عنوان هذه المقالة واضحٌ وضوح الشمس. ممارسة السياسة، في حد ذاتِها، كلها نقاش dialogue. وما خُلِقت السياسة إلا لمناقشة قضايا الشعوب بجميع أشكالها وأنواعها. وهنا، يجب التَّمييزُ بين ما يسمى السياسة الداخلية والسياسة الخارجية. السياسة الداخلية، هي السياسة التي تنهجها حكومة بلد معيَّنٍ لتدبير الشأن العام الخاص بهذا البلد. أما السياسة الخارجية، فهي عبارة عن ما تتَّبعه بلادٌ ما من خطواتٍ لربط علاقات، على بعض المستويات أو على جميع المستويات، مع بلد أو مع عدَّة بلدان.
والسياسة هي مصدر ساسَ/يسوسُ، أي سيَّرَ أو دبَّر شؤونَ بلدٍ ما. وشؤون البلد لها أبعادٌ مختلفةٌ، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، صناعية، زراعية، قانونية، مالية… ولهذا، فالنقاش السياسي، هو الآخر، متعدِّد الأبعاد. وكل النقاشات المتعدِّدة الأبعاد تصب، في نهاية المطاف، في تنمية البلاد وتقدّّمها. وتنمية البلدان لا تتوقَّف عند مستوى معيَّن. بل التنمية سياقٌ تصاعُدي، بمعنى أن المرحلةَ التي يسعى النقاش السياسي إلى تحقيقِها يجب أن تكونَ أحسن من التي سبقتها وهكذا.
ولهذا، فالنقاش السياسي قد لا ينتهي ولن ينتهيَ ما دامت القضايا المطروحة للنقاش، داخليا وخارجيا، لا تنتهي. قد يستغرق هذا النقاش سنواتٍ طِوالاً، كما كان الشأنُ، مثلا على المستوى الدولي، ولا يزال، بالنسبة لنزع السلاح بين الغرب الليبرالي والشرق الشيوعي أو الاشتراكي.
وبما أن النقاشَ أو الحوار لا ينتهي، أُنشِئت، من أجل القيام به، الأحزاب السياسية والبرلمانات. الأحزاب السياسية التي تصل إلى البرلمان عن طريق الانتخابات، هي التي تقوم بهذا النقاش الذي، في نهاية المطاف، يؤدي إلى صياغة قوانين يُنظَّمُ بواسطتها الشأنُ العام.
ومن المعروف أن الأحزاب السياسية لها توجٌّهات إيديولوجية مختلفة. كل حزبٍ، انطلاقا من مرجعيتِه الإيديولوجية، له تيار فكري خاص به وله مبادئ خاصة به. إما أن يكونَ يمينيا أو يمينيا متطرفا أو يساريا أو يساريا متطرف أو وسطيا أو له مرجعية دينية. وداخل كل توجُّهٍ إيديولوجي، يمكن أن يكونَ الحزب ليبراليا libéral، اشتراكيا socialiste، شيوعيا communiste، معتدلا modéré، إسلامويا islamiste، محافظا conservateur، إصلاحيا réformiste…
كل هذه الأحزاب السياسية مستعدة للدخول في نقاش قضايا الوطن إلا الأحزاب ذات المرجعية الدينية التي تريد إقحامَ الدين في السياسة، لكن دون أن تقبل مناقشة الأمور الدينية القابلة للنقاش.
وحينما أقول الأمور الدينية القابلة للنقاش، المقصود هو الأمور الدينية التي يمكن أن تتغيَّرَ دون أن يطرأَ أي تغيير على عقيدة الناس وإيمانهم. وبعبارة أخرى، عندما أتحدَّث عن نقاش الأمور الدينية، فالمقصود هو النقاش الذي لا يزعزع عقيدةَ الناس وإيمانَهم. والأمثلة كثيرةٌ في هذا الشأن، أذكرُ من بينها، تحديدُ سن زواج الفتاة، ولاية المرأة المُطلَّقة على أولادها القاصرين، تجريم تعنيف المرأة المزوَّجة من طرف زوجها، حرية العقيدة المنصوص عليها في القرآن الكريم، تعدٌّد الزوجات…
السؤال الذي يفرض نفسَه علينا هنا، هو : "فما هي الأسباب التي تجعل الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية تريد الوصول إلى السلطة دون أن تُطرحَ على طاولة النقاش قضايا دينية قابلة للتغيير"؟ من بين هذه الأسباب، أذكر على الخصوص :
1.الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية تدَّعي أنها تُمارس السياسة، من منظور ديني، بوصاية من الله. بينما، عندما نقرأ القرآن الكريم، نلاحظ أن هذا القرآنَ موجَّهٌ للبشرية جمعاء وليس لفئة من الناس دون أخرى. الله، في قرآنه الكريم أوصى بكل شيءٍ إلا أن ينوبَ عنه بشرٌ، من بعد الرسل، في تدبير شؤون الناس. الله أوصى بالإحسان للوالدين والمساكين والفقراء. وأوصى بالنَّهي عن المنكر والأمر بالمعروف، وأوصى بالعدل والقسط والإنصاف، وأوصى باتِّباع الصراط المستقيم… وكل ما أوصى به، سبحانه وتعالى، في القرآن موجَّه لجميع الناس عسى أن يهتدوا أو أن لا يهتدوا.
وحتى الرسل الذين بعثهم الله للبشر ليُخرجوهم من ظلمات الجهل إلى نور الحق والإيمان، اختارهم، سبحانه وتعالى، ليُبلَّغوا للناس ما يوحَى إليهم، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى:
-"إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" (النساء، 163).
-"وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" (النحل، 35).
2.الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية تريد أن يعودَ الإسلام السياسي إلى الواجهة كما كان يُمارَس في الماضي على شكل "خلافة"، في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة وفي عهد الأمويين والعباسيين والخلفاء والملوك الذين جاءوا من بعدهم إلى أن أُلغِيت الخلافةُ، بصفة نهائية، من طرف مصطفى كمال أتاترك سنة 1924.
الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية تريد استرجاعَ الخلافة كنظامٍ للحكم، بينما الله، سبحانه وتعالى، يقول لنا، من خلال الآية رقم 140 من سورة آل عمران أن أحوالَ الناس تتغيَّر بتغيير ظروف الزمان والمكان.: "...وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ…، أي ما كان في صالح الناس بالأمس قد لا يكون في صالحهم اليوم وغدا. في هذه الآية، كلمة "الأيام" تعبِّر عن الزمان والمكان، بينما كلمة "نداولها" تعني ننقلها بين الناس بخيرها وشرها.
الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية تتجاهل ما قاله الله في كتابه الكريم وتُلحُّ على ما تراه مناسبا لأفكارها التي تريد أن تفرضَها على الناس عن طريق الديمقراطية التي لا تعترف بها على الإطلاق.
ولا داعيَ للقول إن الأحزاب السياسية تعرف، حق المعرفة، أن التَّديُّنَ، عند شريحة عريضة من الناس، مقترنٌ بالعاطفة قبل أن يقترنَ بالعقل. فإن هذه الأحزاب تستغل هذا الجانب لاستمالة هذه الشريحة من الناس، غير آبهةٍ بأن هذا التَّصرُّف لاأخلاقي ولا يليق بأحزاب تدَّعي أن لها مرجعية دينية.
ما يهمُّ الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية، هو الوصولُ إلى السلطة وفرضُ أفكارها على الناس. ولهذا، نراها تتنكَّر لكل ما لا يناسب أفكارَها ولو كان من عند الله. مثلا، لماذا لا تعمل الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية بما أراده الله، سبحانه وتعالى، حينما يقول :
1."لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ…" (البقرة، 256).
2."وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس، 99).
3."وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا…" (الكهف، 29).
الأحزاب السياسية لها هدفٌ واحدٌ يتمثَّل في إعادة الإسلام السياسي للواجهة، ومن خلاله، فرض أفكارها على الناس. في هذه الحالة، فهذه الأحزاب تتناقض مع نفسها حينما تقول إنها تمارس السياسةَ بوصايةٍ من الله.
قد يقول قائل إن الأحزابَ السياسيةَ المتنافسة على الوصول إلى السلطة، هي الأخرى، هدفُها هو فرض أفكارها على الناس. هذا صحيحٌ. لكن، على الأقل، هذه الأحزاب لا تستعمل الدينَ كمطية للوصول إلى السلطة.
وفي نهاية المطاف، المواطنات والمواطنون، هم مَن تقع على عاتقهم مسئولية اختيار هذا الحزب أو ذاك لينوبَ عنهم في البرلمان والحكومة. وفي نهاية المطاف، كذلك، فليُترَكِ الدينُ للفرد والمواطنة للجميع. لماذا؟
لأن الدين فرَّقه علماءُه وفقهاءُه إلى مذاهب وطوائف وفِرقٍ متناحرة. فليُترك التناحرُ للسياسة بمعناها النبيل الذي يرتكز، أساسا، على المنافسة الشريفة. أما الدين، فهو واحد، كما أراده الله للعباد منذ نوح عليه السلام إلى آخِر الأنبياء والرسل محمد (ص).
والسياسة هي مصدر ساسَ/يسوسُ، أي سيَّرَ أو دبَّر شؤونَ بلدٍ ما. وشؤون البلد لها أبعادٌ مختلفةٌ، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، صناعية، زراعية، قانونية، مالية… ولهذا، فالنقاش السياسي، هو الآخر، متعدِّد الأبعاد. وكل النقاشات المتعدِّدة الأبعاد تصب، في نهاية المطاف، في تنمية البلاد وتقدّّمها. وتنمية البلدان لا تتوقَّف عند مستوى معيَّن. بل التنمية سياقٌ تصاعُدي، بمعنى أن المرحلةَ التي يسعى النقاش السياسي إلى تحقيقِها يجب أن تكونَ أحسن من التي سبقتها وهكذا.
ولهذا، فالنقاش السياسي قد لا ينتهي ولن ينتهيَ ما دامت القضايا المطروحة للنقاش، داخليا وخارجيا، لا تنتهي. قد يستغرق هذا النقاش سنواتٍ طِوالاً، كما كان الشأنُ، مثلا على المستوى الدولي، ولا يزال، بالنسبة لنزع السلاح بين الغرب الليبرالي والشرق الشيوعي أو الاشتراكي.
وبما أن النقاشَ أو الحوار لا ينتهي، أُنشِئت، من أجل القيام به، الأحزاب السياسية والبرلمانات. الأحزاب السياسية التي تصل إلى البرلمان عن طريق الانتخابات، هي التي تقوم بهذا النقاش الذي، في نهاية المطاف، يؤدي إلى صياغة قوانين يُنظَّمُ بواسطتها الشأنُ العام.
ومن المعروف أن الأحزاب السياسية لها توجٌّهات إيديولوجية مختلفة. كل حزبٍ، انطلاقا من مرجعيتِه الإيديولوجية، له تيار فكري خاص به وله مبادئ خاصة به. إما أن يكونَ يمينيا أو يمينيا متطرفا أو يساريا أو يساريا متطرف أو وسطيا أو له مرجعية دينية. وداخل كل توجُّهٍ إيديولوجي، يمكن أن يكونَ الحزب ليبراليا libéral، اشتراكيا socialiste، شيوعيا communiste، معتدلا modéré، إسلامويا islamiste، محافظا conservateur، إصلاحيا réformiste…
كل هذه الأحزاب السياسية مستعدة للدخول في نقاش قضايا الوطن إلا الأحزاب ذات المرجعية الدينية التي تريد إقحامَ الدين في السياسة، لكن دون أن تقبل مناقشة الأمور الدينية القابلة للنقاش.
وحينما أقول الأمور الدينية القابلة للنقاش، المقصود هو الأمور الدينية التي يمكن أن تتغيَّرَ دون أن يطرأَ أي تغيير على عقيدة الناس وإيمانهم. وبعبارة أخرى، عندما أتحدَّث عن نقاش الأمور الدينية، فالمقصود هو النقاش الذي لا يزعزع عقيدةَ الناس وإيمانَهم. والأمثلة كثيرةٌ في هذا الشأن، أذكرُ من بينها، تحديدُ سن زواج الفتاة، ولاية المرأة المُطلَّقة على أولادها القاصرين، تجريم تعنيف المرأة المزوَّجة من طرف زوجها، حرية العقيدة المنصوص عليها في القرآن الكريم، تعدٌّد الزوجات…
السؤال الذي يفرض نفسَه علينا هنا، هو : "فما هي الأسباب التي تجعل الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية تريد الوصول إلى السلطة دون أن تُطرحَ على طاولة النقاش قضايا دينية قابلة للتغيير"؟ من بين هذه الأسباب، أذكر على الخصوص :
1.الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية تدَّعي أنها تُمارس السياسة، من منظور ديني، بوصاية من الله. بينما، عندما نقرأ القرآن الكريم، نلاحظ أن هذا القرآنَ موجَّهٌ للبشرية جمعاء وليس لفئة من الناس دون أخرى. الله، في قرآنه الكريم أوصى بكل شيءٍ إلا أن ينوبَ عنه بشرٌ، من بعد الرسل، في تدبير شؤون الناس. الله أوصى بالإحسان للوالدين والمساكين والفقراء. وأوصى بالنَّهي عن المنكر والأمر بالمعروف، وأوصى بالعدل والقسط والإنصاف، وأوصى باتِّباع الصراط المستقيم… وكل ما أوصى به، سبحانه وتعالى، في القرآن موجَّه لجميع الناس عسى أن يهتدوا أو أن لا يهتدوا.
وحتى الرسل الذين بعثهم الله للبشر ليُخرجوهم من ظلمات الجهل إلى نور الحق والإيمان، اختارهم، سبحانه وتعالى، ليُبلَّغوا للناس ما يوحَى إليهم، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى:
-"إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" (النساء، 163).
-"وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" (النحل، 35).
2.الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية تريد أن يعودَ الإسلام السياسي إلى الواجهة كما كان يُمارَس في الماضي على شكل "خلافة"، في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة وفي عهد الأمويين والعباسيين والخلفاء والملوك الذين جاءوا من بعدهم إلى أن أُلغِيت الخلافةُ، بصفة نهائية، من طرف مصطفى كمال أتاترك سنة 1924.
الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية تريد استرجاعَ الخلافة كنظامٍ للحكم، بينما الله، سبحانه وتعالى، يقول لنا، من خلال الآية رقم 140 من سورة آل عمران أن أحوالَ الناس تتغيَّر بتغيير ظروف الزمان والمكان.: "...وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ…، أي ما كان في صالح الناس بالأمس قد لا يكون في صالحهم اليوم وغدا. في هذه الآية، كلمة "الأيام" تعبِّر عن الزمان والمكان، بينما كلمة "نداولها" تعني ننقلها بين الناس بخيرها وشرها.
الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية تتجاهل ما قاله الله في كتابه الكريم وتُلحُّ على ما تراه مناسبا لأفكارها التي تريد أن تفرضَها على الناس عن طريق الديمقراطية التي لا تعترف بها على الإطلاق.
ولا داعيَ للقول إن الأحزاب السياسية تعرف، حق المعرفة، أن التَّديُّنَ، عند شريحة عريضة من الناس، مقترنٌ بالعاطفة قبل أن يقترنَ بالعقل. فإن هذه الأحزاب تستغل هذا الجانب لاستمالة هذه الشريحة من الناس، غير آبهةٍ بأن هذا التَّصرُّف لاأخلاقي ولا يليق بأحزاب تدَّعي أن لها مرجعية دينية.
ما يهمُّ الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية، هو الوصولُ إلى السلطة وفرضُ أفكارها على الناس. ولهذا، نراها تتنكَّر لكل ما لا يناسب أفكارَها ولو كان من عند الله. مثلا، لماذا لا تعمل الأحزاب السياسية ذات مرجعية دينية بما أراده الله، سبحانه وتعالى، حينما يقول :
1."لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ…" (البقرة، 256).
2."وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس، 99).
3."وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا…" (الكهف، 29).
الأحزاب السياسية لها هدفٌ واحدٌ يتمثَّل في إعادة الإسلام السياسي للواجهة، ومن خلاله، فرض أفكارها على الناس. في هذه الحالة، فهذه الأحزاب تتناقض مع نفسها حينما تقول إنها تمارس السياسةَ بوصايةٍ من الله.
قد يقول قائل إن الأحزابَ السياسيةَ المتنافسة على الوصول إلى السلطة، هي الأخرى، هدفُها هو فرض أفكارها على الناس. هذا صحيحٌ. لكن، على الأقل، هذه الأحزاب لا تستعمل الدينَ كمطية للوصول إلى السلطة.
وفي نهاية المطاف، المواطنات والمواطنون، هم مَن تقع على عاتقهم مسئولية اختيار هذا الحزب أو ذاك لينوبَ عنهم في البرلمان والحكومة. وفي نهاية المطاف، كذلك، فليُترَكِ الدينُ للفرد والمواطنة للجميع. لماذا؟
لأن الدين فرَّقه علماءُه وفقهاءُه إلى مذاهب وطوائف وفِرقٍ متناحرة. فليُترك التناحرُ للسياسة بمعناها النبيل الذي يرتكز، أساسا، على المنافسة الشريفة. أما الدين، فهو واحد، كما أراده الله للعباد منذ نوح عليه السلام إلى آخِر الأنبياء والرسل محمد (ص).