وفي حالة تعرُّضنا لحكايات الحيوان والطيور، التي يرى البعض أنها أكثر قِدَمًا من الأساطير، وأنها ترجع إلى مراحل التوحش والبربرية والطوطمية، فهي حكايات أقرب إلى التعليمية أو الشرح والتفسير، كما أنها حكايات ملخصةٌ، غاية في الدقة من حيث التصميم والتلخيص، ولها مغزاها وحكمتها ودقة ملاحظتها بالنسبة للطبيعة وغموضها، وكذلك بالنسبة لحكمة الإنسان البدائي وفلسفته، بإزاء قدرات الحيوانات والطيور والزواحف والهوام والنباتات التي حُرِمَ منها الإنسان بعجزه على الطيران، والغوص في الماء، وقوى الحيوانات الوحشية والبهيمية وهكذا.
ويحتفي دارِسُو الفولكلور بحكايات الحيوانات والطيور والنباتات والزواحف احتفاءً خاصًّا، هذا على الرغم من إيجازها الشديد، بل وواقعيتها الشارحة المحددة، وهناك مَن يرى أن حكايات الحيوان هي بداية الأساطير، وأنها أكثر قِدَمًا وبدائيةً منها؛ إذ إنها كانت وعاءً لشرح وتقديم الأفكار والمعتقدات؛ أيْ إن أكثر هذه المعتقدات كان يتجسَّد في شكل حيوانات وطيور، فالإله زيوس كان نسرًا، والإلهة أثينا كانت بومة، وهيرا كانت بقرة، والإله النوردي ثور كان طائرَ جنةٍ صغيرًا، والإله تير كان ذئبًا، مثله في هذا مثل الإله الروماني مارس، وضريبه السليني ديباتر.
كما أن هناك شبه إجماع من جانب دارِسِي الفولكلور على أن قصص الحيوان الشارحة هي المصدر الأم أو الأصل التي منها انحدرَتِ الخرافات.
وقصص الحيوان الشارحة هي تلك القصص التي فسَّر بمقتضاها الأقدمون الفَرْقَ بين حيوانٍ وآخَر، بين طبيعة ولون وخصائص الذئب عن الحمل، ولون الحمامة الأبيض المخالِف لِلَوْن الغراب الأسود، وكذلك التفسيرات الغيبية التي فسَّر بها البدائيون السببَ أو السرَّ في بريق عيون القطط في الظلام، واستطالة أُذُنَي الأرنب والحمار، واختفاء الخفافيش عن العيون نهارًا هربًا من الدائنين، وغوص الطائر البحري إلى أعماق الماء بحثًا عن الأشياء الغارقة من حطام سفن وغيرها.
وفي واحدة من الحكايات السودانية — التي موطنها النيل الأبيض — تكشف لنا الحكايةُ كيف أن الدنكا لا يضربون الكلاب؛ اعتقادًا منهم في أن الكلب هو أول مَنْ جاء بالنار لقبيلة الدنكا، فلقد «عاش الدنكا حقبة طويلة لا يعرفون النار، وكان الرجل منهم إذا صاد سمكةً قطعها قطعًا ووضعها في ماعون وتركه تحت وهج الشمس».
وفي حكاية شارحة أخرى — من الشاوك — عن البقرة والكلب، موجزها أن البقرة خُلِقَت في السماء، ووقعت على الأرض فتكسَّرت أسنانها، ولما رآها الكلب أغرَقَ في الضحك حتى انفتق شدقاه وبلغا أُذُنَيْه، وظلَّ على هذا الحال حتى اليوم.
فما من حيوان أو طائر أو نبات لم تصاحبه مجموعةُ حكايات تحدِّد أوصافَه وأخصَّ معالِمِه وتحيطه بتفسيرِ عصورِ ما قبل العِلْم، كما هو واضح في هذه المجموعة من الحكايات العربية السامية بخاصة.
ذلك أن للعرب الساميين باعًا ملحوظًا في أنهم موطن ومصدر هذه الحكايات الحيوانية الطوطمية قبل الهنود الآريين والإغريق الهلينيين.
فالعبد الإغريقي، الذي يُعَدُّ أهمَّ وأقدمَ مصدرٍ لهذه الحكايات الحيوانية «إيسوب»، الذي يرى البعض — ومنهم كراب — أنه كان رقيقًا ساميًّا يشتغل بالكتابة، وجمع هذه المأثورات في إيونيا، ومن هنا وصلت هذه الحكايات من الشرق السامي، وأنها ارتحلت أيضًا من الشرق السامي إلى الهند مع ما ارتحَلَ إليها من ثقافة العراق وما بين النهرين.
وتحفل قصص الخلق الأولى والطوفان البابلي والعبري بمثل هذه الحكايات، منها حكاية أشجار «يوثام» التي أولاها فريزر اهتمامًا خاصًّا.
كما تحفل الآداب الجاهلية والإسلامية بالآلاف المؤلَّفة من هذه الحكايات عند الجاحظ والدميري وغيرهما.
ثم لماذا نذهب بعيدًا والمصدر الأكثر قِدَمًا من «إيسوب» ذاته، وهو «الحكيم لقمان»، الذي أوضحَتْ حفائرُه أصولَه البابلية؛ وبالتالي فهو أسبق من إيسوب بأكثر من خمسة عشر قرنًا.
وسأورد هنا مجموعة مختصرة من هذه الحكايات النمطية الطوطمية لهذه الشخصية الخرافية السامية للحكيم لقمان، جمعها المستشرق ج. ديرينبورج، ونُشِرَت بالفرنسية والعربية عام ١٨٥٠:
أسد وإنسان اختلفا حول القوة والبأس، ورأيَا على جدارٍ رسمًا لإنسان يقتل أسدًا، فقال الأسد: لو أن السباع مصورون لَمَا قتل الأسد بني آدم، بل لَقدر للأسد قَتْل بني آدم.
أسد وثوران اجتمعا عليه ينطحانه بقرونهما لكي لا يُدْخِلاه بينهما، فانفرد بأحدهما وخدعه ووعده بأن لا يعارضهما إنْ تخلَّى عن صاحبه، فلما افترقا افترسهما جميعًا.
(ومعناه: إذا افترقَتْ مدينتان تمكَّنَ العدو منهما وأهلكهما معًا.)
أيل — يعني غزالًا — عطش فأتى عين ماء ليشرب منها، نظر خياله في الماء من دقة قوائمه، لكنه ابتهج من قرونه وكبرهما، وحين خرج عليه الصيادون في السهل فلم يدركوه، لكنه حين دخل الجبال وعبر بين الشجرة لحقوه وقتلوه، فقال عند موته: «الويل لي أنا المسكين الذي ازدريتُ به، هو خلَّصَني والذي رجَوْتُه أهلَكَني.»
مرض غزال وجاء أصحابه من الوحوش يزورونه … يأكلون العشب والحشيش، ولما أفاق من مرضه والتمَسَ شيئًا ليأكله لم يجد، فهلك جوعًا.
(ومعناه: مَنْ كَثُرَ أهله وإخوانه، كَثُرَتْ أحزانه.)
أسد اشتد عليه الحر فدخل في بعض المغائر يتظلل، أتاه جرذ ومشي فوق ظهره، فنظر الأسد وضحك منه، قال الأسد: ليس من الجرذ خوفي، وإنما كَبُر عليَّ احتقاره لي.
(ومعناه: الهوان على العاقل أشد من الموت.)
أسد وثور، الأسد احتال عليه وعزمه على وليمة، ذهب الثور فوجد حطبًا كثيرًا، ففرَّ هاربًا، وعندما سأله: لماذا هربت؟ قال: لأني رأيتُ أن الاستعداد لِمَا هو أكبر.
(ومعناه: لا يصدِّق العاقلُ عدوَّه.)
أسد شاخ وضعف وتمارض ورقد في المغاور، وكلما أتاه حيوان افترَسَه، ولما جاءه الثعلب يسلِّم عليه فقال له: لِمَ لا تدخل يا أبا الحصين؟ أجاب: لأني رأيتُ آثارَ أقدامٍ كثيرة دخلَتْ ولم تخرج.
غزال هرب من الناس، فجاءه الأسد وافترسه داخل المغارة قائلًا: وقعتَ في يد مَنْ هو أشد منهم.
(ومعناه: مَنْ يفر من خوفٍ يسيرٍ، يقع في بلاء عظيم.)
قال أرنب لِلَبُؤَة متباهيًا: أنا أَلِدُ كلَّ سنة أولادًا كثيرين. قالت اللَّبُؤَة: صدقتَ، غير أن واحدًا أَلِده فهو سبع.
امرأة عندها فرخة تبيض لها بيضة فضة كلَّ يوم، أكثرَتْ علفها فانشقَّتْ حوصلتُها.
وقفت بعوضة على قرن ثور، وحين قالت له: أثقلتُ عليكَ؟ أجابها الثور: لا يهمُّ فنزولك مثل رحيلك.
إنسان ثقلت عليه أحماله، فرمى بها وطلب الموت، وحين جاءه وقال له: لماذا دعوتني؟ قال: دعوتُك لترفع عني جرزة الحطب١ عن كتفي.
قال البستاني: البقل البري يَهَب منظرًا جميلًا؛ لأنه تربية أمه، أما المخدوم فهو تربية امرأة أبيه.
إنسان يعبد صنمًا ويذبح له كلَّ يوم ذبيحة، إلى أن أتى على جميع ما يملك، فقال له الصنم: «لا تنفق مالك عليَّ، ثم تلومني آخِر الأمر.»
إنسانٌ رأى آخَر أسود اللون يستحمُّ في الماء، فقال له: لا تعكِّر الماء، فإنك لا تستطيع أن تصبح أبيض، ولن تقدر عليه أبد الدهر.٢
راعٍ حمل على بهائمه كبشًا وعنزًا وخنزيرًا، ثم استوقفه اضطراب وخوف الخنزير، فقال له: يا أشر الوحوش لماذا أنت وحدك الخائف؟ فأجاب الخنزير: لأنك سترحم كبشك لصوفه، وعنزك لِلَبَنه، أما أنا فلا صوف لي ولا لبن، وسأُذْبَح فورًا.
تسابق الأرنب والسلحفاة إلى أن تعب الأرنب فنام، فسبقت السلحفاة البطيئة.
رجل أسود يغتسل بالثلج ليصبح أبيض، فبادَرَه آخَر: لا تُتْعِب نفسك.
اصطاد كلب أرنبًا ومضى يعضه بقوة ليلحس دمعه، فبادره الأرنب: تعضني كأنك عدوِّي، وتقبِّلني كأنك صديقي.
إنسان رأى حيَّتَيْن تقتتلان وجاءت ثالثة لتُصْلِح بينهما، فقال: لولا أنك أشر منهما ما تدخَّلتِ بينهما.
لاحَظَ حدَّاد أن أصوات المطارق لا تُوقِظ كلبَه من نومه، أما صوت المضغ فيُوقِظه على الفور.
الشمس والريح تخاصمتا حول مَنْ منهما يقدر أن يجرِّد الإنسان من ملابسه، وما إنِ اشتدَّت الريح حتى مضى الناس يلفون ملابسهم حول أجسادهم، ولكن ما إنْ سطعت الشمس وارتفع الحر، حتى خلع الناس ثيابهم من الحر.
وقع خلاف أفضى إلى الحرب بين النسور والأرانب، وعندما لجأ الأرانب إلى طلب حِلْف مع الثعالب، رفضَتِ الثعالبُ معتذرةً لقوة عدوهم من النسور.
ولعلني أكتفي بهذه المجموعة من المأثورات والحكايات الحيوانية التي تُنْسَب إلى لقمان الحكيم، الذي يرجعه البعض إلى أنه هو بذاته أحيقار السيرياني أو «هيكار» البابلي — ٤ آلاف عام.
_____
* المصدر: الحكايات الشعبية العربية ، شوقي عبد الحكيم.
ويحتفي دارِسُو الفولكلور بحكايات الحيوانات والطيور والنباتات والزواحف احتفاءً خاصًّا، هذا على الرغم من إيجازها الشديد، بل وواقعيتها الشارحة المحددة، وهناك مَن يرى أن حكايات الحيوان هي بداية الأساطير، وأنها أكثر قِدَمًا وبدائيةً منها؛ إذ إنها كانت وعاءً لشرح وتقديم الأفكار والمعتقدات؛ أيْ إن أكثر هذه المعتقدات كان يتجسَّد في شكل حيوانات وطيور، فالإله زيوس كان نسرًا، والإلهة أثينا كانت بومة، وهيرا كانت بقرة، والإله النوردي ثور كان طائرَ جنةٍ صغيرًا، والإله تير كان ذئبًا، مثله في هذا مثل الإله الروماني مارس، وضريبه السليني ديباتر.
كما أن هناك شبه إجماع من جانب دارِسِي الفولكلور على أن قصص الحيوان الشارحة هي المصدر الأم أو الأصل التي منها انحدرَتِ الخرافات.
وقصص الحيوان الشارحة هي تلك القصص التي فسَّر بمقتضاها الأقدمون الفَرْقَ بين حيوانٍ وآخَر، بين طبيعة ولون وخصائص الذئب عن الحمل، ولون الحمامة الأبيض المخالِف لِلَوْن الغراب الأسود، وكذلك التفسيرات الغيبية التي فسَّر بها البدائيون السببَ أو السرَّ في بريق عيون القطط في الظلام، واستطالة أُذُنَي الأرنب والحمار، واختفاء الخفافيش عن العيون نهارًا هربًا من الدائنين، وغوص الطائر البحري إلى أعماق الماء بحثًا عن الأشياء الغارقة من حطام سفن وغيرها.
وفي واحدة من الحكايات السودانية — التي موطنها النيل الأبيض — تكشف لنا الحكايةُ كيف أن الدنكا لا يضربون الكلاب؛ اعتقادًا منهم في أن الكلب هو أول مَنْ جاء بالنار لقبيلة الدنكا، فلقد «عاش الدنكا حقبة طويلة لا يعرفون النار، وكان الرجل منهم إذا صاد سمكةً قطعها قطعًا ووضعها في ماعون وتركه تحت وهج الشمس».
وفي حكاية شارحة أخرى — من الشاوك — عن البقرة والكلب، موجزها أن البقرة خُلِقَت في السماء، ووقعت على الأرض فتكسَّرت أسنانها، ولما رآها الكلب أغرَقَ في الضحك حتى انفتق شدقاه وبلغا أُذُنَيْه، وظلَّ على هذا الحال حتى اليوم.
فما من حيوان أو طائر أو نبات لم تصاحبه مجموعةُ حكايات تحدِّد أوصافَه وأخصَّ معالِمِه وتحيطه بتفسيرِ عصورِ ما قبل العِلْم، كما هو واضح في هذه المجموعة من الحكايات العربية السامية بخاصة.
ذلك أن للعرب الساميين باعًا ملحوظًا في أنهم موطن ومصدر هذه الحكايات الحيوانية الطوطمية قبل الهنود الآريين والإغريق الهلينيين.
فالعبد الإغريقي، الذي يُعَدُّ أهمَّ وأقدمَ مصدرٍ لهذه الحكايات الحيوانية «إيسوب»، الذي يرى البعض — ومنهم كراب — أنه كان رقيقًا ساميًّا يشتغل بالكتابة، وجمع هذه المأثورات في إيونيا، ومن هنا وصلت هذه الحكايات من الشرق السامي، وأنها ارتحلت أيضًا من الشرق السامي إلى الهند مع ما ارتحَلَ إليها من ثقافة العراق وما بين النهرين.
وتحفل قصص الخلق الأولى والطوفان البابلي والعبري بمثل هذه الحكايات، منها حكاية أشجار «يوثام» التي أولاها فريزر اهتمامًا خاصًّا.
كما تحفل الآداب الجاهلية والإسلامية بالآلاف المؤلَّفة من هذه الحكايات عند الجاحظ والدميري وغيرهما.
ثم لماذا نذهب بعيدًا والمصدر الأكثر قِدَمًا من «إيسوب» ذاته، وهو «الحكيم لقمان»، الذي أوضحَتْ حفائرُه أصولَه البابلية؛ وبالتالي فهو أسبق من إيسوب بأكثر من خمسة عشر قرنًا.
وسأورد هنا مجموعة مختصرة من هذه الحكايات النمطية الطوطمية لهذه الشخصية الخرافية السامية للحكيم لقمان، جمعها المستشرق ج. ديرينبورج، ونُشِرَت بالفرنسية والعربية عام ١٨٥٠:
أسد وإنسان اختلفا حول القوة والبأس، ورأيَا على جدارٍ رسمًا لإنسان يقتل أسدًا، فقال الأسد: لو أن السباع مصورون لَمَا قتل الأسد بني آدم، بل لَقدر للأسد قَتْل بني آدم.
أسد وثوران اجتمعا عليه ينطحانه بقرونهما لكي لا يُدْخِلاه بينهما، فانفرد بأحدهما وخدعه ووعده بأن لا يعارضهما إنْ تخلَّى عن صاحبه، فلما افترقا افترسهما جميعًا.
(ومعناه: إذا افترقَتْ مدينتان تمكَّنَ العدو منهما وأهلكهما معًا.)
أيل — يعني غزالًا — عطش فأتى عين ماء ليشرب منها، نظر خياله في الماء من دقة قوائمه، لكنه ابتهج من قرونه وكبرهما، وحين خرج عليه الصيادون في السهل فلم يدركوه، لكنه حين دخل الجبال وعبر بين الشجرة لحقوه وقتلوه، فقال عند موته: «الويل لي أنا المسكين الذي ازدريتُ به، هو خلَّصَني والذي رجَوْتُه أهلَكَني.»
مرض غزال وجاء أصحابه من الوحوش يزورونه … يأكلون العشب والحشيش، ولما أفاق من مرضه والتمَسَ شيئًا ليأكله لم يجد، فهلك جوعًا.
(ومعناه: مَنْ كَثُرَ أهله وإخوانه، كَثُرَتْ أحزانه.)
أسد اشتد عليه الحر فدخل في بعض المغائر يتظلل، أتاه جرذ ومشي فوق ظهره، فنظر الأسد وضحك منه، قال الأسد: ليس من الجرذ خوفي، وإنما كَبُر عليَّ احتقاره لي.
(ومعناه: الهوان على العاقل أشد من الموت.)
أسد وثور، الأسد احتال عليه وعزمه على وليمة، ذهب الثور فوجد حطبًا كثيرًا، ففرَّ هاربًا، وعندما سأله: لماذا هربت؟ قال: لأني رأيتُ أن الاستعداد لِمَا هو أكبر.
(ومعناه: لا يصدِّق العاقلُ عدوَّه.)
أسد شاخ وضعف وتمارض ورقد في المغاور، وكلما أتاه حيوان افترَسَه، ولما جاءه الثعلب يسلِّم عليه فقال له: لِمَ لا تدخل يا أبا الحصين؟ أجاب: لأني رأيتُ آثارَ أقدامٍ كثيرة دخلَتْ ولم تخرج.
غزال هرب من الناس، فجاءه الأسد وافترسه داخل المغارة قائلًا: وقعتَ في يد مَنْ هو أشد منهم.
(ومعناه: مَنْ يفر من خوفٍ يسيرٍ، يقع في بلاء عظيم.)
قال أرنب لِلَبُؤَة متباهيًا: أنا أَلِدُ كلَّ سنة أولادًا كثيرين. قالت اللَّبُؤَة: صدقتَ، غير أن واحدًا أَلِده فهو سبع.
امرأة عندها فرخة تبيض لها بيضة فضة كلَّ يوم، أكثرَتْ علفها فانشقَّتْ حوصلتُها.
وقفت بعوضة على قرن ثور، وحين قالت له: أثقلتُ عليكَ؟ أجابها الثور: لا يهمُّ فنزولك مثل رحيلك.
إنسان ثقلت عليه أحماله، فرمى بها وطلب الموت، وحين جاءه وقال له: لماذا دعوتني؟ قال: دعوتُك لترفع عني جرزة الحطب١ عن كتفي.
قال البستاني: البقل البري يَهَب منظرًا جميلًا؛ لأنه تربية أمه، أما المخدوم فهو تربية امرأة أبيه.
إنسان يعبد صنمًا ويذبح له كلَّ يوم ذبيحة، إلى أن أتى على جميع ما يملك، فقال له الصنم: «لا تنفق مالك عليَّ، ثم تلومني آخِر الأمر.»
إنسانٌ رأى آخَر أسود اللون يستحمُّ في الماء، فقال له: لا تعكِّر الماء، فإنك لا تستطيع أن تصبح أبيض، ولن تقدر عليه أبد الدهر.٢
راعٍ حمل على بهائمه كبشًا وعنزًا وخنزيرًا، ثم استوقفه اضطراب وخوف الخنزير، فقال له: يا أشر الوحوش لماذا أنت وحدك الخائف؟ فأجاب الخنزير: لأنك سترحم كبشك لصوفه، وعنزك لِلَبَنه، أما أنا فلا صوف لي ولا لبن، وسأُذْبَح فورًا.
تسابق الأرنب والسلحفاة إلى أن تعب الأرنب فنام، فسبقت السلحفاة البطيئة.
رجل أسود يغتسل بالثلج ليصبح أبيض، فبادَرَه آخَر: لا تُتْعِب نفسك.
اصطاد كلب أرنبًا ومضى يعضه بقوة ليلحس دمعه، فبادره الأرنب: تعضني كأنك عدوِّي، وتقبِّلني كأنك صديقي.
إنسان رأى حيَّتَيْن تقتتلان وجاءت ثالثة لتُصْلِح بينهما، فقال: لولا أنك أشر منهما ما تدخَّلتِ بينهما.
لاحَظَ حدَّاد أن أصوات المطارق لا تُوقِظ كلبَه من نومه، أما صوت المضغ فيُوقِظه على الفور.
الشمس والريح تخاصمتا حول مَنْ منهما يقدر أن يجرِّد الإنسان من ملابسه، وما إنِ اشتدَّت الريح حتى مضى الناس يلفون ملابسهم حول أجسادهم، ولكن ما إنْ سطعت الشمس وارتفع الحر، حتى خلع الناس ثيابهم من الحر.
وقع خلاف أفضى إلى الحرب بين النسور والأرانب، وعندما لجأ الأرانب إلى طلب حِلْف مع الثعالب، رفضَتِ الثعالبُ معتذرةً لقوة عدوهم من النسور.
ولعلني أكتفي بهذه المجموعة من المأثورات والحكايات الحيوانية التي تُنْسَب إلى لقمان الحكيم، الذي يرجعه البعض إلى أنه هو بذاته أحيقار السيرياني أو «هيكار» البابلي — ٤ آلاف عام.
_____
* المصدر: الحكايات الشعبية العربية ، شوقي عبد الحكيم.