عنوان النص / "عصافيرُ بلا أجنحة"
بقلم / خلود الشاوي
كنتُ دائما أحلمُ أن اطيرَ كالعصافيرِ والفراشاتِ لأرى جمالَ العالمِ كما تراهُ الطيورُ.
كثيرا ما جلستُ أمامَ نافذتي التي تقعُ في الطابقِ السابع من عمارتِنا السكنيةِ الواقعةِ في قطاعِ غزة التابعة لدولةِ فلسطين المحتلة وأُحدقُ بجمالِ أشجارِ الزينون التي تغفو على حافتي الرصيف.
كررتُ حركاتِ عباس أبن فرناس وهو يحاولُ الطيرانَ بجناحينِ من صُنعهِ لكن محاولاتي باءت بالفشلِ وأنا أقفزُ مِنْ أريكةٍ الى أخرى، مقلدةً إياهُ علّني أطيرُ.
شعورٌ جميلٌ وأنتَ تُحلقُ في الخيالِ وتُبحرُ في الفضاءِ لِترى الأشياء عن بُعد.
ذاتَ يوم ، وجدتُ نفسي أطيرُ عاليا مع مجموعة مِنْ الأطفال وهم يضحكون ويتمازحون ويلعبون في الفضاءِ ،شاهدتُ صديقتي عبير وهدير وليلى وفاطمة وأبن عمي وأخوتي وهم يرتدون ثيابا بيضاءَ كالملائكةِ ، جمالُ المنظرِ جذبني لأنظرَ الى الأسفلِ كي أرى جمالَ العالمِ ورونقهِ كما كنتُ أحلم دائما وإذا بنيرانٍ تتصاعدُ من عمارتِنا التي لم يتبقَ منها أثرٌ الا الركام ودخان يتصاعدٌ الى عنانِ السماءِ لمحتُ أشلائي على الأرض يجمعُها أبي بأكياسٍ بعدما عادَ مِن عملهِ صارخا باكيا على ما حلَّ بنّا مِنْ قتلٍ و دمار بصواريخِ الصهاينةِ .
اعتقدتُ لوهلةٍ أن حلمي أصبح حقيقة لكني أدركتُ بشاعةَ العالمِ ومدى قبحهُ وأنا أبصرهُ من الأعلى.
كل هذا لم يكنْ حلما، بل ارواحُنا التي أٌزهقتْ حلقتْ الى الجنانِ دونَ أجنحةٍ.
تمهيد:
تقدم لنا الكاتبة خلود الشاوي من خلال قصة "طيور بلا أجنحة" نظرة عميقة في الهروب من الواقع المؤلم، والبحث عن جمال الحياة والحرية، وتُبرزُ القصة بشكل مؤثر ما آلت إليه حرب غزة على الأفراد والعائلات، وكيف تؤثر على أحلامهم وطموحاتهم.
الجوانب الجمالية والفنية في قصة "عصافير بلا أجنحة"
- استخدام الصور البصرية: يتميز النص بتوظيف قوي للصور البصرية لإيصال مشاعر الشخصية الرئيسية وتجسيد رغبتها في الحرية والهروب. على سبيل المثال، وصف الطفولة واللحظات السعيدة مع الأصدقاء كـ"طيور تحلق في الفضاء" يُظهر الأمل والبهجة، بينما وصف النيران التي تتصاعد من العمارة المدمرة يعكس الدمار والفقدان.
إنَّ الاستخدام المتقن للصور البصرية يعزز قوة القصة ويساعد في نقل مشاعر بطلة القصة، فمن خلال رغبتها في الطيران والنظر من فوق تظهر رغبتها العميقة في الحرية والهروب من الحياة المحاطة بالدمار والمأساة.
عندما تتحقق أخيرًا رغبة البطلة في القصة - والتي سردت بضمير المتكلم "أنا" - في الطيران ورؤية العالم من فوق، يتم تفجير العمارة وتتبدد أحلامها وأملها في الهروب، مما يؤكد على قسوة الواقع والمأساة التي يعيشها أهل غزة ...
الرمزية والرموز المتكررة: يظهر الطيران كرمز للحرية والهروب من الواقع المؤلم، حيث ترغب الشخصية الرئيسية في التحليق فوق الصراعات والدمار، العمارة المدمرة تعبر عما يقترفه العدو الصهيوني المجرم من دمار وخراب.
التناقضات والمتضادات: استخدمت الكاتبة خلو د الشاوي التناقضات مثل "الأمل واليأس" و "الطموح والفشل" لإضفاء عمق على الشخصية والنص. على سبيل المثال، تحقيق حلم الشخصية الرئيسية في الطيران يتبدد بسرعة عندما تندلع النيران، مما يظهر تناقض ما بين الحلم والواقع.
اللغة والأسلوب السردي: يتميز النص بلغة معبرة وصادقة تنقل المشاعر والأحداث بشكل واقعي. وقد تم استخدام الأسلوب السردي السلس لجذب القارئ وإيجاد تأثير عاطفي قوي، بحيث يشعر القارئ بمعاناة الشخصية ويفهم معنى رغبتها في الحرية والهروب من الجحيم.
التركيب والتداخل: يتم ترتيب النص بشكل متقن ومتسلسل؛ ليحقق تأثيرًا معينًا، حيث يتناوب بين لحظات الأمل والسعادة وبين لحظات اليأس والدمار بشكل متناغم، مما يعزز قوة المفاجآت والتأثير العاطفي على القارئ.
ختامًا: تتميز قصة "عصافيرٌ بِلا أجنِحة" بتقنيات فنية متقنة تساعد في نقل مشاعر الشخصية وإيصال رسالة قوية حول الحرية والحلم في وجه الصراعات والدمار.
كما تعبر القصة بقوة عن الأمل المحطم والحلم المفقود في وجه الظلم والجبروت الصهيوني، وهمجيته التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا.