د. أحمد الحطاب - التحسيس، الإعلام والتربية، مفاهيم يُخلَطُ بينها في ذهن الكثيرين

كل مَن أراد أن ينشر الوعي من حوله، عليه أن يفرِّق بين هذه المفاهيم الثلاثة، أي التحسيس، الإعلام والتربية (sensibilisation, information, éducation). ولو أنها، على أرض الواقع، أي أثناء عملية نشر الوعي، تتداخل وتتمازج وتتكامل، فإنه من الضروري أن يكون ناشرُ الوعي على دراية باختلاف معانيها حتى يتمكن من الوصول إلى الأهداف التي رسمها مستعملا الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف.

وقبل الدخول في تفاصيل ماهية هذه المفاهيم الثلاثة المشار إليها أعلاه، هذه بعض التوضيحات عن ما أقصدُه ب"الوعي". أولا، الوعي هو مصدر فعل "وعى". فحينما نقول "وعى شخصٌ ما شيئا"، فالمقصود هو أن هذا الشخصَ أدرك وجودَ الشيء وميَّزه عن باقي الأشياء. وانطلاقا من هذا التوضيح، الوَعيُ هو الإدراك والفهم وقدرة التَّمييز بين الأشياء. وبصفة عامة، الوَعيُ هو شعورُ الشخص بوجودِه ككائن حي وبوجود الأشياء المحيطة به. وفاقد الوعي هو الشخصُ الذي فقد الشعورَ بوجوده وبالأشياء المحيطة به.

ولا داعيَ للقول أن مجتمعاتِنا العربية والإسلامية في حاجة ماسة إلى نشر الوعي. والأسباب التي تفرض نشرَ الوعي في المجتمعات العربية والإسلامية كثيرة ومتداخلة، أخصُّ بالذِّكر منها انتشار الأمية وكون هذه المجتمعات مجتمعات مُحافِظة. وإذا التقت الأميةُ بالطابع المحافظ لهذه المجتمعات، يصبح نشرُ الوعيِ ضرورةً مُلحَّة. فمجتمعاتُنا في حاجةٍ ماسة إلى وعيٍ ديني، سياسي، اجتماعي، ثقافي، اقتصادي…

والآن، سأتناول بالتَّفصيل المفاهيم الثلاثة المشار إليها أعلاه، أي التَّحسيس sensibilisation، الإعلام information والتربية éducation.

"التحسيس" كلمة مشتقة من فعل "حسَّسَ". وحينما نقول : "حسَّسَ فلانا بشيء" أي جعله يُحِسُّ أو يشعر به. وهذا يعني أن فُلانا لم يكن، قبل التحسيس، يعير أي انتباه أو اهتمام لهذا الشيء. فالتحسيس هو الذي جعله ينتبه، يهتم ويشعر بالشيء. وبعبارة أخرى، التحسيس هو الذي يجعل فلانا متقبلا للمعلومات التي سيتلقاها عن الشيء. وإذا أردنا أن نتعمق في مفهوم "التحسيس"، نقول إن هذا الأخير هو الذي جعل فلانا ينتقل من حالة اللامبالاة إلى حالة المبالاة أو من حالة غير المهتم إلى حالة المهتم. ولهذا، التَّحسيسُ هو توعٌ من التَّحفيز يجعل الأشخاصَ مستعدِّين لاستقبال معلومات حول أشياء كانوا لا يُغيرون لها أي اهتمامٍ.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن هدف ناشر الوعي هو جلب الاهتمام أولا وقبل كل شيء. ولهذا، فالتحسيسَ هو بمثابة خطوةٍ أولى نحو التربية عن طريق التوعية. ثم لا بد من الإشارة أن التحسيسَ لا يمكن أن يتم بدون الإعلام أو الإخبار أو تبليغ المعلومات. ولهذا، قلتُ إن هذه المفاهيم الثلاثة لا يمكن عزلها عن بعضها لأنها تتداخل و تتمازج و تتكامل.

"الإعلام" هو بكل بساطة الإخبار أو توصيل المعلومة أو نقلها من مصدر أو مصادر لتوصيلها إلى فئة مستهدفة معينة. ونوعية المعلومة المراد توصيلها إلى فئة ما تختلف حجما وعمقا حسب المستوى الفكري والثقافي للفئة المستهدفة. والإعلام قد يؤدي إلى نوع من التحسيس لكن المراد منه هو نقل المعلومة لا غير. ويبقى المجالُ مفتوحاً لدى المتلقي كي يدركَها حسب خلفياته الفكرية على الخصوص. لكن، بالنسبة لناشر الوعي، لا بد أن تكون المعلومة المرغوب في نقلها دقيقة وملتصقة بالهدف المنشود من نقلها.

وهنا، اسمحوا لي أن أفتح قوسا صغيرا لأقول : إن منظومتنا التربوية أصبحت عبارة عن جهاز لنقل الأخبار بحكم خلطِها بين التعليم والتربية والتَّعلُّم. البقية لا تحتاج إلى توضيح!

أما التربيةُ، فهي تتويجٌ للتَّحسيس والإعلام. فإذا كان هدف التحسيس هو نقل الشخص من حالة اللامبالاة إلى حالة المبالاة وخطوة أولى نحو التربية، فالتربية، إن لم تُتوَّجْ بتغيير (و هنا ألحُّ على كلمة تغيير) مواقف الشخص المُتلقِّي إزاءَ الأشياء، فإنها، بكل تأكيد، ليست تربية. ولهذا، فالتربية إن سبقتها مرحلتا التحسيس والإعلام، فمن الضروري أن تأتِيَ في نهاية السياق التَّحسيسي والإعلامي وتُسفِر عن تغيير واضحٍ في المواقف والأفكار، الشيءُ الذي يقود إلى الوعي بأمور شتى، منها مثلا :

-تغيير إيجابي للشخصية،
-اكتساب فكر نقدي،
-الانتقال من الأفكار إلى الأعمال،
-اتخاذ مسافة بالنسبة للمعلومات والأفكار الصادرة عن الغير
-الميول نحو تَّحرُّرٍ وتَّفتُّح فكريين واجتماعيين…

وليكون التغيير حقيقيا وملموسا، يجب اللعب على وتر التحفيز. بمعنى أن التَّغيير يجب أن ترى فيه الفئة المستهدفة نفعا لها أو لغيرها.

وخلافا للإعلام الذي قد يختفي مفعولُه سريعا، فإن تغيير المواقف والأفكار والشخصية… لا يمكن أن يتمَّ بين عشية وضحاها. بمعنى أن هذا التَّغيير، عن طريق التربية، يتطلب وقتا أطول. ولهذا، فنشر الوعي داخلَ المجتمعات، يجب أن يكونَ سياقا متواصلا، لماذا؟ لأن المجتمعات تتطوَّر. وكلما تطوَّرت الجتمعات، كلما حلَّ بها الجديد بجميع تجلِّياتِه السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، العلمية، التِّكنولوجية… ونشرُ الوعي هو الذي يجعل الناسَ يُدمِجون الجديدَ في فكرهم وسلوكهم.

وفي نهاية المطاف، وإن كانت المفاهيم الثلاثة المشار إليها أعلاه تبدو متداخلة ومتمازجة، فإنها متكاملة. لكن، لا يجب، على الإطلاق، أن تختلط في ذهن من يريد أن ينشر الوعي. فلكل مفهوم مقامه وأهدافه و وسائله. فمهارة ناشر الوعي تكمن في الوعي بهذا التداخل وفي إعطاء لكل مفهوم حقه من الاهتمام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى