كتبت من الشعر ما يكفي
لأن أموت مستريحا
ومطمئنا إلى أنني أوجعت الغبار كما أحببت،
وطيرت الفراشات
من على شفتي بنت أحببتها،
ليس في الحقيقة
وإنما في صورتها على الجدار،
فهي أجل من أن تمسها فراشة.
هذه البنت أجمل من جنة،
وأرحب من دمعة،
وأقرب من جحيم.
كتبت من الشعر ما يكفي
لأن أموت واثقا في نقصي،
وعاريا تماما
إلا منك.
وعندما تأملت القصيدة
كانت سحب ملونة قد أظلتنا معا،
بينما نحكي للهواء تفاصيلنا،
ونختلس قبلات حارقة ولذيذة.
كتبت من الشعر ما يكفي عاشقا وحيدا،
ومعشوقة غابت قبل منتصف الحلم بحقيقة.
وقبل الجنة بجحيمين.
كتبت عن الحياة
ما يوشك أن يتبخر كالحياة نفسها،
وعن الموت
ما يوشك أن يتجسد كالموت نفسه،
وعن أشياء لم تحدث في الواقع،
منها أن شاعرا ولد مبتسما،
وفرح به العالم،
أن عالما لم يضق بلمسة حب،
أو قبلة عابرة،
أن قصيدة بكت على شاعرها عندما مات،
أن شاعرا مات مبتسما أيضا،
ولوح للعالم..
بمنديل ورقي
كتبت عليه حبيبته بريدها الإلكتروني؛
كي يراسلها بعد الموت.
كتبت ما يمكن أن أعده
(سورة أخرى للشعراء)
حتى يناموا موقنين في جنة ما،
وهادئين تماما
كقطة خزفية.
كتبت ما يليق بعصفور ليزقزق،
وبطلقة
لتحدث دويها المعتاد..
حتى تصل إلى قلب شاعر،
وبشاعر
حتى يموت غير عابئ بشيء.
كتبت
ما يليق بتراتبية حياة صاخبة،
وموت هادئ.
هذه السورة الجديدة..
لن ينشغل بها مفسرون ولا فلاسفة ولا كلاميون،
ولن يتلوها المارة وركاب المترو،
كتبت عن الله الذي أحبني بلا شك،
رغم أنه صنعني من هذه المادة الهشة،
سهلة الكسر.
كتبت عن الشيطان أيضا،
واتفاقنا الذي ليس مناسبا أن أتحدث عنه الآن.
وقلت له: إليك عني،
فما عاد في العمر متسع لغواية.
كتبت عن ملاك طيب،
وقلت له:
تعال نشرب شايا أخضر،
ونبتسم قليلا،
بما يليق بصديقين.
كتبت عن الصداقة نفسها،
وتذكرت زوربا وهو يخبز حكمته،
ويقدمها لصديقه
شهية وطازجة،
وموجعة أيضا.
أنت لست سعيدا بشيء،
ولا حتى بالسعادة نفسها،
فقد مر وقت طويل
كان يمكنها أن تأتي فيه،
وأن تجلسا معا ولو كغريبين،
بمقدار عمل فنجان قهوة
ليس أكثر.
كان يمكنها أن تأتي وتقول:
إنها تحبني منذ زمن،
غير أنها لم تجد فرصة مناسبة..
للتعبير عن هذا الحب،
وسأقبل هذا المنطق (رغم لامنطقيته)،
سأقول للقصيدة: ابتسمي قليلا،
فثمة شاعر لن يتبعه غاو ولا رشيد،
ابتسمي،
ريثما يعرف الظل أن له رفقاء،
لكنهم الآن في مكان ما (وراء الشمس)،
ربما لكلمة خرجت عن السياق،
ولم تسند الشاعر في شيخوخته المبكرة.
كتبت من الشعر
ما يمكن أن يهدد المجازات،
ليهدهد المعنى،
أن يقول للغة: كوني، فتكون،
أن يمنح الصدى بعدا جديدا وملونا..
حتى يقول للصوت: استرح،
فبإمكاني أن أقوم بعملك..
على نحو أفضل.
كتبت من الشعر
ما يكفي لأهزم المنطق،
ولتهزمني مدن لا تعرفني ولا أعرفها.
سميت البحر ممرا لضوء مخاتل،
ودعوت الله أن أمر خفيفا..
كذكرى عابرة.
لكنني (لسوء الحظ)
ما زلت حيا
أنزف روحي على هذه الأوراق.
سميت الأرض نردا..
ألقي ذات ليل،
ولم يستقر بعد.
والتواريخ أشياء مصمتة،
ولكن لا ظل لها،
سميت البشر هلاما،
والميتافيزيقا جرحا في الضمير،
والضمير نتوءا صخريا للظل.
سميت حبيبتي سحابة،
وظللت عمري في انتظار أن تمطر،
كتبت عن النهر ورسمته في القصيدة،
لكنه جف قبل أن تكتمل،
كتبت ما يمكن أن يعده النقاد شعرا،
بشرط أن يتخلوا عن التنظير.
كتبت عن حبيبة أصبحت صورة على جدار،
وجرحا في القلب،
كتبت عن أفراح عابرة،
وآلام مقيمة،
وعن حلم لم يأت حتى في الحلم.
كتبت عن أنواتي الهائمة..
في كل الاتجاهات،
وظلالها التي تتجمع في نقطة..
تشبه سرة امرأة كونية.
كتبت عن الحب..
الذي قد يأتي في غير موعده،
وغالبا لا يأتي أصلا.
كتبت عن الحياة ككذبة وورطة سخيفة،
وعن الموت كخلاص باهظ الثمن.
كتبت عن الشوق الذي يقتله ضميره،
وعن البعد الذي لا ضمير له،
كتبت عن توحش الظل،
وعن هشاشة الصدى.
كتبت عن دينامية متحللة،
وموتى يغادرون قبورهم كل صباح؛
لملاقاة أحباء ماتوا..
منذ حيوات بعيدة،
ولم يجرحوا الظلال.
كتبت عن مأزق العدمي..
إذ يرى الله فجأة،
وعن المفاجأة نفسها.
كتبت عن حبيبة ماتت في الحرب
(أنا أعني ما أقول تماما)،
ماتت في الحرب،
وكثيرا ما نبهتها إلى أنني أحبها،
غير أن خطأ في القصيدة..
لم يقنع التراجيديا بأن تتركها لحالها،
وتبحث عن ضحية أخرى.
كتبت كي أمد ظلي،
لكن الشمس كان لها رأي آخر،
فانزويت في أقصى ركن في القصيدة..
أنتظر الموت،
الذي كان أيضا ينتظرني..
على بعد حياة،
أو شيء يشبه الحياة.
كتبت كثيرا،
ولسوء حظي،
وربما لحسن حظ الشعر..
تطايرت القصائد،
ومت وحيدا وغريبا،
ومبتسما (كما ترون)،
وحزينا كما يرى الشعر.
هشام محمود
مصر
لأن أموت مستريحا
ومطمئنا إلى أنني أوجعت الغبار كما أحببت،
وطيرت الفراشات
من على شفتي بنت أحببتها،
ليس في الحقيقة
وإنما في صورتها على الجدار،
فهي أجل من أن تمسها فراشة.
هذه البنت أجمل من جنة،
وأرحب من دمعة،
وأقرب من جحيم.
كتبت من الشعر ما يكفي
لأن أموت واثقا في نقصي،
وعاريا تماما
إلا منك.
وعندما تأملت القصيدة
كانت سحب ملونة قد أظلتنا معا،
بينما نحكي للهواء تفاصيلنا،
ونختلس قبلات حارقة ولذيذة.
كتبت من الشعر ما يكفي عاشقا وحيدا،
ومعشوقة غابت قبل منتصف الحلم بحقيقة.
وقبل الجنة بجحيمين.
كتبت عن الحياة
ما يوشك أن يتبخر كالحياة نفسها،
وعن الموت
ما يوشك أن يتجسد كالموت نفسه،
وعن أشياء لم تحدث في الواقع،
منها أن شاعرا ولد مبتسما،
وفرح به العالم،
أن عالما لم يضق بلمسة حب،
أو قبلة عابرة،
أن قصيدة بكت على شاعرها عندما مات،
أن شاعرا مات مبتسما أيضا،
ولوح للعالم..
بمنديل ورقي
كتبت عليه حبيبته بريدها الإلكتروني؛
كي يراسلها بعد الموت.
كتبت ما يمكن أن أعده
(سورة أخرى للشعراء)
حتى يناموا موقنين في جنة ما،
وهادئين تماما
كقطة خزفية.
كتبت ما يليق بعصفور ليزقزق،
وبطلقة
لتحدث دويها المعتاد..
حتى تصل إلى قلب شاعر،
وبشاعر
حتى يموت غير عابئ بشيء.
كتبت
ما يليق بتراتبية حياة صاخبة،
وموت هادئ.
هذه السورة الجديدة..
لن ينشغل بها مفسرون ولا فلاسفة ولا كلاميون،
ولن يتلوها المارة وركاب المترو،
كتبت عن الله الذي أحبني بلا شك،
رغم أنه صنعني من هذه المادة الهشة،
سهلة الكسر.
كتبت عن الشيطان أيضا،
واتفاقنا الذي ليس مناسبا أن أتحدث عنه الآن.
وقلت له: إليك عني،
فما عاد في العمر متسع لغواية.
كتبت عن ملاك طيب،
وقلت له:
تعال نشرب شايا أخضر،
ونبتسم قليلا،
بما يليق بصديقين.
كتبت عن الصداقة نفسها،
وتذكرت زوربا وهو يخبز حكمته،
ويقدمها لصديقه
شهية وطازجة،
وموجعة أيضا.
أنت لست سعيدا بشيء،
ولا حتى بالسعادة نفسها،
فقد مر وقت طويل
كان يمكنها أن تأتي فيه،
وأن تجلسا معا ولو كغريبين،
بمقدار عمل فنجان قهوة
ليس أكثر.
كان يمكنها أن تأتي وتقول:
إنها تحبني منذ زمن،
غير أنها لم تجد فرصة مناسبة..
للتعبير عن هذا الحب،
وسأقبل هذا المنطق (رغم لامنطقيته)،
سأقول للقصيدة: ابتسمي قليلا،
فثمة شاعر لن يتبعه غاو ولا رشيد،
ابتسمي،
ريثما يعرف الظل أن له رفقاء،
لكنهم الآن في مكان ما (وراء الشمس)،
ربما لكلمة خرجت عن السياق،
ولم تسند الشاعر في شيخوخته المبكرة.
كتبت من الشعر
ما يمكن أن يهدد المجازات،
ليهدهد المعنى،
أن يقول للغة: كوني، فتكون،
أن يمنح الصدى بعدا جديدا وملونا..
حتى يقول للصوت: استرح،
فبإمكاني أن أقوم بعملك..
على نحو أفضل.
كتبت من الشعر
ما يكفي لأهزم المنطق،
ولتهزمني مدن لا تعرفني ولا أعرفها.
سميت البحر ممرا لضوء مخاتل،
ودعوت الله أن أمر خفيفا..
كذكرى عابرة.
لكنني (لسوء الحظ)
ما زلت حيا
أنزف روحي على هذه الأوراق.
سميت الأرض نردا..
ألقي ذات ليل،
ولم يستقر بعد.
والتواريخ أشياء مصمتة،
ولكن لا ظل لها،
سميت البشر هلاما،
والميتافيزيقا جرحا في الضمير،
والضمير نتوءا صخريا للظل.
سميت حبيبتي سحابة،
وظللت عمري في انتظار أن تمطر،
كتبت عن النهر ورسمته في القصيدة،
لكنه جف قبل أن تكتمل،
كتبت ما يمكن أن يعده النقاد شعرا،
بشرط أن يتخلوا عن التنظير.
كتبت عن حبيبة أصبحت صورة على جدار،
وجرحا في القلب،
كتبت عن أفراح عابرة،
وآلام مقيمة،
وعن حلم لم يأت حتى في الحلم.
كتبت عن أنواتي الهائمة..
في كل الاتجاهات،
وظلالها التي تتجمع في نقطة..
تشبه سرة امرأة كونية.
كتبت عن الحب..
الذي قد يأتي في غير موعده،
وغالبا لا يأتي أصلا.
كتبت عن الحياة ككذبة وورطة سخيفة،
وعن الموت كخلاص باهظ الثمن.
كتبت عن الشوق الذي يقتله ضميره،
وعن البعد الذي لا ضمير له،
كتبت عن توحش الظل،
وعن هشاشة الصدى.
كتبت عن دينامية متحللة،
وموتى يغادرون قبورهم كل صباح؛
لملاقاة أحباء ماتوا..
منذ حيوات بعيدة،
ولم يجرحوا الظلال.
كتبت عن مأزق العدمي..
إذ يرى الله فجأة،
وعن المفاجأة نفسها.
كتبت عن حبيبة ماتت في الحرب
(أنا أعني ما أقول تماما)،
ماتت في الحرب،
وكثيرا ما نبهتها إلى أنني أحبها،
غير أن خطأ في القصيدة..
لم يقنع التراجيديا بأن تتركها لحالها،
وتبحث عن ضحية أخرى.
كتبت كي أمد ظلي،
لكن الشمس كان لها رأي آخر،
فانزويت في أقصى ركن في القصيدة..
أنتظر الموت،
الذي كان أيضا ينتظرني..
على بعد حياة،
أو شيء يشبه الحياة.
كتبت كثيرا،
ولسوء حظي،
وربما لحسن حظ الشعر..
تطايرت القصائد،
ومت وحيدا وغريبا،
ومبتسما (كما ترون)،
وحزينا كما يرى الشعر.
هشام محمود
مصر