وزوجة ، فمن سينفق عليهن إن ألزمه الطبيب بالذهاب إلى مشفى يمكث فيه .
النكبة الحالية تستحضر النكبة الأولى ، وحتى قبل ٧ أكتوبر هددنا بها بعض المتظاهرين الإسرائيليين . لقد أصغيت إلى شريط فيديو يتحدث فيه مسن يهودي بفرح :" نكبة ثانية في الطريق " . كان هذا قبل عامين ثلاثة ، واليمين الإسرائيلي لا ينتظر ٧ أكتوبر . إنه منذ ١٩٩٣ وهو يضاعف الاستيطان تمهيدا للتهجير .
خبزنا مر منذ ١٩٤٨ حتى يومنا ٢٠٢٤ ، وقد كتب أبو شرار قصته في العام ١٩٥٩ . وقد ذكرني الصديق Zeid Rifai بقصة سميرة عزام " خبز الفداء " ، فالفلسطينية التي تتطوع لخدمة الفدائيين في معاركهم تذهب لتحضر لهم الخبز وترتقي وهي عائدة إلى المكان الذي حوصروا فيه فيختلط دمها بالخبز . وكنت أشرت إلى قصة غسان كنفاني " القميص المسروق " وشوال الطحين الذي يمشي .
الصديقة Afaf Ackall علقت بسطري محمود درويش :
" القمح مر في حقول الآخرين
وهذا الخبز مالح " .
في غزة المستباحة من الغزاة صار خبزنا مرا وأما قمحنا الذي لم نزرعه بعد فقد أفسدت حقوله الدبابات الإسرائيلية !!!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٢ / ٢٠٢٤
اليوم ( ١٣٤ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
( ملاحظة : أدرجت المربية نوال الستيتي في التعليقات شريطين حول سالي . الأول الذي كتبت عنه والثاني وقد حصلت سالي على طعام )
***
135 -أ- فجر ( ١٣٥ ) : باطل الأباطيل .. كل شيء زائل ... الفنان فتحي غبن : بدي أتنفس .. لا أطالب بشيء .. مخنوق بدي أتنفس يا عالم
الليلة نمت على ما قرأته في لافتة " حنظلة .. حنظلة " وصحوت على مقطع شريط يصور حالة الفنان التشكيلي الغزاوي فتحي غبن .
اختار " حنظلة .. حنظلة " خلفية حمراء لكتابته على لسان شاب غزاوي يروي ساخرا أنه نجا من الأحزمة النارية والفصف المدفعي والقناصة وتسوية البيت بالأرض و .. و .. و .. وهو الآن سيهلك جوعا .
ما قاله ذكرني بمقولة القائد الإسلامي خالد بن الوليد الذي خاض المعارك ثم مات على فراشه فأحزنه هذا.
وفجرا صحوت على مقطع شريط فيديو أدرجه الكاتب شفيق التلولي على صفحته يظهر فيه الفنان التشكيلي فتحي غبن موجوعا يكاد من صعوبة التنفس أن يموت اختناقا .
كانت ابنة فتحي تحكي عما ألم بأبيها ومنزله ولوحاته الفنية وكيف انعكس هذا كله على صحته ، ولما طلبت من جهات ما أن تهتم به وبلوحاته قاطعها قائلا :
- بديش اشي . بس بدي أتنفس . مخنوق بدي أتنفس يا عالم .
وكان بيده جهاز ما يساعده ، بصعوبة ، على التنفس .
لم يفكر فتحي غبن في لحظة تشرده ومرضه بشيء ، فكل شيء باطل .. باطل الأباطيل باطل ، وعندما أراد محمود درويش أن يخلد نفسه صنع له جدارية من الكلمات .
هل رسم فتحي غبن لنفسه جدارية أم أنه رأى في لوحاته جداريات له ؟
وماذا تجدي في حالته التي بدا عليها الجداريات كلها ؟
" بديش اشي . بدي أتنفس . بس بدي أتنفس " .
في إحدى مقطوعات محمود درويش " حالة حصار " ( ٢٠٠٢ ) وظف مسرحية ( شكسبير ) " تاجر البندقية " وتساءل على لسان " شايلوك " :
- أليس لليهودي قلب ؟
ليس للحمام في وزارة الدفاع قلب .
يبدو أنني بعد أن شاهدت شريط الفيديو سأسكت ، مثل شهرزاد ، عن الكلام المباح ، فقد صاح الديك وأدركني الصباح .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٢ / ٢٠٢٤
فجر اليوم ( ١٣٥ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة .
***
> 135 -ب- " أنا صامد صامد على بكسة حامض " :
في صفحة الصديق رياض عواد Riyad Awad قرأت قبل ثلاثة أربعة أيام أن حوالي ١٠٠ ألف فلسطيني أغلبهم من النخب قد غادروا قطاع غزة دافعين رشى حتى يسمح لهم باجتياز الحدود والخلاص من جحيم الحياة تحت القصف .
كنت أتابع يوميات الروائي عاطف ابوسيف أولا بأول وأسهم في إعادة نشرها . اليوم قرأت أنها صدرت في كتاب عن الدار الأهلية في عمان / الأردن ، ولا أعرف إن كان الروائي أضاف إلى ما نشره في صحيفة العربي الجديد أية كتابة ، بخاصة ما يخص خروجه . ولقد قلت من قبل إن كتابته لن تكتمل ما لم يضف فصلا عن الخروج .
وللعلم فإن الروائي هو وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية ، وكان قبل ٧ أكتوبر يقيم في رام الله وغالبا ما كان يزور أهله في مخيم جباليا ، وعندما اندلعت الحرب كان مع ابنه ياسر عرفات في غزة ، فيما بقية أسرته - أي زوجته وبقية أبنائه - يقيمون في رام الله .
لقد شطرت الحرب عائلات كثيرة . تماما كما حدث في عام النكبة الأولى ١٩٤٨ ، ثم التقت ، ولا أقول اجتمع شملها ، إثر هزيمة حزيران ١٩٦٧ التي ولدت كتابة أدبية جديدة تخص موضوع اللقاء . من سداسية الأيام الستة والمتشائل لإميل حبيبي حتى عائد إلى حيفا لغسان كنفاني ، وقد خيض في هذه الأعمال الكثير الكثير .
شخصيا لا أعرف ماذا سيكون موقفي لو كنت هناك وكيف سأتصرف . هل سأبقى وارتقي مثل كثيرين من الكتاب والصحفيين والإعلاميين أم سأغادر .
عند الامتحان يكرم المرء أو يهان . يقولون و " اللي بوكل العصي مش زي اللي بعدها " .
أنتظر الحصول على نسخة من يوميات الروائي لأرى ، وأظن أنني وغيري مثل Majdi Ashour و Asmaa Alghoul وغيرهما خضنا في هذا ، وقد أتى عليه الدكتور رياض عواد مرارا .
الفقراء يبقون كما كتب أمل دنقل . إنهم لا يملكون ثمن رغيفهم ، فمن أين لهم خمسة آلاف دولار وقد تصل إلى تسعة عن كل فرد ؟ " للغنى رب غفور " قال الشاعر الجاهلي الصعلوك عروة بن الورد .
أتمنى أن لا أكون كالعادة أخطأت في كتابة الاسم عواد أم عوض والصواب عواد . في الحرب صار الواحد منا ملطوشا مخبولا لا يركز و " الله يجيب العواقب سليمة " .
العنوان " أنا صامد صامد على بوكسة حامض " من رواية سحر خليفة " الصبار " ومقالي الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية ٢٥ / ٢ / ٢٠٢٤ عن رواياتها ورواية عزمي بشارة ورواية يحيى السسنوار .
متى تضع الحرب أوزارها ؟
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٢ / ٢٠٢٤
( ١٣٥ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
136 -أ- أشرطة الفيديو ودمار غزة :
أسئلة عديدة تثيرها أشرطة الفيديو التي أشاهدها عن الدمار الذي لحق بغزة هي :
- ما جدوى الكتابة ؟
- ماذا يرى الله في كل ما يجري باسمه ؛ من شعبه المختار إلى شعبنا المنكوب ؟
- هل ستشتعل الأوضاع في الأرض المحتلة في العام ١٩٤٨ في رمضان بعد أن وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي على اقتراح ( بن غفير ) وزيره بخصوص منع فلسطينيي الأرض المحتلة من الصلاة في الأقصى في شهر رمضان ؟
وذكرني شريط فيديو حديث عن شق طريق وسط غزة وتعبيده يفصل بين شمال غزة وجنوبها ويقسم القطاع إلى قسمين أطلق عليه شارع ٤٧٩ ، والحديث عن شق طرق أخرى وتعبيدها ، ذكرني هذا كله بما فعله ( إريك شارون ) في مخيمات غزة ، في بداية سبعينيات القرن العشرين ، للقضاء على حركة المقاومة في حينه .
هل سنظل ، نحن الباقين ، نفعل ما يفعله العاطلون عن العمل : نربي الأمل ، كما كتب محمود درويش في " حالة حصار " ؟
هل سيشعر العدو ، ذات يوم ، أمام صمودنا وبقائنا ، بالضجر ؟
الآن خطر ببالي أن نماذج الشعر الجاهلي التي يريد محمود درويش تعليمها لعدوه هي معلقة زهير بن أبي سلمى ، أما يحيى السسنوار فربما أراد ، حين اتخذ قرار الحرب ، أن يعلمهم معلقة عنترة بن شداد :
لا تسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل .
ما زال هرم بن سنان القطري والحارث بن عوف المصري الأمريكي يقومان بجهود سلمية .
حيرة وذهول .
بماذا يشعر الآن سكان الخيام الجوعى المرضى ؟ بماذا يشعرون في هذا البرد القارس وهم ينامون على الرمل ؟
" والرمل شكل واحتمال
أرى عصرا من الرمل يغطينا
"
ويلقينا خارج الأيام .
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ٢ / ٢٠٢٤
فجر يوم ( ١٣٦ ) من المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة
***
> 136 -ب- مساء ( ١٣٦ ) للمقتلة والمهلكة وحرب الإبادة : " لا يصل الحبيب إلى الحبيب إلا شهيدا أو شريد"
بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ كتب الروائي السوري أديب نحوي روايته " عرس فلسطيني " وقد أوردت ملخصا لها في " الفلسطيني في الرواية العربية " ، معتمدا على ما كتبه شمعون بلاص في كتابه " الأدب العربي في ظل الحرب بين ١٩٤٨ و ١٩٧٣ " .
يقام العرس الذي جهز له واستعد ، وينتظر والد العريس ، ليلة العرس، ابنه من مهمته الفدائية ، في داخل الأرض المحتلة ، ويأتي خبر استشهاد العريس ، فلا يخبر الأب الحضور ويصر على أن يتم الاحتفال كما لو أن ابنه لم يستشهد .
في ١٩٧٣ كتب محمود درويش قصيدته " طوبى لشيء غامض " راثيا شهداء فردان الثلاثة ، في بيروت في ١٩٧٣ ، كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار ، ومنها :
" هذا هو العرس الذي لا ينتهي
في ساحة لا تنتهي في ليلة
لا تنتهي
هذا هو العرس الفلسطيني
لا يصل الحبيب إلى الحبيب
إلا
شهيدا أو شريد "
وقد صدرت بها في العام ١٩٧٩ قصة قصيرة عنوانها " العريس " كتبتها عن جاري في المخيم فؤاد سمحة الذي اعتقل وهو مصمود على اللوج الفقير .
كان شبان المخيم يرشقون الحافلات الإسرائيلية بالحجارة ، فهجم الجيش على المخيم ومكان العرس واعتقل الموجودين بمن فيهم العريس .
في رفح قبل أيام تزوج العروسان مريم وعبدالله في حفل متواضع وأقاما في خيمة ، فقد طالت الحرب . تم تأجيل العرس من تشرين الأول / أكتوبر ولما لم يبد لنهايتها أفق توكلا على الله وقررا أن يفرحا ويدخلا الفرح في قلوب اللاجئين .
اليوم قرأت خبر استشهادهما بعد مرور ثلاثة أيام من زواجهما .
كم مرة كررت في مقالاتي وخربشاتي " هذا هو العرس الفلسطيني " .
نحن مثل جبر ، من بطن أمه للقبر ، وقبل أن تتزوج ابنتي اشتريت بدلة لأرتديها في حفل زفافها الذي لم تدعني إليه ، وما زالت البدلة كما اشتريتها . اليوم صباحا فكرت أن أسافر فيها إلى سلطنة عمان ولكني تذكرت قصة قصيرة كتبتها في العام ١٩٧٩ عنوانها " وجهة نظر المتلمس في مصرع طرفة بن العبد " .
السفر غير محمود ولكن من كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها .
رحم الله العروسين .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ٢ / ٢٠٢٤
***
..