(٧)
من هو الآخر؟
من آن لآخر تنطلق مصطلحات غربية وتغريبية، ابتدعها شياطين الإنس لإيغار صدور البشر بعامة ولإذكاء الصراع الدائم الذي لا يهدأ فيما بينهم واستغلال الحساسية التي تكون لدى الأقلية أيا كان دينهم وأيا كان وجودهم وجعلهم دائما ورقة رابحة يتكسبون بها أينما كانوا وأينما حلوا، ولكي يبقى التنور مشتعلا دائما داخل الدول الإسلامية باستغلال الأقليات لصالح أهدافه التي لا تتبدل فيتحفنا من آن لآخر بمفردات جديدة مثل حقوق الإنسان (وهذه ابتدعوها لهم وليس لنا كما قال إدوارد سعيد في كتاب الاستشراق وباعترافهم) والقبول بالآخر، ومع الأخيرة هذه سأتوقف قليلا.
لا يوجد شيء في أدبياتنا كمسلمين اسمه الآخر، بمعنى أن كل من يعيش داخل الدولة الإسلامية ليس بآخر وإنما هو جزء ومكون من مكونات هذه الدولة بغض النظر عن معتقده الشخصي حتى ولو كان ملحدا طالما يمهر ديوان الدولة كل شئونه، فقط لهم بعض القوانين التي تتناسب مع خصوصيتهم الدينية.
الهوية الماثلة:
توضيح معنى الآخر كان لابد منه، لأن كارين أثنت على الدولة الإسلامية التي أرست لأول مرة النظام الذي به يتمكن أصحاب الشرائع الثلاث من العيش معا في سلام في بقعة تميزت بالتوتر وسوء العلاقة بين اليهود والمسيحيين لمدة تربو على ستة قرون، وهي نفسها التي ألقت باللائمة على المسلمين لأنهم كانوا يؤكدون على أنهم فقط أصحاب الدين التوحيدي الخالص مما أوغر صدور اليهود والمسيحيين وكان رد فعل طبيعي أن يعلو الصوت بالتأكيد على صدق وسمو الهوية الدينية لكل طائفة مما جعل التوتر يسود بين الجميع مرة أخرى.
كانت هذه الفترة من عمر الدولة الإسلامية تموج بالتوتر والصراعات الدامية بين الأمويين العباسيين الذين تمكنوا من الحكم والإقامة في بغداد كعاصمة لهم (765م) بعد دمشق التي ظلت عاصمة للأمويين طيلة حكمهم وكان حتما أن تلقي هذه التداعيات بظلالها على الكل بما في ذلك القدس.
واستنكرت بعد العباسيين عن القدس وزيارتها فقط كشعيرة دينية أثناء الحج، ودون ذلك مرورهم بها شحيحا على النقيض من الأمويين الذين كانوا يقيمون شبه إقامة دائمة فيها ومن ثم يولونها الاهتمام الكبير، واستشهدت كارين في ذلك طلب المسلمين من الخليفة العباسي ترميم الحرم القدسي الذي تهدم أثناء الزلزال فقال لهم لا يوجد أموال لذلك وطلب منهم أن يذيبوا الذهب والفضة لقبة الصخرة لإصلاح ما تهدم (ربما ليزيل أثر من آثار الأمويين)
لم يرد الخليفة طلبهم ولكنه لم يعتني بإرساء الفخامة على البناء كما الأمويين،
العباسيون قاموا بتوسعة المسجد والاعتناء به فيما بعد بيد أنهم لم يتمثلوا فخامة الأمويين.
(الحقيقة أنا أتعجب من استنكار كارين لفعل العباسيين ذلك أن المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة قالت نصا أن الفخامة في كل شيء والارستقراطية في اللبس والرياش ومراسم التشريفة عند استقبال الملوك والأمراء والبعثات الدبلوماسية والاحتفاء بالجيش المنتصر هو ميراث أموي استقته أوروبا من حكام الأندلس)
صحيح أن العباسيين انتهجوا منهج الفخامة وبناء المعاهد العلمية والترجمة ولكن مع الحرص على استقلالهم وفرادتهم بعيدا عن مواطئ الأمويين.
المسجد الأقصى:
وتقول كارين أنه تم تسميته بالمسجد بالأقصى منذ العباسيين وتم ربطه بسيدنا محمد منذ ذلك الحين فهل كارين الراهبة المستشرقة لم تقرأ هذه التسمية في سورة الإسراء قبل إسلام الأمويين والعباسيين؟!!
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
[الإسراء: 1]
ثم تحدثت عن حادثة الإسراء والمعراج وهي غير مصدقة أن سيدنا محمد نفذها بجسده وتدعم رفضها بأنها تعتقد مثل أم المؤمنين عائشة أنه نقل بروحه وليس بجسده ولم تذكر دليلها الذي به علمت هذا الاعتقاد عن السيدة عائشة كي أفند لها بالدليل العلمي فرية هذا الادعاء ولم أقرأ هذا في أي مصدر من قبل فلربما كان مصدره بعض الإسرائيليات، رضي الله عن أمنا عائشة وأرضاها، ثم أنهت حديثها عن تلك الحادثة بأنها ربطت بين مكة والمدينة والقدس ارتباطا أبديا، وتم سك عملة جديدة عام 832م تحمل اسم القدس، وهو الاسم الإسلامي الجديد للمدينة.
المتصوفة يطأون القدس:
ثم أفردت فيضا من مكتوبها بالإعجاب بالمتصوفة الذين لا يرون فرقا بين التعبد في المسجد أو المعبد أو الكنيسة (هذا هو دور المتصوفة طمس وتلبيس الدين على عوام الناس)، وأنهم تجاوزوا تلك المسميات، وكيف هم يقيمون حول المسجد وأنهم بلغوا من الروحانية مبلغا لم يبلغه السواد الأعظم من المسلمين، والمتصوفة الذين ينحدرون بفكرهم المارق من الغنوصية والزرادشتية الهندية وتبناها الشيعة من بعدهم، أحدثوا في الدين ما ليس فيه، وهم خنجر مسموم في يد كل راغب في النيل من الإسلام والمسلمين بنشر البدع والخرافات لصرف الهمم وتثبيط العزائم على خلاف منهج أهل السنة والجماعة، عليهم من الله ما يستحقون.
صراع الهوية:
ظل صراع الهوية محتدم بين أتباع الشرائع الثلاث خاصة المسلمين والمسيحيين، وفي القرن التاسع الميلادي بدأ فرادى من اليهود بالتوافد على القدس من أنحاء شتى للتعجيل بظهور مسيحهم، واعتبر بعض حاخاماتهم أن إهمال المدينة يعد هجرانا للرب ذاته، انقسم اليهود إلى قرائيين لا يتبعون التلمود في صلواتهم ومنهج حياتهم، وربانيون يتبعون التلمود فقط، القرائيون كانوا ينظمون دورات مستمرة للصلاة عند أبواب القدس يندبون فيها خراب مدينتهم باللغات الفارسية والعبرية والعربية وكانوا يعتقدون أن صلاة «ندابي صهيون» ستجبر الرب!! على إرسال مسيحهم المنتظر لإعادة بناء أورشاليم مدينة يهودية خالصة.
كارين ساقت حالات السجال الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، الكتلتان الأكبر بالمدينة، والذي حركته الامبراطورية البيزنطية لمواجهة الإسلام واستعادة القدس أو بالأحرى فلسطين كلها بنزاهة وموضوعية تحسب لها، قد تنحاز عاطفيا تجاه الدين كنصوص ولكنها لم تنحاز تجاه سلوك المسيحيين المدفوعين بعاطفة دينية، فكانت تصرح بخطأ المخطئ من الجانبين، لأنها تعلم أن الاندفاع مستغلا من اليونان التي تدغدغ مشاعرهم الدينية معتبرين ذلك حربا مقدسة على الإسلام مما زاد من توتر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وبالطبع التهمت نيران الفتنة سكان المدينة بكل من بها.
القدس تحت حكم الفاطميين:
ببوصلة العالمة المتحققة لديها أدركت كارين أن الفاطميين قلصوا مدارس السنة في فلسطين تمهيدا لفتح العالم الإسلامي كله لتحويله للمذهب الشيعي، فأنشأوا مراكز للدراسات (دار العلم للترويج للفكر الشيعي، وقاموا بضرب مراكز السنة بقبضة قوية) فقل الأساتذة وانعدمت الحوارات الفكرية وندر تواجد العلماء في المدينة التي كان الشافعي (أحد الأئمة الأربعة) كثير التردد عليها، ومع تولي الحاكم بأمر الله والذي كان أمه مسيحية قد عين خاله بطريركا بالقدس واستبشر المسيحيون بهذا الميل من الخليفة لهم، ولكن نفس الخليفة قام باستفزاز المسيحيين بمصر بأكثر من اجراء، ولم يكن المسلمين أقل حظا من المسيحيين في استفزاز الخليفة لهم فقد أعلن أنه هو تجسيد الإله، وأنه أرسل برسالة جديدة موحاة للبشرية وأحل اسمه بدلا من اسم الله في صلاة الجمعة، فقامت أعمال التمرد والشغب بالقاهرة، وألغى الاجراءات التعسفية تجاه المسيحيين واليهود وأعاد لهم ممتلكاتهم بينما منع المسلمين من صيام رمضان وأداء فريضة الحج وقام بتعذيب المخالف تعذيبا رهيبا وأثناء أعمال الشغب امتطى حماره وذهب في الصحراء ولم يره أحدا بعد ذلك (لماذا اختفي الإله!).
القدس تحت حكم السلاجقة الأتراك:
هؤلاء طائفة من الأتراك النبلاء الذين اعتنقوا الإسلام السني وقد سيطروا على سوريا وما حولها حتى بلغوا القدس فقاموا ببناء بعض المساجد وأزالوا فعل الشيعة وأعادوا تدريس الفقه والحديث وأنشأوا مدارس القرآن مرة أخرى بالمدينة وعاد العلماء والمفكرين للتوافد عليها مثل أبو الفتح ناصر الطرطوشي، العالم الأندلسي العظيم كما وصفته كارين، وفي عام 1095م قدم أبو حامد نصر الغزالي للتعبد والتأمل وفيها كتب كتابه الشهير «إحياء علوم الدين» كما قام الرحالة الأندلسي أبو بكر بن العربي بالإقامة بها ثلاث سنوات، ثم قام المسلمون المؤيدون لحكم الشيعة بالتمرد والثورة على حكم التركمان فأحدثوا الكثير من القلائل والاجراءات التي راح على إثرها ثلاثة آلاف من الموتى، وبالرغم من ذلك فقد حدثت نهضة حقيقية للقدس التي أصبحت أهم مدن فلسطين، ولكن في أغسطس 1098م فتح الخليفة الشيعي الفاضل المدينة مرة أخرى، وبعد أقل من عام أي في يونيو 1099م وصل الصليبيون المسيحيون من أوروبا ورابطوا على التلال خارج أسوار المدينة وحاصروها وهم في حالة من البهجة.
وبدت كارين لي حزينة بوصول الصليبيون، فكم مدحت حلقات العلم والذكر وتعلم الفقه بالمدينة والمناظرات الفكرية بين علماء الدين والمفكرين السنة.
وللحديث بقية إن شاء الله
من هو الآخر؟
من آن لآخر تنطلق مصطلحات غربية وتغريبية، ابتدعها شياطين الإنس لإيغار صدور البشر بعامة ولإذكاء الصراع الدائم الذي لا يهدأ فيما بينهم واستغلال الحساسية التي تكون لدى الأقلية أيا كان دينهم وأيا كان وجودهم وجعلهم دائما ورقة رابحة يتكسبون بها أينما كانوا وأينما حلوا، ولكي يبقى التنور مشتعلا دائما داخل الدول الإسلامية باستغلال الأقليات لصالح أهدافه التي لا تتبدل فيتحفنا من آن لآخر بمفردات جديدة مثل حقوق الإنسان (وهذه ابتدعوها لهم وليس لنا كما قال إدوارد سعيد في كتاب الاستشراق وباعترافهم) والقبول بالآخر، ومع الأخيرة هذه سأتوقف قليلا.
لا يوجد شيء في أدبياتنا كمسلمين اسمه الآخر، بمعنى أن كل من يعيش داخل الدولة الإسلامية ليس بآخر وإنما هو جزء ومكون من مكونات هذه الدولة بغض النظر عن معتقده الشخصي حتى ولو كان ملحدا طالما يمهر ديوان الدولة كل شئونه، فقط لهم بعض القوانين التي تتناسب مع خصوصيتهم الدينية.
الهوية الماثلة:
توضيح معنى الآخر كان لابد منه، لأن كارين أثنت على الدولة الإسلامية التي أرست لأول مرة النظام الذي به يتمكن أصحاب الشرائع الثلاث من العيش معا في سلام في بقعة تميزت بالتوتر وسوء العلاقة بين اليهود والمسيحيين لمدة تربو على ستة قرون، وهي نفسها التي ألقت باللائمة على المسلمين لأنهم كانوا يؤكدون على أنهم فقط أصحاب الدين التوحيدي الخالص مما أوغر صدور اليهود والمسيحيين وكان رد فعل طبيعي أن يعلو الصوت بالتأكيد على صدق وسمو الهوية الدينية لكل طائفة مما جعل التوتر يسود بين الجميع مرة أخرى.
كانت هذه الفترة من عمر الدولة الإسلامية تموج بالتوتر والصراعات الدامية بين الأمويين العباسيين الذين تمكنوا من الحكم والإقامة في بغداد كعاصمة لهم (765م) بعد دمشق التي ظلت عاصمة للأمويين طيلة حكمهم وكان حتما أن تلقي هذه التداعيات بظلالها على الكل بما في ذلك القدس.
واستنكرت بعد العباسيين عن القدس وزيارتها فقط كشعيرة دينية أثناء الحج، ودون ذلك مرورهم بها شحيحا على النقيض من الأمويين الذين كانوا يقيمون شبه إقامة دائمة فيها ومن ثم يولونها الاهتمام الكبير، واستشهدت كارين في ذلك طلب المسلمين من الخليفة العباسي ترميم الحرم القدسي الذي تهدم أثناء الزلزال فقال لهم لا يوجد أموال لذلك وطلب منهم أن يذيبوا الذهب والفضة لقبة الصخرة لإصلاح ما تهدم (ربما ليزيل أثر من آثار الأمويين)
لم يرد الخليفة طلبهم ولكنه لم يعتني بإرساء الفخامة على البناء كما الأمويين،
العباسيون قاموا بتوسعة المسجد والاعتناء به فيما بعد بيد أنهم لم يتمثلوا فخامة الأمويين.
(الحقيقة أنا أتعجب من استنكار كارين لفعل العباسيين ذلك أن المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة قالت نصا أن الفخامة في كل شيء والارستقراطية في اللبس والرياش ومراسم التشريفة عند استقبال الملوك والأمراء والبعثات الدبلوماسية والاحتفاء بالجيش المنتصر هو ميراث أموي استقته أوروبا من حكام الأندلس)
صحيح أن العباسيين انتهجوا منهج الفخامة وبناء المعاهد العلمية والترجمة ولكن مع الحرص على استقلالهم وفرادتهم بعيدا عن مواطئ الأمويين.
المسجد الأقصى:
وتقول كارين أنه تم تسميته بالمسجد بالأقصى منذ العباسيين وتم ربطه بسيدنا محمد منذ ذلك الحين فهل كارين الراهبة المستشرقة لم تقرأ هذه التسمية في سورة الإسراء قبل إسلام الأمويين والعباسيين؟!!
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
[الإسراء: 1]
ثم تحدثت عن حادثة الإسراء والمعراج وهي غير مصدقة أن سيدنا محمد نفذها بجسده وتدعم رفضها بأنها تعتقد مثل أم المؤمنين عائشة أنه نقل بروحه وليس بجسده ولم تذكر دليلها الذي به علمت هذا الاعتقاد عن السيدة عائشة كي أفند لها بالدليل العلمي فرية هذا الادعاء ولم أقرأ هذا في أي مصدر من قبل فلربما كان مصدره بعض الإسرائيليات، رضي الله عن أمنا عائشة وأرضاها، ثم أنهت حديثها عن تلك الحادثة بأنها ربطت بين مكة والمدينة والقدس ارتباطا أبديا، وتم سك عملة جديدة عام 832م تحمل اسم القدس، وهو الاسم الإسلامي الجديد للمدينة.
المتصوفة يطأون القدس:
ثم أفردت فيضا من مكتوبها بالإعجاب بالمتصوفة الذين لا يرون فرقا بين التعبد في المسجد أو المعبد أو الكنيسة (هذا هو دور المتصوفة طمس وتلبيس الدين على عوام الناس)، وأنهم تجاوزوا تلك المسميات، وكيف هم يقيمون حول المسجد وأنهم بلغوا من الروحانية مبلغا لم يبلغه السواد الأعظم من المسلمين، والمتصوفة الذين ينحدرون بفكرهم المارق من الغنوصية والزرادشتية الهندية وتبناها الشيعة من بعدهم، أحدثوا في الدين ما ليس فيه، وهم خنجر مسموم في يد كل راغب في النيل من الإسلام والمسلمين بنشر البدع والخرافات لصرف الهمم وتثبيط العزائم على خلاف منهج أهل السنة والجماعة، عليهم من الله ما يستحقون.
صراع الهوية:
ظل صراع الهوية محتدم بين أتباع الشرائع الثلاث خاصة المسلمين والمسيحيين، وفي القرن التاسع الميلادي بدأ فرادى من اليهود بالتوافد على القدس من أنحاء شتى للتعجيل بظهور مسيحهم، واعتبر بعض حاخاماتهم أن إهمال المدينة يعد هجرانا للرب ذاته، انقسم اليهود إلى قرائيين لا يتبعون التلمود في صلواتهم ومنهج حياتهم، وربانيون يتبعون التلمود فقط، القرائيون كانوا ينظمون دورات مستمرة للصلاة عند أبواب القدس يندبون فيها خراب مدينتهم باللغات الفارسية والعبرية والعربية وكانوا يعتقدون أن صلاة «ندابي صهيون» ستجبر الرب!! على إرسال مسيحهم المنتظر لإعادة بناء أورشاليم مدينة يهودية خالصة.
كارين ساقت حالات السجال الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، الكتلتان الأكبر بالمدينة، والذي حركته الامبراطورية البيزنطية لمواجهة الإسلام واستعادة القدس أو بالأحرى فلسطين كلها بنزاهة وموضوعية تحسب لها، قد تنحاز عاطفيا تجاه الدين كنصوص ولكنها لم تنحاز تجاه سلوك المسيحيين المدفوعين بعاطفة دينية، فكانت تصرح بخطأ المخطئ من الجانبين، لأنها تعلم أن الاندفاع مستغلا من اليونان التي تدغدغ مشاعرهم الدينية معتبرين ذلك حربا مقدسة على الإسلام مما زاد من توتر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وبالطبع التهمت نيران الفتنة سكان المدينة بكل من بها.
القدس تحت حكم الفاطميين:
ببوصلة العالمة المتحققة لديها أدركت كارين أن الفاطميين قلصوا مدارس السنة في فلسطين تمهيدا لفتح العالم الإسلامي كله لتحويله للمذهب الشيعي، فأنشأوا مراكز للدراسات (دار العلم للترويج للفكر الشيعي، وقاموا بضرب مراكز السنة بقبضة قوية) فقل الأساتذة وانعدمت الحوارات الفكرية وندر تواجد العلماء في المدينة التي كان الشافعي (أحد الأئمة الأربعة) كثير التردد عليها، ومع تولي الحاكم بأمر الله والذي كان أمه مسيحية قد عين خاله بطريركا بالقدس واستبشر المسيحيون بهذا الميل من الخليفة لهم، ولكن نفس الخليفة قام باستفزاز المسيحيين بمصر بأكثر من اجراء، ولم يكن المسلمين أقل حظا من المسيحيين في استفزاز الخليفة لهم فقد أعلن أنه هو تجسيد الإله، وأنه أرسل برسالة جديدة موحاة للبشرية وأحل اسمه بدلا من اسم الله في صلاة الجمعة، فقامت أعمال التمرد والشغب بالقاهرة، وألغى الاجراءات التعسفية تجاه المسيحيين واليهود وأعاد لهم ممتلكاتهم بينما منع المسلمين من صيام رمضان وأداء فريضة الحج وقام بتعذيب المخالف تعذيبا رهيبا وأثناء أعمال الشغب امتطى حماره وذهب في الصحراء ولم يره أحدا بعد ذلك (لماذا اختفي الإله!).
القدس تحت حكم السلاجقة الأتراك:
هؤلاء طائفة من الأتراك النبلاء الذين اعتنقوا الإسلام السني وقد سيطروا على سوريا وما حولها حتى بلغوا القدس فقاموا ببناء بعض المساجد وأزالوا فعل الشيعة وأعادوا تدريس الفقه والحديث وأنشأوا مدارس القرآن مرة أخرى بالمدينة وعاد العلماء والمفكرين للتوافد عليها مثل أبو الفتح ناصر الطرطوشي، العالم الأندلسي العظيم كما وصفته كارين، وفي عام 1095م قدم أبو حامد نصر الغزالي للتعبد والتأمل وفيها كتب كتابه الشهير «إحياء علوم الدين» كما قام الرحالة الأندلسي أبو بكر بن العربي بالإقامة بها ثلاث سنوات، ثم قام المسلمون المؤيدون لحكم الشيعة بالتمرد والثورة على حكم التركمان فأحدثوا الكثير من القلائل والاجراءات التي راح على إثرها ثلاثة آلاف من الموتى، وبالرغم من ذلك فقد حدثت نهضة حقيقية للقدس التي أصبحت أهم مدن فلسطين، ولكن في أغسطس 1098م فتح الخليفة الشيعي الفاضل المدينة مرة أخرى، وبعد أقل من عام أي في يونيو 1099م وصل الصليبيون المسيحيون من أوروبا ورابطوا على التلال خارج أسوار المدينة وحاصروها وهم في حالة من البهجة.
وبدت كارين لي حزينة بوصول الصليبيون، فكم مدحت حلقات العلم والذكر وتعلم الفقه بالمدينة والمناظرات الفكرية بين علماء الدين والمفكرين السنة.
وللحديث بقية إن شاء الله