قال المتنبي :
ودون سميساط المطامير والملا * وأودية مجهولة وهجول
وخاف المتنبي من اقتحام هذه الأودية المجهولة المظلمة لجهله بما فيها من الخير أو معرفته ما بالشر فيها ؛ وقديماً قيل : من جهل شيئاً عاداه؛ وربما جهل المتنبي الخير الذي أباه في هذه الهجول المجهولة؛ كما أبيته أنا حين حفظت قول لبيد بن ربيعة :
وجلا السيول عن الطلول كأنها * زبر تجد متونها أقلامها
فمنعني حفظي للشعر القديم حفظ الشعر المحدث والانتباه للشعراء الجُدُدِ لما فيه من أودية مجهولة وهجول؛ ففات عليَّ الكثير من الخير بلا شك.
الشعر والشعراء يتجهون نحو كتابة الشعر من أجل القيم الإنسانية الرفيعة بلا ريب ولإقامة دولة الإنسان رغماً عن صرامة الدهور وعنت الحياة واعتقال الشعراء المعارضين السياسيين وزجهم في أتون أركان حقيرة بأقصى أركان السجون المعتمة من أجل كلمة عبَّرت عن قضايا فكرية إنسانية طبيعية لمجتمعاتهم بإحساس وقع الكلمة على المتلقي وأثرها في تغيير حركة الحياة أو قل : سباحتها ضد التيار الفكري القائم لنشاطهم بعامَّة ؛ وليس ببعيد عن الأذهان والأعين ما حدث لبشار بن برد حين قُتِلَ صبراً ورُميت جثته في نهر دجلة لتهمة لم يرتكبها ولكنه قالها فاتُّهِمَ بالزندقة ومعاداة النظام الحاكم والديمقراطية المنزلة من السماء فتليت عليه تهمته لا ليعترف بها لكن ليساق إلى الناس أنه مجرم واقترف جريرة بحق حرية الرأي والتعبير والشعب المغلوب على أمره وعظة لمن يتعظ وعبرة لمن يعتبر؛ فسأله النَطَّاع؛ ألست القائل :
والشيخ لا يترك عاداته * حتى يوارى في ثرى رمسه
فقال : نعم! ولكني لست زنديقاً.
قال : أولست القائل :
أبا نهيا رأسي علي ثقيل * واحتمال الرأسين عبء ثقيل
فادع غيري إلى عبادة ربيــــــ * ن فإني بواحد مشغول
قال : نعم ! لكني لست زنديقاً.
قالوا : فأخذه النطَّاع على حين غِرَّة فضربه بالسيف بعد أن جلد ألف سوط بلا رحمة ؛ وقالوا : كفى بك زندقة هذا الذي تقول.
لا يخفى على ذي بصيرة من اطَّلع على شعر المتنبي الذي قُتِلَ أيضاً بدير العاقول من أجل بيت شعر هو قاله ولم يخرج من إطار اللباقة وحسن الأدب ونظم الشعر؛ كما لم يكن معارضاً سياسياً وإن كان طالب ملك حين هجا فاتكاً الأسدي فقال :
قد أنصف القوم ضبة * وإن أمه لطرطبه
فاقتيد كما اقتيد عبد بني الحساس وهو أشعر الناس إلى حتفه؛ وقد اتهموه بمحاولة الإنقلاب على السلطة الدستورية المستلبة من الشعب بأمر الدين والنظام الحاكم عند الاخشيديين وعند أمراء العراق من الحَمْدَانيين وذلك حينما وُشِيَ به أمام سيف الدولة الحَمْدَانِيُ من نظيره أبي فراس الحَمْدَانِي منافسه على رضاء الأمير؛ فقال له غلامه يستفزه على القتال ؛ أولست القائل :
الخيل والليل والبيداء تعرفني * والسيف والرمح والقرطاس والقلم
قال : نعم ! قتلتني قاتلك الله ! .
فأخذه مولاه لحتفه فقُتِل .
أنا قدَّمتُ بهذه الطريقة للشاعر المَثَّال الكبير : منعم رحمه / عبد المنعم محمد رحمة الله ، المولود في أول يناير 1960 بالحصاحيصا إحدى قرى المديرية الوسطى بالسودان وتعود جذوره لقبيلة الجعليين من منطفة الزيداب بمديرية نهر النيل الدامر ، المتخرج في كلية التجارة قسم المحاسبة المالية بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ، كاتب وشاعر ومسرحي وفنَّان وصحافي وناشط في مجال حقوق الإنسان ، المعارض السياسي لأنظمة الحكم الديكتاتوري الشمولي منذ حكومة مايو والمحكوم عليه بالإعدام بتهمة المعارضة السياسية لنظام نميري والبشير برقم المادة الجنائية للقانون السوداني " أنت شاعر " المقيم بين إثيوبيا وباريس صاحب ديوان " الميمان" وديوان " النزهي أبجد ود فطين المدوناتي " وديوان " مسدار الدرجو فصيح" ؛ والذي كان عضواً في الحركة الشعبية لتحرير السودان وناضل وكافح من أجل السودان الجديد وحماية منفستو الحركة الشعبية في وحدة السودان ،- هل يعتبر منعم رحمه ؛ معارضاً سياسياً يستحق النفي والتغفيل والتجهيل والهجول من الإعلام السوداني ؟ أنا لا أملك الإجابة؛ يمكنكم إلصاق تهمة الزندقة لأنَّه شاعر صاحب قضية وطنية وإنسانية عليه ، أو الحكم عليه بالوطنية المحضة حسب ما فهمتم من المقدمة عاليه - ومن أجل الخبز الحرية والتغيير والديمقراطية المنتخب من الشعب إلى الشعب؛ فنفي إلى أصقاع الكوكب بإرادته أم بغصب عنه؛ لأنه من ذات الشاكلة المغلوبة على أمرها؛ وليس أمر الشاعر الأستاذ الكريم / أزهري محمد علي؛ ببعيد عن الأذهان والأعين بعد تجربته الثورية لنظام الأسلمة الشمولية الإجبارية ؛ هذا؛ وفي الحالتين ترك لنا منعم رحمه أغنية الخلود الإنساني فقال :
لَمْ تَعُدْ تَأْخُذُ شَكْلَ غَزَّةَ أَوْ اَلضَّفَّةِ أَوْ اَلْقُدْسِ اَلْقَدِيمَةِ
لَمْ تَعُدْ كُوفِيَّةُ سَوْدَاء ، خَارِطَةٌ . . .
ضَيْعَةُ زَيْتُونٍ وَ زَعْتَرٍ
لَمْ تَعُدْ رَسْمًا لِأَرْضٍ ، لَمْ تَعُدْ اِسْمًا لِشَعْبٍ . . .
لَمْ تُقِلْ اَلْقَوَامِيسُ اَلْمَرَاجِعَ ، اَلْفَتَاوَى ، اَلْهَيَاكِلُ وَ الْمَنَابِرُ ،
لَا اَلصَّوَامِعَ وَ الْبَيْعَ . . .
إِنَّ اَلْأَرْضَ حَق ، اَلْخُبْزُ حَق ، اَلْعَيْشُ حَق ، َالْبَيْتُ حَق،
زَغَبُ اَلْمَدَارِسِ وَ الْفَسْحِ ،
أَرْكَانُ اَلنِّقَاشِ وَ الْمسنْجَاتِ اَلْقُلُوبَ . . .
بِنْسِلِينُ اَلْجِسْمِ وَ الرُّوحِ حَقٌّ ..
لَمْ تُقِلْ إِنَّ إِبْرَاهِيمْ وَ مُوسَى ، عِيسَى وَ مُحَمَّدْ
هُمْ رُسُلُ حَقٍّ ، أَصْحَابُ حَقٍّ
وَ أَنَّ اَلرَّبَّ ذَاتِ اَلرَّبِّ
الْأَرْضِ ذَاتُ اَلْأَرْضِ
إِنَّ تُكِنُّ في حُرمات بَكَةِ أَوْ حَائِطِ مَبْكًى .
هِيَ ذَاتُ اَلْأَرْضِ وَ الرَّبِّ وَاحِدٍ ..
فِي عَرَصَاتْ تِشِيلِيٌّ وَ رنقَاتِ يَافَا ،
فِي نِيُويُورْك ، بِكِّينْ وَ مُوسْكُو ،
أَرْضُ بَارِيس ، فِيتْنَام وَ طُوكْيُو ،
دِمَشْق ، العراق ، كَابُول اَلْجَزَائِرِ ،
هُوَ هُوَ .
ليدلل على أحقية المواطنة ووحدة الأديان / تحتاج إلى ضبط ومراجعة وتصحيح من جديد لاختلاف مستقى المعرفة فيه / ووحدة الأرض وكرامة الإنسان فلماذا الخصام ولماذا الاحتراب ؟ هذا هو " المثقف النوعي " الذي أكتب عنه لكم وأنا على جهل تامٍ به .
قال منعم على مدونته بالفيس بوك :
: (1) خرج و لم يعد ؟
( تعارف (ديوان شعر مترجم إلى الفرنسية – 2017 :
تجربة في تعارف الثقافات والناس :
(30 طقطوقة شعرية (كما كبابي الشاي الصغيرة تلك وترابيزها الصغيرة .
30 لوحة تشكيلية فرنسية اليد واللسان .
10 من الفرنسيات والفرنسيين .
1 شاعر وكاتب سوداني الخِلقةِ والخُلق .
: (2) خرج و لم يعد :
" زمن اليقطين –" أبو البها والعديل العباس أزرق بندا - رواية – 2017) :
تجربة شاعر وكاتب في سرد المدائن ، الغابات والناس .
رفاقه فيها التيران الأربعة :
1 / تور جاموس : رأس ماله فروة جلد خروف وزجاجة سمن وحلم بتجييش 10 ألف رجل وامرأة .
2 / تور مسافات : مهندس وصانع مطارات الجيش الشعبي والذى يفك الخط إلا قليلاً .
3 / تور بنيّه ؛ شطة القبانيت ، صاحبة الدبل كابينة ورئيس تحرير مجلة الزرقاء .
4 / تور زول : إنسان النيل الأزرق ، طويل لا يدخل المعارك إلَّا واقفاً وتطيش عنه البنادق
هذا ! في بداياتي الجامعية وقبلها بقليل كانت حركة النشاط السياسي الطلابي إسلامية المذهب والهوى عقدية التوجه الحضاري ونفعية الهدف ؛ فأغلق علينا هذا الفهم القميء أن نتعرف على أهازيج الشعر ممن كنا نَسِمَهُمْ بأنهم زنادقة معارضين ( أولاد ستين كلب ) لفكرة المشروع الحضاري العظيم الذي طلع بيش آخر الأمر؛ وهو هو الذي منعنا أن نتجه لغير الشعر العربي القديم أمثال :
إن تغدو في دون العناق فإنني * طب بأخذ الفارس المستلئم
أو قول أحدهم :
هي لله هي لله؛ لا للسلطة ولا للجاه
إذ لم تكن لله بحال من الأحوال بل كانت للسلطة وللجاه بأمر التنظيم والديمقراطية المزعومة وفُضَّ سامر القوم الذين ظلموا في ثورة ديسمبر المجيدة والحمد لله رب العالمين، قال شمو :
خبّريني ... هل أنا أبدو حزينا
هل أنا القاتل والمقتول حيناً والرهينة ؟
هل أنا البحرُ الذي لا يأمن الآن السفينة ؟
خبئيني بين جدران المسام
قبليني مرة في كل عام
فأنا أحتاجُ أن ألقاكِ في كل عام
وأنا أحتاجُ أن القاكِ في ذرات جسمي
في الشرايين المليئةِ بانقلاباتِ المزاج
في انعكاسِ الضوءِ
في النافذةِ الأولى وبلّور الزجاج
ما دفعني لكتابة هذه الكلمة أنني لم أكن أعرف الشاعر الإنساني المثقف النوعي / منعم رحمه؛ إلَّا قبل عشر دقائق- انظر تاريخ كتابة المقالة مشكوراً- في مكالمة صوتية استمرت قرابة الساعتين من مقر إقامته بإثيوبيا وأنا من مقر إقامتي بالقاهرة الأمر الذي لفت اهتمامه لي أنا الفقير لله تعالى مقال يتكلم عن التغيير الديمغرافي للشعوب – الإحلال والإبدال البشري – مبذول على صفحات الانترنت ، وإلَّا من خلال عدم تعريفه لي بأنه إنسان منسي على طريقته ؛ فورجغت ورجغة أنستني التعرف إليه عن قرب طيلة هذه الساعتين فأنا مدين لإنسانيته وتواضعه بهذه الكلمة التي كتبت فله العتبى حتى يرضى مجدداً وكثيراً ، قال منعم رحمه :
خايِّف على النِيل الإله فِي مُلكُه يَبقى رِهاب رِهاب ، لا طول يسندو ، لا دميره لا أكتاف عَرِض ..
خايِّف على النيل ومُويثُو بى ليل تِنجّغِم
الواطّه تاكل صَدُرها والجُزُر .. تَلحق وادِى حلفا وتِنسَرِق
خَايّف على البَلد التِّلتُو فات .. تّلتينو بَرضَها تِنمحِق
كُل بطُن شايلالها شِعبة وشَلّعو
والناس قِدد لا صَلحه لا مِلحَه ،
لا زولاً مِرق خايّف على الهَرم الكَبِير ، الجبل ، الشدر و اللبن جُوه الضَرِع ،
خايّف على الغابة وجناها .. خايّف على الضّل والشّمِس ، النخلة والخور والجّرِف
خايّف على الأُمات عِموم ، الخاله و العَمه ، الجاره و الحبوبه أيضاً تِنقرِض
خايّف على الحق الوقف عريان يداوس في الخلق ؟
بشكل عام؛ هل يمكننا تسمية نوعية الشعر للأستاذ / منعم رحمه؛ من صميم الشعر الجزل الفخم من باب التصنيف الشعري ومدارسه ومذاهبه ؟ الإجابة : لا ولا كرامة! لأنَّ هذا الشعر الذي قرأته عليكم أنا لا أفهمه بكل صراحة من حيث التركيب والترتيب والنظم والفكرة لكني أحسه بعمق الأنسنة التي فيه، فهو خارج دائرة التصنيف الحديث والقديم للشعر ومذاهبه ومدارسه؛ قال الزهاوي :
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه * فليس خليقاً أن يقال له شعر
وقد هزَّني شعره بكل تأكيد.
الشاعر عند العرب؛ كالنبي في بني إسرائيل؛ هكذا حدَّثتنا الكتب القديمة؛ وهو المتحدث الرسمي باسم الشعب والمهمشين والمشردين والمنفيين والغلابة والزنادقة إن شئت والمعارضين لأنظمة البطش والتنكيل والإذلال والاستكانة عن طريق اخضاعهم بالبطش والمهانة ؛ سمه ما شئت كيفما اتفق؛ اقرأ معي هداك الله يا صاح :
هم رسل حق؛ أصحاب حق
وإن الرب؛ ذات الرب
والأرض ذات الأرض
إن تكن في حرمات بكة أو حائط مبكى
هي ذات الأرض والرب واحد
هنا تكمن القيمة المطلقة لمعنى الإنسانية وحكمة الإله الذي أوجدها وهنا رسالة الشاعر إذا فهمت مقصده بوجوب حق الكرامة الإنسانية العالمية والمُثُل العليا للأخلاق وحسن المعاملة فلا داعي للحرب ولا داعي للدماء؛ كذلك؛ لا داعي للزج في سجون العماليق العواليق واختيار المنافي أوطاناً ؛ قال الأستاذ الشاعر / محمد عبد الله شمو؛ في القصيدة التي غنَّاها الراحل / مصطفى سيد أحمد :
ها هي الأرض تغطت بالتعب
والبحار اتخذت شكل الفراغ
وأنا مقياس رسم للتواصل والرحيل
وأنا الآن الترقب وانتظار المستحيل
انجبتني مريم الأخرى؛ قطاراً وحقيبة
ارضعتني مريم الأخرى قوافي
ثم اهدتني المنافي
هكذا قد خبروني ثم قالوا لي ترجل
وهذه حال صاحبنا منعم رحمه؛ فانتبه أيها الإنسان الذي تقرأ كلامي لتفهم.
ألم أقل لكم أن الانكفاء الفكري لأيدولوجية بخسة الثمن حرمتنا الكثير من الفكر الحر للإنسان الحر ثمناً للحرية والانعتاق ؟" شيوعيون أولاد كلب" ، وكما قال الفنَّان عادل إمام " كلنا حمير ربُنا " قال شمو :
تشهدُ الآن السفوح المطمئنة
نحن قاتلنا سنيناً وأقتتلنا
نحنُ سجّلنا التآلف وإنفعالات الأجنة
واحتوانا البحرُ والمد اليقاوم والشراع
يا هذه البنتُ التي تمتدُ في ديناي سهلاً وربوعاً وبقاع
ما الذي قد صبّ في عينيكِ شيئاً من تراجيديا الصراع
والمدى يمتدُّ وجداً عابراً هذي المدينة
هل قلت لي أن أبا العلاء المعري اتهم بالزندقة أيضاً ؟ نعم! وحكم عليه النطَّاع بالقتل لكنه نجا حين لم ينج الحلاج الذي ضربه المهدي ضرب التلف ألف سوط حتى مات شهيداً؛ كذلك لم ينج منها محمود محمد طه شهيد الفكر والإنسانية حين حكمت عليه المحكمة المهزلة بالإعدام شنقاً حتى الموت من أجل منشور كتبه " هذا أو الطوفان" فكان هذا والطوفان؛ وزال النميري بحمد الله كما قال عبد الله الطيب؛ في مقدمة رثاءه لمحمود بقصيدة " مصاب وحزن " بتاريخ 2 مارس 1985 " ثم زال النميري في 11 أبريل والحمد لله رب العالمين " والتي شرحتها بالتفصيل في كتابي " قبضة من أصر الأديب " شرحاً وافياً ، رحمهم الله جميعاً؛ قال رحمه :
في عرصات تشيلي ورنقات يافا
في نيويورك؛ بكين وموسكو
أرض باريس؛ فيتنام وطوكيو
دمشق؛ العراق؛ كابول؛ الجزائر
هو هو
قالت عنه الأستاذة / رانيا عبد المنعم جاويش على صفحتها بالفيس بوك :
[ من لم يقرأ له" زمن اليقطين " أنصحه أن يفعل ، أرسلها لي مسودة وأنا بكمبالا وهو بأديس أبابا وقتذاك ، قرأتها ليلاً واتممتها قرب الفجر ، وانخرطت في البكاء فقد كنا في بداية أيام انهيار الأحلام والشتات الأولى وكان منعم خارجاً للتو من الجب ، طازج الروح بما كان ، منعم يكتب فقط يكتب حتى يحتفظ بالجذوة ويمسك بالذاكرة فلا تخون .
هذا الرجل يستحق أن نوليه اهتماماً هو أهلٌ له يكفى أنه أفنى زهرة أيامه مدافعاً عن ما أعتنقه دون ضجيج أو أدعاء الى أن صار بطلاً _ بطلاً منسياً لخيبتنا _أما منعم الفنان فمن يذكر أن منعماً كان أحد مؤسسي اتحاد الكتاب السودانيين ، ومن يذكر داره في الخرطوم أيام الشباب الأولى عندما كانت ملاذاً لكل الشعراء الصعاليك المطاليق ؟ .
تعيش يا جلابة ، اكتب يا صديقي فأنت كاتب واقرأ فما نحن إلَّا نتاج ما قرأنا ]
قال شمو :
وأنا أبحثُ عن صيغة هذا البعدِ ..
هـذا اللانهـائـي
عن قرارِ الشعر عن لونِ التغرب بين جدران المقاهي
آه لو تأتينَ .. آه
تجدينَ الألف الممتدَّ سهلاً بانتظارك
وأنا كالحذر المنساب خوفا بين صالات الجمارك كالرحيل
كالترقب وانتظارِ المستحيل
هكذا قد خبّروني ثم قالوا لي ترجـل
هذا! شهادتي مجروحة في حق الرجل القامة الإنسان الجميل الشاعر والمدوناتي الكبير / منعم رحمه ؛ فأنا لا أعرفه للأسف الشديد إلَّا من خلال مكالمة صوتية أبى فيها أن يعرفني فيها على نفسه حين أسهبت أنا مغروراً أورجغ بلا هُدى وأثرثر بلا طائل تعريف نفسي إليه؛ تباً لهذه النفس الأمَّارة بالسوء، فأنا قليل الأدب مع أهل الأدب معتذراً إليهم صفاقتي " منعم ها ، انت جيت من وين وكنت وين يا مثقف يا نوعي يا جميل " ؛ فهذه العُجَالة من الكتابة مدين بها إليه حتى لا يضيع مني وقت الزحام؛ زحام الحرف والفكر الذي نلتقي فيه والحرية والكرامة والإنسانية بلا شك .
ودون سميساط المطامير والملا * وأودية مجهولة وهجول
وخاف المتنبي من اقتحام هذه الأودية المجهولة المظلمة لجهله بما فيها من الخير أو معرفته ما بالشر فيها ؛ وقديماً قيل : من جهل شيئاً عاداه؛ وربما جهل المتنبي الخير الذي أباه في هذه الهجول المجهولة؛ كما أبيته أنا حين حفظت قول لبيد بن ربيعة :
وجلا السيول عن الطلول كأنها * زبر تجد متونها أقلامها
فمنعني حفظي للشعر القديم حفظ الشعر المحدث والانتباه للشعراء الجُدُدِ لما فيه من أودية مجهولة وهجول؛ ففات عليَّ الكثير من الخير بلا شك.
الشعر والشعراء يتجهون نحو كتابة الشعر من أجل القيم الإنسانية الرفيعة بلا ريب ولإقامة دولة الإنسان رغماً عن صرامة الدهور وعنت الحياة واعتقال الشعراء المعارضين السياسيين وزجهم في أتون أركان حقيرة بأقصى أركان السجون المعتمة من أجل كلمة عبَّرت عن قضايا فكرية إنسانية طبيعية لمجتمعاتهم بإحساس وقع الكلمة على المتلقي وأثرها في تغيير حركة الحياة أو قل : سباحتها ضد التيار الفكري القائم لنشاطهم بعامَّة ؛ وليس ببعيد عن الأذهان والأعين ما حدث لبشار بن برد حين قُتِلَ صبراً ورُميت جثته في نهر دجلة لتهمة لم يرتكبها ولكنه قالها فاتُّهِمَ بالزندقة ومعاداة النظام الحاكم والديمقراطية المنزلة من السماء فتليت عليه تهمته لا ليعترف بها لكن ليساق إلى الناس أنه مجرم واقترف جريرة بحق حرية الرأي والتعبير والشعب المغلوب على أمره وعظة لمن يتعظ وعبرة لمن يعتبر؛ فسأله النَطَّاع؛ ألست القائل :
والشيخ لا يترك عاداته * حتى يوارى في ثرى رمسه
فقال : نعم! ولكني لست زنديقاً.
قال : أولست القائل :
أبا نهيا رأسي علي ثقيل * واحتمال الرأسين عبء ثقيل
فادع غيري إلى عبادة ربيــــــ * ن فإني بواحد مشغول
قال : نعم ! لكني لست زنديقاً.
قالوا : فأخذه النطَّاع على حين غِرَّة فضربه بالسيف بعد أن جلد ألف سوط بلا رحمة ؛ وقالوا : كفى بك زندقة هذا الذي تقول.
لا يخفى على ذي بصيرة من اطَّلع على شعر المتنبي الذي قُتِلَ أيضاً بدير العاقول من أجل بيت شعر هو قاله ولم يخرج من إطار اللباقة وحسن الأدب ونظم الشعر؛ كما لم يكن معارضاً سياسياً وإن كان طالب ملك حين هجا فاتكاً الأسدي فقال :
قد أنصف القوم ضبة * وإن أمه لطرطبه
فاقتيد كما اقتيد عبد بني الحساس وهو أشعر الناس إلى حتفه؛ وقد اتهموه بمحاولة الإنقلاب على السلطة الدستورية المستلبة من الشعب بأمر الدين والنظام الحاكم عند الاخشيديين وعند أمراء العراق من الحَمْدَانيين وذلك حينما وُشِيَ به أمام سيف الدولة الحَمْدَانِيُ من نظيره أبي فراس الحَمْدَانِي منافسه على رضاء الأمير؛ فقال له غلامه يستفزه على القتال ؛ أولست القائل :
الخيل والليل والبيداء تعرفني * والسيف والرمح والقرطاس والقلم
قال : نعم ! قتلتني قاتلك الله ! .
فأخذه مولاه لحتفه فقُتِل .
أنا قدَّمتُ بهذه الطريقة للشاعر المَثَّال الكبير : منعم رحمه / عبد المنعم محمد رحمة الله ، المولود في أول يناير 1960 بالحصاحيصا إحدى قرى المديرية الوسطى بالسودان وتعود جذوره لقبيلة الجعليين من منطفة الزيداب بمديرية نهر النيل الدامر ، المتخرج في كلية التجارة قسم المحاسبة المالية بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ، كاتب وشاعر ومسرحي وفنَّان وصحافي وناشط في مجال حقوق الإنسان ، المعارض السياسي لأنظمة الحكم الديكتاتوري الشمولي منذ حكومة مايو والمحكوم عليه بالإعدام بتهمة المعارضة السياسية لنظام نميري والبشير برقم المادة الجنائية للقانون السوداني " أنت شاعر " المقيم بين إثيوبيا وباريس صاحب ديوان " الميمان" وديوان " النزهي أبجد ود فطين المدوناتي " وديوان " مسدار الدرجو فصيح" ؛ والذي كان عضواً في الحركة الشعبية لتحرير السودان وناضل وكافح من أجل السودان الجديد وحماية منفستو الحركة الشعبية في وحدة السودان ،- هل يعتبر منعم رحمه ؛ معارضاً سياسياً يستحق النفي والتغفيل والتجهيل والهجول من الإعلام السوداني ؟ أنا لا أملك الإجابة؛ يمكنكم إلصاق تهمة الزندقة لأنَّه شاعر صاحب قضية وطنية وإنسانية عليه ، أو الحكم عليه بالوطنية المحضة حسب ما فهمتم من المقدمة عاليه - ومن أجل الخبز الحرية والتغيير والديمقراطية المنتخب من الشعب إلى الشعب؛ فنفي إلى أصقاع الكوكب بإرادته أم بغصب عنه؛ لأنه من ذات الشاكلة المغلوبة على أمرها؛ وليس أمر الشاعر الأستاذ الكريم / أزهري محمد علي؛ ببعيد عن الأذهان والأعين بعد تجربته الثورية لنظام الأسلمة الشمولية الإجبارية ؛ هذا؛ وفي الحالتين ترك لنا منعم رحمه أغنية الخلود الإنساني فقال :
لَمْ تَعُدْ تَأْخُذُ شَكْلَ غَزَّةَ أَوْ اَلضَّفَّةِ أَوْ اَلْقُدْسِ اَلْقَدِيمَةِ
لَمْ تَعُدْ كُوفِيَّةُ سَوْدَاء ، خَارِطَةٌ . . .
ضَيْعَةُ زَيْتُونٍ وَ زَعْتَرٍ
لَمْ تَعُدْ رَسْمًا لِأَرْضٍ ، لَمْ تَعُدْ اِسْمًا لِشَعْبٍ . . .
لَمْ تُقِلْ اَلْقَوَامِيسُ اَلْمَرَاجِعَ ، اَلْفَتَاوَى ، اَلْهَيَاكِلُ وَ الْمَنَابِرُ ،
لَا اَلصَّوَامِعَ وَ الْبَيْعَ . . .
إِنَّ اَلْأَرْضَ حَق ، اَلْخُبْزُ حَق ، اَلْعَيْشُ حَق ، َالْبَيْتُ حَق،
زَغَبُ اَلْمَدَارِسِ وَ الْفَسْحِ ،
أَرْكَانُ اَلنِّقَاشِ وَ الْمسنْجَاتِ اَلْقُلُوبَ . . .
بِنْسِلِينُ اَلْجِسْمِ وَ الرُّوحِ حَقٌّ ..
لَمْ تُقِلْ إِنَّ إِبْرَاهِيمْ وَ مُوسَى ، عِيسَى وَ مُحَمَّدْ
هُمْ رُسُلُ حَقٍّ ، أَصْحَابُ حَقٍّ
وَ أَنَّ اَلرَّبَّ ذَاتِ اَلرَّبِّ
الْأَرْضِ ذَاتُ اَلْأَرْضِ
إِنَّ تُكِنُّ في حُرمات بَكَةِ أَوْ حَائِطِ مَبْكًى .
هِيَ ذَاتُ اَلْأَرْضِ وَ الرَّبِّ وَاحِدٍ ..
فِي عَرَصَاتْ تِشِيلِيٌّ وَ رنقَاتِ يَافَا ،
فِي نِيُويُورْك ، بِكِّينْ وَ مُوسْكُو ،
أَرْضُ بَارِيس ، فِيتْنَام وَ طُوكْيُو ،
دِمَشْق ، العراق ، كَابُول اَلْجَزَائِرِ ،
هُوَ هُوَ .
ليدلل على أحقية المواطنة ووحدة الأديان / تحتاج إلى ضبط ومراجعة وتصحيح من جديد لاختلاف مستقى المعرفة فيه / ووحدة الأرض وكرامة الإنسان فلماذا الخصام ولماذا الاحتراب ؟ هذا هو " المثقف النوعي " الذي أكتب عنه لكم وأنا على جهل تامٍ به .
قال منعم على مدونته بالفيس بوك :
: (1) خرج و لم يعد ؟
( تعارف (ديوان شعر مترجم إلى الفرنسية – 2017 :
تجربة في تعارف الثقافات والناس :
(30 طقطوقة شعرية (كما كبابي الشاي الصغيرة تلك وترابيزها الصغيرة .
30 لوحة تشكيلية فرنسية اليد واللسان .
10 من الفرنسيات والفرنسيين .
1 شاعر وكاتب سوداني الخِلقةِ والخُلق .
: (2) خرج و لم يعد :
" زمن اليقطين –" أبو البها والعديل العباس أزرق بندا - رواية – 2017) :
تجربة شاعر وكاتب في سرد المدائن ، الغابات والناس .
رفاقه فيها التيران الأربعة :
1 / تور جاموس : رأس ماله فروة جلد خروف وزجاجة سمن وحلم بتجييش 10 ألف رجل وامرأة .
2 / تور مسافات : مهندس وصانع مطارات الجيش الشعبي والذى يفك الخط إلا قليلاً .
3 / تور بنيّه ؛ شطة القبانيت ، صاحبة الدبل كابينة ورئيس تحرير مجلة الزرقاء .
4 / تور زول : إنسان النيل الأزرق ، طويل لا يدخل المعارك إلَّا واقفاً وتطيش عنه البنادق
هذا ! في بداياتي الجامعية وقبلها بقليل كانت حركة النشاط السياسي الطلابي إسلامية المذهب والهوى عقدية التوجه الحضاري ونفعية الهدف ؛ فأغلق علينا هذا الفهم القميء أن نتعرف على أهازيج الشعر ممن كنا نَسِمَهُمْ بأنهم زنادقة معارضين ( أولاد ستين كلب ) لفكرة المشروع الحضاري العظيم الذي طلع بيش آخر الأمر؛ وهو هو الذي منعنا أن نتجه لغير الشعر العربي القديم أمثال :
إن تغدو في دون العناق فإنني * طب بأخذ الفارس المستلئم
أو قول أحدهم :
هي لله هي لله؛ لا للسلطة ولا للجاه
إذ لم تكن لله بحال من الأحوال بل كانت للسلطة وللجاه بأمر التنظيم والديمقراطية المزعومة وفُضَّ سامر القوم الذين ظلموا في ثورة ديسمبر المجيدة والحمد لله رب العالمين، قال شمو :
خبّريني ... هل أنا أبدو حزينا
هل أنا القاتل والمقتول حيناً والرهينة ؟
هل أنا البحرُ الذي لا يأمن الآن السفينة ؟
خبئيني بين جدران المسام
قبليني مرة في كل عام
فأنا أحتاجُ أن ألقاكِ في كل عام
وأنا أحتاجُ أن القاكِ في ذرات جسمي
في الشرايين المليئةِ بانقلاباتِ المزاج
في انعكاسِ الضوءِ
في النافذةِ الأولى وبلّور الزجاج
ما دفعني لكتابة هذه الكلمة أنني لم أكن أعرف الشاعر الإنساني المثقف النوعي / منعم رحمه؛ إلَّا قبل عشر دقائق- انظر تاريخ كتابة المقالة مشكوراً- في مكالمة صوتية استمرت قرابة الساعتين من مقر إقامته بإثيوبيا وأنا من مقر إقامتي بالقاهرة الأمر الذي لفت اهتمامه لي أنا الفقير لله تعالى مقال يتكلم عن التغيير الديمغرافي للشعوب – الإحلال والإبدال البشري – مبذول على صفحات الانترنت ، وإلَّا من خلال عدم تعريفه لي بأنه إنسان منسي على طريقته ؛ فورجغت ورجغة أنستني التعرف إليه عن قرب طيلة هذه الساعتين فأنا مدين لإنسانيته وتواضعه بهذه الكلمة التي كتبت فله العتبى حتى يرضى مجدداً وكثيراً ، قال منعم رحمه :
خايِّف على النِيل الإله فِي مُلكُه يَبقى رِهاب رِهاب ، لا طول يسندو ، لا دميره لا أكتاف عَرِض ..
خايِّف على النيل ومُويثُو بى ليل تِنجّغِم
الواطّه تاكل صَدُرها والجُزُر .. تَلحق وادِى حلفا وتِنسَرِق
خَايّف على البَلد التِّلتُو فات .. تّلتينو بَرضَها تِنمحِق
كُل بطُن شايلالها شِعبة وشَلّعو
والناس قِدد لا صَلحه لا مِلحَه ،
لا زولاً مِرق خايّف على الهَرم الكَبِير ، الجبل ، الشدر و اللبن جُوه الضَرِع ،
خايّف على الغابة وجناها .. خايّف على الضّل والشّمِس ، النخلة والخور والجّرِف
خايّف على الأُمات عِموم ، الخاله و العَمه ، الجاره و الحبوبه أيضاً تِنقرِض
خايّف على الحق الوقف عريان يداوس في الخلق ؟
بشكل عام؛ هل يمكننا تسمية نوعية الشعر للأستاذ / منعم رحمه؛ من صميم الشعر الجزل الفخم من باب التصنيف الشعري ومدارسه ومذاهبه ؟ الإجابة : لا ولا كرامة! لأنَّ هذا الشعر الذي قرأته عليكم أنا لا أفهمه بكل صراحة من حيث التركيب والترتيب والنظم والفكرة لكني أحسه بعمق الأنسنة التي فيه، فهو خارج دائرة التصنيف الحديث والقديم للشعر ومذاهبه ومدارسه؛ قال الزهاوي :
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه * فليس خليقاً أن يقال له شعر
وقد هزَّني شعره بكل تأكيد.
الشاعر عند العرب؛ كالنبي في بني إسرائيل؛ هكذا حدَّثتنا الكتب القديمة؛ وهو المتحدث الرسمي باسم الشعب والمهمشين والمشردين والمنفيين والغلابة والزنادقة إن شئت والمعارضين لأنظمة البطش والتنكيل والإذلال والاستكانة عن طريق اخضاعهم بالبطش والمهانة ؛ سمه ما شئت كيفما اتفق؛ اقرأ معي هداك الله يا صاح :
هم رسل حق؛ أصحاب حق
وإن الرب؛ ذات الرب
والأرض ذات الأرض
إن تكن في حرمات بكة أو حائط مبكى
هي ذات الأرض والرب واحد
هنا تكمن القيمة المطلقة لمعنى الإنسانية وحكمة الإله الذي أوجدها وهنا رسالة الشاعر إذا فهمت مقصده بوجوب حق الكرامة الإنسانية العالمية والمُثُل العليا للأخلاق وحسن المعاملة فلا داعي للحرب ولا داعي للدماء؛ كذلك؛ لا داعي للزج في سجون العماليق العواليق واختيار المنافي أوطاناً ؛ قال الأستاذ الشاعر / محمد عبد الله شمو؛ في القصيدة التي غنَّاها الراحل / مصطفى سيد أحمد :
ها هي الأرض تغطت بالتعب
والبحار اتخذت شكل الفراغ
وأنا مقياس رسم للتواصل والرحيل
وأنا الآن الترقب وانتظار المستحيل
انجبتني مريم الأخرى؛ قطاراً وحقيبة
ارضعتني مريم الأخرى قوافي
ثم اهدتني المنافي
هكذا قد خبروني ثم قالوا لي ترجل
وهذه حال صاحبنا منعم رحمه؛ فانتبه أيها الإنسان الذي تقرأ كلامي لتفهم.
ألم أقل لكم أن الانكفاء الفكري لأيدولوجية بخسة الثمن حرمتنا الكثير من الفكر الحر للإنسان الحر ثمناً للحرية والانعتاق ؟" شيوعيون أولاد كلب" ، وكما قال الفنَّان عادل إمام " كلنا حمير ربُنا " قال شمو :
تشهدُ الآن السفوح المطمئنة
نحن قاتلنا سنيناً وأقتتلنا
نحنُ سجّلنا التآلف وإنفعالات الأجنة
واحتوانا البحرُ والمد اليقاوم والشراع
يا هذه البنتُ التي تمتدُ في ديناي سهلاً وربوعاً وبقاع
ما الذي قد صبّ في عينيكِ شيئاً من تراجيديا الصراع
والمدى يمتدُّ وجداً عابراً هذي المدينة
هل قلت لي أن أبا العلاء المعري اتهم بالزندقة أيضاً ؟ نعم! وحكم عليه النطَّاع بالقتل لكنه نجا حين لم ينج الحلاج الذي ضربه المهدي ضرب التلف ألف سوط حتى مات شهيداً؛ كذلك لم ينج منها محمود محمد طه شهيد الفكر والإنسانية حين حكمت عليه المحكمة المهزلة بالإعدام شنقاً حتى الموت من أجل منشور كتبه " هذا أو الطوفان" فكان هذا والطوفان؛ وزال النميري بحمد الله كما قال عبد الله الطيب؛ في مقدمة رثاءه لمحمود بقصيدة " مصاب وحزن " بتاريخ 2 مارس 1985 " ثم زال النميري في 11 أبريل والحمد لله رب العالمين " والتي شرحتها بالتفصيل في كتابي " قبضة من أصر الأديب " شرحاً وافياً ، رحمهم الله جميعاً؛ قال رحمه :
في عرصات تشيلي ورنقات يافا
في نيويورك؛ بكين وموسكو
أرض باريس؛ فيتنام وطوكيو
دمشق؛ العراق؛ كابول؛ الجزائر
هو هو
قالت عنه الأستاذة / رانيا عبد المنعم جاويش على صفحتها بالفيس بوك :
[ من لم يقرأ له" زمن اليقطين " أنصحه أن يفعل ، أرسلها لي مسودة وأنا بكمبالا وهو بأديس أبابا وقتذاك ، قرأتها ليلاً واتممتها قرب الفجر ، وانخرطت في البكاء فقد كنا في بداية أيام انهيار الأحلام والشتات الأولى وكان منعم خارجاً للتو من الجب ، طازج الروح بما كان ، منعم يكتب فقط يكتب حتى يحتفظ بالجذوة ويمسك بالذاكرة فلا تخون .
هذا الرجل يستحق أن نوليه اهتماماً هو أهلٌ له يكفى أنه أفنى زهرة أيامه مدافعاً عن ما أعتنقه دون ضجيج أو أدعاء الى أن صار بطلاً _ بطلاً منسياً لخيبتنا _أما منعم الفنان فمن يذكر أن منعماً كان أحد مؤسسي اتحاد الكتاب السودانيين ، ومن يذكر داره في الخرطوم أيام الشباب الأولى عندما كانت ملاذاً لكل الشعراء الصعاليك المطاليق ؟ .
تعيش يا جلابة ، اكتب يا صديقي فأنت كاتب واقرأ فما نحن إلَّا نتاج ما قرأنا ]
قال شمو :
وأنا أبحثُ عن صيغة هذا البعدِ ..
هـذا اللانهـائـي
عن قرارِ الشعر عن لونِ التغرب بين جدران المقاهي
آه لو تأتينَ .. آه
تجدينَ الألف الممتدَّ سهلاً بانتظارك
وأنا كالحذر المنساب خوفا بين صالات الجمارك كالرحيل
كالترقب وانتظارِ المستحيل
هكذا قد خبّروني ثم قالوا لي ترجـل
هذا! شهادتي مجروحة في حق الرجل القامة الإنسان الجميل الشاعر والمدوناتي الكبير / منعم رحمه ؛ فأنا لا أعرفه للأسف الشديد إلَّا من خلال مكالمة صوتية أبى فيها أن يعرفني فيها على نفسه حين أسهبت أنا مغروراً أورجغ بلا هُدى وأثرثر بلا طائل تعريف نفسي إليه؛ تباً لهذه النفس الأمَّارة بالسوء، فأنا قليل الأدب مع أهل الأدب معتذراً إليهم صفاقتي " منعم ها ، انت جيت من وين وكنت وين يا مثقف يا نوعي يا جميل " ؛ فهذه العُجَالة من الكتابة مدين بها إليه حتى لا يضيع مني وقت الزحام؛ زحام الحرف والفكر الذي نلتقي فيه والحرية والكرامة والإنسانية بلا شك .