حليّة ذبيحة الكافر
الخلاصة
ان سياق الآيات المتعلقة بالتذكية والحلية وبيانها التفصيلي والمحكم والأصول الكبرى القرآنية والوجدانية والمقاصدية تبين ان ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة واجب، لكن لو ذبح ولم يذكر اسم الله تعالى لم تحرم الذبيحة وان كان عالما عامدا وان اثم بحال العمد. بمعنى ان ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة واجب لكنه ليسا شرطا في التذكية ولا حليتها.
وان حرمة ما اهل لغير الله به ليس من جهة بطلان التذكية بل من جهة انه فسق وشرك. فالتذكية الذبح اثناء الحياة وتتحقق بكل ذبح ومن كل ذابح. بمعنى اخر ان اسلام الذابح ليس شرطا لا في التذكية ولا في الحلية. ومن هنا فذبيحة الكافر لا تحرم وان لم يذكر اسم الله تعالى عليها بشرط الا تكون عبادة شركية والا يذكر اسم غير الله تعالى عليها.
[HEADING=1]مقدمة[/HEADING]
من الثوابت عند الفقهاء هو حرمة ذبيحة الكافر وان ذكر اسم الله عليها (1)، حتى عدّ خلاف الشوكاني رحمه الله تعالى خرقا للإجماع (2)، لكن في الحقيقة سياق الآيات المتناولة للموضوع والأصول القرآنية المتعلقة به تؤيد القول بحلية ذبيحة الكافر اذا لم يهل بها لغير الله تعالى أي لم يذكر اسم غير الله تعالى عليها. وحرمة ذبيحة المسلم ان ذكر اسم غير الله تعالى عليها مهلا به اليه أي رافعا بها صوته. (3)
ومع ان بحث الأطعمة والذبائح يقع في الفصول الأخيرة في كتب الفقه عادة الا انه من الأبحاث الخطيرة لما يشتمل عليه من تمييز بين المسلمين وغيرهم كالنكاح والارث اجتماعيا واقتصاديا بل وثقافيا أيضا (4) فيكتسب هذا البحث أهمية في عصرنا من هذه الجهة.
ولا بد كمدخل لبحث المسألة هو التفريق بين التذكية وبين حلية الذبيحة فالبعض يتصور انهما امر واحد والحقيقة ليست كذلك فالحلية امر شرعي اما التذكية فامر عرفي قديم يعرفه العرب وغيرهم ولا دخل للشرع فيه وهو مطلق ذبح الحيوان حال حياته (5). ومن هنا لا بد من بحث هذا الأمر من عدة جهات:
الجهة الأولى: اشتراط التسمية في الحلية.
التسمية هنا ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة. وفي اشتراط تسمية المؤمن في حلية ذبيحته ثلاثة اقوال مهمة:
الأول: المؤمن تحل ذبيحته وان لم يسم. (مطلقا).
الثاني: المؤمن لا تحل ذبيحته ان لم يسم (مطلقا)
الثالث: المؤمن تحل ذبيحته ان لم يسم ساهيا ولا تحل ان لم يسم عامدا.
والثالث يعود الى الثاني.
النصوص المتناولة لذلك ومدى دلالتها:
ان المصدق بالاصول الكبرى القرآنية والوجدانية والمقاصدية ان المحرم من الذبيحة هو ما اهل لغير الله به أي ذكر اسم غير الله بذبحه تاليها وتقربا الى الوثن شركا بالله تعالى. وما ذبح ولم يهل لغير الله به؛ أي لم يذكر اسم غير الله عليه فليس حراما مطلقا بمعنى انه وان لم يذكر اسم الله وانما المحرم هو ذكر اسم غير الله وليس عدم ذكر اسم الله. فالذبيحة التي لا يذكر اسم الله عليها لا تحرم. وهذا يصدقه التسخير. وهذا لا علاقة له بالتذكية فالتذكية امر عرفي.
لكن جاء ما يخالف ذلك أي ان ما لم يذكر اسم الله عليه لا يجوز اكله لكن المصدق ان المراد غير الظاهر كما يلي:
لكن بالعرض على الأصول الكبرى فان حقيقية المراد هو عدم ذكر غير الله تعالى، وليس فقط ذكر الله تعالى. والمراد بأنهم لا يذكرون الله تعالى أي يذكرون غيره. وهذا هو بحث الجهة الثانية.
فلدينا معنيان:
الأول: المراد بعدم ذكر اسم الله هو ذكر اسم غيره.
الثاني: المراد يعدم ذكر اسم الله هو ظاهره وليس ذكر اسم غيره.
والأول هو المصدق لأمور:
أولا: التسخير وهو عام لا يخرج منه الا ما ذكر اسم غير الله فانه فسق.
ثانيا: تحليل الطيبات وهو عام لا يخرج منه الا ما ذكر اسم غير الله عليه فانه فسق.
ثالثا: الانعام على العباد وهو عام لا يخرج منه الا ما ذكر اسم غير الله عليه فانه فسق.
رابعا: تحليل طعام اهل الكتاب وهو مصاحب لعدم ذكر اسم الله لكن لا يذكر اسم غيره.
خامسا: قوله تعالى (وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا (بل أسماء اوثانهم عند ذبحها) افْتِرَاءً عَلَيْهِ.) وهذا خطاب للكفار زمن كفرهم.
سادسا: وصف الفسق فانه وصف لما اهل لغير الله به فيكون المعنى من عدم ذكر اسم الله أي ذكر اسم غيره.
سابعا: ان المحرم هو ما اهل لغير الله به ولا محرم غيره ومنه ما لم يذكر اسم الله. فيكون المراد ذكر اسم غيره.
ثامنا: قوله تعالى (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) والمحرم المفصل هو ( ما اهل لغير الله به) وهو المقابل ل (ما ذكر اسم الله عليه) فيكون المراد هو الاعم وهو ما لم يهل لغير الله تعالى.
أقول بعض هذه الوجوه درجة دلالتها قوية. وهي المصدقة.
عرض المعاني:
الأصول
الأصول القرآنية: ما تقدم من تسخير وانعام وتحليل الطيبات،
الأصول الوجدانية: ان المنفي ذكر اسم غير الله نفيا للشرك.
الأصول المقاصدية: هو نفي الشرك وافعاله.
ومن هنا فالمحور والمقصد هو نفي الشرك وافعاله والعادات المتعلقة به، فالمعنى هو المنع من ان يهل الانسان بالذبيحة لغير الله تعالى ويذكر اسم غير الله تعالى، وليس المعنى ان الذبيحة تحرم بترك التسمية وانه لا تكون ذكية بذلك. وهذا هو مبحث الجهة الثالثة.
[HEADING=1]الجهة الثالثة: عدم حرمة الذبيحة بترك التسمية[/HEADING]
قيل بحرمة الذبيحة بترك التسمية مطلقا وقيل بعدم الحرمة بذلك مطلقا واستدل بادلة لكل من القولين فلدينا مجموعتان من الأدلة:
الدليل الاول: لا تحرم الذبيحة بترك التسمية. مطلقا
الدليل الثاني: تحرم الذبيحة بترك التسمية.
ولا بد من تبين الأصول في المسألة:
الأصول القرآنية: العبادة يشترط فيها النية وقصد القربة وليس ذكر الاسم. والفسق هو ما اهل لغير الله به، واما عدم ذكر اسم الله فليس فسقا ولا محرما.
الأصول الوجدانية: الشرك يكون بالتقرب الى غير الله وذكر غير الله تاليها. فالمحرم هو الفسق وهو ذكر اسم غير الله تعالى. واما عدم ذكر اسم الله فليس فسقا محرما. والتذكية امر عرفي وهو الذبح.
الأصول المقاصدية: المقصد الاخلاص وافعال الإخلاص ونفي الشرك وافعال الشرك. فلا قربة الا لله ولا نية ولا قصد لغير الله. فالمحرم هو الفسق وهو ذكر اسم غير الله تعالى. واما عدم ذكر اسم الله فليس فسقا محرما .
فخلاصة الأصول المتفقة ان المحرم والفسق هو ذكر اسم غير الله. فما ورد بذكر اسم الله المراد (عدم ذكر اسم غيره). وهكذا ما لم يذكر اسم الله المراد به (ذكر اسم غيره).
والأدلة
هي المعاني القرآنية المحكمة الموافقة لهذه الأصول وم جاء من روايات موافقة لها، واما المعاني الظاهرية غير المرادة فهي متشابه قرآنا وسنة وارشادا فهي ظن لا تحقق علما. ولا حاجة لذكر الروايات هنا لانها ترجع للمعاني القرآني وليس من قطع مستقل ولعمومات (الحرام ما حرم الله في كتابه) (6،7)
ومن هنا فالدليل الذي دل على ان (عدم ذكر اسم الله) لا يحرم الذبيحة هو المصدق الموافق للأصول. وعليه العمل. وان المحرم للذبيحة هو ذكر اسم غير الله تعالى.. ولا يظهر ابدا مدخلية الشخص ودينه في ذلك، وانما أساس النقاش هو في اشتراط الاسم وعدمه، واما طبيعة الذابح من اسلام وكفر فلا أثر لها وهذا هو مبحث الجهة التالية.
الجهة الرابعة: حلية ذبيحة الكافر
في حلية ذبيحة الكافر وعدمها قولان:
الأول: عدم الحلية وهو المشهور الذي ادعي عليه الاجماع،
الثاني: الحلية وهو ما قاله البعض.
ووفق منهج عرض المعارف على القرآن والمعارف الشرعية الثابتة والوجدان الشرعي والمقاصدية الإسلامية يتبين ما يلي:
الأصول القرآنية: الفسق هو ما اهل لغير الله به، ولا ذكر لشخص الذابح. والتسخير والعطاء شامل للكافر.
الأصول الوجدانية: التذكية امر عرفي وهو الذبح. ولا دخل لشخص الذابح فيها.
الأصول المقاصدية: المقصد الاخلاص وافعال الإخلاص ونفي الشرك وافعال الشرك والمحرم هو الفسق وهو التقرب الى غير الله، وما ذبح وليس فيه ذلك فلا يحرم.
ومن هنا فالمصدق انه لا دخل لشخص الذابح ودينه ومعتقده في حلية الذبيحة او حرمتها فضلا عن تذكيتها الذي هو امر عرفي. والتسخير والتيسير شامل للكافر.
النتيجة
من كل ما تقدم وما يصدقه سياق الآيات وبيانها التفصيلي والمحكم والأصول الكبرى القرآنية والوجدانية والمقاصدية التي تقدم ذكرها يتبين ان ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة واجب، لكن لو ذبح ولم يذكر اسم الله تعالى لم تحرم الذبيحة وان كان عالما عامدا وان اثم بحال العمد ولم تقبل ذبيحته ان كانت نسكا او نذرا ونحوه من العبادة لكنها لا تحرم.
فالمؤمن تحلق ذبيحته وان لم يسم. (مطلقا). وان أثم حال العمد، وهكذا الكتابي بل والكافر لا تحرم ذبيحته وان لم يذكر اسم الله عليها بشرط الا يذكر اسم غيره. فمن ذكر اسم غير الله تعالى على الذبيحة مهلا بها له حرمت وان كان الذابح مسلما.
بمعنى اخر ان اسلام الذابح ليس شرطا في التذكية او الحلية، واما ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة فواجب لكنه ليسا شرطا في التذكية ولا حليتها. وان حرمة ما اهل لغير الله به ليس من جهة بطلان التذكية بل من جهة انه فسق وشرك. فالتذكية الذبح اثناء الحياة وتتحقق بكل ذبح ومن كل ذابح. ومن هنا فذبيحة الكافر لا تحرم وان لم يذكر اسم الله تعالى عليها بشرط الا تكون عبادة شركية والا يذكر اسم غير الله تعالى عليها.
المصادر
الخلاصة
ان سياق الآيات المتعلقة بالتذكية والحلية وبيانها التفصيلي والمحكم والأصول الكبرى القرآنية والوجدانية والمقاصدية تبين ان ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة واجب، لكن لو ذبح ولم يذكر اسم الله تعالى لم تحرم الذبيحة وان كان عالما عامدا وان اثم بحال العمد. بمعنى ان ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة واجب لكنه ليسا شرطا في التذكية ولا حليتها.
وان حرمة ما اهل لغير الله به ليس من جهة بطلان التذكية بل من جهة انه فسق وشرك. فالتذكية الذبح اثناء الحياة وتتحقق بكل ذبح ومن كل ذابح. بمعنى اخر ان اسلام الذابح ليس شرطا لا في التذكية ولا في الحلية. ومن هنا فذبيحة الكافر لا تحرم وان لم يذكر اسم الله تعالى عليها بشرط الا تكون عبادة شركية والا يذكر اسم غير الله تعالى عليها.
[HEADING=1]مقدمة[/HEADING]
من الثوابت عند الفقهاء هو حرمة ذبيحة الكافر وان ذكر اسم الله عليها (1)، حتى عدّ خلاف الشوكاني رحمه الله تعالى خرقا للإجماع (2)، لكن في الحقيقة سياق الآيات المتناولة للموضوع والأصول القرآنية المتعلقة به تؤيد القول بحلية ذبيحة الكافر اذا لم يهل بها لغير الله تعالى أي لم يذكر اسم غير الله تعالى عليها. وحرمة ذبيحة المسلم ان ذكر اسم غير الله تعالى عليها مهلا به اليه أي رافعا بها صوته. (3)
ومع ان بحث الأطعمة والذبائح يقع في الفصول الأخيرة في كتب الفقه عادة الا انه من الأبحاث الخطيرة لما يشتمل عليه من تمييز بين المسلمين وغيرهم كالنكاح والارث اجتماعيا واقتصاديا بل وثقافيا أيضا (4) فيكتسب هذا البحث أهمية في عصرنا من هذه الجهة.
ولا بد كمدخل لبحث المسألة هو التفريق بين التذكية وبين حلية الذبيحة فالبعض يتصور انهما امر واحد والحقيقة ليست كذلك فالحلية امر شرعي اما التذكية فامر عرفي قديم يعرفه العرب وغيرهم ولا دخل للشرع فيه وهو مطلق ذبح الحيوان حال حياته (5). ومن هنا لا بد من بحث هذا الأمر من عدة جهات:
الجهة الأولى: اشتراط التسمية في الحلية.
التسمية هنا ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة. وفي اشتراط تسمية المؤمن في حلية ذبيحته ثلاثة اقوال مهمة:
الأول: المؤمن تحل ذبيحته وان لم يسم. (مطلقا).
الثاني: المؤمن لا تحل ذبيحته ان لم يسم (مطلقا)
الثالث: المؤمن تحل ذبيحته ان لم يسم ساهيا ولا تحل ان لم يسم عامدا.
والثالث يعود الى الثاني.
النصوص المتناولة لذلك ومدى دلالتها:
- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) [البقرة 172-173]
- قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) (الانعام 145)
- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) [المائدة ٣]
ان المصدق بالاصول الكبرى القرآنية والوجدانية والمقاصدية ان المحرم من الذبيحة هو ما اهل لغير الله به أي ذكر اسم غير الله بذبحه تاليها وتقربا الى الوثن شركا بالله تعالى. وما ذبح ولم يهل لغير الله به؛ أي لم يذكر اسم غير الله عليه فليس حراما مطلقا بمعنى انه وان لم يذكر اسم الله وانما المحرم هو ذكر اسم غير الله وليس عدم ذكر اسم الله. فالذبيحة التي لا يذكر اسم الله عليها لا تحرم. وهذا يصدقه التسخير. وهذا لا علاقة له بالتذكية فالتذكية امر عرفي.
لكن جاء ما يخالف ذلك أي ان ما لم يذكر اسم الله عليه لا يجوز اكله لكن المصدق ان المراد غير الظاهر كما يلي:
- وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) ( الانعام 138). ت والمعنى ان عدم ذكر اسم الله يعني ذكر اسم غيره. فانه للتعبد والتدين ولا يكفي عدم ذكر اسم فقط. وبهذا البيان يفهم باقي الايات.
- فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) ( الانعام 118- 121) ت هنا قرينتان تدلان على ان (ما ذكر اسم الله عليه) هو ما لم يهل لغير الله به، الأولى ان الحرام المفصل هو (ما اهل لغير الله به هو الحرام) والثانية (ان الفسق هو ما اهل لغير الله). فهذا كالنص ان المراد ب (ذكر اسم الله عليه) خاص اريد به العام وهو (ما لم يذكر اسم غير الله). وان (ما لم يذكر اسم الله) المعنى (ما ذكر اسم غير الله).
- الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) (المائدة 5). ت وهو كالنص ان عدم ذكر اسم الله ليس سببا لحرمة.
- وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36 ( الحج 36).
- يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) (المائدة 4).
لكن بالعرض على الأصول الكبرى فان حقيقية المراد هو عدم ذكر غير الله تعالى، وليس فقط ذكر الله تعالى. والمراد بأنهم لا يذكرون الله تعالى أي يذكرون غيره. وهذا هو بحث الجهة الثانية.
- الجهة الثانية: معنى ذكر اسم الله
فلدينا معنيان:
الأول: المراد بعدم ذكر اسم الله هو ذكر اسم غيره.
الثاني: المراد يعدم ذكر اسم الله هو ظاهره وليس ذكر اسم غيره.
والأول هو المصدق لأمور:
أولا: التسخير وهو عام لا يخرج منه الا ما ذكر اسم غير الله فانه فسق.
ثانيا: تحليل الطيبات وهو عام لا يخرج منه الا ما ذكر اسم غير الله عليه فانه فسق.
ثالثا: الانعام على العباد وهو عام لا يخرج منه الا ما ذكر اسم غير الله عليه فانه فسق.
رابعا: تحليل طعام اهل الكتاب وهو مصاحب لعدم ذكر اسم الله لكن لا يذكر اسم غيره.
خامسا: قوله تعالى (وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا (بل أسماء اوثانهم عند ذبحها) افْتِرَاءً عَلَيْهِ.) وهذا خطاب للكفار زمن كفرهم.
سادسا: وصف الفسق فانه وصف لما اهل لغير الله به فيكون المعنى من عدم ذكر اسم الله أي ذكر اسم غيره.
سابعا: ان المحرم هو ما اهل لغير الله به ولا محرم غيره ومنه ما لم يذكر اسم الله. فيكون المراد ذكر اسم غيره.
ثامنا: قوله تعالى (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) والمحرم المفصل هو ( ما اهل لغير الله به) وهو المقابل ل (ما ذكر اسم الله عليه) فيكون المراد هو الاعم وهو ما لم يهل لغير الله تعالى.
أقول بعض هذه الوجوه درجة دلالتها قوية. وهي المصدقة.
عرض المعاني:
الأصول
الأصول القرآنية: ما تقدم من تسخير وانعام وتحليل الطيبات،
الأصول الوجدانية: ان المنفي ذكر اسم غير الله نفيا للشرك.
الأصول المقاصدية: هو نفي الشرك وافعاله.
ومن هنا فالمحور والمقصد هو نفي الشرك وافعاله والعادات المتعلقة به، فالمعنى هو المنع من ان يهل الانسان بالذبيحة لغير الله تعالى ويذكر اسم غير الله تعالى، وليس المعنى ان الذبيحة تحرم بترك التسمية وانه لا تكون ذكية بذلك. وهذا هو مبحث الجهة الثالثة.
[HEADING=1]الجهة الثالثة: عدم حرمة الذبيحة بترك التسمية[/HEADING]
قيل بحرمة الذبيحة بترك التسمية مطلقا وقيل بعدم الحرمة بذلك مطلقا واستدل بادلة لكل من القولين فلدينا مجموعتان من الأدلة:
الدليل الاول: لا تحرم الذبيحة بترك التسمية. مطلقا
الدليل الثاني: تحرم الذبيحة بترك التسمية.
ولا بد من تبين الأصول في المسألة:
الأصول القرآنية: العبادة يشترط فيها النية وقصد القربة وليس ذكر الاسم. والفسق هو ما اهل لغير الله به، واما عدم ذكر اسم الله فليس فسقا ولا محرما.
الأصول الوجدانية: الشرك يكون بالتقرب الى غير الله وذكر غير الله تاليها. فالمحرم هو الفسق وهو ذكر اسم غير الله تعالى. واما عدم ذكر اسم الله فليس فسقا محرما. والتذكية امر عرفي وهو الذبح.
الأصول المقاصدية: المقصد الاخلاص وافعال الإخلاص ونفي الشرك وافعال الشرك. فلا قربة الا لله ولا نية ولا قصد لغير الله. فالمحرم هو الفسق وهو ذكر اسم غير الله تعالى. واما عدم ذكر اسم الله فليس فسقا محرما .
فخلاصة الأصول المتفقة ان المحرم والفسق هو ذكر اسم غير الله. فما ورد بذكر اسم الله المراد (عدم ذكر اسم غيره). وهكذا ما لم يذكر اسم الله المراد به (ذكر اسم غيره).
والأدلة
هي المعاني القرآنية المحكمة الموافقة لهذه الأصول وم جاء من روايات موافقة لها، واما المعاني الظاهرية غير المرادة فهي متشابه قرآنا وسنة وارشادا فهي ظن لا تحقق علما. ولا حاجة لذكر الروايات هنا لانها ترجع للمعاني القرآني وليس من قطع مستقل ولعمومات (الحرام ما حرم الله في كتابه) (6،7)
ومن هنا فالدليل الذي دل على ان (عدم ذكر اسم الله) لا يحرم الذبيحة هو المصدق الموافق للأصول. وعليه العمل. وان المحرم للذبيحة هو ذكر اسم غير الله تعالى.. ولا يظهر ابدا مدخلية الشخص ودينه في ذلك، وانما أساس النقاش هو في اشتراط الاسم وعدمه، واما طبيعة الذابح من اسلام وكفر فلا أثر لها وهذا هو مبحث الجهة التالية.
الجهة الرابعة: حلية ذبيحة الكافر
في حلية ذبيحة الكافر وعدمها قولان:
الأول: عدم الحلية وهو المشهور الذي ادعي عليه الاجماع،
الثاني: الحلية وهو ما قاله البعض.
ووفق منهج عرض المعارف على القرآن والمعارف الشرعية الثابتة والوجدان الشرعي والمقاصدية الإسلامية يتبين ما يلي:
الأصول القرآنية: الفسق هو ما اهل لغير الله به، ولا ذكر لشخص الذابح. والتسخير والعطاء شامل للكافر.
الأصول الوجدانية: التذكية امر عرفي وهو الذبح. ولا دخل لشخص الذابح فيها.
الأصول المقاصدية: المقصد الاخلاص وافعال الإخلاص ونفي الشرك وافعال الشرك والمحرم هو الفسق وهو التقرب الى غير الله، وما ذبح وليس فيه ذلك فلا يحرم.
ومن هنا فالمصدق انه لا دخل لشخص الذابح ودينه ومعتقده في حلية الذبيحة او حرمتها فضلا عن تذكيتها الذي هو امر عرفي. والتسخير والتيسير شامل للكافر.
النتيجة
من كل ما تقدم وما يصدقه سياق الآيات وبيانها التفصيلي والمحكم والأصول الكبرى القرآنية والوجدانية والمقاصدية التي تقدم ذكرها يتبين ان ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة واجب، لكن لو ذبح ولم يذكر اسم الله تعالى لم تحرم الذبيحة وان كان عالما عامدا وان اثم بحال العمد ولم تقبل ذبيحته ان كانت نسكا او نذرا ونحوه من العبادة لكنها لا تحرم.
فالمؤمن تحلق ذبيحته وان لم يسم. (مطلقا). وان أثم حال العمد، وهكذا الكتابي بل والكافر لا تحرم ذبيحته وان لم يذكر اسم الله عليها بشرط الا يذكر اسم غيره. فمن ذكر اسم غير الله تعالى على الذبيحة مهلا بها له حرمت وان كان الذابح مسلما.
بمعنى اخر ان اسلام الذابح ليس شرطا في التذكية او الحلية، واما ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة فواجب لكنه ليسا شرطا في التذكية ولا حليتها. وان حرمة ما اهل لغير الله به ليس من جهة بطلان التذكية بل من جهة انه فسق وشرك. فالتذكية الذبح اثناء الحياة وتتحقق بكل ذبح ومن كل ذابح. ومن هنا فذبيحة الكافر لا تحرم وان لم يذكر اسم الله تعالى عليها بشرط الا تكون عبادة شركية والا يذكر اسم غير الله تعالى عليها.
المصادر
- الأدلة على تحريم ذبيحة الكافر غير الكتابي والرد على من خالف ذلك. اسلام ويب.
- كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ص 711.
- جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج ٢ - الصفحة ١١٦
- العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين، من تأليف محمود محمد علي أمين الزمناكويي ص295
- لسان العرب - ابن منظور - ج ١٤ - الصفحة ٢٨٨
- السنن الكبرى للبيهقي ج10 صفحة 21
- تهذيب الاحكام الشيخ الطوسي ج9 صفحة 18