صَوَّتنا لها علاقة بالانتخابات. وسَوْطُونَا مأخوذة من اللَّهجة المغربية الدارجة وحتى من اللغة العربية الفصحى. وكلاهما، الدارجة والفصحى، يُشيران للضرب والجَلد. غير أن المعنى الذي أقصده ب"سَوْطونا"، في هذه المقالة، ليس الضرب والجَلد بمعنيهِما الماديين. بل ما أقصده هو الضرب والجَلد المعنويين.
والضرب والجَلد المعنويان المترتِّبأن عن انحراف السياسة عن معناها النبيل، عانى منه المغاربة، طيلةَ عقودٍ مضت، ولا يزالوا يُعانون منه إلى يومنا هذا.
في أمصارٍ (بلدان) أخرى، يُعتَبَر التصويتُ واجباً وطنيا يُعطي للمواطِنة وللمواطِن حقَّ اختيار مَن ينوب عنهما في تدبير شؤونِهما الخاصة، وكذلك وبالأخص، في تدبير شؤون الوطن.
فإذا كان المشهد السياسي فاسدا، فهذا معناه أن السياسةَ، كوسيلة نبيلة لتدبير شؤون الناس وشؤون الوطن، هي التي أفسدته بانحرافها عن نُبل معناها. إذن، ففساد المشهد السياسي من فساد السياسة. وفساد السياسة لا تُمطره السماء. بل ليس قدرا محتوما، كما يتصوَّر البعض. إنه شرٌّ أرادته العقولُ البشريةُ الفاسدةُ. بل إنه مخطَّطٌ له وله مؤيِّدوه المنخرطون فيه من شتى المشارب الاجتماعية والاقتصادية. لكن، لماذا السياسة فاسدة؟
فإذا كان فسادُ السياسة لا تُمطره السماء، فمِن أين يأتي؟ بكل بساطةٍ، يأتي من الأحزاب السياسية. وهذه الأحزاب السياسية، رغم كثرتها، أصبحت متشابهة من حيث الأهداف. كل هذه الأحزاب، وبدون استثناء، تركت إيديولوجياتِها جانبا وركَّزت اهتمامَها على هدفٍ واحدٍ ألا وهو الوصول إلى كراسي السلطة. علما أن أي حزبٍ سياسي، عادةً، له شخصيةٌ معنوية تُميِّزه عن الأحزاب الأخرى. وهذه الشخصية المعنوية يُعبِّر عنها الحزب السياسي من خلال إيديولوجيا معينة.
يكفي أن نستمعَ لتصريحات بعض قادة الأحزاب السياسية أو نتَّبع ما يجري في البرلمان من نقاشات، لنستنتِجَ أن مشهدَنا السياسي يظهر وكأنه مُشكَّلٌ من حزبٍ واحدٍ. وللتَّأكيد، لا فرقَ بين الأغلبية والمُعارضة. بل إن المتتبِّع للشأن السياسي، يتساءل هل مشهدنا السياسي فيه معارضة!
وحتى إن تمت الإشارة، بكيفيةٍ صريحة أو ملتوية، لهذه أو تلك الإيديولوجيا، في التصريحات والنقاشات البرلمانية، فليست إلا ذر الرماد على العيون، سرعانَ ما يُكذِّبه واقع المشهد السياسي.
في هذا الخِضمِّ من الهفوات التي تنخر المشهد السياسي، بل في خضمِّ مشهد سياسي فاسد، فهل يبقى للتصويت، كواجبٍ وطني يضمنه الدستور، معنى أو قيمة؟
بالطبع، لاقيمةَ له! وبالطبع إن الأحزابَ السياسيةَ هي التي لا تريد أن يكون له قيمة. وإذا أعطته قيمةً، فهذا معناه أنها تحترم صوتَ المواطنين في الانتخابات. واحترامُ صوت المواطنين، هو، في نفس الوقت، احترامٌ للدستور. واحترام الدستور يعني احترام ما ينصٌّ عليه في شأن الأحزاب السياسية. وما ينصُّ عليه الدستور، يتعلَّق، على الخصوص، بتأطير المواطنين وتمثيلهم أحسن تمثيلٍ لدى مؤسسات الدولة السياسية، وعلى رأسها البرلمان والحكومة.
إن أحزابَنا السياسية، بحُكم إفسادِها للمشهد السياسي، وبحُكم ما يدور في الواقع، لا تحترم لا صوتَ المواطنين في الانتخابات، ولا الدستور ولا قوانينَها التنظيمية ولا إيديولوجياتِها ولا مبادئها… بل كل هذه الأشياء، في نظر الأحزاب السياسية، ليست إلا وسائل تُعبِّد الطريقَ نحو احتلال كراسي السلطة. أقول "احتلال كراسي السلطة" وليس الوصول إليها عن طريق الديمقراطية والاستحقاق. لماذا؟ لأن الوصول إلى كراسي السلطة، في مشهدٍ سياسيٍّ أفسدته الأحزاب السياسية بنفسها، هو في حدِّ ذاتِه، ترسيخٌ للفساد.
ولستُ أنا مَن أتحدَّث عن الفساد كمعظلةٍ اجتماعية خطيرة. بل "الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها" Instance Nationale de la Probité, de la Prévention et de la Lutte contre la Corruption. وهي هيئة دستورية أُنشئَت من أجل محاربة الفساد ومحاربة أهمَّ مظاهره الاجتماعية، ألا وهي الرشوة.
في آخر تقريرٍ سنوي لها، اعترفت هذه الهيئة بأن الفساد و وليدتَه الرشوة آخِذان في التَّوسُّع والاستشراء في المجتمع المغربي. بل إن الفسادَ أصبح ثقافةً يلجأ لها المواطنون لقضاء حاجاتهم خارجَ نطاق القانون. بل إنه أصبح وسيلةً للإفلات من عقوبات هذا القانون، إذ يُشجِّع على اقتصاد الريع والاقتصاد غير المهيكل، وبالتالي، يضيِّع على الدولة الاستفادة من موارد جنائية مهمة.
ونفس الهيئة، اعترفت بأن الفساد والرشوة منتشران بكثرة في القطاعات العمومية ويمسَّأن الصفقات العمومية ولا ينجو منهما تدبير الشأن المحلي. لماذا؟
أولا، لأن الأحزاب السياسية دخلت في لعبة الفساد لأنها تخدم مصالحَها الضيقة، وعلى رأسها، احتلال كراسي السلطة. علما أن هذه الأحزاب السياسية، هي أول مَن تقع على عاتِقِها محاربةُ الفساد بتأطيرها للمواطنين، وأول مَن، من المفروض، أن تتشبَّثَ بالنزاهة Probité والشفافية transparence والاستقامة rectitude.
ثانيا، وهذا هو الأهمُّ، عدم تفعيل "مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة" المنصوص عليه، بكل وضوحٍ، في الدستور. والدليل على ذلك أن التَّقارير السنوية التي يُنجِزُها المجلسُ الأعلى للحسابات la Cour des comptes، الذي، هو الآخر، مؤسَّسةٌ دستورية، جلُّها لا يُحال على القضاء للبثِّ في شأنها.
هذا هو الواقع المرُّ الذي ينذِر بأن المواطنين المغاربة "سَيُسَوَّطون" أكثر فأكثر في الآتي من الزمان السياسي، صوَّتوا أم لم يُصوِّتوا، وما دام المشهد السياسي فاسدا، وما دامت الأحزاب السياسية تزيد في الطين بلَّةً!
والضرب والجَلد المعنويان المترتِّبأن عن انحراف السياسة عن معناها النبيل، عانى منه المغاربة، طيلةَ عقودٍ مضت، ولا يزالوا يُعانون منه إلى يومنا هذا.
في أمصارٍ (بلدان) أخرى، يُعتَبَر التصويتُ واجباً وطنيا يُعطي للمواطِنة وللمواطِن حقَّ اختيار مَن ينوب عنهما في تدبير شؤونِهما الخاصة، وكذلك وبالأخص، في تدبير شؤون الوطن.
فإذا كان المشهد السياسي فاسدا، فهذا معناه أن السياسةَ، كوسيلة نبيلة لتدبير شؤون الناس وشؤون الوطن، هي التي أفسدته بانحرافها عن نُبل معناها. إذن، ففساد المشهد السياسي من فساد السياسة. وفساد السياسة لا تُمطره السماء. بل ليس قدرا محتوما، كما يتصوَّر البعض. إنه شرٌّ أرادته العقولُ البشريةُ الفاسدةُ. بل إنه مخطَّطٌ له وله مؤيِّدوه المنخرطون فيه من شتى المشارب الاجتماعية والاقتصادية. لكن، لماذا السياسة فاسدة؟
فإذا كان فسادُ السياسة لا تُمطره السماء، فمِن أين يأتي؟ بكل بساطةٍ، يأتي من الأحزاب السياسية. وهذه الأحزاب السياسية، رغم كثرتها، أصبحت متشابهة من حيث الأهداف. كل هذه الأحزاب، وبدون استثناء، تركت إيديولوجياتِها جانبا وركَّزت اهتمامَها على هدفٍ واحدٍ ألا وهو الوصول إلى كراسي السلطة. علما أن أي حزبٍ سياسي، عادةً، له شخصيةٌ معنوية تُميِّزه عن الأحزاب الأخرى. وهذه الشخصية المعنوية يُعبِّر عنها الحزب السياسي من خلال إيديولوجيا معينة.
يكفي أن نستمعَ لتصريحات بعض قادة الأحزاب السياسية أو نتَّبع ما يجري في البرلمان من نقاشات، لنستنتِجَ أن مشهدَنا السياسي يظهر وكأنه مُشكَّلٌ من حزبٍ واحدٍ. وللتَّأكيد، لا فرقَ بين الأغلبية والمُعارضة. بل إن المتتبِّع للشأن السياسي، يتساءل هل مشهدنا السياسي فيه معارضة!
وحتى إن تمت الإشارة، بكيفيةٍ صريحة أو ملتوية، لهذه أو تلك الإيديولوجيا، في التصريحات والنقاشات البرلمانية، فليست إلا ذر الرماد على العيون، سرعانَ ما يُكذِّبه واقع المشهد السياسي.
في هذا الخِضمِّ من الهفوات التي تنخر المشهد السياسي، بل في خضمِّ مشهد سياسي فاسد، فهل يبقى للتصويت، كواجبٍ وطني يضمنه الدستور، معنى أو قيمة؟
بالطبع، لاقيمةَ له! وبالطبع إن الأحزابَ السياسيةَ هي التي لا تريد أن يكون له قيمة. وإذا أعطته قيمةً، فهذا معناه أنها تحترم صوتَ المواطنين في الانتخابات. واحترامُ صوت المواطنين، هو، في نفس الوقت، احترامٌ للدستور. واحترام الدستور يعني احترام ما ينصٌّ عليه في شأن الأحزاب السياسية. وما ينصُّ عليه الدستور، يتعلَّق، على الخصوص، بتأطير المواطنين وتمثيلهم أحسن تمثيلٍ لدى مؤسسات الدولة السياسية، وعلى رأسها البرلمان والحكومة.
إن أحزابَنا السياسية، بحُكم إفسادِها للمشهد السياسي، وبحُكم ما يدور في الواقع، لا تحترم لا صوتَ المواطنين في الانتخابات، ولا الدستور ولا قوانينَها التنظيمية ولا إيديولوجياتِها ولا مبادئها… بل كل هذه الأشياء، في نظر الأحزاب السياسية، ليست إلا وسائل تُعبِّد الطريقَ نحو احتلال كراسي السلطة. أقول "احتلال كراسي السلطة" وليس الوصول إليها عن طريق الديمقراطية والاستحقاق. لماذا؟ لأن الوصول إلى كراسي السلطة، في مشهدٍ سياسيٍّ أفسدته الأحزاب السياسية بنفسها، هو في حدِّ ذاتِه، ترسيخٌ للفساد.
ولستُ أنا مَن أتحدَّث عن الفساد كمعظلةٍ اجتماعية خطيرة. بل "الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها" Instance Nationale de la Probité, de la Prévention et de la Lutte contre la Corruption. وهي هيئة دستورية أُنشئَت من أجل محاربة الفساد ومحاربة أهمَّ مظاهره الاجتماعية، ألا وهي الرشوة.
في آخر تقريرٍ سنوي لها، اعترفت هذه الهيئة بأن الفساد و وليدتَه الرشوة آخِذان في التَّوسُّع والاستشراء في المجتمع المغربي. بل إن الفسادَ أصبح ثقافةً يلجأ لها المواطنون لقضاء حاجاتهم خارجَ نطاق القانون. بل إنه أصبح وسيلةً للإفلات من عقوبات هذا القانون، إذ يُشجِّع على اقتصاد الريع والاقتصاد غير المهيكل، وبالتالي، يضيِّع على الدولة الاستفادة من موارد جنائية مهمة.
ونفس الهيئة، اعترفت بأن الفساد والرشوة منتشران بكثرة في القطاعات العمومية ويمسَّأن الصفقات العمومية ولا ينجو منهما تدبير الشأن المحلي. لماذا؟
أولا، لأن الأحزاب السياسية دخلت في لعبة الفساد لأنها تخدم مصالحَها الضيقة، وعلى رأسها، احتلال كراسي السلطة. علما أن هذه الأحزاب السياسية، هي أول مَن تقع على عاتِقِها محاربةُ الفساد بتأطيرها للمواطنين، وأول مَن، من المفروض، أن تتشبَّثَ بالنزاهة Probité والشفافية transparence والاستقامة rectitude.
ثانيا، وهذا هو الأهمُّ، عدم تفعيل "مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة" المنصوص عليه، بكل وضوحٍ، في الدستور. والدليل على ذلك أن التَّقارير السنوية التي يُنجِزُها المجلسُ الأعلى للحسابات la Cour des comptes، الذي، هو الآخر، مؤسَّسةٌ دستورية، جلُّها لا يُحال على القضاء للبثِّ في شأنها.
هذا هو الواقع المرُّ الذي ينذِر بأن المواطنين المغاربة "سَيُسَوَّطون" أكثر فأكثر في الآتي من الزمان السياسي، صوَّتوا أم لم يُصوِّتوا، وما دام المشهد السياسي فاسدا، وما دامت الأحزاب السياسية تزيد في الطين بلَّةً!