من أول وهلةٍ وبدون تردُّدٍ، أقول وأعيد وأُكرِّر أن قوَّةَ البلدان، في عصرنا الحاضر، لا توجد، على الإطلاق، فيما تعتنقُه من دين! وبعبارة أخرى، كل بلدٍ له مؤهِّلاتٌ تجعلُ منه بلدا قويا، فقوَّتُه لا يستمدُّها من الدين. فمن أين يستمدُّها إذن؟
يستمدٌّها، في عصرنا الحاضر، أولا وقبل كل شيء، من الديمقراطية ومن احترام حقوق الإنسان والنهوض بكرامته، ومن توزيع الثروة التي تُنتِجها البلادُ توزيعا عادلا ومُنصِفا. دون أن ننسى أن قوَّةَ البلدان تأتي، كذلك، من اقتصادها، ومن إنتاجها الصناعي والزراعي ومن إنتاجِها التكنولوجي المدني والعسكري. دون أن ننسى، كذلك، أن القوَّةَ تأتي من جودة الخدمات التَّعليمية ومن الاعتناء بالثقافة وبالفنون. ولا داعيَ للقول أن قوَّةُ البلدان تأتي، كذلك، من تبوُّءِ هذا البلدان مكانةً مرموقةً في الإنتاج العلمي (البحث العلمي) وتحويل نتائجه إلى قيماتٍ مضافةٍ تساهم في خلق الثروة وفي خَلق مناصب الشغل.
ومَن يدَّعي أن قوَّةَ البلدان في دينها، فهو خاطىٌ على طول الخط أو يريد أن يميِّزَ ديناً عن دينٍ آخر أو يريد أن يفرضَ وِجهةَ نظره على الآخرين أو هو متعصِّبٌ لدينه…
وفي هذا الصدد، قد يقول قائل إن البلدانَ الإسلامية كانت، ما بين القرن الثامن والثالث عشر ميلادي، بلدانا قويةً سياسياً، حضاريا، اجتماعيا، اقتصاديا، علميا، تجاريا، تقنِيا عسكريا… هذا شيءٌ لا يُنكره أحدٌ. لكن، ليس الدين الإسلامي هو الذي جعل من البلدان الإسلامية بلداناً قويةً في تلك الفترة من الزمان.
ما جعل البلدانَ الإسلامية قويةً في تلك الفترة من الزمان، هو توفُّرها على علماء ومفكرين وباحثين مرموقين اهتموا بجميع مجالات البحث، الشيء الذي مكَّن من ازدهارِ الحياةِ الفكريةِ ومن فتحِ باب الإنتاج العلمي على مصراعيه. إضافةً إلى انفتاح هؤلاء العلماء والمفكٍّرين والباحثين على الحضارات الأخرى كالحضارة اليونانية والفَارسية وترجمة إنتاجاتِها العلمية إلى اللغة العربية. وهو الشيءُ الذي جعل هؤلاء العلماء والمفكِّرين والباحثين يبرعون ويتفوَّقون في مختلف مجالات الإنتاج العلمي من رياضيات وفيزياء وكيمياء وطبّ وجراحة وعلم الفلك وفلسفة وصيدلة…
الدين لا علاقةَ له بالإنتاج العلمي. الدين إيمانٌ وتصديقٌ. الدين له علاقة بالعاطفة وبالوِجدان. كل فردٍ يؤمن بهذا الدين أو ذاك، فهذا شأنُه. يؤمن أو لا يؤمن، فلن يُفيدَ الأنتاجَ العلمي بأي شيءٍ.
أما الإنتاج العلمي، فله علاقة بالعقل وبالإبدَاع الفكري والانفتاح على العوالم العلمية والإبداعية الفكرية الأخرى. والإنتاج العلمي لا يمكن فصلُه عن الفكر النقدي وعن التَّحرُّر émancipation من الخرافة mythe والقيل والقال colportage de dires والأحكام المسبقة préjugés. الإنتاج العلمي لا يعترف إلا بالعقل والمنطق.
بل علماء ومفكِّرو وباحثو الحضارة الإسلامية كانوا دائما في صراع مع رجال الدين المعاصرين لهم، إذ كانوا يتَّهمونهم بالكُفر والإلحاد، ألى درجة أن جلَّ هؤلاء العلماء والمفكِّرين والباحثين تعرَّضوا للاغتيال بشتى الطُّرق.
وسيبقى هذا الصراع مستمرا إلى يوم يُبعَثون، ما دام هناك تواطؤٌ بين حكام البلدان الإسلامية ورجال الدين. كل فئة تجد ضالَّتها في الفئة الأخرى. حكَّام البلدان الإسلامية يستعملون الدينَ للدوام في السلطة. ورجال الدين يبسطون سيطرتَهم على الناس من خلال هؤلاء الحُكّام. وكل ما من شأنه أن يسيرَ ضد هذا التَّواطؤ، فمصيرُه الفشل بطريقة أو أخرى. وهذا التَّواطؤ هو، في الحقيقة، نوعٌ (حداثي) من الإسلام السياسي الذي يتظاهر بأنه ديمقراطي، لكنه، في العمق، ليس ديمقراطيا.
والدليل على ذلك، فشل ما كان يُسمَّى انتفاضات (أقول انتفاضات soulèvements وليس ثورات révolutions) الربيع العربي le printemps arabe. لماذا أقول انتفاضات وليس ثورات؟ لأن الشعوب العربية لم تكن جاهزةً فكريا، اجتماعيا وثقافيا للقيام بثورة كما كان الشأن بالنسبة للثورة الفرنسية سنةَ 1789.
وكيفما كان الحالُ فانتفضات الربيع العربي لم تستمِد قوتَها من الدين. بل كانت تُعبِّر عن طموح الشعوب العربية، شأنها شأن شعوبٍ أخرى سبقتها، إلى الديمقراطية والعدل والمساواة والتَّمتُّع بحقوق الإنسان.
وفي الختام، أقول وأعيد وأكرِّر إن البلدان لا تستمدُّ قوَّتَها من الدين. قد يكون الدين حافزا يحثُّ على الإخلاص في العمل وعلى تبنِّي كل القيم الإنسانية السامية. لكن العقلَ البشري هو مصدر القوة كيفما كانت. والدليل على ذلك أن البلدانَ التي فصلت الدينَ عن السياسة، هي التي لها الريادة، حاليا، في جميع مجالات الإنتاج الفكري، الصناعي، التكنولوجي، الاقتصادي…
يستمدٌّها، في عصرنا الحاضر، أولا وقبل كل شيء، من الديمقراطية ومن احترام حقوق الإنسان والنهوض بكرامته، ومن توزيع الثروة التي تُنتِجها البلادُ توزيعا عادلا ومُنصِفا. دون أن ننسى أن قوَّةَ البلدان تأتي، كذلك، من اقتصادها، ومن إنتاجها الصناعي والزراعي ومن إنتاجِها التكنولوجي المدني والعسكري. دون أن ننسى، كذلك، أن القوَّةَ تأتي من جودة الخدمات التَّعليمية ومن الاعتناء بالثقافة وبالفنون. ولا داعيَ للقول أن قوَّةُ البلدان تأتي، كذلك، من تبوُّءِ هذا البلدان مكانةً مرموقةً في الإنتاج العلمي (البحث العلمي) وتحويل نتائجه إلى قيماتٍ مضافةٍ تساهم في خلق الثروة وفي خَلق مناصب الشغل.
ومَن يدَّعي أن قوَّةَ البلدان في دينها، فهو خاطىٌ على طول الخط أو يريد أن يميِّزَ ديناً عن دينٍ آخر أو يريد أن يفرضَ وِجهةَ نظره على الآخرين أو هو متعصِّبٌ لدينه…
وفي هذا الصدد، قد يقول قائل إن البلدانَ الإسلامية كانت، ما بين القرن الثامن والثالث عشر ميلادي، بلدانا قويةً سياسياً، حضاريا، اجتماعيا، اقتصاديا، علميا، تجاريا، تقنِيا عسكريا… هذا شيءٌ لا يُنكره أحدٌ. لكن، ليس الدين الإسلامي هو الذي جعل من البلدان الإسلامية بلداناً قويةً في تلك الفترة من الزمان.
ما جعل البلدانَ الإسلامية قويةً في تلك الفترة من الزمان، هو توفُّرها على علماء ومفكرين وباحثين مرموقين اهتموا بجميع مجالات البحث، الشيء الذي مكَّن من ازدهارِ الحياةِ الفكريةِ ومن فتحِ باب الإنتاج العلمي على مصراعيه. إضافةً إلى انفتاح هؤلاء العلماء والمفكٍّرين والباحثين على الحضارات الأخرى كالحضارة اليونانية والفَارسية وترجمة إنتاجاتِها العلمية إلى اللغة العربية. وهو الشيءُ الذي جعل هؤلاء العلماء والمفكِّرين والباحثين يبرعون ويتفوَّقون في مختلف مجالات الإنتاج العلمي من رياضيات وفيزياء وكيمياء وطبّ وجراحة وعلم الفلك وفلسفة وصيدلة…
الدين لا علاقةَ له بالإنتاج العلمي. الدين إيمانٌ وتصديقٌ. الدين له علاقة بالعاطفة وبالوِجدان. كل فردٍ يؤمن بهذا الدين أو ذاك، فهذا شأنُه. يؤمن أو لا يؤمن، فلن يُفيدَ الأنتاجَ العلمي بأي شيءٍ.
أما الإنتاج العلمي، فله علاقة بالعقل وبالإبدَاع الفكري والانفتاح على العوالم العلمية والإبداعية الفكرية الأخرى. والإنتاج العلمي لا يمكن فصلُه عن الفكر النقدي وعن التَّحرُّر émancipation من الخرافة mythe والقيل والقال colportage de dires والأحكام المسبقة préjugés. الإنتاج العلمي لا يعترف إلا بالعقل والمنطق.
بل علماء ومفكِّرو وباحثو الحضارة الإسلامية كانوا دائما في صراع مع رجال الدين المعاصرين لهم، إذ كانوا يتَّهمونهم بالكُفر والإلحاد، ألى درجة أن جلَّ هؤلاء العلماء والمفكِّرين والباحثين تعرَّضوا للاغتيال بشتى الطُّرق.
وسيبقى هذا الصراع مستمرا إلى يوم يُبعَثون، ما دام هناك تواطؤٌ بين حكام البلدان الإسلامية ورجال الدين. كل فئة تجد ضالَّتها في الفئة الأخرى. حكَّام البلدان الإسلامية يستعملون الدينَ للدوام في السلطة. ورجال الدين يبسطون سيطرتَهم على الناس من خلال هؤلاء الحُكّام. وكل ما من شأنه أن يسيرَ ضد هذا التَّواطؤ، فمصيرُه الفشل بطريقة أو أخرى. وهذا التَّواطؤ هو، في الحقيقة، نوعٌ (حداثي) من الإسلام السياسي الذي يتظاهر بأنه ديمقراطي، لكنه، في العمق، ليس ديمقراطيا.
والدليل على ذلك، فشل ما كان يُسمَّى انتفاضات (أقول انتفاضات soulèvements وليس ثورات révolutions) الربيع العربي le printemps arabe. لماذا أقول انتفاضات وليس ثورات؟ لأن الشعوب العربية لم تكن جاهزةً فكريا، اجتماعيا وثقافيا للقيام بثورة كما كان الشأن بالنسبة للثورة الفرنسية سنةَ 1789.
وكيفما كان الحالُ فانتفضات الربيع العربي لم تستمِد قوتَها من الدين. بل كانت تُعبِّر عن طموح الشعوب العربية، شأنها شأن شعوبٍ أخرى سبقتها، إلى الديمقراطية والعدل والمساواة والتَّمتُّع بحقوق الإنسان.
وفي الختام، أقول وأعيد وأكرِّر إن البلدان لا تستمدُّ قوَّتَها من الدين. قد يكون الدين حافزا يحثُّ على الإخلاص في العمل وعلى تبنِّي كل القيم الإنسانية السامية. لكن العقلَ البشري هو مصدر القوة كيفما كانت. والدليل على ذلك أن البلدانَ التي فصلت الدينَ عن السياسة، هي التي لها الريادة، حاليا، في جميع مجالات الإنتاج الفكري، الصناعي، التكنولوجي، الاقتصادي…